التاريخ الاجتماعي لجبال النوبة
التاريخ الاجتماعي 1307264722.jpg إعداد: د. صديق عطا المنان التوم
أستاذ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية - جامعة أم درمان الإسلامية

تهدف هده الدراسة إلى مناقشة إحدى قضايا مجتمع جبال النوبة بجنوب كردفان، تلك القضية التي دار حولها كثير من الجدل والنقاش، ونالت من الاهتمام السياسي المنشغل بإدارة الصراع ومآلاته من وقت وجهد كبيرين وثمينين.
وهي مسألة التداخل الثقافي والتعايش السلمي والعلاقات الاجتماعية بين الجماعات، وعلاقته بقضية الهوية وآثارها على مستقبل المنطقة.
لعله من نافلة القول أن من أخطر وأعظم إفرازات الصراع الذي نشب بين الشمال والجنوب السوداني في منتصف القرن الماضي بروز الهوية كمفهوم وكقضية ملحة، وهي قضية تعدت مسرح الصراع ومجاله المكاني لتستوعب كافة أنحاء السودان خاصة الشرق والغرب وجبال النوبا، كما تعدت مظهرها القبلي والعرقي لتتخد أشكالاً أخري منها الجهوية والسياسية والدينية واللغوية والاقتصادية ...الخ، وأصبحت لها كيانات تنظيمية معترف بها رسمياً في شكل اتحادات وروابط وتنظيمات إدارية، وتتخذ من عاصمة البلاد مقراً لها تدير منه أنشطتها المختلفة في دثار خدمي ومظهر إنساني.

محاور الدراسة:
1- أهمية الورشة والدراسة
2- الهوية
3- الإفتراضات
4- معالجة الإفتراضات
5- الخاتمة

أهمية الورشة والدراسة
ولعل أهمية هده الورشة تأتي من:-
- كونها جاءت متزامنة مع ما تمر به المنطقة من أحداث وهي تتحرك نحو إكمال بنائها السياسي، من خلال عمليات المشورة الشعبية، وإجراء الانتخابات التكميلية، ومن ثم الالتفات لعمليات التنمية بغية الالتحاق بركب الولايات الشمالية التي سبقتها في هدا المضمار.
الظروف التي مرت بها المنطقة من حروب وصراعات وما خلفته من آثار ودمار في كل شيء.
ما ينتظر البلاد من انفصال وانشطار مجتمعي وسياسي، ومن ثم وقوع المنطقة اجتماعياً مع الشمال وسياسياً مع الجزء الجنوبي.
الحاجة إلى وقفة مراجعة لدراسة الوضع بكل الموضوعية للكشف عن الأسباب والعوامل التي قادت إلى هذا الوضع.
البحث عن العلاج الناجح والوصول إلى المخرج السليم لإلحاق المنطقة بركب الأمة السودانية.

أهمية الورقة:
أما أهمية الورقة فتأتي من كونها محاولة لإضاءة عن الموضوع المطروح للنقاش، يتوقع أن تتلوها خطوات وخطوات إن شاء الله.
وعلى الرغم من أنه ليس من أغراض هده الورقة تتبع التطور التاريخي للهوية السودانية إلا أنه يمكن الإشارة إليها كإحدى العوامل في بعض المواضع وكأحد نتائج الصراع في مواضع أخرى، ذلك لأن الهوية لم تكن في يوم من الأيام قبل الاحتلال البريطاني للسودان، كقضية ذات بال في المنطقة، فالتعايش السلمي كان ماثلاً في كافة العلاقات الاجتماعية بين الجماعات والقبائل في شكل مصاهرات وتحالفات تعقد بينهم من حين لآخر.
وتتناول الورقة القضية تناولاً نظرياً من خلال منظور التاريخ الاجتماعي للمنطقة، مستخدمة في ذلك المنهج التاريخي في تتبع الأحداث التي صنعت ماضي المنطقة، وبما أنها تبحث في التاريخ الاجتماعي لمجتمع جبال النوبا فإنها تعتمد على المناهج التاريخية واستخدام أدواتها في جمع البيانات والمعلومات ومن ثم معالجتها بهدف تحديد القوى الاجتماعية التاريخية التي شكلت الحاضر وحددت مسار ظواهره، ذلك لأن البحث الاجتماعي (السيسيولوجي) يعتبر بمعنى ما بحثاً تاريخياً طالما أن سجلات علماء الاجتماع تتناول أشياء حدثت في الماضي أو أمكن ملاحظتها من قبل.
وإن لم تكن الورقة بحثاً في التاريخ، إلا أنها تستند إلى تحليل الأحداث التاريخية للمنطقة، بغية المساهمة في وضع وصفات تشخيصية للمشكلة وتنوير القائمين على الأمر بكيفية معالجة الصراع في المنطقة انطلاقاً من المنظور الاجتماعي.
وتبدأ الورقة بمسلمات وبديهيات تتعلق أولاً بالتاريخ الاجتماعي لمجتمع المنطقة وثانياً بأثر البيئة الجغرافية والطبيعية على سكانها، وثالثاً بقضية الهوية وما تجره من صراعات، تصل منها إلى افتراضات تحاول البرهنة عليها من خلال السرد والتحليل للتاريخ الاجتماعي لمجتمع المنطقة.
أولاً: المسلمات
التاريخ الاجتماعي لمجتمع الدراسة
- يهتم علماء التاريخ أساساً بتسجيل الماضي ويصفون الحوادث بطريقة موضوعية ويضعونها في سياق زمني من أجل تقديم قصة مستمرة من الماضي إلى الحاضر.
- فالتاريخ يبحث في الظواهر الإنسانية ويحاول رسم صورة واضحة عن الإنسانية مستخدماً في ذلك ماخلفته وراءها من آثار مادية كالمعابد والتماثيل والأدوات المصنوعة، أو آثار اجتماعية كالقصص والأدب والديانات .
- ذلك لأن الظواهر التاريخية هي ظواهر اجتماعية في جوهرها غير أنها تختلف عنها من حيث أنها محدودة في الزمان والمكان .
- ثم إن ظواهر الحاضر هي وليدة الماضي ومرتبطة به، ومن ثم تعتمد قدرتنا التنبؤية بالمستقبل على مدى فهمنا لظواهر المجتمعات وقيمها ونظمها الاجتماعية الحاضرة التي تولدت عن ظروفها الماضية .
أثر البيئة الطبيعية والجغرافية على العلاقات الاجتماعية بين وحدات المجتمع
تلعب البيئة الجغرافية التي تسكن فيها أي جماعة إنسانية دوراً عظيماً في تشكيل البيئة الاجتماعية لتلك الجماعة ومن المسلمات المعترف بها قديماً وحديثاً. أن البيئة الجغرافية وطبيعتها المادية تؤثر في السكان وتفاعلاتهم وعلاقاتهم وأنماط سلوكهم وأساليب حياتهم. حتى أن بعض المفكرين ذهبوا إلى أن المؤثرات البيئية هي التي تحدد وتشكل بصورة "حتمية " الفعاليات والمناشط والعلاقات والنظم والثقافات للجماعات الإنسانية.
بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير إلى حد أنهم قالوا إن شكل الإنسان الجسماني وتركيبه البدني، وقابليته العقلية ومقدار فعاليته المختلفة ما هي إلا نتيجة "حتمية" من نتائج البيئة الطبيعية المحيطة به. فالإنسان على ما يرى هؤلاء ما هو إلا صنعة من صنائع البيئة الجغرافية، تشكله بالقالب الذي تريده، فهو عهد لها وآلة مسخرة بيدها.
صحيح أن للبيئة الطبيعية أثرها على الإنسان ولكن لا يصل الأمر إلى درجة "الحتمية وإنما يتناسب هذا الأثر عكسياً مع درجة تقدم المجتمع في سلم الحضارات ومدى مقدرته على تسخير وتطويع البيئة الطبيعية في خدمته.
بينما يبدو أثر البيئة واضحاً في المجتمعات التقليدية البسيطة التي لم يتوفر فيها بعد التقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي بحيث يتمكن الإنسان من التعديل والتغيير والتحوير في الظروف الجغرافية المحيطة به، ففي هذه المجتمعات - ومجتمع النوبا واحد منها- يبدو أثر البيئة الطبيعية والجغرافية قوياً وواضحاً.
مجتمع جبال النوبا - كغيره من المجتمعات - تفاعل مع المظاهر الايكولوجية المستقرة والمتغيرة في المنطقة، إلا أن درجات التفاعل قد تباينت زماناً ومكاناً في شدتها وتأثيرها على البناء الاجتماعي للسكان وأسهمت في تحديد تحركاتهم واستقرارهم، وحجم وحداتهم العشائرية، وفي درجة اتصالاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية بغيرهم من المجتمعات، وأثرت في ثبات وتغير النظم الاجتماعية والأنماط الثقافية لدى النوبا عبر تاريخهم، على نحو ما سنرى إن شاء الله.
الهوية
الهــــوية وأشــــكالها:
كلمة الهوية، منحوتة من الإجابة على السؤال؛ من هو وماهو؟ والتي تتخذ عدة صور في تصنيف الناس إلى فئات أو جماعات، فقد يأتي التصنيف بحسب العرق أو بحسب الجهة ومكان السكن، أو بحسب الدين والاعتقاد، أو بحسب المهنة والحالة الاقتصادية، أو بحسب اللون السياسي، وما إلى ذلك من فئات وقد اتخذت الهوية كل هذه الأشكال في منطقة جبال النوبا على نحو ما سنرى إن شاء الله.
ثانياً: الافــــــتراضات
تفترض الدراسة الآتي:
اتسمت العلاقات الاجتماعية بين سكان منطقة جبال النوبا قبل الاحتلال الإنجليزي للسودان بالتضامن والتعايش السلمي.
ساهمت بعض الأحداث والعوامل التاريخية في فترة الاحتلال الانجليزي للسودان مع عوامل وظروف راهنة في خرق النسيج الاجتماعي بين سكان المنطقة.
الصراع (التمرد) الدي نقل مؤخراً لمنطقة جبال النوبا كان أحد أهم نتائج "سياسة النوبا" التي ابتدعتها الإدارة البريطانية فترة احتلالها للسودان.
كان للصراع (التمرد) في الجبال أثره السالب على النسيج الاجتماعي والتنمية في المنطقة .
الموقع الجغرافي والحدود السياسية للمنطقة
يطلق "مصطلح جبال النوباNuba Mountains " أو "Nuba Hills" أو "الجبال Jebal" أو "إقليم الجبال" في السودان وفي كردفان على وجه التحديد، على المساحة الجغرافية التي تقع بين خطي عرض 10-13ْ شمالاً، وخطي 28.5ْ -32ْ درجة شرقاً. وتقدر هذه المساحة بحوالي 30.000 ميلاً مربعاً. تتخللها سلسلة من الجبال يبلغ ارتفاعها أحياناً 50.000 قدماً فوق سطح البحر. وتفصل هذه الجبال أودية واسعة وسهول فسيحة يقدر ارتفاعها بعشرين ألف 20.000 قدماً فوق سطح البحر.
وكانت هذه المنطقة قبل الاحتلال التركي للسودان عام 1821م مقسمة إلى "مكوكيات" و"عموديات" قبلية صغيرة. ولكن بعد استتباب الأمن واستقراره نسبياً عملت الحكومة التركية على تجميع تلك المكوكيات والعموديات في مديرة واحدة تدار من مدينة "تلودي"، في الجزء الجنوبي الشرقي من المنطقة.
وبعد الاحتلال البريطاني للسودان وبالتحديد في عام 1929م دمجت مديرية تلودي في كردفان وأصبحت بذلك جزءاً من كردفان الكبرى، وانتقلت العاصمة إلى مدينة الأبيض وبقيت تلودي "مركزاً" يديره مفتش ومأمور .
وبالتقريب فإن "إقليم الجبال" هذا يحتل الجزء الجنوبي الغربي من "مديرية كردفان" ذلك اللفظ الذي عرف عند تقسيم السودان إلى مديريات عام 1947م في ظل السياسة الإدارية لحكومة الاحتلال البريطانية. وهذا التقسيم هو الذي أظهر اللفظ "جنوب كردفان" لأول مرة. وقبل هذا التاريخ كانت هذه المنطقة تعرف "بمنطقة النوبا" ذلك لأنهم يمثلون الأغلبية العظمى من الجماعات والقبائل التي ارتبطت بهذه المنطقة .
وبعد استقلال السودان وفي ظل السياسة الإدارية للحكومة الوطنية فصلت منطقة النوبا عن شمال كردفان لتصبح مديرية قائمة بذاتها مرة أخرى هي مديرية جنوب كردفان تدار بمحافظ من مدينة "كادوقلي" واستمرت بذلك إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي .
في عام 1980م أصبحت كردفان الكبرى مرة أخرى إقليماً واحداً يضم محافظتي شمال وجنوب كردفان. وقسم قانون الحكم الإقليمي لسنة 1980م محافظة جنوب كردفان إلى أربع "مناطق" هي: المنطقة الجنوبية وعاصمتها "كادوقلي ". والمنطقة الشمالية وعاصمتها "الدلنج" والمنطقة الشرقية وعاصمتها "رشاد " والمنطقة الغربية وعاصمتها "الفولة". ثم قسمت منطقة الفولة بعد ذلك إلى منطقتين هما: منطقة النوبا ومنطقة "أبيي" .
وفي إطار النظام الفيدرالي الذي قسم السودان إلى ست وعشرين ولاية أصبحت كردفان الكبرى ثلاث ولايات بموجب المرسوم الدستوري الرابع لسنة 1991م هي ولاية شمال كردفان وولاية جنوب كردفان وولاية غرب كردفان. وبهذا يمكن تحديد منطقة جبال النوبا - وفق هذا التقسيم، وفي ظل النظام الفيدرالي - بولاية جنوب كردفان والتي تحد جغرافياً خمس ولايات هي: ولاية شمال كردفان من الناحية الشمالية، وولاية غرب كردفان من ناحية الغرب ومن الجنوب تحدها ولاية الوحدة. وتحدها من ناحية الشرق الحدود الغربية لولايتي أعالي النيل. والنيل الأبيض.
وهكذا نلاحظ أن السياسات الإدارية للحكومات المختلفة التي تعاقبت على السودان منذ الاحتلال التركي وإلى يومنا هذا ظلت تتقلب وتغير في خريطة هذه المنطقة إلى أن استقرت على ما هي عليه الآن وهو ما يعرف "بولاية جنوب كردفان " وربما يعزى هذا التغير المستمر في التقسيم إلى الظروف الطبيعية الآيكولوجية للمنطقة فضلاً عن العوامل السياسية والتوجهات الإدارية للحكومات المختلفة.
خلاصة القول من هذا العرض الذي استهدف توضيح الموقع الجغرافي لمنطقة البحث وحدودها المكانية على خريطة السودان: أتضح أن هذه المنطقة قد خضعت لتغيرات إدارية وسياسية كثيرة جداً قبل أن تستقر على ما هي عليه الآن. ولعل بعض ما يفسر عدم الاستقرار التقسيمي لهذه المنطقة هو تباين البيئة الجغرافية والآيكولوجية وتنوع خصائصها الطبيعية.

معالجة الفروض

تحاول الورقة هاهنا معالجة الفروض التي انطلقت منها من خلال تتبع التاريخ الاجتماعي لمجتمع جبال النوبا

الفرض الأول:

اتسمت العلاقات الاجتماعية بين سكان منطقة جبال النوبا قبل الاحتلال الانجليزي للسودان بالتضامن والتعايش السلمي


سكان جبال النوبا والتاريخ الاجتماعي لعلاقاتهم الاجتماعية
يسكن إقليم الجبال خليط من القبائل هي النوبا وعرب البقارة ومجموعات أخرى توافدت على المنطقة. منذ القدم وهم قبائل "الداجو" و "البرنو" وغيرهم من المجموعات التي قدمت من غرب أفريقيا.
وتشير بعض الدراسات والبحوث إلى أن النوبا كانوا يسكنون في قمم الجبال بينما يسكن العرب وبعض المجموعات الأخرى في السهول. وقد ظل هذا التقسيم حتى عهد قريب. وإن كنا نجد بعض الجماعات النوباوية تفضل السكن على قمم الجبال حتى الآن. وربما يعزى هذا لالتماسهم الأمن والسلام في هذه القمم التي كانت لهم بمثابة الملجأ الآمن الذي يقيهم من الغارات التي تعرضوا لها في تاريخهم القديم من قبل ملوك "الفونج" والجيوش التركية وبعض أمراء المهدية. وأخيراً الحملات التأديبية التي كانت تشنها حكومة الاحتلال البريطانية من حين لآخر على النوبا. هذا فضلاً عن أن في قمم الجبال توجد مصادر المياه الثابتة والدائمة على مدى شهور السنة.
غير أن هنالك عدة أسباب عملت على تشجيع النوبا على النزول إلى السهول من ذلك: أن الزراعة المتواصلة في مكان واحد على منحدرات الجبال أضعفت خصوبة التربة مما أضطرهم إلى النزول إلى السهول للزراعة فيها . كما يذكر أن الحكومة البريطانية قد شجعت النوبا للنزول من قمم الجبال بعد عام 1917م وذلك بعد أن استتب لها الأمر وتوفر الأمن والسلام في ربوع المنطقة. ومن الطبيعي ونتيجة لذلك فقد حدث تزاوج وتآخي بين تلك المجموعات المتباينة عرقياً وثقافياً . فولدت بذلك ثقافة جديدة من القيم والمعايير الاجتماعية. وكما عقدت تحالفات عديدة بين الجماعات المختلفة.
ولما كان النوبا وعرب البقارة هما أكثر الجماعات والقبائل التي تسكن هذه المنطقة، وأن ما حدث من تأثر ثقافي واجتماعي بينهما يعد من أكبر عوامل الاستقرار والتعيش السلمي، فإن الورقة ستركز تسليط الضوء على هاتين الجماعتين مع الإشارة للجماعات الأخرى بغية الكشف عن ما نشأ من علاقات بين الجماعات السكانية وما حدث من تغيرات اجتماعية وثقافية. وما صاحب ذلك من أحداث شكلت الواقع الاجتماعي الحالي في المنطقة.
أولاً: جماعات النوبا علاقاتهم الاجتماعية في المنطقة
استخدم الاصطلاح "نوبة" أو "نوبا" منذ القدم في البيئة السودانية، وحديثاً عند بعض الباحثين والدارسين ليشير إلى العنصر الأفريقي الذي يقطن الجزء الجنوبي والجنوبي الشرقي من كردفان. كما استخدم أيضاً ليشير إلى مجموعة أخرى من سكان شمال السودان في منطقة دنقلا . وبالتحديد في المنطقة المتاخمة لحدود السودان الشمالية مع جمهورية مصر.
وقد اختلف المحققون حول الاصطلاح أيَّما اختلاف وحول إطلاقه واستخداماته ورسمه كتابة، بحيث يتعذر في هذا المجال عرض كل آرائهم وتخميناتهم. ولكن تجدر الإشارة إلى بعضها كأمثلة تبين هذا الاختلاف.
ومثلما كان الاختلاف حول الاصطلاح، كذلك لم يستقر الرأي حول الموطن الأصلي لهذه الجماعات.
فقد أجرى نادل Nadel دراسات انثرويولوجية على بعض جماعات النوبا في عام 1938م وما بعدها. واستخدم كلمة Nuba لكل الجماعات الأفريقية في الجبال بكردفان وسكان وادي حلفا على السواء .
غير أن "استفيسون" يلفت النظر إلى ضرورة التفرقة بين هاتين الجماعتين باستعمال اصطلاح "النوبة والنوبيين" على الجماعة الشمالية واصطلاح "النوبا والنوباويين" على سكان الجبال في كردفان .
ويقرب من هذا استخدام يوسف فضل اصطلاح "نوبة"على المجموعة الأولى "نوبا" على المجموعة الثانية . وكما نجد "هيللستون" يستعمل كلمة "Nuba" لتشير إلى سكان الجبال في كردفان وكلمة "Nubian" على ساكني شمال السودان في المنطقة المتاخمة لحدود مصر الجنوبية .
ولتحديد المفاهيم وتمييز المصطلحات فإن هذه الورقة تستخدم الاصطلاح "نوبا" بالألف و"Nuba" على الجماعة الإفريقية من سكان الجبال بكردفان ومن ثم تكون النسبة منها "نوباوي". ويستخدم اصطلاح "نوبة" - بالتاء - و"Nubian" على المجموعة الأخرى في إقليم دنقلا في شمال السودان ومن ثم تكون النسبة منها "نوبي" وذلك منعاً للخلط واللبس.
وأما عن الموطن الأصلي لهذه الجماعة لم يكن بأوضح لدى الباحثين والمحققين منه.
فيرى "نادل" أن نوبا الجبال بجنوب كردفان ما هم إلا نتاج لاختلاط القبائل الزنجية بالجماعات العربية والحامية أو شبه الحامية النيلية. وخلص نادل في دراسة آنفة الذكر إلى أن الموطن الأصلي لهم هو إقليم دنقلا شمال السودان. ولكنهم اضطروا للنزوح تحت ضغوط الحملات التي كانت يشنها العرب في الشمال على منطقتهم حتى وصلوا شمال كردفان. وثم نزحوا منها مرة أخرى فارين في وجه الفونج واستقروا أخيراً في إقليم الجبال الذي عرف أخيراً باسمهم .
مهما يكن من أمر فان النوبا، يملثون اليوم الأغلبية من سكان ولاية جنوب كردفان بحدودها المعروفة. ويشاطرهم السكن فيها القبائل العربية وجماعات أخرى مثل "الداجو" و"البرنو" وغيرهم ممن استوطن هذه المنطقة منذ أمد بعيد.
غير أن النوبا أنفسهم يتفرعون داخلياً إلى جماعات كثيرة تختلف في اللغة وفي بعض الأنماط الثقافية، وإن كانت تجمعهم كلمة "النوبا" التي تشير إلى ذلك التجمع الجغرافي أو الإقليمي لأناس يعيشون في بيئة مشتركة. ولذلك يتعذر إطلاق كلمة "قبيلة" لهذا "التجمع ". ومن الملاحظ أيضاً أن إطلاق هذا الاسم "نوبا" على هذه الجماعات غالباً ما يحدث من الجماعات الأخرى داخل وخارج المنطقة. وأما المجموعات نفسها فقد ارتبطت كل مجموعة منها باسم منطقتها أو قلاعها الصخرية، وسميت بتلك القلاع أو تلك المنطقة.
ولهذا لا تحمل هذه الأسماء معنى قبلياً وإنما تعني "ناس ..." فكلمة "نيمانج" تعني "ناس الجبال السبعة أو تعني هذه الأسماء الأماكن والمواقع التي ترتبط بها.
ويؤيد هذا التباين ما لاحظه "سليجمان" في دراسته للقبائل الوثنية في السودان، حيث أكد وجود التباين والاختلاف اللغوي والتمايز العرقي لدى الجماعات النوباوية المتجاورة جغرافياً والتي لا تفصل بينها سوى أميال قليلة أحياناً، كما هو الحال عند جماعة "النيمانج" و"جماعة الدلنج" اللتين تتكلمان لغات مختلفة تماماً. وكما لاحظ وجود أكثر من مجموعة في سلسلة جبلية واحدة "كالمورون Moron" و"التيمين Temien" ويتحدثون لغات مختلفة، ولا توجد علاقات اتصال بينهم بالرغم من وجود سمات ثقافية مشتركة تشير إلى وجود صلة قديمة بينهم في الماضي. وهنا يبدو أثر البيئة الطبيعية والجغرافية واضحاً .
ولكنا نقول إنه قد يكون صحيحاً عدم وجود صلات أو علاقات اتصال بين هاتين الجماعتين في الماضي عندما أجرى "سليجمان" دراسته في الثلاثينات، ولكن اليوم نجد علاقات اتصال واسعة بينهما تصل إلى حد المصاهرة والانصهار.
غير أن "نادل" يرجع ذلك لاختلاف بين الجماعات النوباوية وتباينهم اللغوي إلى حياة العزلة التي عاشتها الجماعات لفترة طويلة من الزمن، ولقلة - إن لم يكن انعدام - الاتحاد السياسي والاتصال بين الجماعات . ويقسم "نادل" النوبا إلى أربعة عشر جماعة عرقية نشير إليها فيما يلي :
(1) جماعة الأوتورو (Otoro):
تعيش هذه الجماعة في المنطقة الواقعة جنوبي هيبان في الجبال الشرقية من جبال النوبا. وهي كبرى الجماعات التي تسكن هذه المنطقة. وثمة وجه شبه بين أوتورو و"التيرا". ولعل هذا التشابه يشير إلى وجود علاقة ورابطة عرقية بين هذه الجماعات الثلاثة. ولكنَّ لا أحد يجزم على وجه الدقة، لماذا تفرقت هذه الجماعات ذات الأصل الواحد .
(2) جماعة التيرا (Tera):
يسكن التيرا في الجبال الواقعة شرق منطقة أوتورو وتسمى تلك الجبال باسمهم "جبال التيرا" وهي سلسلة ممتدة من الجبال ينتشرون فيها. ولكنهم يتمركزون بصفة غالبة حول "جبل تيرا الأخضر" وهو موطن رئاستهم. وينقسمون إلى جماعات فرعية صغيرة هي: "أم دردو" و"الموند" و"اللموند". وهي أسماء للأماكن التي يعيشون فيها.
يرى كبار السن منهم أن "التيرا" و"جربان" و"تيمين" و"تيسي أم ضنب" "كادوقلي" و"شجو" (كادوقلي) وأغلبية سكان تلودي، أنها فروع ذات أصل واحد قدم من أفريقيا الوسطى وتوزع بين الجبال .
فإذا صحت هذه الرواية فيمكن القول إن تفرقهم بين هذه الجبال ولمدة طويلة من الزمن جاء بذلك التباين اللغوي والثقافي بين هذه الجماعات.
وأياً كان الأمر فإنه يبدو أن التيرا قد تعرضوا خلال ماضيهم لعمليات انصهار مع غيرهم من الجماعات في المنطقة. ومن ثم لم يحتفظوا بعنصرهم نقياً، وإنما اختلطوا ببعض الجماعات الأخرى عن طريق المصاهرة، خاصة مع العرب الذين اتحدوا معهم في حلف سياسي مكونين جماعة تحمل اسم لوريوا Loriyo و"ليقين legen".
(3) جماعة المورو (Moro):
المورو جماعة أخرى لها صلة ثقافية ولغوية بالتيرا ولكن لم تكن توجد في الماضي روابط زواج أو مصاهرة بينهما، عدا تلك التي كانت بين "التيرالموند" و"المورو".
يسكن المورو ثلاث هضاب تقع شمال وشمال شرق تلودي تفصل بينها أرض سهلية خصبة وينقسم المورو إلى ثلاث بطون هي: "ليبو Lebu" وهؤلاء نزح بعضهم بعيداً ناحية الشرق، ومن ثم عرفوا لدى العرب باسم "أم دورين Um Dorayin" والبطن الثاني هم "كاين Kayin" وهؤلاء يسكنون في الحافة الشمالية للهضبة. والبطن الثالث هم "أورين Orayin" وهؤلاء كانوا في الماضي يسكنون السلسلة المنخفضة - الجبال الجنوبية للهضبة - وأن اسمهم هذا مستمد من اسم ذلك المكان.
وفي بداية القرن الماضي استقر المورو في موطنهم الحالي في جبال "أبي ليلة" و"أم راكوبة" و"أم جبر الله" و"كوراك" . وهي كما يبدوا أسماء عربية، أطلقها عليهم العرب الذين اختلطوا بهم.
(4) كرنقو (Korongo):
إلى الجنوب من جبال المورو وإلى الشرق من تلودي تقع سلسلة جبال منخفضة نسبياً، هي مقر جماعة الكرنقو والمساكين وهي آخر جبال تقع قبل السهول الواسعة الممتدة حتى وادي النيل شمالاً. وتفصل بينهما وبين جبال "المساكين" التي تقع إلى الشمال منها سهول ضيقة نسبياً.
ويتداخل الكرنقو و"المساكين" في منطقة واحدة. ويبدو أن هناك وشائح عرقية بين الجماعتين. وقد أطلق العرب عليهم هذا الاسم "كرنقو" اشتقاقاً من اسم الجبل "Dogrongo" كما يذهب نادل . وهم يسكنون هذا الجبل الذي يقع في منطقة المساكين.
(5) المساكتن:
ينقسم المساكين إلى مجموعتين هما: "المساكين الطوال" و "المساكين القصار".
وقد يتبادر إلى الذهن من اشتراك الجماعتين في الاسم "القصار والطوال" أنهما من أصل واحد. ولكن في الحقيقة أن كلاً منهما يتحدث لغة مختلفة عن الأخرى. وأن كلاً منهما ينتمي إلى أصل مختلف . وقد ذكرنا أن هناك علاقة رحمية بين "المساكين الطوال" و"الكرنقو" ذلك بأنتمائهما بطن واحد هي "الكلاقو Kalago" أو الكلاقوا Kalagwa.


(6) جماعة التولشي (Tullishi):
تقع جبال التلشي على الحدود الغربية لجبال النوبا. وهذه الجبال يسكنها عدد قليل نسبياً من السكان. ويعتقد التلشي أن هذه الجبال هي موطن أجدادهم الأصلي، ولهذا فهم – حتى عهد قريب -لا يبارحون هذه الجبال إلا لماماً.
ويذكر الدكتور أحمد عثمان أنه كان يحكم التلشي سلاطين من عائلة "التاردي Tardi" ويرى أنها ذات أصل مختلف عن جماعة التلشي . ويظهر من كلمة "سلطان" نفسها أن هذه العائلة ذات صلة بالعرب. أو تدل على تأثير العرب عليها. ويحافظ التلشيون على عادة "الختان" منذ القدم. وهي عادة عربية أصيلة. وهذا يدعم الزعم القائل بأن التلشيون كانوا في زمن من الأزمان على صلات مع العرب. غير أن شعب التلشي لا يسعفنا في تأكيد أو نفي هذه المقولة. بمعرفة تاريخهم. ولكنهم يؤكدون أن جدهم الأول هو السلطان "كولولا" Kulula.
وينكر التلشيون أي علاقة دم بالجماعات النوباوية الأخرى حتى أولئك الذين تربطهم بهم علاقة نسب ومصاهرة "كالكامدان" Kamadan. أو "الترجك" . ويعزون العلاقة الثقافية والتشابه في اللغة ووشائج المصاهرة للتداخل بينهم وبين تلك الجماعات في الماضي والحاضر.
(7) جماعة الكواليب:
يسكن الكواليب في جوار جغرافي مع النمانج والدلنج إلا أنه لا تجمع بينهم علاقات وروابط ثقافية سوى بعض السمات الرئيسية للنظم الدينية . وحتى عهد قريب لا توجد علاقات مصاهرة بالرغم من الجوار والتداخل بينهم.
ينقسم الكواليب إلى جماعتين: الجماعة الجنوبية وتسكن جبال "نايكور" (Nyukur) وأمبير و"دلامي" و"ميل" Meyl. والمجموعة الشمالية وهي تتمركز حول "دلامي".
والكواليب كغيرهم من الجماعات النوباوية تنقلوا كثيراً بين الجبال قبل أن يستقروا في موطنهم الحالي . ولكنهم لا يعرفون موطنهم الأصلي ولا الأحداث التاريخية التي شكلت تحركاتهم . غير أن اليوزباشي أحمد خير السيد(*) يذهب إلى أن الموطن الأصلي للكوالب هو الصومال، ويعتمد في ذلك على الرواية التي حكاها له الكجور "جرو Juru" ويقول إنهم نزحوا من هناك من زمن بعيد ويعلل ذلك بالتشابه اللغوي في نطق ومعنى بعض الكلمات "مثل كلمة "الماء" و"اللبن"" في لغة الكواليب والصومال.
فإذا ما علمنا أن اليوزباشي أحمد خير السيد هذا رجل مسلم وله إلمام واسع بتعاليم الإسلام وثقافته، فإن في نقله لهذه الرواية من الكجور "جرو" واعتقاده فيها، فإن في هذا دلالة وأية دلالة على مكانة الكجور في مجتمع الجبال على اختلاف دياناتهم حتى عهد قريب .
(8) جماعة الدلنج:
تقع جبال الدلنج على بعد ستين ميلاً تقريباً غرب "دلامي". وقد اختلط جماعة الدلنج مع الجماعات النوباوية الأخرى "كالغلفان" وغيرهم ممن استوطن بجوارهم. ويعزى "نادل" ذلك لطلبهم الأمن والسلام. ولكنا نلاحظ أن الدلنج من الجماعات النوباوية الكبيرة التي يطلب منها الحماية لا لأن تطلب هي الحماية من غيرها.
وتطلق كلمة "أجانج" Agang لتجمع بين جماعة "الدلنج" وجماعة "والي" و"أم سعيدة" و"والي أم كرم" ويقال أن هذه الجماعة الثمانية من أصل واحد نزح من موطنه الأصلي في وادي حلفا شمال السودان، إلى منطقة الدلنج . ولعل ظاهرة التشابه اللغوي بين هذه الجماعات و"نوبة" وادي حلفا تدعم هذا الزعم.
(9) جماعة النيمانج:
تقع جبال "النيمانج" غرب الدلنج مباشرة. ويطلق على جماعة النيمانج على أنفسهم اسم "أما" Ama ويعني في لغتهم "ناس الجبال السبع". ويعتقد النمانج أن موطن أسلافهم الأصلي كان في جهة ما ناحية الغرب خلف جبل "التيما" و"أبي جُنَك".
ويزعم "صانع المطر كروميد Kurumede"* الذي ينتمي إلى جماعة النمانج أن أسلافه قد نزلوا من السماء . وبالطبع فإن ذلك الزعم مبالغة في إضفاء طابع الاعتزاز والتقدير والقدسية على الأسلاف.

(10) جماعة الكدرو (Kadero):
يسكن الكدرو في جبال تسمى باسمهم تقع على الحافة الشمالية من جبال النوبا إلى الشرق من الدلنج وشمال غرب دلامي.
ليس للكدرو اسم قبلي جامع يشمل كل الجماعة، وإنما لكل فرع اسم مستمد من الموضع أو المكان الذي يسكنه، فمثلاً فرع "كرتالة" يسكن جبل "كرتالة" وكذلك "الدابتا" وبقية الفروع ولكن يختلف الكدرو وفروعهم عن بقية جماعات النوبا الأخرى في اختلاطهم وانصهارهم مع الجماعات العربية التي تساكنهم المنطقة "كالغديات" والجعليين وغيرهم.
وعلى هذا يمكن القول إن رابطة الدم - إن وجدت - ليست ذات أثر كبير في وحدة جماعة الكدرو، بل أن وحدتهم وانتماءهم نجده دائماً للسان والثقافة والموقع الجغرافي مع القوم الذين يساكنوهم الموقع.
(11) جماعة الافييتي Alfitti:
(12) جماعة الديتي Ditti:
يسكن جماعة "الافييتي" و"الديتي" على جبل "الداير" الذي يقع على الناحية الشرقية من جبال النوبا.
غير أننا لم نقف على أصل جماعة "الديتي" وخاصة وأن لغتهم لم تصنف بعد مع من أي لغات النوبا العشرة آنفة الذكر.
أما "الأفيتي" فقد درس كوزر "Kuaczer" لغتهم وحاول أن يصنفها مع لغة "الدلنج". وذهب إلى أنهم فرع من فروع جماعة الدلنج، واستند في ذلك على مبررات منها: وجود نظام الكجور عند الافيتي، وتشابه عادة دفن الموتى وطقوسها بين الجماعتين. ولكن لنا أن نقول إن نظام الكجور ليس وقفاً على جماعة الدلنج وحدها من جماعات النوبا بل نجدها عند الكثير - إن لم نقل كل - من القبائل الزنجية السودانية ليس في منطقة الجبال فحسب. وإنما عند غيرها كالدينكا مثلاً. وعلى كل فإن جماعة الافيتي والديتي لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدراسة لمعرفة أصلها. وخاصة أنهما قد اختلطا مع القبائل العربية الأخرى في المنطقة.
يتضح من هذا أن النوبا قد عاشوا لفترة في الزمان الماضي، ولم يكن يجمعهم أصل واحد، فيتحدثون لغات عدة صنفت إلى عشر مجموعات متفرعة إلى لهجات كثيرة قدرها البعض بحوالي خمسين لهجة.
ولا يعرف على وجه الدقة متى اتخذت الجماعات النوباوية المختلفة مناطقها الحالية سكناً لها، كما لا يعرف موطنهم الأصلي الذي قدموا منه. وأن كل ما يقال في هذا الصدد لا يعدو أن يكون روايات شفهية لا ترقى لمستوى التحقيق العلمي. ولا يجد الباحث وثائق أساسية يستند إليها في ذلك.
ولعل هذا ما دعا "نادل" للقول إن مصطلح "نوبا" ما هو ألاَّ نتاج لأخلاط القبائل العربية بالعنصر الأفريقي، وينفي أن يكون هناك عنصر قائم بذاته يسمى "نوبا" هذا ، ولم يجد "سليجمان" إلا أن يصنف النوبا ضمن "الانقسنا" في جنوب الفونج .
وأياً كان الأمر فإن مصطلح نوبا لا يدل على أي مظهر قبلي أو سلالي ولكن قد يدل على أصل إقليمي أو موقعي أو نحو ذلك.
(13) جماعة الداجو Daju:
الداجو قوم ليس بعرب كما أنهم ليسوا نوبا ولكنهم أقرب في الشبه إلى النوبا، ولا سيما سماتهم الفيزقية. ولعل هذا ما جعل "نادل" يصنفهم كإحدى جماعات النوبا الأربعة عشر.
ويذهب "ماكمايكل" إلى أن الداجو قد انحدروا من عرب الحجاز وأنهم دخلوا السودان واستقروا في جبل "خضر" "Kidir" أحد جبال النوبا والذي يقع جنوب خط عرض 11ْ شرق تلودي. ويرى أنهم طردوا من هذا الجبل إلى الغرب واستقروا في دارفور ومنها إلى "وداي" حيث أقاموا سلطنة هنالك في غرب أفريقيا. إلاَّ أنه لم يحدد تاريخياً بذلك.
ويؤكد كبار السن منهم هذا القول ويزعمون بأنهم قد كانت لهم سلطنة وسيادة في أواسط دارفور، ولكنهم طردوا وأجلوا عنها بواسطة شعب "التنجور" في القرن السادس عشر الميلادي . واستقروا حول مدينة "لقاوة" في مناطق "الدار الكبيرة" و"كدونج" Kidong و"أرنبة" و"السليك" و"التمانيك" و"جامانيوك" و"نايكري" و"جبل مهيلا" وكل هذه المناطق تسمى جبال الداجو الآن. وكما سكن بعض الداجو شمال كردفان ناحية "خور طقت" و"التوى" شرق مدينة الأبيض. ولا تزال بقية منهم في دارفور .
فالداجو قوم مسلمون متمسكون بتعاليم الإسلام وذوو أخلاق حميدة. ويلاحظ أن داجو كردفان وداجو دارفور يتحدثون لغة واحدة مع اختلاف طفيف في اللهجات، مما يرجح أنهم كانوا يعيشون في موطن واحد. وأن الداجو بمختلف جماعاتهم في كردفان ودارفور ما زالوا يحتفظون بحسن الولاء والوفاء لسلطان "الدار الكبيرة" مكان رئاستهم وتمركزهم .
(14) تقلي Tegali:
تاريخ مملكة تقلي أوضح نسبياً من تاريخ سكان الجبال الآخرين. وخاصة بعد حكم عائلة محمد الجعلي في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي.
وقد قام "إليس R. J. Elles" بدراسة شاملة عن مملكة تقلي خاصة للفترة ما قبل سنة 1821م وبالرغم من أنها قد اعتمدت على الروايات الشفهية إلاَّ أنها تعد بحق دراسة شاملة وعميقة، أعدها بعد فحص دقيق. وبجانب ما قام به إليس "هنالك دراسة أعدها "ماكمايكل" تعد مساهمة مفيدة وخاصة فيما يتعلق بشجرة العائلة المالكة.
كان يطلق اسم "تقلي" على المنطقة الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من جبال النوبا والتي تمتد جنوباً لتضم جبال رشاد وشمالاً حتى "خور أبي حبل" وتلال كردفان. وشرقاً حتى جبل "أبي دوم"، وتحدها غرباً جبال "الكجاكجة". وتضم هذه المساحة قرى ذات ماضي عريق هي "كراية" و"الهوى Hoi" و"طاسى" و"السنادرة" و"جولية" حيث قامت مملكة تقلي الإسلامية في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي. وكان لها أثر كبير في الدعوة الإسلامية ونشر الثقافة العربية في إقليم الجبال. ويذكر أن سكان هذه المنطقة كانت تدين بالوثنية، ولكن لم يبق ميها شيء تقريباً، أو بالأحرى انصهرت مع العنصر الوافد مكونة سلالة جديدة أقرب ما تكون للعنصر العربي هي شعب تقلي.
ومن ثم أصبح نظام الوراثة "أبوياً" بعد أن كان "أمياً" على عادة "الهمج" وغيرها من القبائل الإفريقية الوثنية آنذاك. وبذلك تحول الحكم من السكان الأصليين إلى العنصر الوافد وهم عرب مسلمون ينتمون إلى قبيلة "الجعليين" وكان ذلك إيذاناً بميلاد مملكة تقلي الإسلامية . وتوسعت رقعة المملكة وبسطت نفوذها على كثير من مناطق جبال النوبا واستطاعت أن تضرب بسهم وافر في نشر الدعوة الإسلامية والثقافة العربية في المنطقة والمناطق المجاورة وشجعت العلماء والدعاة ورجال الطرق الصوفية على بث التعاليم الدينية وإقامة الخلاوي لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه واستمر أحفاد ملوك تقلي يكونون زعامات محلية حتى اليوم.

ثانياً: القبائل العربية وعلاقاتهم الاجتماعية مع المجموعات الأخرى
العرب هم المجموعة الثانية في جبال النوبا من حيث الحجم. فالقبائل العربية في الجبال - إذا استثنينا تقلي وبعض الجماعات القبيلة الصغيرة من الجعليين وشيبون - كلها عرب البقارة.
كما يوجد في الحافة الشمالية من المنطقة بعض جماعات البديرية والغديات الذين اختلطوا بالنوبا وتصاهروا معهم.
ويزعم البقارة إنهم ينتمون إلى عرب جهنية في الجزيرة العربية. مهما يكن من أمر فإن البقارة من أهم المجموعات العربية التي استقرت في منطقة الجبال. وأكبرها حجما وهم : الحوازمة والمسيرية وأولاد إحميد. إضافة إلى الكواهلة وبني هلبة ومجموعات صغيرة أخرى تسكن حول منطقة تقلى بجانب البديرية والغديات في شمال الجبال.
وكان وصول العناصر العربية إلى منطقة الجبال قد أدى إلى علاقات مع السكان المحليين لها طابعاً عدائياً في البداية ثم خفت حدة العداء شيئاً فشيئاً بعد استقرار البقارة. كما برز نشاط تجاري أسهم في تغير الصراع إلى نوع من التعاون حول سبل العيش فالبقارة يحتاجون إلى الغلال والحبوب ويحتاج النوبا إلى النقود، الأمر الذي أدى دوراً كبيراً في عمليات الانتشار الثقافي والتعايش السلمي في المنطقة.
ومن أهم تلك المجموعات ما سنتناوله فيما يلي:
الحوازمة:
الحوازمة من أكثر قبائل البقارة اختلاطاً بغيرهم حيث سكنوا في شرق ووسط الجبال، ولم تخلو منطقة من الجبال منهم عدا المناطق التي تنتشر فيها المجموعات العربية الأخرى لا سيما الحمر. وهذا يعزي لتحركاتهم الموسمية التي أتاحت لهم الاجتماع بغيرهم. إذ يقضي الحوازمة غالب وقتهم بين شعاب جبال النوبا ويندفعون في فترة الأمطار إلى جهات الشمال، الأمر الذي أسهم في انتشار الثقافة العربية في المنطقة.
وتنقسم الحوازمة إلى "خشوم بيوت" رئيسة هي "عبد العال" و"عبد العلي" و"الحلفا" بفتح الحال واللام، و"الرواوقة" وهناك قسم من الرواوقة يسمى "أولاد النوبا " وذلك لاختلاطهم بالدم النوباوي، وكذلك أسماؤهم مثل "كالكدري" و"كوكو" و"كانقو". ويذهب "ماكمايكل" إلى أن الحوازمة تفرعوا من "المسيرية". وبالطبع فإن "ماكمايكل" يقصد الحوازمة العنصر العربي وليس كل الحوازمة إذ أنهم قبيلة كبيرة جداً اختلطت مع كثير من الجماعات الزنجية السودانية.
ولعله لكبر جماعة الحوازمة في المنطقة كانت القبائل الأولى تكَّون معها أحلافاً شفهية منذ أيام "الفونج" تكفل لها الحماية وحق المرعى تحت اسم الحوازمة.
قد أتاحت تلك الأحلاف والاتفاقات فرص التفاعل بين الجماعات العربية والنوباوية، والتزاوج. ومن ثم نقل السمات الثقافية بينهم. واهتمت المجموعات العربية بتشجيع المجموعات النوباوية على الانضمام إلى تلك الأحلاف والاتفاقات. فنأخذ مجموعة الكواليب مثلاً في منطقة "أم برمبيطة" أصبحت جزءاً من الحوازمة، وانصهرت معها وتصاهرت معها حتى أصبحت من الصعوبة التمييز بينهما.
وإذا أخذنا مثالاً آخر هو الرواوقة كأحد أكبر خشوم بيوت الحوازمة نجد أثرها الواضح في المنطقة من حيث تفاعلهم مع مجتمع النوبا. فقد استقروا في منطقة كادوقلي وتكونت مجموعتهم من ست عموديات هي: عمودية دار جامع، وعمودية أولاد النوبا، وعمودية الفلاته، وعمودية الديليمية وعموديتا الشوابنة. فاستطاعت من خلال هذه العموديات أن تتعايش سلمياً منذ قدومها إلى المنطقة وتقيم أحلافاً واتفاقات مع المجموعات النوباوية التي تساكنها المنطقة: ويذكر الأمير عثمان بلال أمير الرواوقة: أنهم قاتلوا في أكثر من موقعة إلى جانب حلفائهم من القبائل النوباوية سواء كان في الحروبات القبلية القديمة أو أبان مناهضة الاستعمار البريطاني .
وأما عمودية دار جامع وهي تتمركز في منطقة الجبال الوسطى،
(2) منطقة كادوقلي - وهذه عقدت عدة أحلاف مع الجماعات النوباوية وكان أول حلف مع جماعتي "كادوقلي" و"ميري" وهذا الحلف أدى إلى الصلح بين هاتين الجماعتين المتناحرتين "كادوقلي" و"ميري". ثم تحالفتا مع "أم لوبة" و"وكيقا تميرو" و"كيقا الخيل" و"أبو سنون" و"كمدا" و"شات" وكان من نتاج تلك الأحلاف أن تجاوزت الجوانب الاقتصادية والدفاعية ليشمل الجوانب الاجتماعية ممثلاً في الأواصر والمصاهرة بين هذه المجموعات. وكان من ثمار ونتائج تلك الأحلاف :
مشاركة دار جامع ومساندتها لثورة "الفكي علي الميراوي" ضد المستعمر البريطاني.
مشاركة جماعة كادوقلي وميري ودار جامع في مبايعة الإمام المهدي.
عندما تحول بعض أفراد دار جامع من الرعي واتجهوا للزراعة قاسمتهم أحلافهم الأراضي الزراعية الخصبة لاستثمارها وفلاحتها.
(2) المسيرية:
المسيرية من قبائل البقارة التي استوطنت منطقة جبال النوبا منذ القدم وهي قبيلة ذات أصل واحد تفرعت إلى قسمين هما: المسيرية الزرق والمسيرية الحمر من ثم أصبح كل فرع عبارة عن قبيلة قائمة بذاتها يختلف عن القسم الآخر في كثير من الصفات والمميزات حتى اللون واللسان.
فيسكن المسيرية الحمر في مساحة ممتدة تقع جنوب غرب كردفان ويجوبونها في تحركاتهم الموسمية ويجتمعون بالحمر "فتح الحاء والميم" في غرب كردفان في فصل الأمطار. أما في فصل الجفاف فيتحركون جنوباً إلى أراضي الدينكا. فيبدأوا الترحال في شهر نوفمبر حتى مايو ثم يقفلون راجعين بسبب الباعوض وذابة "التسي تسي". وتتمثل مناطق رعي المسيرية الحمر فيك منطقة ميري وكرسي، وأبي سنون، وكانقا، وبحيرة كيليك، وماسنقا، وليما، وكيقا الخيل، ويظلون في هذه المناطق حتى بداية فصل الأمطار يرجعون إلى كيليك ليمارسون الزراعة.
وأما المسيرية الزرق فيتمركزون حول لقاوة والفولة، وتشمل مناطق مرعاهم "أوريا" وكمدا، الداجو، الدار الكبيرة، وسلجي، وأبوجٌنك ودميك.
ولذا يمكن القول أن المسيرية بشقيها الحمر والزرق من أكثر القبائل العربية اختلاطاً بغيرهم من الجماعات المحلية في المنطقة، فتزاوجوا وتصاهروا واختلط الدم النوباوي بالعربي حتى صعب تميزهم عن البعض.
ويقال أن المسيرية كانت قبيلة كبيرة جداً وذات قوة وبأس شديد تسيطر على أراضي المرعي حتى حدود دارفور. وقد دخلوا شمال دارفور أيام "التنجور" ومن ثم دعاهم السلطان "عبد الكريم الجامع" إلى "ودَّاي" واعتمد عليهم في هزيمة "التنجور " بقيادة ملكهم "داؤود" 1652م.
وكما اعتمد السلطان تيراب في دارفور في حربه مع "المسبعات" بقيادة سلطانهم " هاشم" 1785م. وهذا يدل على قوتهم الحربية، وهي من خصائص البداوة المعروفة.
ثم نزحوا بعد ذلك من دارفور تحت ضغوط التقلبات الاقتصادية والتهرب من دفع الضرائب والأتاوات للسلاطين وهاجموا النوبا في وادي "شلنقو" و"ورنية" وتمركزوا في وادي "الغلة". وكان جزء منهم قد سكن في أقصى الشرق من جبال النوبا في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي وتمركز حول "شركيلا" . ولكن بعد قيام حلف الحوازمة والبدرية وجماعة آخرين اضطروا للنزوح إلى وادي "السنط" و"المافرا"ووادي الغلة و"المجلد".
وتنقسم المسيرية إلى عدة خشوم بيوت منها:" أولاد أم سالم" و"الغزاية" و"الديراوى" و"الغنيات" و"أولاد أبونعمان "و"أولاد هيبان" .
(3) الكواهلة :
الكواهلة ضمن مجموعات العرب التي استقرت في المنطقة وقد تركز وجودها في المنطقة الشرقية من الجبال، ولاسيما في مناطق كالوقي والليري، وبلولة والترتر، والبتيرة. والكواهلة كسائر المجموعات العربية درجوا على القيام بجولات رعوية داخل منطقة الجبال.
وقد امتد أثر الكواهلة إلى كثير من المجموعات النوباوية لا سيما قبائل تيرا الليري ولفوفا وطلسه ولبميرة وكرندي وليمابرة. وبرز أثرهم بصورة واضحة في منطقة الليري لما أسسوه من علاقات زواج ومصاهرة مع المجموعات في هذه المنطقة. وقد شكل وجود هذا العنصر العربي الأرضية التي قام عليها نشاط الشيخ البرناوي في منطقة الجبال .
(4) أولاد إحيمد:
في بادئ الأمر سكن أولاد إحميد حول تلودي. ويرى "ماكمايكل" أنهم نتاج لتصاهر العرب والنوبا وتقلي. ويدلل على الرأي هذا بأسمائهم التي تدل على أنهم جزئياً عرب وجزئياً نوبا. غير أن أولاد أحميد أنفسهم يزعمون أنهم من الجعليين.
تعتبر أبو جبيهة مقراً لأولاد إحميد. وهم ينتشرون في مناطق الصرارة والحلوف وجديد "وملم الكور". وقد اعتادوا الرعي في جبل تركي في منطقة تقلي وانصهروا مع المجموعات النوباوية الموجودة في تلك المنطقة وعقدوا تحالفات مع بعضها خاصة قبائل "كاونارو".
(5) كنانة :
انتشرت قبيلة كنانة في الأجزاء الشرقية من جبال النوبا خاصة مناطق الليري، وأبو جبيهة، وكالوقي، والترتر "العباسية تقلي"، ويمتد نشاطها إلى داخل الجبال عبر جولات الرعي المؤسمية. أسسوا علاقات متينة مع مجموعات النوبا الأخرى ومع قبائل تقلي ورشاد.
(6) البديرية :
البديرية من القبائل العربية التي تنتمي إلى الجعليين وقد نزحوا من شمال السودان في القرن الرابع عشر الميلادي واستقروا في المنطقة الواقعة شمال الأبيض أولاً ثم إلى جنوب كردفان. وقد اختلط البديرية بغيرهم من السكان الأمر الذي جعلهم أكثر شبهاً بالنوبا في تقاطيعهم بالرغم من أن لسانهم يتحدث العربية. ومثلهم في ذلك الفديات الذين تزاوجوا مع النوبا وانصهروا معهم.
(7) الشوابنة :
الشوابنة عنصر عربي ينضوي تحت الاسم "شيبون". وقد تكونت نتيجة لانصهار مجموعات كثيرة استقرت في جبل "جبل شيبون" منذ فترة طويلة، فاختلطت بالمجموعات النوباوية. وقد وفدت تلك المجموعات من جهة تقلي وتمثلت في مجموعات: المسلمة، والجلابة، والحسيلاب، والجميعاب، والجندياب، بجانب الحوازمة الذين يشكلون غالبية مجموعات الشوابنة.
نتيجة لانصهار هذه المجموعات غدت السمة العربية هي الغالبة على مجموعات الشوابنة ولا سيما في السحنة واللغة والثقافة والتقاليد أما السمة النوباوية فقد انحصرت إلى حد كبير في الدماء. وقد استقرت مجموعة الشوابنة اليوم بالقرب من كادوقلي في منطقة السَّمة نتيجة لشح المياه في جبل شيبون . والبعض الآخر استقر في شمال تلودي في منطقة "مندري". وبعضهم في منطقة "أندرافي" جنوب غرب "أم برمبيطة".
ثالثاً: المجموعات الأخرى القادمة من غرب أفريقيا:
كما وفدت إلى منطقة جبال النوبا بجانب البقارة مجموعات أخرى، خاصة رعاة الإبل الذين كانت رحلاتهم إلى جبال النوبا الموسمية وعلى رأس هؤلاء الشنابلة.
وهناك مجموعات وفدت من غرب أفريقيا وسكنت في مناطق متفرقة من جبال النوبا عملت بالزراعة وتجد جماعة كبيرة منهم تسكن في قرية "البرداب" بالقرب من كادوقلي حيث استقروا فيها منذ العشرينات من هذا القرن. وكان قد عين الشيخ الشريف عبد الله رئيساً لمحكمتهم الأهلية . ولا نجد تفسيراً لسبب هجرتهم واستقرارهم في هذه المنطقة. ولكن ربما كانوا في طريقهم إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ومن ثم استقروا في السودان شأنهم في ذلك شأن الكثير من سكان غرب إفريقيا. أو كان ذلك نتاجاً لظروف اقتصادية أو سياسية أجبرتهم على الهجرة من بلادهم إلى أرض السودان الشاسعة الخصبة. ومما ساعد على ذلك خلو حدود السودان الغربية من الموانع الطبيعية.
وهم قوم مسلمون، غير أنهم لم يفلحوا في التأثير في غيرهم من السكان كما فعل عرب البقارة.
خلاصة القول أن القبائل العربية التي نزحت إلى منطقة الجبال منذ القدم - وخاصة البقارة كانت ترعى الإبل وتجوب بها المنطقة بين كردفان ودارفور حتى حدود المديرية الشمالية ثم تحولوا مع الظروف الجغرافية والطبيعية إلى تربية الأبقار والزراعة .
ونرى أن دراسة والتاريخ الاجتماعي للنوبا أمر ذو أهمية كبيرة، خاصة إذا أردنا معرفة بعض الظواهر التي تتعلق بالأخلاق والعقيدة وعمليات التعايش السلمي ولا سيما فإن الإسلام قد انتشر ومعه الثقافة العربية عندما دخلت القبائل العربية المسلمة. وفي الحقيقة أن الثقافة العربية الإسلامية كان تأثيرها كفيلاً لإحداث هذا التغير سواء تمثل في تعديل بعض الموروثات الثقافية للمجتمع النوباوية أو انتقال السمات الثقافية الجديدة. وباختصار يمكن القول أن هناك نوع من التكيف الثقافي حادث الآن تتفاوت درجاته سواء كان نتيجة الانتشار أو الاستعارة الثقافية من حيث تأثيره في الوجه الخارجي أو السطحي للثقافة أو في لب الثقافة أو جوهرها.
اتضح من هدا التتبع للتاريخ الاجتماعي في المنطقة؛ أن البيئة الآيكولوجية، والمتمثلة في السافنا الغنية والغابات الكثيفة أحياناً والخيران والقمم الجبلية العالية التي تتخللها السهول الخصبة الواسعة، وما إلى ذلك، أثر بشكل واضح على علاقات السكان واتصالاتهم فيما بينهم من جهة والعالم الخارجي من جهة أخرى الأمر الذي أدى بدوره إلى عزلة النوبا، لبعض الوقت وخلق ثقافات فرعية محلية للوحدات العشائرية العديدة، وتباين لغاتهم وتعدادها وقد حصرها بعض الدارسين في نحو خمسين لغة. وهذا في حدِّ ذاته عمَّق بدوره من عزلتهم لبعض الوقت.
جملة القول، أن المنطقة تسكنها ثلاث مجموعات سكانية رئيسة هي النوبا والقبائل العربية والمجموعات الأخرى القادمة من غرب أفريقيا، وتعيش هذه المجموعات في شبه تخصيص مهني وتتقاسم المنطقة جغرافياً، تحرسها بعلاقات اجتماعية ودية وتحالفات قبلية من أجل السلام والمناصرة والمشاركة في دفع الديات حتى عهد قريب. وأفضت تلك العلاقات الودية في النهاية إلى التزاوج والمصاهرات بين كل الجماعات، وقد وجد هذا دعماً وسنداً من عادة الزواج الخارجي (exogamy ) لدى بعض الجماعات. ومن هنا يمكن القول أن الهوية في شكلها العرقي أو الجهوي أو الديني لم تكن تهدد النسيج الاجتماعي، فلكل من الديانات الثلاث أتباعها بدرجات متفاوتة: الاسلام والمسيحية والوثنية، وبحسب طبيعة السكان، فان التسامح الديني كان سائداً قبل الاحتلال البريطاني حتى على مستوى الأسرة الواحدة. وأما على المهن وتقسيم العمل بين الجماعات فكانت الهوية مصدر قوة وتكامل للنسيج الاجتماعي فبينما تمتهن الجماعات النوباوية الزراعة يمتهن العرب الرحل الرعي ويتولى " الجلابة " التجارة .
الفرض الثاني
ساهمت بعض الأحداث والعوامل التاريخية في فترة الاحتلال الانجليزي للسودان مع عوامل وظروف راهنة في خرق النسيج الاجتماعي بين سكان المنطقة

الاحتلال البريطاني وبدعة (سياسة النوبا)
ان الاحتلال البريطاني الذي جثم على السودان في الفترة ما بين (1898-1956م) وما صحبه من تبشير مسيحي يعتبر من العوامل التي عملت على توتر العلاقات الاجتماعية بين السكان في منطقة جبال النوبا والمناطق المماثلة لها في السودان. في حين أن هده السياسة، لم يكن لها أثر كبير في نقل الثقافة الأوربية المسيحية في المنطقة بالقدر الذي أريد له، وبما يتناسب بالجهود التي بذلت فيه والوقت الذي استغرقه.
فقد عملت حكومة الاحتلال البريطانية بكل ما في وسعها للوقوف في سبيل تقدم القبائل العربية في منطقة جبال النوبا، والحيلولة دون اختلاطهم بالجماعات النوباوية خوفاً من انتشار الإسلام وثقافته في المنطقة. وقد عبر مفتش الجبال عن ذلك في صراحة بقوله: (.. إننا نحاول بكل وسعنا أن نباعد بين العرب والنوبا ..) . وكذلك وصفت إرسالية السودان المتحدة (S. U. M) منطقة الجبال الشرقية بأنها: (.. صخور بارزة وسط بحر ممتد من الظلام المحمدي ..) . ولهذا فقد سعت الحكومة البريطانية لوضع الحواجز والعراقيل في وجه الأثر العربي والإسلامي في الجبال واتخذت لذلك بعض الإجراءات وسنت بعض القوانين وركزت كل مجهوداتها لتنفيذها.
ويذكر أنه عندما احتل البريطانيون السودان 1898م لم يكن حينها موقع يجد فيه الإنسان العربي نفسه غريباً. فقد انتشر هؤلاء العرب المسلمون في كل الجبال بمواشيهم وخبروها جيداً. وكان من أهداف السياسة البريطانية المحتلة تجاه كل الدول التي استعمرتها وبصفة خاصة السودان ونيجيريا، تقسيمها إلى مجموعات قبلية على أساس عرقي وثقافي وديني، لتحكم قبضتها عليها من خلال التفرقة. وعلى هذا حاولت الإدارة البريطانية فصل المجموعات الزنجية السوداء كمناطق وثنية وعزلتها بقدر الإمكان عن بقية أجزاء السودان وجبال الأنقسنا في النيل الأزرق وجبال النوبا جنوب كردفان. وكان الهدف من هذا جعل هذه المناطق وحدات عرقية تعمل على تطويرها وفق العادات والتقاليد والمعتقدات الموروثة فيها. بل قد كانت تخطط الإدارة البريطانية لفصل هذه المناطق وضمها إدارياً لأحدى دول وسط إفريقي .
وسنرى في الصفحات القادمة إن شاء الله إن الإدارة البريطانية في السودان قد عملت من حيث تدري أو لا تدري على إضرام قوة التعرب والأسلمة ومن ثم نشر الثقافة العربية والإسلامية بين النوبا ثم حاولت نقض عزلتها من بعد قوة أنكاثاً.
فقد انشغلت الإدارة البريطانية حتى عام 1920م وما بعدها بقليل بقمع الحركات الثورية وسط النوبا، فوجهت عدة حملات عسكرية تأديبية لبعض الجماعات النوباوية وأوقفت بذلك إلى حد كبير المناوشات التي كانت تقع أحياناً بين العرب والنوبا من جهة والحروب الداخلية التي كانت تشب بين مختلف الجماعات النوباوية من جهة أخرى. واعترف النوبا بقوة الحكومة وبدأوا - بتشجيع أو إجبار من الحكومة - في النزول من قمم الجبال ليمارسوا الزراعة في السهول، حيث يستقر العرب، فاختلطوا بهم، وبدأت اللغة العربية تنتشر كلغة تخاطب بينهم. ومما دفع بعملية نشر الثقافة العربية الإسلامية أيضاً، إدخال زراعة القطن في المنطقة وتحديث الاقتصاد المحلي، الأمر الذي جعل النوبا يدركون قيمة النقود، بعد أن كانوا يتبادلون السلع والخدمات عن طريق المقايضة. وبدأ بعض النوبا يعملون بالأجر النقدي في مزارع العرب، ويجدون أعمالاً خدمية في المدن. الأمر الذي شجعهم على ترك قراهم والنزول إلى المدن حيث يقيم العرب والمسلمون. فشعرت الحكومة بتفاقم "المشكلة" وحاولت الحد من الهجرة الداخلية، واتخذت لمواجهة "المشكلة" - سياسة أسمتها "سياسة الترييف" - من الريف - وحاولت إرغام النوبا على السكن في القرى ومنعهم من السكن في المدن. فوجد النوبا أنفسهم مضطرين للهجرة خارج الإقليم للبحث عن العمل في المدن الأخرى في الأعمال العسكرية والصحة وما إلى ذلك، بعد أن عرفوا قيمة النقود. ثم حاولت الحكومة مرة أخرى منعهم من الهجرة خارج الإقليم وتقييد تعينهم في الخدمة العسكرية وإرجاعهم إلى إقليمهم، ففرضت سياسة أسمتها "سياسة النوبا" "Nuba Policy". ولكن على الرغم من كل هذه الإجراءات لم تفلح الحكومة في وضع حد من انتشار الثقافة العربية والاسلامية الأمر الذي جعل أحد المسئولين الإداريين يتساءل (... هل يستطيع الإنسان النوباوي أن يحافظ على ثقافته وتقاليده في وجه هذه الظروف الجديدة؟ وما هي الخطوات التي يمكن للحكومة أن نتخذها لمساعدته في ذلك..؟) .
ولكي نناقش هذه السياسة "سياسة النوبا" وما تمخض عنها من نتائج ، يجدر بنا أن نتتبع منشأ "المشكلة" والأسباب التي عملت على تفاقمها، حتى أقلقت حكومة الاحتلال البريطانية وجعلتها تبحث جاهده عن الحلول والعلاج المناسب لها فمن أسباب ميلاد "المشكلة" ما يلي:
1/ إدخال الإدارة البريطانية الاحتلالية زراعة القطن في المنطقة:
ذكرنا آنفاً أن النوبا بعد أن شعروا بالأمن في المنطقة، وذلك بعد أن قمعت الحكومة البريطانية الثورات ووضعت حداً للغارات في الجبال، وشعروا بقوتها نزلوا من قمم الجبال للزراعة في السهول جنباً إلى جنب مع العرب، وقد كانوا قبلاً يزرعون في منحدرات الجبال الذرة والفول السوداني واللوبيا والقليل من السمسم. ثم فكرت الحكومة البريطانية في تطوير مصادر الإنتاج في الإقليم . وذلك لتهيئة المواطنين للشعور بقيمة النقد والربح بدلاً من الاكتفاء الذاتي الذي كان سائداً قبلئذ. هذا ما كانت تصرح به الحكومة، أما الهدف الأساسي من تلك المشاريع - والذي لم تصرح به الحكومة - هو أن ينشغل أبناء النوبا عن السفر خارج الإقليم بحثاً عن العمل في المدن الكبيرة، ويعودون بثقافات عربية وإسلامية، وهذا ما لم يكن يرضي الحكومة. ومما ساعد على إنشاء تلك المشاريع: صلاحية الأرض في المنطقة الجبلية وكفاية الأمطار، وعدم وجود غابات كثيفة في المنطقة ، وطول فترة الجفاف في الصيف التي تساعد على جني القطن بطريقة جيدة لكل ذلك فكرت الحكومة في إدخال مشاريع آلية والتوسع في زراعة القطن "للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في جبال النوبا". وبدأ العمل فعلاً في تنفيذ هذه الفكرة 1925م. وأحضرت الماكينات الأمريكية الصنع وتوزع الخبراء الزراعيون الإنجليز في أنحاء الإقليم لمساعدة المكاتب الإدارية بالنصح وإسداء المشورة الفنية في الزراعة .
وفتحت الحكومة "باب المشاركة الشعبية للمواطنين" في هذه المشاريع وشرعت في عمل الطرق البرية لربط المناطق ببعضها، ودخلت العربات "اللواري" لترحيل القطن. وأنشأت محالج القطن في كادوقلي وتلودي 1926-1938م. وأخرى في لقاوة والدلنج وأم برمبيطة وكالوقي وأبي جبيهة 1938م. وعقد مؤتمرات في دلاَّمي في فبراير 1935م وفبراير 1936م. لمناقشة كافة الوسائل التي تتعلق بالقطن من إنتاج وترحيل وتسويق وحلج ومصادر المياه...الخ .
ولهذا الاهتمام الزائد من قبل الحكومة بمشاريع القطن أقبل المواطنون على زراعته. ومما اضطرهم إلى ذالك أيضاً الضرائب الشخصية "الدقنية" التي فرضتها الحكومة على المواطنين ، فكان عليهم - خاصة عرب البقارة والحوازمة - أن يدفعوا هذه الضريبة ببيع بعض من مواشيهم إذا لم يزرعوا القطن للحصول على النقد، ولهذا فضلوا زراعة القطن بدلاً عن بيع حيواناتهم فتزايد الطلب على زراعة القطن، وارتفع السعر وتوسعت الرقعة المزروعة حتى بلغت في موسم 1937/1938م نحو 104.000 فداناً وأنتجت حوالي 365.000 قنطـاراً من القطن .
وبذلت حكومة الاحتلال البريطانية أقصى ما في وسعها لجعل النوبا المستفيدين الأوائل من هذه المشاريع "حتى لا تستغلهم الجماعات العربية والإفريقية والتجار الذين جذبتهم مشاريع القطن في المنطقة" على حد قول حاكم كردفان فقسمت الأرض إلى مجالات ثلاث، واحتفظت بثلاثة أرباع المساحة الخصبة للنوبا. وذلك وفق "سياسة الأرض" التي اختطها "جيلان" والتي تقضي بأن يتحصل كل من يريد الدخول هذا الإقليم من غير النوبا على إذن من مفتش المنطقة. كما تمنع غير النوبا من المرور عبر المناطق الزراعية بمواشيهم.
وحدد مناطق معينة "لفرقان" غير النوبا. وفرضت هذه السياسة على غير النوبا ضريبة شخصية سنوية بمثابة إيجار لهذه الأرض سواء أن كانت للزراعة أو الرعي. ووضعت الحكومة عقوبات صارمة لكل من يخالف هذه السياسة بالرعي أو الزراعة أو السكن في المناطق المخصصة للنوب .
ولكن بالرغم من هذه الجهود التي بذلتها الحكومة الاستعمارية في سبيل الاحتفاظ بالأرض الزراعية للنوبا. إلا أن النوبا لم يستفيدوا منها الاستفادة المرجوة. وكانت النتيجة أن أكبر الإنتاج من القطن كان من مزارع غير النوبا. إذ أن النوبا مالوا لزراعة الذرة أكثر من القطن وذلك لأنهم اعتادوا على زراعة الذرة منذ أمد بعيد للاستهلاك المحلي و"لأنهم تقليديون لا يميلون للتجديد" هكذا وصفهم "نورثكوت" ولم يزرعوا إلا القليل من القطن لكي يتمكنوا من دفع الضرائب ولتوفير قليل من النقد للترفيه أما العرب فلم تمنعهم عاداتهم البدوية - الرعي والترحال - من الاستقرار لزراعته.
حتى أنه في عام 1928م لم يبق إلا 30% فقط من العرب في الجبال الشرقية رحلاً يتجولون بمواشيهم ناحية الشمال بينما استقر البقية لزراعة القطن .
بجانب هذا فإن النوبا يفضلون السكن بالقرب من الجبال حيث توجد مصادر المياه في معظم شهور السنة، على السكن في السهول حيث الأرض الزراعية الطينية، التي يصعب فيها بناء المساكن.
وكان على من يريد الزراعة في السهول، أن يقطع يومياً مسافة تقدر نحو عشرين ميلاً بين المزرعة والمنزل. لكل هذه الأسباب ترك أغلب النوبا الأراضي الزراعية التي حاولت الحكومة جهدها أن تحتكرها لهم، ليستولى عليها العرب بالشراء أو الإيجار أو غيره. وفضلوا العمل لفترات قصيرة في مزارع العرب بالأجر، ليقوموا بجميع الأعمال الزراعية فيها من نظافة وترحيل ، والعمل في المحالج بين شهري أكتوبر ومايو للحصول على النقد بما يكفيهم من دفع الضريبة فقط . وهذا ما جعل "جيلان" ينقم على "الجلابة" ويصفهم بأنهم (.. طفيليون يعيشون على مجهود الغير) .
خلاصة القول أن العرب عرفوا قيمة القطن النقدية فأقبلوا على استثمار كل الأراضي التي منحت لهم والتي اشتروها أو استأجروها من النوبا. أمَّا النوبا فلم يدركوا ذلك وفشلوا في استخدام الأراضي التي حجزتها لهم الحكومة فتخلوا عنها للعرب وأصبحوا يعملون فيها بالأجر.
وتمركزوا في المدن حيث توجد الأعمال اليومية في المحالج وغيرها وبذلك تهيأ لهم الاختلاط بالعرب المسلمين بصورة أوسع والتعامل معهم والتشرب من ثقافتهم ودخول بعضهم في الدين الإسلامي ، وبذلك كان ميلاد "المشكلة" التي أرقت نوم الإنجليز.

2/ هجرة النوبا من الريف إلى المدن:
لا شك أن زراعة القطن كانت عاملاً فعالاً في تغير نمط الاقتصاد المحلي في إقليم النوبا، إذ قد فتحت الطرق التجارية المحلية وانتعشت التجارة بزيادة دخول المزارعين، وتبع إصلاح الطرق دخول العربات "اللواري" غير أن التغيير الرئيسي والملاحظ بوضوح قيام المراكز المدنية الضخمة ، فنمت المدن الإدارية مثل كادوقلي وتلودي والدلنج وازدادت إلى ثلاث أضعاف حجمها قبل إدخال مشاريع القطن . وكان السبب في هذا التوسع هو الهجرات الجماعية لمئات الشباب من النوبا من الأرياف إلى المدن للبحث عن العمل. وكان لذلك أثره الواضح في التغير الاجتماعي - الثقافي لدى النوبا بتعرضهم للثقافة العربية والأسلامية الأمر الذي جعل الحكومة تعمل للحد من هذه الهجرات باتخاذ بعض الإجراءات منها:
فصل النوبا عن العرب المسلمين وخاصة "الجلابة" في السكن. ففي كادوقلي مثلاً عين مكان لسكن "الجلابة" سمي بديم الجلابة ومكان آخر للنوبا سمي "بالملكية". وجعلت سلطات الحكومة تقوم بحملات تفتيشية من وقت لآخر لتنفيذ هذه الأوامر. ومنعت الجلابة من وضع راديوهات في محالهم التجارية، لأن هذا يجلب النوبا ويحبب لهم البقاء في هذه الأماكن لفترات طويلة . وفي عام 1933م حولت الحكومة النوبا كلية من "الملكية" إلى جبل "الليرا" "Alira" على بعد ثلاثة أميال من المدينة.
ألغت الحكومة الإمدادات الجديدة في المدن "أو ما يعرف الآن بالسكن العشوائي" وشجعت قيام القرى والأرياف على مسافات معقولة من المدن بحيث يمكن للنوبا أن يسكنوا فيها ويعملوا في المدن وذلك "حفاظاً" على قبيلتهم من الذوبان على حد تعبير جيلان.
3/ الهجرة خارج المنطقة:
كان لتلك الإجراءات التي فرضتها حكومة الاحتلال البريطانية للحد من الهجرة من الريف على مدن الإقليم أثر فعال في وقف هذه الهجرة الداخلية وفي الحفاظ على الروح القبلية والثقافة المحلية إلى حد ما. ولكنها كانت ذات أثر عكسي في تشجيع شباب النوبا على الهجرة إلى خارج الإقليم فهاجر أعداد كبيرة إلى مدن وسط السودان وإلى مدن الشمال الأخرى والخرطوم وذلك لأن زراعة القطن والعمل "باليوميات" قد جعلهم يعرفون قيمة النقد كما أسلفنا، وأصبح من الصعوبة بمكان أن يعيشوا في قراهم على النمط القديم بعد أن ألفوا بعض الضروريات والكماليات الحياتية. وقد أزعجت هذه الهجرات الجماعية إلى مدن الشمال السلطات الإدارية أيما إزعاج. فالحكومة كانت تعلم أن مثل هذه الهجرات أكبر معين للمد الإسلامي والثقافة العربية. ولهذا أوقفت هذه الهجرات وبررت هذا الإجراء بأنها تريد الحفاظ على الرباط القبلي. "وأن هذه الهجرات تذيب روح الأعراف والتقاليد القبلية لدى الشباب الذين يقضون فترات طويلة بعيداً عن أهلهم وذويهم" . كما يقول جيلان وأن خطورة هذه الهجرات تكمن في فقد المهاجرين الصلة بعاداتهم وتقاليدهم. كما وسيكون لهم أثراً "سيئاً" على أهلهم عند عودتهم وعلى المجموعة ككل..( . بل عملت على محاصرتهم في إقليمهم. فكتب "جيلان" حاكم كردفان آنذاك خطاباً للسكرتير الإداري يطلب منه توجيه جميع حكام الأقاليم الأخرى بإرجاع كل من يوجد من النوبا في أقاليمهم وعدم تشجيع النوبا على السكن في تلك الأقاليم . وقد كان هناك عدد كبير من أبناء النوبا يعملون في الخرطوم في أعمال اليومية وآخرون يعملون كجنود أو خدم مع الجنود في حامية شندي ، ولذلك اتخذت الحكومة عدة إجراءات وتدابير لإعادتهم إلى الجبال بعد صيحة "جيلان" .
4/ تجنيد النوبا في الخدمة العسكرية:
كانت الخدمة العسكرية هي الأخرى باباً ينفذ منه الإسلام والثقافة العربية إلى النوبا. وقد عرف النوبا العمل والتجنيد في الخدمة العسكرية منذ عهد الفونج أبان حكم بادي أبي دقن (1642-1677م) عندما قدر عدد النوبا الذين أخذوا الجنود في قوات سنار بعد هزيمة الفونج لملك تقلي بحوالي 400 شخصاً كانوا يؤخذون سنوياً كضريبة .
وفي بداية القرن الثامن عشر قدر عدد النوبا العاملين في الخدمة العسكرية بحوالي الخمسة عشر ألفاً في الجيش السناري. وفي أيام "التركية" أصبح عدد الجنود من النوبا في الجيش التركي بنحو الخمسين ألفاً. ثم قلَّ هذا العدد في عهد المهدية. وكانوا يسمون حينها "بالجهادية". وعندما مثل الاحتلال الإنجليزي، وبعد واقعة أم درمان الشهيرة 1896م. حاول الإنجليز بناء جيش قوي من الجنود السودانيين، ولكنهم لم يجدوا الترحيب من النوبا، وذلك لأن بعض الملوك - المك رحال مك كادوقلي مثلاً - قد تدخلوا بتحريض جماعتهم من الانخراط في الجيش. ولكن باندلاع الحرب العالمية الأولى 1914م ، اضطرت الحكومة البريطانية على تجنيد النوبا إجبارياً للحاجة الماسة إليهم في وحدة قوات السودان .
ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى انتبهت الحكومة البريطانية الى اختلاط النوبا بغيرهم من العرب المسلمين قد أدى تشربهم الثقافة العربية والإسلامية "والتي سوف ينقلونها بالتالي إلى أهلهم" وهذا ما يناقض سياسة الحكومة. ولذلك طلب حاكم كردفان "جيلان" إلى إرجاع الجنود "النوبا" إلى إقليمهم وعلل ذلك بأن بقاءهم في الشمال يفقدهم ذاتيتهم ويذيب ثقافتهم .
ولكن بالرغم من ذلك فقد ظلت "حامية شندي" تجند من النوبا سنوياً وظل النوبا ، يرغبون في ذلك طالما فتح لهم هذا الباب.
وعندما خلف "نيوبولد" "جيلان" حاكماً على كردفان 1932م سار على خطى سلفه في تنفيذ "سياسة النوبا" ولكنه كان أكثر جدية منه فأصدر قراراً بمنع تجنيد النوبا خارج إقليمهم وقصر ذلك على حاميتي "كادوقلي" و"الدلنج" فقط .
وبحلول عام 1934م أصبحت حامية شندي وقفاً على العرب وحدهم وأعيد كل النوبا إلى وطنهم. وقام "نيوبولد" بتصنيف النوبا العائدين من شندي إلى ثلاث فئات هي: (1) مسلمون. (2) صابئون. (3) باقون على وثنيتهم. وعملت السلطات الإدارية على ضوء هذا التصنيف على حمل الفئة الأولى والثانية تحت ضغوط شديدة للرجوع إلى وثنيتهم . ولكن دون جدوى بعد أن وقر الإسلام في قلوبهم. وشعرت الحكومة الاحتلالية "بحجم المشكلة".
وفي سبيل وضع صفات علاجية لهذه "المشكلة" قامت الحكومة بإجراء بحوث ميدانية ومسوح كشفية لقياس حجم المشكلة والتماس مداخل المجتمع ومن ثم إيجاد طرق لعلاجها وهدف من ذلك إلى تمكين ثقافة نوباوية تقوم على أساس الثقافة والعادات والتقاليد النوباوية لتقف في وجه التعرب "الزائف" أو على الأقل وقف انتشار التعرب حتى يصل الشعب النوباوي إلى مستوى يمكنه من اختيار ما يروقه وما يناسبه من ثقافة بأعين مفتوحة . ولكن هل ترك النوبا وشأنهم لاختيار ما يناسبهم من ثقافة ودين، بالطبع لا وإنما كان التساؤل الملح دائماً هو: (... وهل سنترك فرصة خلق مدنية من هذا العرق (النوبا) تُشرِّف ديننا ومفاهيمنا الإدارية تفلت من أيدينا..؟) .
لصناعة تلك المدنية قامت حكومة الاحتلال البريطانية بتشجيع التبشير المسيحي، ووضع السدود المنيعة ضد الإسلام والثقافة العربية في المنطقة. لذلك قام حاكم كردفان "ماجور نورثكوت" في منتصف عام 1927م بإجراء مسح عام على الجبال ورسم خريطة بذلك قسم فيها النوبا إلى وحدات إدارية وفق المراكز التي تقع في نطاقه، وذلك حسب درجة تأثرهم بالعرب وثقافتهم والإسلام والثقافة الإسلامية. والمراكز هي: الدلنج وكادوقلي وتلودي وهيبان ودلامي ورشاد.
على ضوء نتائج هذه البحوث عملت حكومة الاحتلال البريطانية بكل ما في وسعها للحد من تعرب وأسلمة النوبا باتخاذ سياسة صارمة ومستمرة، أطلقت عليها اسم "سياسة النوبا Nuba Policy" كما أسلفنا. وتشمل تلك السياسة:
(1) سياسة الأرض والتي تقضي أن تحتفظ الحكومة بثلاثة أرباع الأراضي الزراعية للنوبا "الخلص".
(2) سياسة الترييف وتقتضي إرغام النوبا على السكن في قراهم بدلاً عن المدن.
(3) حظر الهجرة الخارجية عن المنطقة بالنسبة للنوبا.
(4) وضع شروط لالتحاق النوبا بالخدمة العسكرية.
(5) اتخاذ سياسة تعليمية محددة للنوبا.
(6) وتوجت الحكومة تلك السياسة بفرض "قانون المناطق المقفولة على منطقة الجبال".
ولكن هناك عدة عقبات وقفت في سبيل تلك السياسة من أن تحد من انتشار الثقافة العربية والاسلامية وسط النوبا. ومن تلك العقبات:
الاختلافات العرقية واللغوية الشديدة بين الجماعات النوباوية المختلفة.
تداخل النوبا والعرب الذي دام أزماناً طويلة فتأثر النوبا بهم كثيراً في كثير من المجالات الثقافية والاجتماعية.

(5) قانون المناطق المقفولة:
في عام 1932م – وهو العام الذي تولى فيه "نيوبولد" إدارة النوبا – أعلنت الحكومة جبال النوبا منطقة مقفولة ، يحرم دخولها على العرب والمسلمين وسكان شمال السودان قاطبة إلا بإذن خاص، واستمر هذا القانون حتى عام 1949م .
وصدرت التعليمات بموجب هذا القانون من السكرتير الإداري لجميع مفتشي المنطقة بإجلاء الموظفين الشماليين تدريجياً واستبدالهم بأبناء النوبا. ويخول هذا القانون لمفتشي المناطق طرد أي شخص بما في ذلك النوبا – من المنطقة إذا سلك سلوكاً غير "حميد" لم ترض عنه الحكومة. ويفرض هذا القانون على كل من يود مزاولة التجارة – باستثناء الأهالي العاملين في بلدهم – حمل تصريح تجاري ممهور بتوقيع مفتش مركز المنطقة القادم منها، ومفتش المنطقة التي يود التجارة فيها في جبال النوب .
كل هذه الإجراءات – كما قلنا – كان الهدف منها تعزيز سياسة حكومة الاحتلال تجاه هذه المناطق ضد التأثير المتوقع والحادث فعلاً من قبل المسلمين العرب السودانيين والمصريين على حد سواء. وقد صرح السكرتير الإداري "ماكمايكل" بذلك في إحدى نشراته الدورية السرية حيث قال: "... لقد أصبح هدف الحكومة الآن تشجيع التجار المسيحيين من الإغريق والسوريين بقدر الإمكان لدخول المنطقة بدلاً عن "الجلابة" والعرب من شمال السودان... وعلى هذا يحظر الجلابة من الاتجار في المنطقة إلا "خيارهم" فقط والمهتمين بالتجارة فحسب، والذين يسلكون سلوكاً قانونياً ... على أن تحصر تجارتهم في المدن والطرق الرئيسية" . بحيث تسهل مراقبتهم، وقد برر السكرتير الإداري هذا الأمر بهدفين:


(1) الحفاظ على الأمن العام.
(2) حماية النوبا من التسخير والاستغلال. وذلك "لقصورهم عن حماية أنفسهم" .
غير أنَّ الهدف الأساسي من كل هذا، كما هو واضح، حماية النوبا أثر الثقافة العربية والإسلامية، وإفساح المجال للتبشير المسيحي، ويتضح ذلك من خلال صياغة النشرة نفسها.
وكما رفعت قيمة الرخص التجارية السنوية في هذه المناطق إلى خمسين جنيهاً على الداخلين من غير أهل المنطقة والجلابة . وهذا بالطبع مبلغ ضخم إذا ما قيس بزمانه.
ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يستثنى المبشرين المسيحيين من تلك القيود، بل ويعمل على تشجيعهم على العمل في المنطقة. ويقسم هذا القانون السودانيين إلى قسمين: العرب "المسلمون" وغير العرب "الوثنيون". وذلك لكي يستثنى للكنيسة التعامل مع القسم الأخير لتشكيله وصياغته وفق سياستها - الحكومة والكنيسة - الدينية والإدارية. أما العرب فقد كانت الحكومة تريد تطويقهم، على ضوء هذا التقسيم ومنعهم الاختلاط بالنوبا.
ولكن الوضع الاجتماعي في الجبال قد أوجد عوامل عاقت تنفيذ تلك السياسية، فلم تستطع الحكومة استبدال الموظفين الشماليين العاملين في الجبال بابناء النوبا، وذلك لعدم وجود عدد كاف من أبناء النوبا المتعلمين يمكن أن يحلوا محل الشماليين، رغم أنها قد شرعت منذ أوائل الثلاثينات في تدريب أبناء النوبا لتولي هذا العمل ثم أن معاملة العرب الوطنيين المقيمين في الجبال معاملة الأجانب جعلتهم يستنكرون هذا القانون الجائر ويرفعون أصواتهم عالية بهذا الاحتجاج، من ذلك فقد رفع تجار تلودي في 26/5/1932م عريضة يستنكرون فيها فرض الضربية التجارية السنوية عليهم ويطالبون بإعفائهم منه . بالإضافة إلى أن "قانون المناطق المقفولة" قانون غريب ومستهجن، بكل المقاييس والأعراف الدولية. ورغم ذلك فقد ظل لفترة طويلة دون أن يجد الانتقاد الصريح من أحد حتى كانت عريضة تلودي بمثابة الكوة التي انطلقت منها الشرارة ومن ثم تحركت التجريدة الأولى ضد هذا القانون، فكتبت جريدة "النيل اليومية" في 14/9/1936م مقالاً مفادة: (... لقد تغيرت روح العرب السودانيين هذه الأيام فأصبحوا يرون أن جميع المواطنين السودانيين أخوة، أشقاء، وأضحوا يصرحون بأن القوانين التي تقسم السودانيين إلى قسمين مختلفين تعد قوانين جائرة وظالمة ..) . وبذا رأى حاكم إقليم الجبال ألاَّ مناص من إلغاء هذا القانون، بل قد وصل السكرتير الإداري نفسه إلى هذه القناعة وتكشف له أن قانون المناطق المقفولة أصبح غير مجد وأنه لا يمكن الدفاع عنه، ولابد من إلغائه فأعلن: (... أن كل مواطن سوداني يسكن في مديرية ما لأكثر من خمس سنوات يعد مواطناً أصلياً فيها..) .
ولكي تجد حكومة الاحتلال البريطانية تبريراً منطقياً لإلغاء هذا القانون، مثلما فعلت عند فرضه، أعلن الحاكم العام: (...أن التبرير القانوني لقانون المناطق المقفولة أصبح غير كافٍ، بل مقيد وجائر، إذا ما قورن بالتقدم الذي أحرز في كثير من المجالات في المناطق المختلفة ، منذ إعلانه ..) . وهذا يعني في نظر الحاكم العام – أن النوبا قد أصبحوا قادرين على رعاية أنفسهم وحماية ثقافتهم من الذوبان، وبالتالي فقد أضحى ألا توجس من مسألة الأمن العام ، فتلك هي المبررات التي ساقتها الحكومة عند فرضها هذا القانون.
وبذلك سمح لجميع السودانيين بالدخول والعمل بالتجارة في أي من المديريات يرغبون دون قيد أو شرط، عدا مديريات جنوب السودان .
وتحت ضغوط المتعلمين من أبناء شمال السودان اضطرت الحكومة للتخلي عن سياسة الفصل بين العرب والنوبا والعدول إلى سياسة الوحدة وظهر ذلك في تجميع العرب والنوبا في وحدات إدارية واحدة في مجالس شمال وجنوب الجبال فكتب حاكم كردفان لمفتش الجبال: (... أن سياسة الحكومة اقتضت بناء وحدات إدارية على أساس جغرافي، وليس على الأساس القبلي) . كما كان سائداً من قبل.
وكذلك فقد لعبت الحرب العالمية الثانية 1945م دوراً كبيراً في تعديل سياسة الحكومة تجاه النوبا، إذ قد جندت الحكومة آلاف النوبا، واختلطوا بالعرب واشتركوا في حرب "الأحلاف" في شمال إفريقيا وفي اريتريا، وتعرضوا بذلك لتأثير الحضارات الأخرى. ورفع الحظر عن هجرة النوبا إلى شمال السودان. كما فتحت وحدات النوبا العسكرية في الدلنج وكادوقلي لتعيين العرب .

الفرضين الثالث والرابع
الصراع (التمرد) الدي نقل مؤخرا لمنطقة جبال النوبا كان أحد أهم نتائج "سياسة النوبا" التي ابتدعتها الادارة البريطانية فترة احتلالها للسودان .
كان للصراع(التمرد) في الجبال أثره السالب على النسيج الاجتماعي والتنمية في المنطقة .
العوامل التاريخية للصراع في المنطقة
فإن لكل صراع مهما كانت درجته أو شموله، أسبابه الناجم عنها وله نتائجه التي تتمخض عنه تتمثل في إحداث تغير شامل في البناء الاجتماعي لذلك المجتمع وفي خلق ظواهر اجتماعية جديدة.
ومن هنا يمكن القول أن الصراع المسلح أو الحرب الأهلية "التمرد" ، الذي اندلع في جبال النوبا مع مطلع الثمانينات، عندما أنضم عدد من أبناء النوبا إلى (حركة التمرد) في جنوب السودان، التي يقودها العقيد "جون قرنق" رافعاً دعوته المسماة "بتحرير السودان"، و "السودان الجديد" ومن ثم انتقل إلى جبال النوبا فيما بعد على مراحل لهذا الصراع أسبابه الناجم عنها ونتائجه التي تمخضت عنه.
لذا فإنَّ للصراع الذي اندلع في جبال النوبا في أوائل الثمانينات من القرن الماضي جذوره التاريخية تتمثل في الإحساس بالظلم الاجتماعي والاضطهاد والغبن الذي يرى أبناء المنطقة أنه قد وقع عليهم من الآخرين منذ القرن التاسع عشر الميلادي.
فقد سبقت الإشارة إلى أن حكومة الاحتلال البريطانية ابتدعت سياسة إدارية خاصة بمنطقة الجبال أطلقت عليها اسم "سياسة النوبا Nuba policy" قصد منه عزل النوبا عن العرب المسلمين، وحمايتهم من انتشار الثقافة الإسلامية والعربية بينهم، حتى يمكن تطويرهم وفق ثقافة إفريقية وثنية، مسيحية "تشرِّف دينهم (الإنجليز) ومفاهيمهم الإدارية ..." . وقد شملت مفردات تلك السياسة - كما ذكرنا - سياسة الأرض والتي تقضي الاحتفاظ بثلاثة أرباع الأرض الزراعية للنوبا "الخلص" وسياسة الترييف والتي تقضي بإرغام النوبا على السكن في قراهم في الريف وتقييد دخولهم المدن، حتى التجار العرب المسلمين، وحظر هجرة النوبا خارج منطقتهم إلى مدن الشمال. ووضع شروط لتجنيد النوبا في الخدمة العسكرية. واتخاذ سياسة تعليمية خاصة ومحددة بالمنطقة. ثم توَّجت الحكومة تلك السياسة بفرض قانون "المناطق المقفولة" الذي يحرم دخول العرب والمسلمين منطقة جبال النوبا.
وكان من نتائج هذه السياسة "سياسة النوبا"، والتي بلا شك من أكبر عوائق التنمية بمعناها الواسع في المنطقة، وتخلف المنطقة والذي تمثل في: عدم أخذ أبناء النوبا نصيبهم من التعليم كما هو الحال عند إخوانهم في الشمال وبقية أنحاء القطر. وتعثر عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بعض الوقت، وبقاء مظاهر الوثنية والعرى حتى وقت قريب*. واستمر هذا الحال إلى فترة الحكومات الوطنية التي أعقبت استقلال السودان، وما بعده كل ذلك دفع بعض أبناء النوبا إلى الهجرة إلى المناطق الشمالية ليمارسوا بعض الأعمال الهامشية كعمال غير مهرة. ثم نشأ بعض أبناء النوبا وجدوا الفرصة للتعليم في شمال السودان، وهؤلاء لم ينفكوا من الارتباط بأهلهم في الجبال ، فأدركوا بالمقارنة الفارق الكبير بينهم وبقية الجماعات في القطر ومن ثم شعروا "بالمشكلة" وولد لديهم شعور بالغبن وحب الانتقام، لذا عندما ظهر "جون قرنق" على مسرح الأحداث في جنوب السودان، وجدوا ضالتهم فيه وانضم إليه عدد كبير منهم، ثم ما لبثوا أن سحبوا الصراع إلى منطقة الجبال.
وقد تضافرت عوامل أخرى شكلت الواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة، فمثلما نشأ في الساحة السياسية في السودان قوى إقليمية كان هدفها الاساسي التنمية وخدمة المنطقة ثم ما لبثت أن تحولت الى حركات سياسية ، تمشيا مع واقع الحال الذي فرضته الظروف ، مثل مؤتمر "البجا" و"نهضة دارفور"، نشأ كيان سياسي عرقي سمي "اتحاد عام جبال النوبا" استغل واقع التخلف الذي تعيشه المنطقة وعمل على إضرام مشاعر العنصرية، وقد تعزز هذا الشعور عند المتعلمين منهم فكانت الاستجابة للشعارات التي رفعتها "حركة التمرد" بإنصاف الأقاليم "المظلومة" والتخلص من بعض "العناصر المتسلطة".
وتعززت الاستجابة للشعارات بالانضمام العملي إلى الحركة بدخول أبرز قادة تنظيم أبناء النوبا إلى "الغابة" وعلى رأسهم الأستاذ "يوسف كوة" المعلم بالتربية والتعليم "وعبد العزيز آدم الحلو" خريج كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم.
ومن أسباب الصراع في منطقة جبال النوبا أيضاً بروز الاختلاف الداخلي والتنافس أحياناً بين صفوف أبناء النوبا أنفسهم ، الأمر الذي أدى إلى قيام كيانين سياسيين في الجبال هما: "الحزب القومي" بقيادة "الأب فيليب عباس غبوش" "مسيحي" و"اتحاد عام جبال النوبا" بقيادة الدكتور الأمين حمودة "مسلم".
وكان من إفرازات ونتائج ذلك الصراع الداخلي إيجاد شعور وسط جماعات النوبا في المنطقة الجنوبية "كادوقلي" بهيمنة جماعات النوبا في المنطقة الشمالية "الدلنج" ، مما أدى إلى قيام تنظيم سياسي عرف "بمنظمة شباب كادوقلي" بقيادة يوسف كوة قبل انضمامه لحركة التمرد ليواجه جماعة "النيمانج" تلك الجماعة التي استأثرت بالتمثيل النيابي والسياسي للنوبا عبر التاريخ ذلك لكثرتها العددية وارتفاع نسبة التعليم فيها.
ومن جهة أخرى ظهر تنافس أو صراع سياسي بين المسلمين والمسيحيين، حيث ظل التمثيل السياسي للنوبا محتكراً للأب فيليب عباس غبوش "المسيحي" رغم غلبة المسلمين العددية. ويتهم البعض أن الدوائر الكنسية كانت وراء ذلك لحرصها على القيادة المسيحية للنوبا. ومن ثم برز إلى السطح الصراع داخل اتحاد جبال النوبا والحزب القومي بين التيار المسيحي والتيار الإسلامي في المنطقة مؤخراً.
وكان للأحزاب السياسية السودانية دوراً كبيراً في هذا الصراع ممثلاً في التنافس السياسي بين حزب الأمة المستند على عرب البقارة والحزب القومي السوداني المستند إلى الجماعات النوباوية، الأمر الذي جعل الصراع السياسي يأخذ أبعاداً قبلية وعرقية، وقد أدى ذلك إلى تنامي الصراع بين المجموعات الإفريقية والعرب. هذا فضلاً عن أن بعض الأحزاب قد انحازت إلى قبائل بعينها، فوضعت استراتيجيتها المستقبلية على أساس العرقية الأمر الذي أفسح المجال إلى الشك في أن بعضهم يسعى لإبادة البعض الآخر. فمن ذلك أحزاب اليسار السوداني قد اتخذت استراتيجيةً تقوم على جعل العناصر الإفريقية سلاحاً تستخدمه في مواجهة التوجه الإسلامي .
كما أدت ممارسات بعض الحكومات الوطنية في استهدافها الأمن في المنطقة إلى إضرام الصراع، بدخولها في الصراع المسلح بتسليح بعض الجماعات العربية، مما أدى إلى انضمام أعداد كبيرة من أبناء النوبا إلى حركة التمرد. وإن كانت تلك الممارسات من قبل الحكومات قد بُنيت في إطار مقاومة التمرد، إلا أن الشعارات التي رفعت والكيفية التي عولجت بها جعلت بعض الأطراف تفهم هذا على أنه حملة ضد الجماعات النوباوية بأسرها، وأدى ذلك إلى زيادة الصراع، كما أدى إلى التصور بأن تلك الحكومات وأجهزتها الأمنية منحازة للعناصر العربية في حربها ضد العناصر الزنجية.
وكان من نتائج هذا الصراع في منطقة الجبال إهمال التعليم فارتفعت نسبة الأمية وضعف الوعي السياسي في المنطقة فعزز هذا بدوره الصراع ، فكان بذلك سبباُ ونتيجة.
كما انتشر السلاح غير المقنن لدى المواطنين بسهولة ويسر تحت ستار الدفاع عن النفس، الأمر الذي شجع بعض المغامرين على استخدامه في قطع الطرق و"النهب المسلح" وذاعت مقولة: ( العندو كلاش العيشة بلاش)، أي من امتلك سلاحاً عاش بدون تعب أو نصب.
ومن الأمور التي ساعدت ذلك أيضاً، ما قامت به السلطة في عهد حكومة مايو (1969/1985م) لأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية. حيث قامت بالترحيل القسري لبعض العناصر الوافدة والمتعطلة وإعادتهم إلى مناطقهم التي قدموا منها "بقصد تعميرها". وقد شملت تلك الحملات وهي ما عرف بمصطلح "الكشات"، بعض أبناء الأقاليم من الجنوبيين والنوبا وغيرهم، ففسرت هذه العملية بواسطة العناصر. لاعتبارها ضرباً من ضروب التفرقة السياسية والاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد. ومن ثم اتخذت حركة "التمرد" هذا المدخل لتوغر صدور أولئك المبعدين وضمهم إلى صفوفها.
ومن مظاهر الغبن التي تسببت في الصراع المسلح في المنطقة: أن نصيب النوبا من تقسيم العمل في النشاط الاقتصادي في المنطقة هو العمل الزراعي التقليدي إذ الغالبية العظمى منهم تعمل في هذا المجال ، وتقوم جماعات عرب البقارة بالرعي، وأما التجارة فهي من نصيب "الجلابة" وهم أناس قدموا من خارج الإقليم. ولم تشهد المنطقة محاولات جادة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية طوال عهودها التاريخية باستثناء محاولات التحديث الزراعي التي بدأت عام 1972م. إلا أن هذه التجربة نفسها لازمها الفشل فيما نتيجة الأوضاع الإدارية ومحدودية الإمكانات.
وأما التجارة وهي من المناشط الاقتصادية المهمة في المنطقة فيقوم بها جماعة من خارج الإقليم - كما ذكرنا - وهم الفئة التي تعرف بمصطلح "الجلابة" وذلك لأسباب التخلف الاجتماعي والاقتصادي التي يعيشها سكان المنطقة، فتسبب هذا أيضاً في الشعور بالغبن والكراهية لهؤلاء الجلابة. وقد عبرت "رابطة أبناء النوبا" في دستورها عن ذلك بإطلاقها على هؤلاء التجار صفة "الفئة الهدامة".
ولا شك فقد كان لهذا الصراع بكل درجاته آثاراً سالبة على عمليات التضامن الاجتماعي. ومن ثم نزوح أعداد كبيرة جداً من النوبا إلى المناطق الأخرى التماساً للعمل والتعليم وبحثاً عن الأمن. وهذا لا يخفى أثره على الجوانب الثقافية والاجتماعية على الإنسان وبيئته.
ونخلص هنا الي الحديث عن الهوية عندما تكون عاملا للصراع ونتيجة له في نفس الوقت فتكون وقتها أكبر مصدر لهتك النسيج الاجتماعي وأكبر معول لتحطيم التضامن بين الجماعات . فسكان المنطقة الآن يكاد يكونون مستقطبين بين حزبين سياسين هما : حزب المؤتمر الوطني الذي يطرح برنامج" التوجه الحضاري" في قضايا الاجتماع والاقتصاد ونظام الحكم وحزب الحركة الشعبية ’المنتمية الى الجنوب’ التي تطرح برنامج" السودان الجديد " والتوجه العلماني في قضايا الاجتماع والاقتصاد ونظام الحكم ، الامر الذي قاد المنطقة الي صراعات ومهاترات أزهقت الارواح وأبادت الممتلكات وزعزت الاستقرار ولم تهدأ حتى بعد أن حدد الجنوب موقفة من قضية الانفصال أو الوحدة مع الشمال . كل هذا انعكس سلبا على التنمية الاقتصادية والسياسية في المنطقة فهي تحاول اليوم استكمال بناءها السياسي بانتخابات تكميلية في جو مشحون بالتوترات و الصراعات السياسية .
الخــــــــــاتمة
تخلص الورقة من خلال تتبعها للتاريخ الاجتماعي للمنطقة الى أن:
البيئة الجغرافية مع البيئة الاجتماعية في منطقة جبال النوبا ممثلة في الغابات الكثيفة والخيران والقمم الجبلية العالية التي تتخللها السهول الخصبة الواسعة لها أثرها الواضح في النسق المورفولوجي خاصة في حركة السكان واتصالاتهم الداخلية والخارجية مما شارك مع عوامل أخرى في عزلتهم بعض الوقت وشكل ثقافات فرعية محلية للوحدات العشائرية المكونة لمجتمع المنطقة. الأمر الذي أدى بدوره لتعدد لغاتهم ولهجاتهم. وكل هذا زرع أحد بدور الصراع وهتك النسيج الاجتماعي.
وأسفرت الورقة أيضاً عن أثر العزلة التي عاشها سكان الجبال لحين من الدهر في تباين المعتقدات واختلاف وتنوع الممارسات والنشاطات الدينية، حيث استمر وجود الوثنية بأشكالها المختلفة وممارستها المتباينة. بجانب الدين الإسلامي والمسيحية لفترة طويلة، على الرغم من دخول الإسلام والمسيحية وانتشار ثقافاتهما في المنطقة منذ أمد بعيد.
;كما انتهت الورقة الي أن من أكبر عوامل عوائق التنمية وتخلف المنطقة، ما عرف في تاريخ المنطقة بمصطلح "سياسة النوبا Nuba Policy" تلك السياسة التي ابتدعتها حكومة الاحتلال البريطاني لتعزيز عزلة النوبا و"حمايتهم" من "زيف" الثقافة العربية الإسلامية. غير أن ما أتبع من إجراءات وما تضمنته هذه السياسة من بنود، كقانون المناطق المقفولة Closed Districts كان سلباً على أهداف هذه السياسة نفسها. وأما المنطقة فكان نصيبها تعميق العزلة ومن ثم تعويق عمليات التعايش السلمي وتخلف المنطقة اقتصادياً واجتماعياً.
وصلت الورقة الي أن من عوامل الصراع التي تحسب كعائق من عوائق التعايش السلمي السياسات التعليمية المتضاربة التي خضعت لها المنطقة في تاريخها، بتباين الحكومات التي تعاقبت والاختلاف في الأهداف التربوية التي تنشدها كل حكومة ، الأمر الذي جعل المنطقة محل تجارب لعدة مناهج تعليمية وأساليب تربوية كان أثرها سلباً على تنمية المنطقة الأمر الذي جعل بعض أبناء المنطقة يشعر بالضيم ويعبر عن إحساسه بهذه "لمشكلة الاجتماعية" بالصراع المسلح الذي يدور في المنطقة.
بينت الورقة أن للصراع المسلح الذي نشب في المنطقة في أوائل الثمانينات من القرن الماضي كانت له أسبابه التاريخية التي نجم عنها. ومما زاد من قوة شعور أبناء المنطقة ببعض الضيم الذي يرون قد لحق بهم في مجالات التنمية والتعليم وما إلى ذلك من الخدمات، فكان الصراع بذلك نتيجة لأسباب وعوامل تمخض عنها، ومن ثم أصبح بدوره عاملاً من عوامل هتك النسيج الاجتماعي وزرع الشكوك والتمايز بين أبناء المنطقة .
كما اتضح أن قضية الهوية باشكالها لم تكن في المنطقة مصدر صراع أو نزاع قبل الاحتلال البريطاني، الا أنها قد اضحت مؤخرا ومع عوامل مستجدة مصدرا يهدد الاستقرار والتعايش السلمي، خاصة في مجالات التصنيفات السياسية والعرقية وأحيانا الدينية للسكان .

المصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا در

  • أحمد عبد الرحيم نصر: "الكجور عند النيمانج" مجلة الدراسات السودانية ، العدد الثاني ، المجلد الأول ، (يونيوز 1969م).
  • روبين تلوال "دراسة عن اللغات النوبية" ، جريدة الصحافة السودانية ، العدد 4600 بتاريخ 31/8/1974م.
  • سليمان علي سليمان (سبل تطوير المناهج) مجلة السياسة الاستراتيجية المجلد الثاني ، السنة الثانية (صفر 1305)
  • مجلة السودان في رسائل ومدونات (S. N.R)*
  • مجلة العالم المسلم (M.W) أكتوبر 1937م
  • Elles, R.J., “The Kingdom of Tegali with Plate” S.N.R vol. xv111 (1935).
  • Gillan. J. A., “Some Aspect of the Nuba Administration” Sudan Government Memorandum No, 1 (November 1930).
  • Hillilson, s., “ The Nuba Orgin” S.N.R., vol, XIII (1930).
  • Hillilson, S., “Note on the Dago” S.N.R, vol. v11(1925).
  • Hinderson, K.D., “A Note on the Migration of the Messeria Tribe into the south West Kordofan” S.N.R. vol. xx11 (1939).
  • Kuaczer, P.D., “The Affitti Nuba of Jabel Dair” S.N.R vol. vi (1923).
  • Mac Dairmid: “Note on The Nuba Customs and language” S.N.R. vol. x (1925).
  • Sagar, J. W., “Note on the History of the Religion and Custom of the Nuba” S.N.R. vol. v. (1922).
  • Nadel, S.F., “The Hill Tribes of the Kadero” S.N.R, vol xx1 (1940).
  • Seligman, C.G., “The pagan Tribes of the Nilotic Sudan”. S.N.R, vol., XII (1930).
  • Stevenson, Roland, C., “Some Aspects of The Spread of the Islam in the Nuba Mountains” S.N.R, vol. v111 (1963).
  • Stevenson, Roland, C., “The Nimang of the Nuba Mountains” S.N.R. vol, XXIII (1940).


  • مكتب الرعاية الاجتماعية ، كادوقلي (دراسة أنثربولوجية استطلاعية لمجتمع قبيلة طروجي) 1980م.
  • ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد: المقدمة في كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ، بيروت، دار القلم ، "بدون تاريخ".
  • ود ضيف الله ، محمد بن النور: كتاب الطبقات في الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان ، تحقيق: الدكتور يوسف فضل حسن ، الخرطوم ، (1971م).
  • نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ، بيروت ، دار الثقافة (1967م).
  • يوسف فضل حسن: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي (1450-1821م) ، الخرطوم ، الدار السودانية للكتب ، ط2 ، (1972).
  • حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام في القارة الإفريقية ، القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية، ط2 ، (1963م).
  • الدكتور يوسف فضل حسن ، والدكتور محمد إبراهيم سليم ، والدكتور محمد أحمد الحاج، من معالم تاريخ الإسلام في السودان ، الخرطوم ، دار الفكر للطباعة (1982م).
  • محمود شاكر: مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا ، السودان ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، ط2 ، (1401-1981م).
  • محمد رياض: الإنسان دراسة في النوع والحضارة ، بيروت ، دار النهضة العربية، ط2 ، (1974م).
  • كمال الدسوقي: الاجتماع ودراسة المجتمع ، مكتبة الأنجلو المصرية (1971م).
  • فؤاد محمد الصقار: دراسات في الجغرافية البشرية ، القاهرة ، دار النهضة العربية (1965م).
  • محمد عمر بشير: تطور التعليم في السودان (1898-1956م) ، ترجمة: هنري رياض وآخرين، بيروت ، دار الثقافة (1970م).
  • أحمد عبد الرحيم نصر: الإدارة البريطانية والتبشير المسيحي في السودان ، دراسة أولية ، الخرطوم ، وزارة التربية والتوجيه (الشئون الدينية والأوقاف) ، 1979م.
  • فاروق مصطفى إسماعيل: اثنوجرافيا كارلنجا دراسة في التغير الثقافي في جبال تلشي ، جنوب كردفان – السودان ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية (1982م).
  • محمد هارون كافي: الكجور في جبال النوبا ، الخرطوم ، معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية ، جامعة الخرطوم ، "بدون تاريخ".
  • التجاني الشيخ شبور: التعليم ومنهج الأهداف السلوكية ، المنظمة العربية للتنمية الزراعية، جامعة الدول العربية (1983م).
  • سيف الإسلام علي مطر: التغير الاجتماعي دراسة تحليلية من منظور التربية الإسلامية ، المنصورة ، دار الوفاء للطباعة ، (1988م).
  • عبد الرحمن زاهي رشدان ، علم الاجتماع التربوي ، عمان ، دار عامر للنشر والتوزيع ، (1404-1984م).
  • سناء الخولي: التغير الاجتماعي والتحديث ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية (1993م).
  • فادية عمر الجولاني: التغير الاجتماعي مدخل النظرية الوظيفية لتحليل التغير ، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب ، (1997م).
  • جي روشيه: علم الاجتماع الأمريكي ، دراسة لأعمال تالكوت بارسونز ، ترجمة: د. محمد الجوهري ، القاهرة ، دار المعارف (1981م).
  • علي ليلة: البنائية الوظيفية في علم الاجتماع والآنثرروبولجيا ، القاهرة ، دار المعارف (1982).
  • محمد علي محمد: علم الاجتماع والمنهج العلمي ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية (1988م).
  • السيد الحسيني: النظرية الاجتماعية ودراسة التنظيم ، القاهرة ، دار المعارف ، ط3 ، (1981م).
  • نبيل محمد توفيق السمالوطي: الانثروبولوجيا وقضايا علم الاجتماع النظرية والمنهجية والتطبيقية، الإسكندرية ، دار الكتب الجامعية ، ط2 ، (1977م).
  • محمد عاطف غيث: الموقف النظري في علم الاجتماع المعاصر ، الإسكندرية ، دار الكتب الجامعية ، ط2 ، (1977م).
  • مصطفى الخشاب: دراسة المجتمع ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية (1967م).
  • عبد الباسط محمد حسن: علم الاجتماع ، القاهرة ، مكتبة غريب (1982م).
  • محمد الهادي عفيفي: التربية والتغير الثقافي ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية (1975م).
  • محمد عاطف غيث: قاموس علم الاجتماع ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية (1996م).
  • أحمد أبو زيد: البناء الاجتماعي ، مدخل لدراسة المجتمع ، الجزء الأول (الأنساق) ، القاهرة ، الدار القومية للطباعة والنشر (1967م).
  • نيقولا تيماشيف: نظرية علم الاجتماع ، طبيعتها وتطورها ، ترجمة: محمود عودة وآخرين، القاهرة ، دار المعارف ، (1970م).
  • محمد عاطف غيث: محاضرات في علم الاجتماع ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، (1979م).
  • محي الدين صابر: التغير الحضاري وتنمية المجتمع ، سرس الليان (1962م).
  • مصطفى الخشاب: علم الاجتماع ومدارسه ، الكتاب الثاني ، القاهرة ، دار البيان العربي، (1965م).
  • إبراهيم مدكور: معجم العلوم الاجتماعية ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب (1975م).
  • جون أرك وفورد سكوج: التغير الاجتماعي ، ترجمة: محمد خيري محمد علي ، وزارة الشئون الاجتماعية ، مصر ، الدار العامة للتدريب (1969م).
  • محمد مختار الهواري: التغير الاجتماعي والتنمية في الوطن العربي ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، (1993م).
  • محمد طلعت عيسى: فلسفة التغير المخطط ، القاهرة ، مطبعة القاهرة الحديثة (1971م).
  • السيد محمد بدوي: "المورفولوجيا الاجتماعية المنهجية عند بن خلدون" أعمال مهرجان ابن خلدون ، انعقد في القاهرة عام 1962م ، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة (1962م).
  • علم الدين جاسم البياتي: علم الاجتماع بين النظرية والتطبيق ، بغداد ، دار التربية "بدون تاريخ".
  • عرفات عبد العزيز سليمان: دينامكية التربية في المجتمعات ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية (1979م).
  • سراج الدين عبد الغفار: الصراع في جبال النوبة ، للفترة من (1984-1996م) ، بحث ماجستير منشور ، الخرطوم ، جامعة إفريقيا العالمية (1996م).
  • حيدر إبراهيم علي: التغير الاجتماعي والتنمية ، الإمارات العربية المتحدة ، العين، مكتبة الإمارات ، ط2 ، (1985م).
  • مصطفى خالدي وعمر فروخ: التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، بيروت ، المكتبة العصرية (1982م).
  • أحمد شلبي: تاريخ التربية الإسلامية ، بيروت ، المكتبة العصرية (1954م).
  • هولت، ب. م. المهدية في السودان (1881-1898م)، أكسفورد (1958م).
  • حسن مكي محمد أحمد: السياسة التعليمية والثقافة العربية في جنوب السودان ، الخرطوم ، معامل التصوير الملون (1983م).
  • جانها بنزجون: الإنسان: عرض للثقافة الإفريقية الحديثة ، ترجمة: عبد الرحمن صالح ، القاهرة ، الدار القومية للطباعة والنشر ، "بدون تاريخ طبعة".
  • عبد الهادي الجوهري: قاموس علم الاجتماع ، القاهرة ، مكتبة نهضة الشرق (1983م).
  • الدارسون بمعهد الخرطوم الدولي للغة العربية "تعليم اللغة العربية في جبال النوبا" بحث غير مطبوع (1979).
  • كنيسة الأبيض "ذكرى مرور 100 عام على تأسيس كنيسة الأبيض" بحث غير مطبوع مودع بكنيسة الأبيض.
  • الدكتور السيد محمد البدوي "مذكرات في علم الاجتماع الديني" أوراق غير مطبوعة مودعة بمكتبة جامعة أم درمان الإسلامية.
  • مصلحة الإحصاء الخرطوم ، فرع تعداد السكان ، قسم المعلومات ، "النتائج الأولية لتعداد السكان الثالث" (1983م).
  • عطا محمد أحمد كنتول: الإسلام والتبشير المسيحي في جبال النوبا (1932-1956م) ، رسالة ماجستير في التاريخ والحضارة الإسلامية ، جامعة أم درمان الإسلامية ، كلية الآداب (1991م) غير منشورة مودعة بمكتبة جامعة أم درمان الإسلامية.
  • الشئون الدينية والأوقاف ، الخرطوم "تطور التعليم في السودان" بحث مطبوع بالرونيو مودع بقسم الدراسات الإسلامية بوزارة الشئون الدينية.
  • صديق عطا المنان: التعليم الديني في جبال النوبا ، رسالة ماجستير ، (1986م) غير منشورة ، مودعة بمكتبة جامعة إفريقيا العالمية.


  • Department of Statistics, census Office, Khartoum, Fourth Populations Census of Sudan 1993: Final Tabulations, Southern Kordofan State (May 1995).
  • Dr. Ahamed Osman M., A History of British Policy Towards the Nuba, P.H.D, thesis (unpublished) University of Khartoum (1977).
  • Dr. Kamal el – Din Osman Salih, The British Administration in the Nuba Mountains Region of the Sudan (1900-1950) P.H.D. Thesis (Unpublished) University of Khartoum (1980).
  • Nadel, S. F, The Nuba: An Anthropological study of the Hill Tribes in Kordofan, London, Oxford U.P. (1947).
  • Mac Michael, H.A., A history of the Arabs in the Sudan, Frank Cass and Co. (1967).
  • Hassan, Y.F., The Arab and the Sudan, Edinburgh (1967).
  • Giovanni, Vantini, Christianity in the Sudan, Italy (1981).
  • Pallme, I., Travel in Kordofan, London, J. Madden and Co. (1944).
  • Wilson Cash, Changing Sudan, London, Church Missionary Society (1930).
  • William, B. Anderson, The Church in the North and East Africa, London Lutterwarth Press (1963).
  • Riefenstahl, Leni, The Last of the Nuba, Collins St. James Place (1975).
  • Stevenson, Roland C., The Nuba People of Kordofan Province: An Ethnographic Survey, Khartoum U.P. (1984).
  • Gensbery, Morios, Essays in Sociology and Social Philosophy, Evaluation and Progress, volume 3, William Heinei Man Lit., London (1961).
  • Rogers, E. M., Social Change in Rulal Society, Applenton Crafts, Inc New York (1960).
  • Ogburn, W., Social Change, New York, Longmans Co., (1976).
  • Von Wiese, Sociological study of Social Change, London, Nostrand Co., Inc (1965).
  • William, R., and Loomis, Modern Social Theories, Van, Nostrand Co., Inc. New York, London (1963).
  • Martindale, Don: Social life and Culture Changes, Van Nostrand Co., Inc. Prinston New York, Jersey Canada (1962).
  • Foster, George: Traditional Societies and Technological Changes, 2nd ed., New York, Harper and Row (1975).
  • Fairchild: “Dictionary of Sociology” Philosophy Library, N. Y., (1940).
  • Burchkhardt, Travels in Nubians, London (1819).
  • Seligman, S. G., Pagan Tribes of the Nitotic Sudan, London George and Sons (1932).

المصدر: مركز التنوير المعرفي الخرطوم



hgjhvdo hgh[jlhud g[fhg hgk,fm