دار حامد ... وحصاد الهشيم



بقلم: محمد التجاني عمر قش

تتمتع دار حامد بمميزات يمكن أن تجعلها واحدة من أكثر المناطق ازدهاراً. فهي أولاً مجموعة ذات تاريخ عريق. وتمتاز ديارها بموقع جغرافي متفرد في وسط غرب السودان، حيث يتوفر الماء والأرض الصالحة للزراعة في معظمها، وبيئة تصلح للرعي، وإنسان منتج وقادر على العمل. ونسيج اجتماعي متماسك؛ إذ يوجد ترابط كبير بين مكونات دار حامد، كما أنها ترتبط بالتزاوج أيضاً، وتعيش في رقعة واسعة من الأرض، تحت إمرة شيخ واحد. وتشترك دار حامد في الأصل مع الزيادية والمعاليا في دارفور والبوادرة في ولاية القضارف. وكل هذه المجموعات تنتسب إلى جهينة وفزارة، وتضم مجموعات أخرى صارت ضمن نسيجها الاجتماعي والإداري. وظلت دار حامد تقيم، منذ قدومها من دارفور، في شمال كردفان، وهي تشغل الآن محليتي بارا وغرب بارا. هذه المجموعة، ذات الأصل الجهني، كانت لها مساهمات مقدرة في تاريخ السودان الوسيط والحديث. فهي قد شاركت في نشوء وإدارة بعض ممالك السودان الغربي الإسلامية؛ خاصة مملكة الكنجارة وسلطنة الفور، عن طريق التصاهر. ومن قبل ذلك، قامت قبائل جهينة بدور عظيم في كافة الممالك التي نشأت وازدهرت في شمال وشمال شرق السودان مثل مملكة المريس، والممالك التي ظهرت في وادي العلاقي. علاوة على ذلك، كانت دار حامد ضمن الحلف الجهني العبدلابي الفونجاوي الذي أسس مملكة سنار أو ما يعرف بالسلطنة الزرقاء! فبعد قدوم جدنا عبد الحميد الأقويي، زعيم القبلية آنذاك، من دارفور، أسكن رعيته في ديارها التي لا تزال تقيم بها، وحمل قدراً من الهدايا إلى سلطان الفونج، معلناً ولاءه للسلطنة وانضمامه إلى الحلف المشار إليه آنفاً. وعندما عبر جيش محمد علي باشا صحراء غرب النيل متوجهاً نحو الأبيض، لم يتصد له إلا فرسان دار حامد بقيادة المقدوم مسلم الذي خاض بهم معركة بارا الشهيرة في مطلع عام 1821؛ فأبلوا فيها بلاءً حسناً حتى حصدت الأسلحة النارية أجسادهم وهم يتدافعون نحو فوهات المدافع؛ ذوداً عن أرضهم وديارهم وعروضهم! أما تاريخ دار حامد في المهدية فهو معلوم لدى القاصي والداني؛ إذ كانت دار حامد هي رابع قبيلة تبايع المهدي، وهو يومئذ في جبل ماسا بقدير، تحت قيادة وإمرة فارسها وزعيمها أم بدة ود سيماوي الذي ظل جندياً مخلصاً يقود قومه في خدمة الدين والوطن حتى لقي حتفه في جيش المهدية في دارفور. وجدير بالذكر، في هذا الصدد، أن ممثل دار حامد، الشيخ مشاور جمعة سهل هو الذي ثنّى مقترح استقلال السودان من تحت قبة البرلمان. وقد ظلت دار حامد على مر العصور تحت قيادة إدارتها الأهلية التي كانت تنظم نشاطات الأفراد والمجموعات القبلية، وتعمل على بسط الأمن والاستقرار، وحماية البيئة المحلية، اجتماعياً واقتصادياً وتذود عن حدود الدار؛ وفق التقاليد والأعراف والموروثات، بصلاحيات إدارية وأمنية وقضائية تستمد قوتها من السلطة المركزية الحاكمة تخويلاً، ومن مواطنيها تفويضاً. وبحسب موقعها الجغرافي، تتمتع منطقة دار حامد بميزات إنتاجية عالية، من حيث قابلية أرضها للإنتاج الزراعي والحيواني وربما الصناعي أيضاً؛ نظراً لتوفر المواد الأولية مثل السيليكون! وهنالك دراسات قابلة لتنفيذ في هذه المجالات. كما أن أول مدارس فتحت خارج بارا كانت في خور جادين والمقنص، مما أتاح الفرصة لعدد من أبناء الدار لكي ينالوا حظاً من التعليم النظامي بالإضافة إلى ما اشتهرت به المنطقة من تعليم ديني في كثير من خلاوي القرآن المنتشرة في تلك الديار، ولا تزال ترفد العاصمة المثلثة بأئمة المساجد والقرّاء. بيد أن المنطقة الآن تعاني من آثار الجفاف والتصحر والهجرة الداخلية والنزوح نحو أطراف المدن، حتى كادت تخلو من ساكنيها! أما عن التنمية، فحدث ولا حرج، فالقرى هي نفسها تلك القرى التي قد تكون توسعت قليلاً بعامل الزمن والعوامل الديموغرافية الأخرى. والمدينة الوحيدة في كل المنطقة هي بارا وهي نفسها أشبه بقرية بينما عمرت ديار الناس من حولنا وتحوّلت قراهم إلى مدن تنبض بالحياة. هذه الدار تقبع الآن في ذيل القائمة؛ إذ لم تمتد إليها يد التنمية باستثناء إدخال بعض المعدات في مجال الزراعة. والمدارس قد طالها الإهمال فحولها إلى شبه أطلال، ولا تقل عنها المنشآت الصحية كآبة، فهي الأخرى بحاجة إلى من يتولّى أمرها، وينهض بها مما تعاني من حيث المباني والكوادر والتجهيزات الطبية. وأبناء المنطقة حظهم من الوظائف العامة لا يكاد يذكر، باستثناء بعض الأشخاص الذين يعدون على رؤوس الأصابع، وكلهم تبوأ تلك المراكز لأسباب معلومة لدى الجميع، وليس لهم اسهام يذكر في نهضة الدار. باختصار لم تجن دار حامد من تاريخها ومواردها المتنوعة إلا حصاد الهشيم، وهي بحاجة لزعيم ملهم ينتشلها من هذه الوهدة! وبما أن قيادتنا قد آثرت الانزواء عن رعيتها والاكتفاء بمشورة عدد قليل من المقربين، فإن الوضع يحتاج لوقفة من أبناء الدار المستنيرين حتى يقدموا لأهلهم ما يستحقون من دعم ومساندة في هذا الزمن المملوخ، فهل من مستجيب؟



]hv phl] >>> ,pwh] hgiadl! >> frgl: lpl] hgj[hkd ulv ra