ثانياً : صفات القرآن التي وصفه الله بها في كتابه العظيم :
وصفه الله عز وجل بأنه عَلِيٌّ فقد ورد في قول تعالى : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} وهذا الوصف يشمل علوَّ قدره ومنزلته ، وعلو صفاته ، وتنزهه عن الباطل والاختلاف والتناقض والضعف وسائر ما لا يليق بكلام الله تعالى من أوصاف النقص ، وهذا الوصف له ما يقتضيه كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} ، قال: بَـيَّنَ شرفَه في الملأ الأعلى ، ليشرِّفَه ويعظِّمَه ويطيعَه أهلُ الأرض).
وأما وصفه بأنه حكيم ؛ فيتضمن ثلاثة معانٍ:
أحدها : أنه مُحكم لا اختلاف فيه ولا تناقض كما قال تعالى : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.
والثاني : أنه حكيم بمعنى حاكم على الناس في جميع شؤونهم شاءوا أم أبوا ، أما المنقادون لحكمه الشرعي فيجدون فيه بيان الحق فيما اختلفوا فيه ، وأما المعرضون ففيه بيان ما يصيبهم من الجزاء النافذ فيهم في الدنيا والآخرة. وهو -كذلك - حاكم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها وناسخ لها وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}
والمعنى الثالث:أنه ذو الحكمة البالغة ، كما قال تعالى: {ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}، وقد جمع الله فيه من جوامع الكلم المبينة لأصول الدين وفروضه وآدابه ومحاسن الأخلاق والمواعظ والحقوق والواجبات والأمثال والقصص الحكيمة ما لا يوجد في كتاب غيره فمن أخذها وعمل بها فقد أخذ الحكمة من أعظم مصادرها وأقربها وأيسرها ، وفي تفسير قول الله تعالى:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}. قال أبو الدرداء في تفسير الحكمة: (قراءة القرآن والفكرة فيه) رواه ابن ابي حاتم. وقال قتادة: (الحكمة: الفقه في القرآن). رواه ابن جرير
وأما وصفه بأنه مجيد ؛ فيتضمن معنيين:
أحدهما : أنه المُمَجَّد أي الذي له صفات المجد والعظمة والجلال التي لا يدانيها أي كلام ، المتنزه عما يقوله الجاهلون مما لا يليق به كدعوى بعض الكفار أنه سحر أو شعر أو من كلام البشر.
والمعنى الآخر: أنه الممجِّد لمن آمن به وعمل بهديه ؛ فيكون لأصحاب القرآن من المجد والعظمة والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة ما لا ينالونه بغيره أبداً كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))
وأما وصفه بأنه عزيز ؛ فيتضمن عِزَّةَ القَدْرِ وَعِزَّة الغَلَبة وعزَّة الامتناع:
فأما عزة القَدْرِ فلأنه أفضلُ الكلام وأحسنُه ، يعلو ولا يعلى عليه ، ويَحْكُم ولا يُحْكَم عليه ، يغيِّر الدُّوَلَ والأحوال ولا يتغير.
قال الله تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد )).
وهو عزيز القدر عند الله، وعند الملائكة، وعند المؤمنين. حتى إنهم من إجلالهم للقرآن لَيُجِلُّون حامل القرآن كما في سنن أبي داوود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط )).
وأما عزة غلبته فلأن حججه غالبة دامغة لكل باطل كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ}وحجج القرآن أحسن الحجج وأبينها وأبعدها عن التكلف وأقربها إلى الفطرة الصحيحة.
ومن عزة غلبته أنه غلب فصحاء العرب وأساطين البلاغة فلم يقدروا على أن يأتوا بمثله ، ولا بمثل سورة واحدة منه ، وقد تحدى الله المشركين الذين يزعمون أنه من أساطير الأولين وأنه قول البشر أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا حتى أقروا بذلك وهم صاغرون كما قال الوليد بن المغيرة على كفره : (والله إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدِق ، وإن أعلاه لمثمر ، وما يقول هذا بشر) رواه البيهقي في دلائل النبوة.
وأما عزة الامتناع فلأنَّ الله تعالى أعزَّه وحفظه حفظاً تاماً من وقت نزوله إلى حين يقبضه في آخر الزمان كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا تستطيعه الشياطين ، ولا يمكن لكائد مهما بلغ كيده أن يبدله أو يحرفه أو يزيد فيه أو ينقص منه شيئاً.
وأما وصفه بأنه كريم ؛ فوصف له دلائله الباهرة ومعانيه الخفية والظاهرة فهو كريم على الله ، كريم على المؤمنين ، كريم في لفظه ، كريم في معانيه ، مُكَرَّم عن كل سوء ، مكرِّمٌ لأصحابه ، كثير الخير والبركة، كريم لما يجري بسببه من الخير العظيم الذي لا يَقْدُرُ قَدْرَه إلا الله.
وتفصيل وصفه بالكرم يرجع إلى خمسة معان في لسان العرب :
المعنى الأول : كرَم الحُسْن، ومن ذلك قول الله تعالى:{وقلن حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم}، والقرآن كريم بالغ الحسن في ألفاظه ومعانيه.
والمعنى الثاني : كَرَم القَدْرِ وعلوّ المنزلة ، فتقول: فلان كريم ، أي ذو قَدْر ومكانة عالية.
والمعنى الثالث: كَرم العطاء ، وهو أشهر معانيه ، وكثرة ثواب تلاوته وحسن آثارها.
والمعنى الرابع: المكَرَّم عن كلّ سوء، وهو فرع عن كرم القَدْر ، ويأتي الكريم بمعنى المكرَّم.
والمعنى الخامس: المكرِّم لغيره، وهو من آثار كرم العطاء وكرم الحسن وكرم القدْر بمعنى المكرِّم.
ولعل هذا يطلعك على بعض معاني القسم العظيم الجليل الذي أقسمه الله تعالى في سورة الواقعة إذ قال جلَّ وعلا: { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
فينبغي لكل مؤمن أن يستشعر عظمة هذا القَسَم ، ويجتهد في إدراك نصيبه من هذا الكَرَم.
وأما وصفه بأنه عظيم ؛ فيتضمن عظمة قَدْرِهِ وَعَظَمَةَ صفاته. فالقرآن عظيم القَدْرِ في الدنيا والآخرة :فأما عظمة قدره في الدنيا فتتبين من وجوه كثيرة :
منها: أنه كلام الله تعالى .ومنها: إقسام الله تعالى به. ومنها: كثرة أسمائه وأوصافه الدالة على عظمة قدره.ومنها: أنه حاكمٌ على ما قبله من الكتب، وناسخ لها، ومهيمن عليها. ومنها: أنه فرقان بين الهدى والضلالة، والحقّ والباطل.ومنها: أنه يهدي للتي هي أقوم.ومنها: أنه مصدر الأحكام الشرعية التي بها قيام مصالح العباد، وإليها يتحاكمون في فضّ منازعاتهم وحلّ مشكلاتهم ومعضلاتهم.ومنها: أن الله خصّه بأحكام في الشريعة تبيّن حرمته وجلالة شأنه.
والأوجه الدالة على بيان عظمة قدْره كثيرة جداً يتعذّر حصرها.
وأما عظمة قدره في الآخرة فمن دلائلها:
- أنه يظلّ صاحبه في الموقف العظيم. - وأنه شافع مشفّع وماحل مصدّق.
- وأنه يحاجّ عن صاحبه ويشهد له.- وأنه يرفع صاحبه درجات كثيرة.
- وأنه يثقّل ميزان أصحابه بكثرة ما يجدون من ثواب تلاوته.
وأمّا عظمة صفاته فبيانها من وجهين:
الوجه الأول: أن كلّ صفة وصف بها القرآن؛ فهو عظيم في تلك الصفة ؛ فكرمه عظيم ، وبركته عظيمة ، ومجده عظيم ، وعلوّه عظيم ، ونوره عظيم ، وهداه عظيم ، وشفاؤه عظيم ، وفرقانه عظيم إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته التي اتّصف في كلّ صفة منها بالعظمة فيها.
والوجه الثاني: أن كثرة أسمائه وصفاته العظيمة دليل آخر على عظمته.
وأما وصفه بأنّه مبارَك ؛ فقد ورد في مواضع من القرآن:
- منها قول الله تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام:155)
- وقوله تعالى: { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } (الأنبياء:50)
- وقوله تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } (ص:29)
ومبارَك "اسم مفعول" يفيد أنَّ الذي باركه هو الله تعالى ، ومعنى باركه أي أودع فيه البركة ، وهي الخير الكثير المتزايد ؛ فلا ينقص خيره ، ولا يذهب نفعه ، ولا تضعف ثمرته ؛ بل خيره في ازدياد وتجدّد على مرّ القرون والأعصار. وكون الذي باركه هو الله تعالى له آثار عظيمة على بركته ؛ وأنواع بركات القرآن كثيرة متنوّعة ؛ وحيثما كان فهو مبارك لمن آمن به واتّبع هداه.
ومن بركاته: أنه مبارك حيثما حَلّ ؛ فالبيت الذي يُتلى فيه يكثر خيره ويتّسع بأهله ، والصدر الذي يحفظه يتّسع وينفسح ، والمجلس الذي يُتلى فيه تتنزّل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفّه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده ، حتى إن الوَرَق الذي يُكتب فيه لَيَكون له شأن عظيم بعد تضمّنه لآياته ، وتكون له حرمته وأحكام الكثيرة في الشريعة. وأما بركاته في الآخرة فبركات عظيمة جليلة ، فهو مبارك على المؤمن في قبره ، وفي الموقف العظيم ، وفي الحساب ، وفي الميزان ، وفي الصراط ، وعند ارتقائه في درجات الجنة.
وأما وصفه بأنّه قيّم ؛ فقد ورد في قوله تعالى :{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا . قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (الكهف:1-2)، وقوله تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}(البينة 2-3)
ولوصفه بالقيّم ثلاثة معان:
أحدها: أنه مستقيم لا عوج فيه، ولا خلل، ولا تناقض، ولا تعارض، بل يصدّق بعضه بعضاً، ويبيّن بعضه بعضاً، يأتلف ولا يختلف، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم.قال الأمين الشنقيطي: (أي لا اعوجاج فيه ألبتة، لا من جهة الألفاظ، ولا من جهة المعاني، أخباره كلها صدق ، وأحكامه عدل، سالم من جميع العيوب في ألفاظه ومعانيه، وأخباره وأحكامه) ا.هـ.
والمعنى الثاني : أنه قيّم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها، وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها.
والمعنى الثالث : أنه القيّم الذي به قَوَام أمور العباد وقيام مصالحهم وشرائعهم وأحكام عباداتهم ومعاملاتهم ، ويهديهم للتي هي أقوم في جميع شؤونهم.
وأما وصفه بأنّه بصائر؛ في قوله تعالى:{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:203)، وقال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(الجاثية:20)، وقال تعالى: { قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ.. } (الأنعام :104)
والبصائر جمع بصيرة ، وهي معرفة حقيقة الأمر وعاقبته ، والبصيرة مفتاح الهداية ، والنجاة من الغواية، وسبب الثبات على الحقّ ، واجتناب الباطل ، وأصلها ما ينعقد في القلب من صحّة المعرفة.
قال الخليل بن أحمد : (البصيرةُ اسمٌ لِما اعتُقِدَ في القلب من الدِّين وحَقيق الأمر).
وسمّي القرآن بصائر لأنّه يبصّر بالحقائق في كل ما يُحتاج إليه؛ فيبصّر بالحقّ ويبيّنه.
ويبصّر المؤمن بحقيقة هذه الدنيا ومقاصد إيجادنا فيها، وما فيها من سنن الابتلاء.
ويبصّره بأدواء القلوب وعلل النفوس وأسباب شفائها وطهارتها وزكاتها.
ويبصّر بأحكام الدين وشرائعه ، وما تصلح به شؤون العباد في دينهم ودنياهم.
وأما الكافر والمنافق فإنّه ربّما عرضت له البصيرة من القرآن في الشيء العظيم البيّن وعرفه ثمّ أنكره فحرم من بركات بصائر القرآن ، كما حرم الذين من قبل وكانوا مستبصرين ؛ فزاغوا بعدما عرفوا الحقّ ، وحرموا التوفيق لتكذيبهم وإعراضهم ، وصرفوا بما افتتنوا به عن التبصّر بما أنزل الله إليهم ، قال الله تعالى : { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ } (العنكبوت:38)
والتحقيق أنّ العبرة ثمرة البصيرة ؛ فإذا تبصَّر اعتبر ؛ فمن عدم العبرة فكأنَّه لا بصيرة له ؛ فالقرآن بصائر : أي أدلة وهدى وبيان يقود إلى الحق ويهدي إلى الرشد.
وأمّا وصفه بأنّه هدى ؛ فقد ورد في مواضع كثيرة من القرآن ؛ منها قوله تعالى في أوّل سورة البقرة؛ {ألم . ذلك الكتاب لا ريب فيه . هدى للمتّقين}. وقال: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (الأعراف:52) ؛ فهداية القرآن هداية عظيمة في شمولها لجميع شؤون العباد، وفي كونها تهدي للتي هي أقوم في كلّ شأن.وهداية القرآن على مرتبتين:
المرتبة الأولى : الهداية عامّة لجميع الناس ؛ تدلّهم على الحق ، وعلى صراط الله المستقيم ؛ فيعرفون به ما يجب عليهم وما يحرم ، ويتبيّنون به ما تقوم به الحجّة عليهم ، وما ينذرون به إذا خالفوا هدى القرآن ، وما يبشّرون به إذا اتّبعوا هداه.كما قال الله تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (الزمر:41).
والمرتبة الثانية : الهداية الخاصّة للمؤمنين التي يوفّقون بها لفهم مراد الله تعالى، ولما يتقرّبون به إليه ؛ فيزيدهم هدى إليه. ومن اتّخذ القرآن دليلاً له إلى الله تعالى أبصر به السبيل الذي يقرّبه إليه ويوجب له محبته ؛ وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجّة الوداع: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله).فمن تمسّك بالقرآن عُصم من الضلالة ؛ وهذه من أعظم ثمرات هدى القرآن.
مواقع النشر (المفضلة)