قبيلة الحلنقة عبر قرون

في مقالي الأسبوع المنصرم تحدثت عن كسلا وقلت انه ما ان يذكر أسم التاكا حتي يتقافز إلى الاذهان اسم "الميرغني" لكأنهما اسمان لمعني واحد. أقول أيضاً ما أن يذكر أسم كسلا حتي يتقافز الى الاذهان اسم قبيلة الحلنقة لعراقتها وقدمها ويقول المؤرخون أن الحلنقة قبيلة تنتمي إلى "قبيلة هوازن العربية" وهوازن عرفت بين قبائل العرب ببسالتها وبأسها الشديد حاربت الاسلام في جاهليتها وانتصرت للاسلام بعد إعتناق دينه الحنيف لذلك وصفت هوازن بأنها خيار القبائل في الجاهلية وخيارهم في الإسلام وهي التي هاجرت من الجزيرة العربية الى أثيوبيا أيام الصراعات الدموية في العهد العباسي ولما كانت القبيلة تدين بالاسلام اشتبكت في صراع مع بقايا مملكة أكسوم المسيحية ومرة أخرى تهاجر القبيلة إلى كسلا وكانت رحلة طويلة وشاقة تابعت فيها القبيلة نهر مآرب "القاش" وظلت تصينه وتسافر الشهور حتي استقر بها المقام بمدينة "فكي أندواب" وهو اسم كسلا الأول والذي أطلقه الحلنقة على كسلا ثم تبعثروا في أحياء الختمية والحلنقة حتى إنتشرت مجموعات منهم "بمكلي بالقاش" وفي عواضات وفي كليل ولما لاحقها الملك ربكاسا الحبشي تصدت له القبيلة ودخلت معه في معارك ضارية حتى تبددت جيوشه وسميت المنطقة "رباكسا" تخليداً لتلك المعركة التي انهزم فيها الملك الحبشي.
ويقول المؤرخون حينما حطت القبيلة برحالها في كسلا كان لسان أفرادها عربياً فصيحاً ثم اكتسبت لغة البجا من القبائل التي وجدتها بكسلا ويقول المؤرخون ان أول قبيلة قد استقرت بكسلا هي "الكرتكناب" وهي فرع من اللبت ثم الحفرات وكلتا القبيلتين تنتميان إلي قبيلة بني عامر ويضيف المؤرخون أن قبيلة اللبت هي أصل قبائل البجا ونحن نقول إن الحدود بيننا نحن أهل الشرق وبين إثيوبيا وارتيريا ومصر حدود وهمية صنعها المستعمر وهم يتقاسمون ثروات البلاد.. إن المؤرخين يجمعون على أن البجا والحبش والصومال والنوبيين ابناء كوش بن حام بن نوح أنهم قومية واحدة سماها اليونانيون اثيوبيا.. بمعني ذو الوجوه المحروقة وكلمة "كوش" تعني أسود في لغة البجا"كشياب".
والحلنقة قبيلة ذات تاريخ ناصع صاغتها الاحداث العظيمة ونضالاتها عبر مسيرتها الحافلة بالاحداث ازدهرت مرة وأفل نجمها تارة أخري، أن الأحداث التي مرت بها القبيلة في حروبها مع الاحباش وفي صراعها مع مملكة سنار والاتراك وتفاعلها مع المهدية كفيلة بان تكتب لها شهادة الاصالة والقدم فيكسلا فهم فرسان سادوا المنطقة بالعاديات ضبحاً والصافنات الجياد وتعتبر قبيلة الحلنقة واحدة من "نظارات البجا وأكثرها استقراراً وتعلماً وما أسهم في تطوير القبيلة أنها ودعت تربية الأبقار وحياة الترحال واستقرت بكسلا تنشر العلم بين ابنائها العاملين في الوظائف الحكومية لاسيما الخدمة العسكرية حيث برز من رجالاتها "أبطال في الشرطة" شاركوا في الحرب العالمية الثانية أسماء تزين صدر كسلا بالبسالة والاقدام والحلنقة "قبيلة متحدة الرؤية ملتزمة بقرارات نظاراتها ومجالس الشوري يوحدهم ما اتفق عليه "الكبار" لا يعيش بينهم من يخرج على رأي القبيلة والا لفظوه لذلك لما قررت القبيلة بناء منازل "داخليات" لطلابها بالخرطوم تجمع أفرادها ومشائخها وقرروا التنازل عن حقهم في سلعة السكر لمدة أعوام يشربون البن مراً ليذوق ابناءهم حلاوة السكن المريح بالعاصمة وهيئناً لهم بهذا الإنجاز النابع عن وحدة القبيلة وحبها لنشر العلم أنه الإيثار وسوف يحفظ لهم التاريخ هذا الإعجاز تاجاً على رؤوسهم يحكي أصرار الرجال وعظمتهم ووحدتهم ويقول مستر بول ان الحلنقة يمثلون الدم العربي الممزوج بالإفريقي وهم سلالة تميزت بالوسامة ورقة الإحساس بعيداً عن الوحشية والعنف.
والحلنقة قوم منتجون ويروى لنا التاريخ بأنهم قد بنوا منازلهم بكسلا "بالطين" وكانوا يجلبون التراب علي ظهور الحمير حيث لم تكن هنالك "قلابات" في تلك الأيام وأنهم قوم متعاونون وقد لعب النفير دوراً في حياتهم والحلنقة قليلوا الكلام ولا يحبون الثرثرة واللجاجة الفارغة، وتقول الروايات وباجماع المؤرخين: أن شيخاً من الحلنقة تزوج من الجعليين في شندي وولدت زوجته ولدا سماه الخواض لانه ولد وهم يعبرون النهر، فكانت أسرة الخواويض بشندي وهي مجموعة كبيرة من الأسر عاشت بين الجعليين حلنقية الجذور وجعلية الثقافة وبين قبائل الهدندوة أسر ذات جذور حلنقية وبين قبائل الأمرأر كيانات قوية ذات جذور حلنقية ويقول مستر بول في كتابه "تاريخ قبائل البجا" ان الحلنقة يتحدثون ثلاث لغات العربية والتبداوي والتقري.
التحية لشباب الحلنقة وهم يتحاورون في مجالسهم العامرة لتحقيق التنمية البشرية ونشر الوعي والتحية لهم وهم يتدارسون عن مسار القبيلة بغية اسعادها التحية للراحل المقيم بابكر مالك أبوبكر "أبو التعليم" والذي كان يحمل قلباً أبيض والأخ المرحوم إبراهيم آدم محجوب والتقدير للناظر مراد شكيلاي وتحياتي للقيادي البارز النور بابكر وكيل ناظر الحلنقة وعضو المحكمة والاشادة لسعادة اللواء شرطة بابكر أحمد الحسين الوطني الغيور الذي ظل قلبه علي وطنه الكبير السودان ووطنه الصغير كسلا والذي ظل قبلة لطلاب العلم وطلاب الحاجة.
وأنها شذرات متواضعة من تاريخ هذه القبيلة العريقة أهديها لأهلي الحلنقة مشيداً بنضالهم عبر القرون ورغبتهم في الانعتاق من آثار التخلف والجهل في صمت ودون ضجيج.




rfdgm hgpgkrm ufv rv,k