القرآن الكريم والسُنَّة النبوية متلازمان أبداً لا يمكن فصلهما

أولاً : تعريف السُّنة النبوية وكونها مصدراً تشريعياً

عند الأصوليين : فهي ما ثَبَتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - غير القرآن الكريم - مِن قولٍ أو فِعْلٍ أو تقريرٍ ؛ وهذه الثلاثة يُستدل بها على الأحكام الشرعية.

وأما عند المحدثين : فالسُّنة النبوية هي: أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلْقِية والخُلُقية ، وسائر أخباره ، سواءٌ أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها.

فالسُّنة عندهم مرادِفةٌ للحديث المرفوع إلى النبي(صلى الله عليه وسلم).

السنةُ النبوية مصدرٌ تشريعيٌ من المصادر الأربعة المتفق عليها بين جماهير علماء المسلمين، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس.

وقد بين علماء الأصول حجية السنة النبوية أوضح بيان وذكروا النصوص من كتاب الله عز وجل التي تدل على ذلك فمنها:

قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} سورة الحشر الآية 7.

وقوله تعالى:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} آل عمران الآية 32.

وقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور :63.

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} سورة الأحزاب الآية 36.

وقوله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة النساء الآية 65.

وقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} سورة النساء الآية 59. وقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} سورة النحل الآية 44.

ثانياً : علاقة السنة النبوية بالقرآن الكريم علاقةٌ وثيقةٌ جداً لا يمكن فصلها :

وقد بين العلماء هذه العلاقة بالتفصيل ، قال العلامة ابن القيم : [ والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه :-

أحدها : أن تكون موافقةً له من كل وجه ; فيكون تواردُ القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها.

الثاني : أن تكون بياناً لما أريد بالقرآن وتفسيراً له.

الثالث : أن تكون موجبةً لحكمٍ سكت القرآنُ عن إيجابه أو محرمةً لما سكت عن تحريمه،ولا تخرج عن هذه الأقسام] (إعلام الموقعين جـ2/ ص221).

وبيان ذلك باختصار كما يلي :

(1) السنة المؤكِّدة لما ورد في القرآن الكريم :

والأمثلة على ذلك كثيرة كما في أركان الإسلام الواردة في قوله تعالى :{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} البقرة :285 فقد جاء تأكيد ذلك في الحديث المشهور بحديث جبريل عَنْ عُمَرَ بن الخطاب (رضي الله عنه) قَالَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ذَاتَ يَوْمٍ ، إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَر ِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ. حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ: صَدَقْت.فَعَجِبْنَا لَهُ ؛ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِيمَانِ ؛ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْت. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّك تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ. قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا ؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ انْطَلَقَ ، فَلَبِثْنَا مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ ؟ قَلَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ) رواه مسلم.

وكما في العبادات المفروضة في القرآن الكريم،كقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} سورة النساء الآية 103.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة الآية 183.

وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة التوبة الآية 103.

وقوله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا } سورة آل عمران الآية 97.

فجاءت السنة النبوية وأكدت كل ذلك في قول رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : ( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَان) رواه البخاري ومسلم.

(2) السنة المُبَيِّنَة لما ورد في القرآن الكريم : من بيانٍ للمجمل ، وتخصيصِ العام ، وتقييد المطلق قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل :44.

فمن بيان المجمل ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} البقرة الآية 43.

فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة في أحاديث كثيرة منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) ، فَرَدّ َ، وَقَالَ : (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى،ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ، ثَلاثًا ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ ، فَعَلِّمْنِي ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) ] رواه البخاري ومسلم.

وخصصت السنة النبوية ما ورد عاماً في القرآن الكريم كما في الحديث عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) رواه البخاري ومسلم ، فهذا الحديث خصَّصَ عموم قوله تعالى:{ يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} سورة النساء الآية 11 ؛ فالابن الكافر لا يرث من أبيه المسلم .

وقيدت السنة النبوية مطلق القرآن الكريم كما ثبت في السنة النبوية أن قطع يد السارق يكون من مفصل الكف بالاتفاق ، وهذا تقييد لمطلق اليد الواردة في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} سورة المائدة الآية 38.

(3) السنة النبوية تستقل بالتشريع : وهذا باتفاق أهل العلم ، فإن هنالك أعداداً كبيرةً من الأحكام الشرعية استقلت السنة النبوية بتشريعها ولم يرد لها ذكرٌ في القرآن الكريم ، كتحريم الذهب والحرير على الرجال وتحريم لحوم الحمر الأهلية ، ورجم الزاني المُحصن ، وميراث الجدَّة ، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، والتحريم بالرضاع ما حُرَّم بالنسب ، والأمثلة أكثر من أن تحصى.

وقد قامت الأدلة الشرعية على استقلال السنة النبوية بالتشريع كما في قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}سورة الحشر الآية 7.وقال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} سورة النساء الآية 80.

وقال تعالى:{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} سورة النساء الآية 65.

وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}سورة الأحزاب الآية 36.

وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:

( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجلٌ شبعانٌ على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلوه وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرِّموه،ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع…) . رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقال العلامة الألباني: صحيح.

قال الإمام الخطابي في شرح الحديث: [يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مما ليس له ذكر في القرآن على ما ذهب إليه الخوارج والروافض ومن سموا أنفسهم القرآنيين من الفرق الضالة فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السُنن التي ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا… وفي الحديث دليلٌ على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيءٌ كان حجة بنفسه] معالم السنن 4/276.

وورد في كتاب عمر (رضي الله عنه) إلى القاضي شريح: [ إذا أتاك أمر في كتاب الله ، فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاقض به، فإن لم يكن فيهما،فاقض بما قضى به أئمة الهدى، فإن لم يكن فأنت بالخيار،إن شئت تجتهد رأيك، وإن شئت تؤامرني، ولا أرى مؤامرتك إياي إلا أسلم لك] سير أعلام النبلاء 4/101.

وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكذا علماءُ السلف والخلف من يزعم الاكتفاءَ بما ورد في القرآن الكريم دون الأخذ بالسنة النبوية، فعن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ –السرير- يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لا نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ) رواه الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وقال العلامة الألباني: صحيح.

ورواه الترمذي أيضاً عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَلا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلالاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ) وقال العلامة الألباني: صحيح.

وروى الخطيب البغدادي بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كان جالساً ومعه أصحابه يحدثهم ، فقال رجل من القوم لا تحدثونا إلا بالقرآن ، فقال له عمران بن حصين: (ادنه- اقترب- فدنا ، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعاً ، وصلاة العصر أربعاً ، والمغرب ثلاثاً ، تقرأ في اثنتين ، أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً ، والطواف بالصفا والمروة ثم قال: أي قوم ، خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن)

وفي رواية أخرى: (أن رجلاً قال لعمران بن حصين : ما هذه الأحاديث التي تحدثونها وتركتم القرآن ؟ قال : أرأيت لو أبيت أنت وأصحابك إلا القرآن ، من أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا وكذا ، وصلاة العصر عدتها كذا ، وحين وقتها كذا ، وصلاة المغرب كذا ، والموقف بعرفة ، ورمي الجمار كذا ، واليد من أين تقطع ، أمن هنا أم ها هنا أم من ها هنا ، ووضع يده على مفصل الكف ، ووضع يده عند المرفق ، ووضع يده عند المنكب ، اتبعوا حديثنا ما حدثناكم وإلا والله ضللتم] الكفاية في علم الرواية 1/28.

وقال أيوب السختياني:[إذا حدثتَ الرجلَ بالسنة فقال: دعنا من هذا وحدثنا من القرآن ؛ فاعلم أنه ضالٌ مضلٌ] الكفاية في علم الرواية 1/28.

وقال أبو قلابة: [إذا حدثتَ الرجلَ بالسنة فقال: دعنا من هذا وهات من كتاب الله ، فاعلم أنه ضالٌ] طبقات بن سعد 7/184.

وقال الإمام مالك:[السنَّةُ سفينة نوح عليه السلام من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق] تاريخ دمشق لابن عساكر 14/9.

وقال الإمام الشافعي: [أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد] إعلام الموقعين 2/11.

وقال الإمام أحمد:[من ردَّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة] المناقب لابن الجوزي ص 182.

وقال الإمام البربهاري: [ وإذا سمعت رجلاً يطعن في الأحاديث ، ويردُّ الأحاديث والآثار ، ويورد غير الآثار ، ويعتمد على عقله ولا يريد أن يعتمد على الحديث ، فاتهمه على الإسلام ، وفي إسلامه دخن ، ولا تشك أنه صاحب هوى وصاحب بدعة] كتاب السنة ص 51.

وقال الإمام الشوكاني : [إن ثبوت حجية السنة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورةٌ دينيةٌ ، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظَّ له في الإسلام] إرشاد الفحول ص 33.

وقال يحيى بن أبي كثير : السنة قاضية على الكتاب . وأن معناها أن السنة النبوية تبين معاني القرآن المجملة وتوضحها وتخصص العام،وتقيد المطلق وليس عكس ذلك.

وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الحديث الذي روي: أن السنة قاضية على الكتاب. فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله ولكن أقول: إن السنة تفسر الكتاب وتبينه] البحر المحيط 6/11.

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: [السنة تفسر القرآن وتدل عليه وتعبر عنه] دقائق التفسير 2/26.

وحجية السنة النبوية أمرٌ واضحٌ دلت عليه النصوص من كتاب الله عز وجل.

ثالثاً : مما سبق يتبين ترابط السنة النبوية الوثيق بالقرآن الكريم :

العلاقةٌ بينهما وثيقةٌ جداً لا يمكن فصلها ؛ فالقرآن والسنة متلازمان حيث تفسر السنة الآيات القرآنية ، وما أكثر العبادات التي نمارسها لم يأت تفصيلها في كتاب الله عز وجل ، وإنما علمناها وتعلمناها من كلام سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ومنها عدد ركعات الصلوات وكيفية أداء مناسك الحج.

في معظم العصور التي تلت عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) ظهرت فرق وجماعات مختلفة المشارب والأفكار والملل ، ووجدنا بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) ظهور المرتدين ومانعي الزكاة وغيرهم ممن لم يدخل الإيمان أو يثبت في قلوبهم ، ومن ضمن هذه الفرق والجماعات ظهرت فرقة تسمى «بالقرآنيين» الذين يدعون إلى الاعتماد على القرآن وحده وترك كل ما عداه من سنة أو أقوال الصحابة وأعمالهم ، وهذه الفرقة ظهرت في القرن الثاني الهجري حيث زعم أصحابها أنهم قرآنيون وأنهم يكتفون بالقرآن كمصدر تشريعي ثابت عن الله تعالى ودعوا إلى ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأهداف خبيثة منها إسقاط العبادات ومعظم الأحكام الشرعية التي لا تثبت إلا بالسنة ، إضافة إلى تحريف معاني القرآن الكريم وتفسيرها على هواهم

وفي عصرنا الحاضر لم يسلم هو أيضاً من هؤلاء الذين أهمهم الظهور الإعلامي والحصول على المال بأية طريقة ولو على حساب التحرر من الدين. وبالأصل هؤلاء ملاحدة لا دين لهم عبيد العقل على منهج الفلاسفة لا يدينون بالإسلام ولا يقيمون شعائره ولا يتبعون أي دين سماوي.

وقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن هؤلاء قبل أكثر من 1400عام مؤكداً لنا أنهم سوف يظهرون مستقبلاً ، كإشارة بعد وفاته على صدقه وتثبيتاً للمؤمنين وفضحاً لهؤلاء.

فعن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل ما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله».

وكما أن النبيُّ محمد (صلى الله عليه وسلم) قد حذَّر منهم كذا حذَّر علماءُ السلف والخلف ممن يزعم الاكتفاءَ بما ورد في القرآن الكريم دون الأخذ بالسنة النبوية. والله الهادي إلى سواء السبيل.





hgrvNk hg;vdl ,hgsEk~Qm hgkf,dm ljgh.lhk Hf]hW gh dl;k twgilh