فراســـة حكيــم !
-----
دخل رجل غريب على مجلس أحد الحكماء الأثرياء .. فجلس يستمع إلى الحكيم وهو يُعَلّم تلامذته وجُلساءه , ولا يبدو على الرجل الغريب ملامح طالب العلم , ولكنه بدا للوهلة الأولى كأنه " عزيز قومٍ أذلّته الحياة " !!
دخل وسلّم , وجلس حيث انتهى به المجلس , وأخذ يستمع للشيخ بأدب وإنصات , وفي يده قارورة فيها ما يشبه الماء لا تفارقه .. قطع الشيخ العالم الحكيم حديثه , والتفت إلى الرجل الغريب , وتفرّس في وجهه , ثم سأله : ألك حاجة نقضيها لك ؟ أم لك سؤال فنجيبك ؟ !
فقال الضيف الغريب : لا هذا ولا ذاك , وإنما أنا تاجر , سمعت عن علمك وخُلقك ومروءتك , فجئت أبيعك هذه القارورة التي أقسمت ألاّ أبيعها إلاّ لمن يُقدّر قيمتها .. وأنت دون ريب حقيق بها وجدير .. قال الشيخ : ناولنيها , فناوله إياها , فأخذ الشيخ يتأملها ويحرك رأسه إعجاباً بها , ثم التفت إلى الضيف وقال : بكم تبيعها ؟ !
قال الضيف : بمئة دينار , فردّ عليه الشيخ : هذا قليل , سأعطيك مئة وخمسين !! فقال الضيف : بل مئة كاملة لا تزيد ولا تنقص .. فقال الشيخ لابنه : ادخل عند أمّك وأحضر منها مئة دينار .. وفعلاً استلم الضيف المبلغ , ومضى في حال سبيله حامداً شاكراً .
ثم انفضَّ المجلس وخرج الحاضرون , وجميعهم متعجبون من هذا الماء الذي اشتراه شيخهم بمئة دينار ! ودخل الشيخ إلى مخدعه للنوم , ولكن الفضول دعا ولده إلى فحص القارورة ومعرفة ما فيها , حتى تأكّد بما لا يترك مجالاً للشك أنه ماءٌ عاديّ !!
فدخل إلى والده مسرعاً مندهشاً صارخاً : يا حكيم الحكماء , لقد خدعك الغريب , فوالله ما زاد على أن باعك ماءً عادياً بمئة دينار , ولا أدري أأعجب من دهائه وخبثه , أم من طيبتك وتسرّعك !! فابتسم الشيخ الحكيم ضاحكاً وقال لولده : يا بنيّ لقد نظرت ببصرك فرأيته ماءً عادياً !
أمّا أنا فقد نظرت ببصيرتي وخبرتي فرأيت الرجل جاء يحمل في القارورة ماء وجهه , الذي أبَت عليه عزّة نفسه أن يريقه أمام الحاضرين بالتّذلل والسؤال , وكانت له حاجة إلى مبلغ يقضي به حاجته لا يريد أكثر منه , والحمد لله الذي وفقني لإجابته وفهم مراده وحِفظ ماء وجهه أمام الحاضرين , ولو أقسمت ألف مرّة أن ما دفعته له فيه لقليل , لما حنثت في يميني .
- إن استطعت أن تفهم حاجة أخيك قبل أن يتكلم بها فافعل , فذلك هو الأجمل والأمثل .
- تفقّد على الدوام أهلك وجيرانك وأحبابك , فربما هم في ضيق وحاجة وعَوَز , ولكن الحياء والعفاف وحفظهم لماء وجوههم قد منعهم من مذلّة السؤال .
- فاقرأ حاجتهم قبل أن يتكلموا .. وما أجمل قول من قال " إذا لم تستطع أن تقرأ صمت أخيك , فلن تستطيع أن تسمع كلماته "!!!
*******tvhsm p;dl !
سلمت وسلمت اناملك على جميل طرحك
شيخنا ابو عمر فراسة حكيم نقلها لنا حكيم الموقع
حفظك الله ورعاك
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)