الزى والزينة عند قبائل البقارة بالسودان

ا
لكتاب:الزى والزينة عند قبائل البقارة بالسودان.. قبيلة المسيرية المؤلف: د. زينب عبد الله محمد .. عدد الصفحات:216 صفحة .. الناشر: قاف للنشر.. الطبعة الأولى 2008م

قراءة: د. اليسع حسن أحمد
كاتب صحفي وأستاذ بجامعة السودان- كلية الموسيقى والدراما
يقع الكتاب ضمن سلسلة الأزياء السودانية التي تزمع الكاتبة إصدارها تباعاً، ود. زينب عبد الله أستاذ مشارك بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ورئيس شعبة الفنيات بكلية الموسيقى والدراما وهي خبيرة أزياء معروفة.

ويشير د. سليمان يحيى الذي قدم للكتاب "أن موضوع الكتاب يقع في محيط الدراسات السودانية التي يشكل قطاع البقارة وبيئته الأفرو عربية وثقافته الهجين بعداً ثقافياً مهماً فيها".


والكتاب الذي أعدته خبيرة الأزياء المعروفة بنشاطاتها في المجال داخلياً وخارجياً، يربط الأزياء بالثقافة وبالحراك الاجتماعي والاقتصادي ويعتبر من الكتب القليلة في المكتبة السودانية التي اهتمت بهذا المجال.


وتم تقسيمه لفصول عدة تعنى بربط المسيرية كإحدى قبائل البقارة بغرب السودان، بثقافة الزي وأبعاده الجمالية والأخلاقية.


التكوين الاجتماعي والثقافي
تناول الكتاب أًصل البقارة، ويعود الاسم لمهنة رعي الأبقار وهي تميز هؤلاء الأعراب عن غيرهم من رعاة الإبل مثلاً وعن الدينكا إحدى القبائل الزنجية وهم رعاة بقر أيضاً. والبقارة تنسب لقبائل جهينة العربية المشهورة، الذين دخلوا السودان غالباً عن طريق البحر الأحمر من جهة، وعن طريق الصحراء الليبية."
قبائل البقارة رغم تفرقها لكنها ظلت تحتفظ بكثير من العادات والتقاليد التي تربط بينها، وتحتفظ كذلك ببعض السمات العربية، مثل اللهجة والثقافة والأسماء
"


ومن أشهر قبائل البقارة، الهبانية، أولاد راشد، وحزام، أولاد حميد، الحوازمة بني سليم، الرزيقات، التعايشة، بني هلبة، المسيرية، والملايا، والفلاتا.

ويعيش معظم البقارة في كردفان والقليل منهم في دار فور أقصى غربي السودان. ورغم تفرق قبائل البقارة لكنها ظلت تحتفظ بكثير من العادات والتقاليد التي تربط بينها، وتحتفظ كذلك ببعض السمات العربية، مثل اللهجة والثقافة والأسماء.

وكذلك احتفظوا بالرعي والمسيار، وعادة البرمكة وقرض الشعر إلى جانب الفروسية. حتى الزي هناك تشابه في الأشكال والأزياء بين بعض أزيائهم وأزياء القبائل العربية، كالقميص والجبة والمركوب والنعال وبعض أنواع الحلي الخاصة بالنساء كالأسورة والحجول والقلائد والزمام.


المسيرية.. الإنسان والأرض
هي أقوى وأكبر قبائل البقارة ووصلوا السودان عبر رحلة طويلة، فبعد أن هاجر أجدادهم من الجزيرة العربية إلى مصر ارتحلوا إلى القيروان وطرابلس الغرب ومن ثم اتجهوا إلى أم فجر "تشاد" ومكثوا مدة من الزمن "انجموا فيها أي ارتاحوا وعرفت بعد بعاصمة تشاد الحالية "أنجمينا".


وبعدها لوفرة الكلأ والمرعى وهم أهل ماشية، استقر المسيرية بأرض كردفان الحالية. ومن أهم حواضرهم المعروفة الآن بابنوسة، المجلد، رجل الفولة ولقاوة.


ويعرف المسيرية بقسمين رئيسيين هما: الزرق والحمر، دلالة على لون البشرة، ويتكون كل مجموعة من قبائل وبطون وأفخاذ عدة.


واختلط المسيرية وتصاهروا مع القبائل الأخرى، ما أكسبهم سحنات جديدة وعادات وتقاليد خاصة مع الدينكا في الجنوب وجيرانهم من النوبة.


ولأن مهنتهم الأساسية الرعي أصبحت حركتهم شمالاً وجنوباً وفقاً لمواسم الأمطار، ما أكسبهم علاقات ومصاهرات وإن لم تخل من احتكاكات ونزاعات.


النشاط الاقتصادي
يمثل الرعي العمود الفقري للمسيرية، بجانب الصيد والزراعة كمهنتين ثانويتين يمارسونهما أوقات استقرارهم المؤقت.

والرعي المهنة الرئيسية يرتبط بالترحال وتسمى مجموعاتهم بالمراحيل. وموسم الجفاف هو السبب الأساس في الرحيل جنوباً تعقباً للأمطار. وبعد هطول الأمطار تتم الهجرة شمالاً هرباً من الحشرات والأمراض لدرجة أن النشاط الاجتماعي والتزاوج يتم تبعاً لمواقيت تلك الرحلات.


ورغم خصوبة الأرض لم يمارس المسيرية الزراعة لارتباطهم برحلة الحيوان وعدم الاستقرار ولكنهم أحياناً يقومون بزراعة الدخن الغذاء الرئيسي وبعض أنواع الذرة. حتى الصناعات اليدوية ارتبطت بتلك الرحلات وهي تعتمد على خامات النبات والحيوان. فالمرأة هي التي تقوم بصناعة أدوات وزينة البيت من سعف وبروش وسراير حتى الأواني.


أما الرجال فمن الطريف أنهم يحتقرون بعض المهن ولا يمارسونها مثل الحدادة وحائك الملابس "الترزي" الذي يسمونه الجكاكي وأم جكاكي، رغم أنه يحيك لهم ملابسهم إلا أنها حرفة منبوذة ومحتقرة.


يعتبر صيد الفيل من التقاليد الموروثة القديمة وارتبطت تجارة سن الفيل بالشهرة والربح وبمرور الزمن تحولت الدوافع الاقتصادية إلى قيمة اجتماعية، فصائد الفيل فارس وذو مكانة مرموقة في القبيلة وله مكانه مميزة عند شعراء القبيلة وخاصة "الحكامات".
و"صيد الفيل" توارث صيادوه عادات وتقاليد ارتبطت بالمهنة من تجهيز الرحلة وخلافه. ويتناوب على صيد الفيل خمسة "الفراس"، كل له مهنة محددة. ويحرص "الفراس" على جلب
"
"النقارة" من أشهر آلات الضرب عند البقارة، وهي طبول تعلن عن مناسبة ما وهي تصنع من تجويف جذوع الأشجار وجلود الأبقار ولها أجزاء عدة وأنواع مختلفة
"

ومن العادات المهمة عند المسيرية آلات الضرب الشهيرة " بالنقارة". وهي طبول تعلن عن مناسبة ما وهي تصنع من تجويف جذوع الأشجار وجلود الأبقار ولها أجزاء عدة وأنواع مختلفة.


وبجانب الصيد والنقارة هناك مجالس البرامكة وهي جلسات لشرب الشاي وفق طقوس وقوانين محكمة وكل من يحيد عنها يطرد من المجلس ويسمى "كمكلي".


تستجيب المسكن لظروف الترحال فتتميز بسهولة التركيب وخفة الوزن. وتتكون مجموعة العائلة الواحدة من الفريق والبيت ومكوناته ويعهد بالثور ترحيله، وتهتم النساء كثيراً بثور الرحيل خاصة ذلك المنوط به نقل العروس.


لكن التحولات الاجتماعية والاقتصادية بدأت تلقي بظلالها على تلك البيوت وطرق نقلها، خاصة وأن كثيراً من أهل المسيرية آثروا الاستقرار.


الشعر والفروسية
لعل جذورهم العربية جعلت منهم أهل فروسية وغناء وشعر، فالمسيرية بجانب تربية الأبقار، للخيل عندهم مكانة خاصة وأثيرة فهو للأفراح والاحتفالات وللصيد وللحروب أيضاً.


وقد احتشدت أمثالهم وحكمهم ورجزهم بالتغني بالخيل الأصيلة.


ويهتم المسيري بزينة الحصان وسرجه ولجامه. وترتبط الفروسية بالخيل وكذلك الشعر من "هدايين" و"حكامات"، وهم للمدح والهجاء والمناحة والرثاء والغزل ومجالس الشاي.


ولـ "الهداي و"الحكامة" مكانة كبيرة في حياة البقارة من حفظ للتراث والعادات والتقاليد والفضيلة والكرم والمروءة.


الزي واستخدامه
للزي تاريخياً وظائف مادية وقيمية وجمالية وأخلاقية. وأزياء المسيرية لم تختلف عن الزي التاريخي لأهل السودان الشمالي. وتتميز بالجبة والعمامة القصيرة ذات اللون الأحمر ويستخدم الدمور المصنع محلياً في صناعة الملابس. وترتبط الألوان بالمناخ وتتراوح ما بين الأبيض والأصفر وينتعل البقارة ما يعرف بالنعال ويصنع من جلد الأبقار، وكذلك المركوب والصبية كانوا عراة وعندما يبلغ أحدهم سن الرشد يلبس جبه قصيرة متواضعة.


أما النساء فتلبس الصيية بعد سن الخامسة "الرحط" لتغطية أسفل الجسم، ويكون للمرأة النصيب الأكبر في تأسيس وتأثيث البيت. ويتكون البيت من أعمدة مقوسة تسمى المطارق والبروش ومنسوجات الشعر ولا تتجاوز مكوناته بعض النباتات وجلود الحيوانات إلا في بعض الإكسسوارات من خرز وخلافه.


أزياء رجال المسيرية
وتتكون عادة من الجبة وقد تكون متوارثة من الأصول العربية للقبيلة واشتهر بها علماء الدين. ومع الجبة يلبس المسيري الجلابية وهي الزي القديم للرجال في السودان الشمالي عموماً.


ويلبس رجال المسيرية أيضاً "الجلابية أم جكو" وهي التي ارتبطت بطائفة الأنصار، وأيضاً هناك العراقي وجاء الاسم في كونه قميصاً خفيفاً يلبس على الجسم مباشرة ويقوم بامتصاص العرق وهو معروف أيضاً في عموم السودان الشمالي.


ويعتبر السروال من الملابس المكملة للزي ويكون ملازماً للجبة والجلابية والعراقي.


وأيضاً هناك العمة وهي غطاء للرأس معروف ومعها الطاقية وهناك الشال يسدل على الكتف.


والملحقات الأخرى للزي عند المسيرية تتكون من الأحذية، أشهرها المركوب ويصنع من الجلد المدبوغ والأحذية الخفيفة وتتمثل في الصندل. وهو خفيف وسهل اللبس.


ويحرص أهل المسيرية على العصا والسكين و"الفرار" والحراب وكذلك لبس "الحجاب" وهو عبارة عن تميمة مكسوة بالجلد تلبس على الذراع.


أزياء النساء
الزي هنا ينسجم مع وظيفة المرأة في الحياة وهي عاملة لدرجة الأعمال الشاقة دون غيرها من كثير من النساء.

"
الزي هنا ينسجم مع وظيفة المرأة في الحياة وهي عاملة لدرجة الأعمال الشاقة دون غيرها من كثير من النساء
"
واشتهر هناك الرحط وهو مجموعة من السيور الرفيعة تنسدل من الخصر إلى الركبتين.


وأيضاً هناك "القرباب" والتنورة ويستخدم لغطاء الجزء الأسفل من الجسم و"القرباب" أيضاً يشبه إزار الإحرام في الحج، وبجانب "الكنفوس"، وهو زي داخلي، نجد الفستان والعراقي ومع التطور لبست النساء الاسكيرت والبلوزة، والثوب والطرحة.


ولنساء المسيرية حلي خاصة بالرأس، أشهرها ما يعرف بـ"الجدادة" وتصنع من الفضة وهي ترتبط بالرقص، ونجد كذلك "الفدو"، "بكسر الفاء وفتح الدال"، وهي قطعة هلالية من الذهب تعلق على الأذن. وأيضاً تلبس النساء "الزمام والرشمة والشبال" لتزيين الشعر، وفي العنق يلبسن "الخناق" وهو قلادة تحيط بالرقبة و"الساجورة والتيلة والشف والمطارق والفرج الله" تلبس على الصدر، وعلى الخصر يلبسن "الحقو"، وفي الأيادي الأساور والخواتم، وعلى الأرجل الحجول.


وللعرس أزياؤه الخاصة وزينته، وأشهرها التغيير الدائم للون الشفاة للون الأسود أو الأزرق الغامق وهو ما يعرف "بدق الشلوفة".


ختاماً
خلصت الكاتبة إلى أن الزي والزينة عند المسيرية، بجانب الوظائف العادية لها هي التي تحدد المكانة والوظيفة الاجتماعية والمهنية للشخص، فأزياء الحكامات تتميز عن أزياء النساء العاديات، وكذلك مجالس البرامكة والفراس والرعاة وهكذا، واستندت الكاتبة لملحق يوضح بالرسوم أشكال الزي والزينة وملحقاتها.
ولعل خلفيتها وتخصصها في الفنون التشكيلية جعلها تركز على الجانب الجمالي في الزي، ما جعل كتاب "الزي والزينة" من الكتب المميزة في هذا المجال.



شبكة الشروق



hg.n ,hg.dkm uk] rfhzg hgfrhvm fhgs,]hk