توثيق الزواج النوبي


ونبدأ بسم الله بالخطوبة:
كانوا يفضلون زواج الأقارب وذلك من أجل تقوية العلاقات بين الاسر لأنه قد تكون العلاقة بين تلك الأسرقبل الزواج غير مرابطة ومتباعدة عن بعضها , وفي حالة أن يتم الزواج من الأقارب يكون في ذلك صلة رحم وحفظا للانسان وتقوية الروابط الاسرية وتشابه العادات والتقاليد ولزيادة تآلف القلوب وصلة الأرحام التي هي أعظم الأمور عند الله وخلاف ذلك الزوج و الزوجة يعرفان طباع بعضهما البعض من قبل زواجهم ماذا يملك وماذا يأكل ومدي مستوي فهم الزوج والزوجة وكل هذا يساعد في استقرار الحياة الزوجية . وكان الرجل يخدم حميه وحماته وكذلك الحمو والحماة يحبان صهرهما ويعملانه كأنه أحد أبنائهما ويبالغان في مداراته فلا يسيئان اليه مهما كان شأنه . وأبن الأخت كان عزيز جدا , لذا كان الخال يعتني بابن أخته ويربيه كما يربي ابناءه . وكانوا عادة يرغبون زواج الاولاد من بنت الأخت أوالأخ ومن ثم من داخل الأقارب ومن أهل البلد وفي المرحلة الأخيرة من القري المجاورة بحكم مجتمعات تقليدية بين الناس وهذا التعارف يكون مبنيا من القرابة والرحم أو الجوار أو السكني أو الاشتراك في الثقافة والتراث .
وغالبا كان الأب أو الجد هو الذي كان يقوم باختيار العروسة لابنه كرغبة من الوالدين أو تنفيذا لوصية أحد الأجداد أو الجدات ويتم الاختيار من داخل العائلة أو من ذلك المحيط المتعارف أو من القري المتجاورة ولأن الأولاد في ذلك الزمن كانوا أشد الأوفياء ولذلك كان يوافق غالبا , وأما البنت ليست لها أي حق في تحديد أمرها ! والأمر كلها في يد الوالدين . وعند بعض الأسر كان الأخوان يتفقون ويحددون تزويج أولادهم وبناتهم في المستقبل اتفاق شفهي وبدون أي قيود وهذا الأخير في قليل من الأسر ونادرا جدا . ولأنهم كانوا يزوجون بناتهم في سن مبكر , واذا البنت وصلت سن العشرين دون الزواج , كان الجميع يدعون لها ويتعاطفون معها ويرونها سيئ الحظ .
ومن العادات السائدة كانت اذا أراد شخص بنت شخص آخر يشاور أهله قبل الذهاب وبموافقة أهله يذهب ويطلب يد البنت واذا وافقت والد البنت أيضا يطلب مهلة يومين لمشاورة أهل البنت وكانوا يسمون هذا ( بالمشورة ) , وهذه هي المرحلة الأولي من الخطوبة .
واذا سمع شخص من أقرباء العريس أو العروسة قبل مشاورتهم بخبر خطوبتهم من من ناس آخرين كانوا يقاطعون المناسبة لأنهم آخر من يسمعوا و من برة العائلة بحكم أنهم ما اعطوهم أي اعتبار وأخذ في خاطرهم الملامة! ولذلك كانوا شديد الحرص لابلاغ كل الأقرباء . وبعد ذلك وفي جلسة مشتركة بين اسرة العريس والعروسة يتم تحديد موعد الزواج ولا يتجاوز المدة أكثر من اسبوعين في أغلب الحالات .
البدء في التجهيز : ولأن العروس هي التي كانت تأسس بيت راجلها في ذلك الزمن وليس كما هو معلوف الآن وكانت حياة الناس يومئذ بسيطة , وبعيدة عن التكلف والتعقيد وبيت واحد كان يضم أكثر من اخوان مع زوجاتهم , كل أخ في غرفة مستقلة بينما مطبخ مشترك بين كل الاخوان . و كان تأسيس غرفة العروسة معروفة ومحدودة ويتكون من أبراش ( قجري ) وصحون ومشلعيب ( اولير ) المصنوع من حياكة شعر الأغنام بالاضافة الي المكبات وهي ( الشيور ) والطباق وهو ( الكنتي ) والباطية وهي ( سيلدي ) وهي أنية صغيرة لتقديم الودة , وهذا كل ما يحتاجه العروسة في تأسيس بيت راجلها . لذا بعد اعلان الزواج يتم تحديد يوم أو أكثر لتجهيز مجموعة من نسج الترتر , ( والترتر بضم التاء ) هو بالرطانة يسمي ( نيتي ) وبعد انتهاء نسج الترتر يحدد يوم لصنع الأبراش ذات الجودة العالية من حيث الأشكال والألوان وفي غاية من الابداع وهذا النوع من الابراش يسمي بالرطانة ( قجري ) والتجهيز للقجري بدعوة مجموعة من النساء ممن لهن القدرة العالية في التصنيع ويتم تلوين سعف النخل وسيقان القمح المقشر بالصبغة والكركم المستورد من أسواق كرمة النزل أو من أم درمان وهي صبغة صناعة هندية عالية الجودة أما الصبغة المصرية كانت من أسواق حلفا و ليست كانت مرغوبة لرداءتها وأقل فعالية عن الصبغة والكركم الهندي .
وبعد تجهيز أبراش القجري , يبدأ تحديد يوم آخر بواسطة سيدات الحي يوم الشعيرية , وهذا أمر مهم للغاية وصناعة الشعيرية يستغرق يوم واحد فقط وطريقة التجهيز وفي منزل العروسة يتم فوق أبراش وضع صفائح أو جرادل ويتم رص جريد النخل وفوق الجريد تبرم الحريم بكليتي يديهن العجين المخصص للشعيرية وتنزل العجين في شكل خيوط علي مروق جريد النخل وبعد انتهاء صنع الشعيرية ينقل الي الشمس حتي ينشف ويتم تخزينه وأهمية الشعيرية هو فطور العريس وحاشيته طيلة بقاء العريس في منزل العروس والمدة فقط اسبوع واحد , والحاشية هي الفريق المكون من النساء لمرافقة العريس ومهمتهن تجهيز العريس من الحنة والدلكة والكحل والتدليك بزيت الطعام والنزول مع العريس الي النيل كل يوم لمدة اسبوع وهن المسؤولة من الطعام الخاص للعريس وعروسته ويسمي هذا الطعام ( اشا مون ) وهذه الحاشية في شكلها وفي لبسها مميز عن بقية النساء وعلي رؤوسهن شريط عليه مجموعة من الودع يسمي بالرطانة ( قاس ) وهو بمسابة التاج وهذه الحاشية يسمي بالرطانة ( د شاري ---- أو نقدو ) ويرافق الحاشية طفل صغير السن لا يتجاوز 9 سنوات ومهمته حمل السيف وهو الوحيد الذي يذهب مع العريس الي الخلاء لقضاء الحاجة واذا جلس العريس لقضاء الحاجة يكون هذا الصبي واقف فوقه بسيفه من أجل ان لايصيب الشيطان العريس !! ( اعتقاد نوبي ) ! . هكذا انتهينا من القجري وتجهيز الشعيرية . وكل شئ بالزغرودة
وكما لا حظنا جميعا كل شئ بمساعدة أهل البلد والكل يتكاتف من الرجال والنساء وما ذكرناه هو فترة التجهيز ولازلنا أمامنا الشيلة ( الأبا ) وطقوس نوبية غريبة من يوم الشيلة ( الأبا ) وليلة الحنة والصباحية ويوم الدقر وكيف كانو يمرون في كل بيت وبقية الأيام الي يوم الأربعين أنتظروا المثير المشوق ولكنها ذات نكهة جميلة وباقي لنا حلقتين لتوثيق الزواج النوبي وكل شئ بتكاتف الجميع . وعلي شباب اليوم المقارنة كيف كان التكاتف في الماضي وكيف حالنا الآن .
وفي سورة المائدة يقول سبحانه وتعالي : ( وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الأثم والعدوان ) .
ومعروف أن تعاون الناس فيما بينهم في كل شئ هو من مقاصد الشرع فالناس ما فتي بعضهم في حاجة بعض لا يستغني أحد منهم عن الآخرين مهما أوتي من أسباب الحياة وهكذا تمضي عجلة الحياة في السير حتي تتحقق معها المصالح والمنافع المتبادلة ولابد أن يستمر التعاون بصورة دائمة لا ينقطع ولا يضعف لأن ديننا السمح أمر أن يتم التعاون والتكاتف والترابط في اطار البر والتقوي فالبر كلمة جامعة لكل خير أو تعاون فيما أهل ألله وأباحه وجمع الخير والتقوي ضمان الصدق في التعاون والاستمرار فيه .
==============================
لذا ما أقوم بتوثيقه ليس من أي كتاب وأنما جهد مني فقط في حدود ذاكرتي ولأن التوثيق مسؤولية لأنه يتحدث عن تاريخ أمة أرجوا من له المقدرة المساعدة والتصحيح مع الملاحظة تركيزي فقط في نطاق منطقة عمودية كوشة وشبيه الي معظم قري السكوت لذا محتاج لمداخلاتكم للتوثيق الدقيق .
(والي القاء في الحلقة القادمة )


j,edr hg.,h[ hgk,fd