نبوءة الشيخ تاج الدين البهاري :
يروي أن الشيخ تاج الدين البهاري العراقي طاف طوافا واسعا في اقاليم السودان المختلفة ولما وصل مملكة تقلى قال لهم إن عز المملكة يكون في حلفكم مع القوم الحمر القادمين على خيولهم الحمراء ولما كانت مملكة تقلي مملكة إسلامية متصوفة فقد ظلت هذه النبوءة حلما يداعب الملوك وظلت الأسرة المالكة تورث هذا الخبر ضمن ميراث الملك انتظارا للحليف القادم .
الحلف مع تقلي :
تطلق تسمية جبال تقلى، والتي يبلغ ارتفاعها 5,000 قدم فوق سطح البَّحر، على مساحة قدرها 40 ميلاً مربَّعاً. وتضم في محورها التلال التي تشمل، فيما تشمل، قرى كراية، والهوي، وتاسي وجولية. وتمتد هذه السلاسل الجبليَّة شرقاً لتندمج مع الهضاب الشماليَّة-الشرقيَّة التي تعلو 3,000 قدم فوق سطح البَّحر، وتنتهي في الجِّبال الصَّخريَّة المعروفة بجبال أم طلحة، 35 ميلاً صوب الشَّرق


ابراهيم القوم و المك ناصر
في معركة بركية ذاع صيت الفتى إبراهيم ديدان والذي لقب فيما بعد بإبراهيم القوم والذي أصبح أشهر فرسان أولاد حميد على الإطلاق ويبدو أن الشيخ ديدان أبو حماد قد توفي قبل بركية هذه إذ لم يرد ذكره في الحرب قبلها أو بعدها ، قرر مشائخ أولاد حميد بعد بركية زيارة الملك ناصر مك تقلي والبحث عند بلاطه عن حلف ودار وقد اشتهر ناصر بين ملوك تقلي بالعدل والبطش معا حتى أنه اتخذ (دوكة) من حجر كان يحرق فيها بعض المغضوب عليهم ، تم تحديد أعضاء الوفد فأصر إبراهيم القوم على أن يكون ضمن الوفد وخاف أهله من شجاعته المفرطة وشبابه الطائش أن يفسد عليهم رحلتهم واعلموه أن للملكة تقاليد ولبلاط الملك آداب لا يحتمل هو الصبر عليها كخلع العمامة والنعال وعدم مصافحة الملك ولا النظر في وجهه فطمأنهم بأنه سيكون عند حسن ظنهم التزاماً بكل ما هو مطلوب ، فسار الوفد حاملاً هداياه للملك ناصر وقد كان ملك ناصر في حوالي أواخر القرن السابع عشر الميلادي ، وصل الوفد إلى دار المملكة وأذن لهم بالدخول لكن إبراهيم ظل على جواده ( اربد كوشي ) حتى اطمأن إلى أن جميع الوفد قد جلس بين يدي الملك فضرب الجواد بسوطه وأجراه موقفاً له قريبا من الككر(1) الذي يجلس عليه الملك فثارت حاشية الملك وحراسه لهذا السلوك البدوي وبدأت نذر الشر فقال القوم مخاطبا اللحيمر ابن عمه وشاعره ، ( اللحيمر في البارده معانا وفي الحارة ماك معانا ) يعني أن تشجيعك لنا في أوقات السلم وهي الباردة في عبارته وأيام الشدة ينقطع عنا هذا التشجيع وهو ما عناه بالحارة كنعومة وبرودة السلام وحرارة وقسوة الحرب فقال فيه اللحيمر :
من لمينا على(2)
ما شفنا بياض رجلي
ول ديدان الخيل جرن حاحي
ثم أردف
مشطوك سريري قدم(1)
لباس حرير الهدم
ول ديدان تور الجزم
السار معاك ما ندم
قال له إبراهيم كفى ولا ام قرينات في التراب برميها ، كل ذلك والمك ناصر يتفرس وجوه القوم وينظر من مكانه المشرف إلى خيولهم الحمراء ثم قطع على الجميع اجتهاداتهم وقال لأهله الآن تحققت نبوءة الشيخ تاج الدين البهاري وأمر بالذبائح والدمور والعسل وريش النعام هدية للوفد الكريم وأجلس إبراهيم مجلسا مكرما وكتب لهم فرمانا ملكيا مقطعا إياهم كل السهول في تقلي الشرقية والجنوبية حتى حدود الشلك ، منذ ذلك اليوم ولد في التاريخ تحالف تقلي وأولاد حميد ونشأت علاقة شديدة الخصوصية بينهما حافظت عليها الأجيال ولا تزال جيلا بعد جيل وملكا بعد ملك وشيخا وناظرا بعد آخر إلى يومنا هذا وسنتناول ملامح من هذه ا لخصوصية عند سيرة نظار أولاد حميد .



مفارقة القوم لأهله ومقتله :
تحركت بادية أولاد حميد فرحة بالحلف الجديد والدار الجديدة وعمرت شرق تقلي مع ساكنيه قبلهم من عرب الكواهلة وكنانة وقبيلة عريد وبعض البطون المتفرقة من هنا وهناك فأقاموا القرى ولكن كانت أكثريتهم متنقلة بادية وكان أكثر مقامهم حول أم درابة غرب الترتر الحالية ، وذاع صيت إبراهيم القوم بجواده أربد كوشي وحربته (أم ورقاية) فهابتة القبائل ووسعت طريقه جنوبا حتى بحيرة ليا وكثرت ألقابه وأسماؤه فسموه الوجه(2) وخلق بلا زول وتناقل الناس أخباره ونوادره فيحكى أنه نزل دارا جديده بباديته فأمر خادمه أن يحمل عنقريبه إلى شجرة ظليلة أشار إليها إبراهيم وما أن وصل الخادم إلى الشجرة حتى فر مذعورا حيث وجد فيها لبوة ومعها جروين لها فما كان من إبراهيم إلا أن حمل عنقريبه وأدخله ظل الشجرة وتبادل النظرات مع اللبوة فما هي إلا لحظات إلا وحملت جرويها في فمها الواحد تلو والآخر ورحلت عن مكان إبراهيم ، رغم غرابة وأسطورية هذه الحادثة إلا أنها شائعة على لسان العامة في معظم كردفان وما يذكر إبراهيم القوم إلا وكانت هذه الرواية أول ما يتبادر إلى الأذهان والله أعلم بالصواب ويحكى أيضا عن كرمه ومروءته وسط أهله ، وقد عايش في قبيلته نفرا من الفرسان البارزين ساندوه وحموا ظهره منهم عمه سلمان باقية وأبناء عمه جمعة هضلول وأخيه المريود هضلول الملقب بـ (كل درز)(1) ، ثم إن إبراهيم القوم اختلف مع أكابر قومه وسار عنهم وحيدا بعد أن حلف بالطلاق ( دقن حاضره أبوي ما أسمع كلاهما ) كانت هذه فرصة لا تقدر بثمن عند الحسب فارس الحوازمة الملقب بالحسب النصيبة والذي لا يزاحمه في قيادة العرب إلا إبراهيم القوم ففرح بنبأ المفارقة هذا وأعد لإبراهيم عدته وسار إليه بفرسانه كاتما النبأ حتى لا يستنجد إبراهيم بآخرين أو يعود إلى قبيلته في ديارها حول الشق .
فوجئ إبراهيم القوم بالحسب ورجاله وبدأت مناوشة الخيل له من شروق الشمس حتى انتصف النهار فكان يأخذ الميمنة حتى يغيب بها عن الأنظار ثم يفعل ذلك بالميسرة وبالوسط وتعود الخيل لمناوشته من جديد فلا هو ينال منهم ولا هم ينالون منه ، حتى اهتدى الحسب إلى حيله ذكية حيث وجد فرع شجرة قريب من الأرض يسمح للجواد فقط بالمرور تحته ويلقى ما عليه فشاغل غريمه من مكان قريب حتى أطمعه فيه وظل يجري به في اتجاه الفرع حتى تعداه الحسب كالسهم ملقيا بنفسه إلى جانب الجواد فقد كان من أهل الخبرة والخفة في التعامل مع الخيل ووجد إبراهيم نفسه وجها لوجه مع الفرع فأزاحه عن ظهر جواده المسرع مسببا له كسرا غائرا في رأسه فاستدار عليه الحسب وطعنه وشق صدره مخرجا قلبه ليرى أي قلب هذا الذي احتار معه البشر ، ثم بكاه وكفنه وغسله وحمله ورجاله ثم زفوه مرددين
عريسنا وين نقيل بيه
في الطلحة أم كعكولا كي
ودفنوه في واجا رميلي شرق بحيرة ليا وقبره معلوم إلى اليوم بين شجرتين .
طار النبأ الأليم إلى أولاد حميد فكان لهم أكبر هزيمة تفتت بعدها عرى القبيلة إلى حين , وتنازع الفرسان القيادة ورحل أولاد هضلول إلى دار الجمع تاركين الزعامة لآل باقيه ، أثناء إقامة أولاد هضلول بدار الجمع طلب ودالجدى فارس قبيلة سليم في معركة مع الجمع مبارزة احد فرسانهم فخرج له جمعة فقالت إحدى نساء الجمع ( كان جاب النصر لينا وكان مات ما حدينا ) فسمعتها أخته فأسرتها في نفسها حتى عاد أخوها منتصرا فقصت عليه ما سمعت وطلبت منه الرحيل والعودة إلى ديارهم وأهلهم فعادوا والتأم شمل القبيلة من جديد تحت قيادة جمعه هضلول .
أبو جبيهة البقرة الحايل :
كان أكثر مقام أولاد حميد شرق تقلي فيما يعرف بأم درابة وكانت أبوجبيهة في ذلك الوقت منهلاً ينمو فيه الدليب حول وادي البطحة الذي ينحدر من أعالي هضبة تقلى وكان وقتها دائم الجريان (مشيش ) ، يرجع اسم أبوجبيهة إلى أنك لو استقبلت جبل العمدة فيها من الشرق لرأيت فيه مساحة لا تنمو فيها الحشائش تقع منه موقع الجبهة من الرأس لذلك أطلق عليه كنانة فرع السوراب الذين كانوا يسكنون النيلة الحمرة بين هذا المكان وجبل كرن اسم ( الجبيل أب جبيهى ) ، وقد كانت هجرات كنانة والكواهلة إلى تقلي سابقة لهجرات عرب البقارة من أولاد حميد وحوازمه إلا أنها كانت هجرات صغيرة وضعيفة خالطتها أعداد أخرى من قبائل التكاريرو الفونج والبرقو وقد دخلوا إلى تقلي فرارا من الصراعات في دولة الفونج أو بسبب خلافات داخلية وقد اضطر بعض هذه البطون للاحتماء ببعض الجبال أمثال كيقا وكاروقا، وقد كان أكبر وجود لكنانة في قرية السراجية حيث أسست أسرة السراجية شياخة عربية صغيرة لكنها عريقة وقديمة حافظت على تراثها العربي وتقاليدها الأصلية وكان يقلب على كنانة والكواهلة الذين سكنوا تقلي أول الأمر الاستقرار فكانوا أهل حلال ولم يكونوا أهل بادية إلا قليلا من المواشي التي تربيها بعض الأسر ، سيطر عربان الحوازمة على المنطقة الوسطى بين الجبال الغربية وجبال تقلي ( الجبال الشرقية ) وكثر ضغطهم وتعديهم على كنانة حول أبو جبيهة فقرر زعماء كنانة البحث لهم عن حليف يعينهم على الدفاع عن بلدهم فاستقر رأيهم على أولاد حميد فأوفد الشيخ على الكناني ومحمد ضنب النحلة رسلهم إلى أولاد حميد في أم درابة عارضين عليهم الحلف ومحاربة الحوازمة فتم التواثق والتعاهد على أن تكون الكنانية حميدية والحميدية كنانية وكان ذلك الحلف حلفا خطيرا غير جغرافية المنطقة فيما بعد وامتدت آثاره الاجتماعية والاقتصادية إلى اليوم ، كاتب الشيخ جمعة هضلول شيخ ، أولاد حميد الشيخ نواي ضيف الله شيخ الحوازمة طالبا إليهم عدم الوصول إلى منهل أبو جبيهة أو الحرب وتم تحديد الزمان والمكان . أشار ماكمايكل الي الخلاف بين أولادحميد والحلفا بقوله
( وفى العهد التركى لم يطرأ فيه جديد غير الخلافات والنزاعات الرعوية والإحداث الفردية للمشاجرات بين أولاد حميد والهبانية ومجموعة " الحلفا " من قبيلة الحوازمة ).
أعد الحوازمة عدتهم وتجهز الفرسان وتزودوا ولبسوا الدروع في فيض أم عبد الله وتوجهوا نحو ابو جبيهة (البقرة الحايل ) كما سموها في ذلك الوقت وقد كان مع نواى عدد من الفرسان المجربين منهم بليلة ول دمبو وعبد الله كوداري وآخرين ، أما أولاد حميد فقد كاتبوا الشيخ عساكر أبو كلام فمدهم بعدد من البنادق وانضم إليهم عدد من فرسان الفخرية من كنانة ، و أرسلوا النساء والذراري والأموال إلى ( قوز القضيم ) وهو مكان مدينة العباسية تقلي الحالية قريبا من رئاسة المملكة في ( كراية ) وبعيدا عن متناول الأعداء .
، وصل الحوازمة إلى أبو جبيهة أولا وعسكروا عند قوز العرديبة والتي أنشأت فيه المدرسة الأولية الجنوبية فيما بعد , ثم وصل أولاد حميد إلى ما يعرف اليوم بأبي جبيهة القردود فأمرهم جمعة بالنزول عن الخيل فنزلوا ثم أمرهم بالشرب فشربوا فأراق ماء القرب ثم حثهم على القتال وقال لهم ( البرجع ام درابة العطش بقتله قبال يصل والبصبر ألمى تحت الدليب الأزرق القدامكم ده ، ثم قال الحوازمة خيلهم حرات وخيلنا مكاديات ما بحملن القلب ما تركبوا إلا أنا أركب عشان نداوس عجال لمن أمهاتن ) يعني أن من يفر من ساحة المعركة سيموت بالعطش و أن الماء قريب تحت أشجار الدليب ( في هذا تمثل لفتح الأندلس عندما أحرق طارق بن زياد السفن وراء جنوده قاطعا عليهم سبل الفرار ولم يبق أمامهم الا خيار النصر أو الموت ) ، ثم أشار اليهم إلى خاصية أخرى لابد من الاستفادة منها وهي أن خيل الحوازمة خيل أصيلة تطيق الجري والمبارزة وأن خيول أولاد حميد من مكادة وهي الحبشة لا تقوى على المبارزة الجري الطويل لذلك تكون خطتهم الالتحام بالعدو مثل التحام العجول بأمهاتها عندما تفتح لها الزريبة أو تجد لذلك سبيلا .
تحرك جمعة مشيا يقود جواده ومعه رجاله على هذه الحال حتى اجتاز خور الضكير ثم بدأت مناوشة الحوازمة ( كليبة الجنقوية أدو الخيل عادتن ) شبه أولاد حميد بالجرو الذي يجر له القماش فيجري فيه ( كليبة : تصغير : الجنقوية هي قطعة القماش البالية ، أدو : أعطوا ,عادة الخيل : هي الركوب عليها والمبارزة . وسط هذا الاستفزاز ركب أحد أولاد حميد جواده مخالفا تعليمات جمعة قائلا ( والله ما أحضر فيها كسر(1) ولا نصر(2) ) فما هي إلا لحظات حتى شوهد على أسنة الحراب فكان أول قتيل ، لما ضاقت المسافة وتأكد جمعة من ان تكتيكه قد تحقق ركب وركب أولاد حميد وفتحت البنادق نيرانها ، كان أول صدام بين جمعة وبليلة ول دمبو فاختلفا طعنتين أزاحت كل منها الآخر عن فرسه وماتا لتوهما وأصاب اسماعيل حركة عبد الله كوداري بكوكاب في رأسه جعله يستدير لا يلوي على شيء حتى مات في أعلى جبل المحلج ( ويروى أن الشيخ على الكناني قد دعا على عبد الله كوداري وكان من الصالحين بعد أن ضيق عليه عبد الله فسأل الله أن يسلط عليه مصيبة في رأسه فكانت له هذه الطعنة ) والله أعلم ، لما اشتد القتل استدار الشيخ نواي منسحبا باهله إلى قد الهبوب حوالي تجمله الحالية وهكذا طويت صفحة حرب أولاد العم وبدأت مرحلة جديدة في التحالف بين أولاد حميد وكنانة كان مهرها أربعين من عيون القبيلة ضمهم ميدان العرديبة واخذ المدني الطاهر من أولاد أبو قايد أم دلماى درع القوم واشتركا وهيني اللفاخ في حصان رز ابن الحسب النصيبة ومنذ ذلك التاريخ تمدد وجود أولاد حميد فيما يعرف بدار أولاد حميد المعلومة اليوم بمحافظة أبو جبيهة وانتهت بذلك فصول هجرة هذا الحي من ذرية الشيخ الجنيد التي لا يعلم بالتحديد متى بدأت ومن أين بدأت .



kf,xm hgado jh[ hg]dk hgfihvd fow,w h,gh] pld] hgfrhvm