دُخُول الْمولى حسن بن قَاسم إِلَى الْمغرب واستيطانه بسجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك
قَالُوا إِن أصل سلف هَؤُلَاءِ السَّادة رَضِي الله عَنْهُم من يَنْبع النّخل من أَرض الْحجاز قَالُوا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أقطع جدهم عَليّ بن أبي طَالب أَرض يَنْبع فاستقرت ذُريَّته بِهِ وتناسلت إِلَى هَذَا الْعَهْد وَكَانَ أول من دخل مِنْهُم الْمغرب الْمولى حسن بن قَاسم فحكي عَن الْفَقِيه الْعَالم أبي عبد الله مُحَمَّد بن سعيد المرغيثي صَاحب الرجز الْمُسَمّى بالمقنع قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْمولى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن طَاهِر الحسني أَن جده الدَّاخِل إِلَى الْمغرب هُوَ الْمولى حسن بن قَاسم قَالَ وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهِ فِي أَوَاخِر الْمِائَة السَّابِعَة وَكَانَ يَوْمئِذٍ من أَبنَاء السِّتين وَنَحْو ذَلِك وَتُوفِّي رَحمَه الله قبل انْقِضَاء الْمِائَة الْمَذْكُورَة اهـ
وَخبر ابْن طَاهِر هَذَا هُوَ أصح مَا ينْقل فِي كَيْفيَّة الدُّخُول وَوَقته وَذكر بَعضهم عَنهُ أَن دُخُوله كَانَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن هِلَال أَن دُخُوله كَانَ فِي أَوَائِل الدولة المرينية ذكر ذَلِك فِي منسكه فعلى هَذَا يكون دُخُوله فِي دولة السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك فِي مَحَله فِيمَا سلف وَقَالَ الْعَلامَة أَبُو سَالم العياشي فِي رحلته إِن الْمولى حسن بن قَاسم دخل الْمغرب فِي الْمِائَة السَّابِعَة وَكَانَ سكناهُ من يَنْبع النّخل بمدشر يعرف بمدشر بني إِبْرَاهِيم فَهَؤُلَاءِ كلهم اتَّفقُوا على أَن الدُّخُول كَانَ فِي الْمِائَة السَّابِعَة وَهُوَ الصَّحِيح الصَّوَاب إِن شَاءَ الله وَزعم بَعضهم أَن ذَلِك كَانَ فِي الْمِائَة السَّادِسَة وَهُوَ بعيد
وَاخْتلفُوا فِي السَّبَب الدَّاعِي إِلَى دُخُول هَذَا السَّيِّد إِلَى الْمغرب فَذكر صَاحب كتاب الْأَنْوَار السّنيَّة فِيمَا بسجلماسة من النِّسْبَة الحسنية أَن سَبَب دُخُوله أَن ركب الْحَاج المغربي كَانَ يتوارد على الْأَشْرَاف هُنَالك وَكَانَ شيخ الركب فِي بعض القدمات رجلا من أهل سجلماسة يظنّ أَنه السَّيِّد أَبُو إِبْرَاهِيم فَلَمَّا حج اجْتمع بِالْمَوْسِمِ بالسيد حسن الْمَذْكُور وَكَانَت سجلماسة وأعمالها يَوْمئِذٍ شاغرة من سُكْنى الْأَشْرَاف فَلم يزل أَبُو إِبْرَاهِيم يحسن للْمولى حسن موطن الْمغرب وَالسُّكْنَى بسجلماسة حَتَّى استماله فأجمع السّير مَعَ الركب وَقدم بِهِ أَبُو إِبْرَاهِيم فاستوطن ببلدهم سجلماسة وَقَالَ حافده الْمولى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن طَاهِر فِيمَا قيد عَنهُ وَكَانَ الَّذين أَتَوا بِهِ من أهل سجلماسة أَوْلَاد البشير وَأَوْلَاد المنزاري وَأَوْلَاد المعتصم وَأَوْلَاد ابْن عَاقِلَة وصاهره مِنْهُم أَوْلَاد المنزاري اهـ
وَذكر صَاحب الأرجوزة أَن الشَّيْخ أَبَا إِبْرَاهِيم الَّذِي جَاءَ بِهِ من ذُرِّيَّة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ بَعضهم إِن أهل سجلماسة لم تكن تصلح الثِّمَار ببلدهم فَذَهَبُوا إِلَى الْحجاز بِقصد أَن يَأْتُوا بِرَجُل من أهل الْبَيْت تبركا بِهِ فَأتوا بالمولى حسن الْمَذْكُور فحقق الله رجاءهم وَأصْلح ثمارهم حَتَّى عَادَتْ بِلَادهمْ هِيَ هجر الْمغرب وَقَالَ غَيره إِن سَبَب إتيانهم بِهِ أَن الْأَشْرَاف من آل إِدْرِيس رَضِي الله عَنهُ كَانُوا قد تفَرقُوا بِبِلَاد الْمغرب وانتشر نظامهم وَاسْتولى عَلَيْهِم الْقَتْل وَالصغَار من أُمَرَاء مكناسة وَغَيرهم فَقل الشّرف بالمغرب وَأنْكرهُ كثير من أَهله حَقنا لدمائهم فَلَمَّا طلع نجم الدولة المرينية بالمغرب أكبروا الْأَشْرَاف وَرفعُوا أقدارهم واحترموهم وَلم يكن بِبَلَد سجلماسة أحد من آل الْبَيْت الْكَرِيم فأجمع رَأْي كبرائهم وأعيانهم أَن يَأْتُوا بِمن يتبركون بِهِ من أهل ذَلِك النّسَب الشريف فَقيل إِن الذَّهَب يطْلب من معدنه والياقوت يجلب من موطنه إِن بِلَاد الْحجاز هِيَ مقرّ الْأَشْرَاف وَلذَلِك الْجَوْهَر النفيس من أجل الأصداف فَذَهَبُوا إِلَى الْحجاز وجاؤوا بالمولى حسن على مَا ذكرنَا فأشرقت شمس الْبَيْت النَّبَوِيّ على سجلماسة وأضاءت أرجاؤها وظللتها من الشَّجَرَة الطّيبَة ظلالها وأفياؤها حَتَّى قيل إِن مَقْبرَة أهل سجلماسة هِيَ بَقِيع الْمغرب وكفاها هَذَا شرفا وفخرا ومزية وذخرا وَذكر بَعضهم أَن أهل سجلماسة لما طلبُوا من الْمولى قَاسم بن مُحَمَّد أَن يبْعَث مَعَهم أحد أَوْلَاده وَكَانَ يَوْمئِذٍ أكبر شرفاء الْحجاز ديانَة ووجاهة اختبر من أَوْلَاده من يصلح لذَلِك وَكَانَ لَهُ على مَا قيل ثَمَانِيَة من الْوَلَد فَكَانَ يسْأَل الْوَاحِد مِنْهُم بعد الْوَاحِد وَيَقُول لَهُ من فعل مَعَك الْخَيْر فَمَا تفعل مَعَه أَنْت فَيَقُول الْخَيْر وَمن فعل مَعَك الشَّرّ فَيَقُول الشَّرّ فَيَقُول اجْلِسْ إِلَى أَن انْتهى إِلَى الْمولى حسن الدَّاخِل فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لإخوته فَقَالَ من فعل معي الشَّرّ أفعل مَعَه الْخَيْر قَالَ فَيَعُود ذَلِك بِالشَّرِّ قَالَ فأعود لَهُ بِالْخَيرِ إِلَى أَن يغلب خيري على شَره فَاسْتَنَارَ وَجه الْمولى قَاسم وداخلته أريحية هاشمية ودعا لَهُ بِالْبركَةِ فِيهِ وَفِي عقبه فَأجَاب الله دَعوته
وَكَانَ الْمولى حسن الدَّاخِل رجلا صَالحا ناسكا لَهُ مُشَاركَة فِي الْعُلُوم خُصُوصا علم الْبَيَان فَإِنَّهُ كَانَت لَهُ فِيهِ الْيَد الطُّولى وَلما اسْتَقر بسجلماسة واطمأنت بِهِ الدَّار زوجه الشَّيْخ أَبُو إِبْرَاهِيم ابْنَته وَسكن على مَا قيل بِموضع يُقَال لَهُ المصلح وَلما توفّي تنَازع أهل سجلماسة فِي مَوضِع دَفنه حَتَّى كَادَت نَار الْحَرْب تشب بَينهم فأجمع رَأْيهمْ أَن يدفنوه بِمحل وسط هم فِيهِ سَوَاء فمسحوا أَرض سجلماسة بالحبال وقسموها أَربَاعًا ودفنوه بمَكَان سوي يتوسط جَمِيع النواحي وَلم يحفظ تَارِيخ وَفَاته وَمَا استنبطه اليفرني فِي ذَلِك فمبني على غير أساس وَالله تَعَالَى أعلم.
مواقع النشر (المفضلة)