إمارة بني كعب.. عهد ميمون في تاريخ الأحواز

يشكل إقليم «الأحواز» العربي منطقة خصبة غنية بالنفط ويتخذ موقعا استراتيجيا قرب الخليج العربي، وقد عمدت إيران إلى تسميته «الأهواز» و«عربستان» لكن تسميته العربية ظلت قائمة مثل شعبه العربي.
الباحث في التاريخ والتراث أحمد بن محارب الظفيري يستعرض تاريخ هذا الإقليم الذي شهد أحداثا جساما خلال الحرب العالمية الأولى بموقعه المتوسط ما بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية والوجود الإنكليزي في المنطقة، ويسلط الظفيري الضوء على الإمارات العربية التي قامت في الأحواز والقبائل التي حكمت ورجالاتها.
ويخصص الظفيري الكلام عن مشيخة الشيخ خزعل الكعبي الذي حكم في فترة ذهبية وحقق مكاسب كبيرة خلال استلامه حكم الأحواز، فيما يلي تنشر «عالم اليوم» حلقتين عن تاريخ إمارات الأحواز هذه أولاها.
الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو بن علي ت1936، هو الأمير الخامس الذي يتسلم إمارة المحمرة من فخذ البوكاسب - أي بنو كاسب - من قبيلة بني كعب بن عامر بن صعصعة من قيس عيلان العدنانية. ولقد لعبت قبيلة بني كعب دورا متميزا في منطقة الأحواز - عربستان - في العصور المتأخرة وأنجبت أسرا حاكمة في هذه المنطقة توارثت الحكم وتركت لها بصمات واضحة في التاريخ والتراث.



قبيلة بني كعب في التاريخ العربي

ينتسب إلى قبيلة كعب العدنانية قبيلة عربية اسمها (بني عقيل) وهي قبيلة ذائعة الصيت في التاريخ العربي وإليها ينتسب (توبة بن الحمير) المقتول سنة 55 ه صاحب ليلى الأخيلية والاثنان من بني عقيل ولقد ذكر القاضي عبدالرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808 ه/1405م) في كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) في الجزء الرابع ص 254 إلى ص 271 كلاما كثيرا عن قبيلة (بني عقيل) مختصر هذا الكلام هو ان قبيلة عقيل من ذرية كعب بن عامر بن صعصعة، وكانت لها إمارة في الكوفة والبلاد الفراتية، وبقيت هذه البلاد بأيديهم حتى غلبهم عليها السلجوقيون فتحولوا إلى البحرين.
ويذكر كذلك علي بن محمد بن الأثير (ت 630 ه) في تاريخه الذي أسماه (الكامل في التاريخ) في الجزء التاسع ص 28 ما يلي: ان هناك إمارة لبني عقيل قامت في الموصل وما حو لها ودامت هذه الإمارة من سنة 380 إلى سنة 489 ه ومؤسس هذه الإمارة هو ابن محمد بن المسيب العقيلي، ووصل حكمه إلى الكوفة وباديتها.

ومن (بني عقيل) الكعبيين قبيلة (خفاجة) الشهيرة وكانت تقطن بنواحي الكوفة وبرز وجودها في القرنين الرابع والخامس الهجريين وكون الخفاجيون إمارة في الكوفة سنة 374 ه بزعامة أبوظريف عليان بن ثمال الخفاجي وكان يأتمر بأمر الخليفة العباسي. ومن أمراء خفاجة الذائعي الصيت إلى يومنا هذا حيث يتردد اسمه في الموروث الشعبي هو (عامر الخفاجي) الذي سحره جمال إحدى بنات قبيلة (بني هلال) عند مرورهم بديرته فسافر معهم إلى مصر وتونس وترك أسرته وديار قبيلته وإمارته في بادية السماوة والكوفة أما في وقتنا الحالي فإن أكثر أفراد قبيلة خفاجة العقيلية الكعبية يسكنون في العراق والأحواز (الأهواز) ومصر، ونخوتهم التي ينتخون بها في المعارك هي (أولاد عامر) أو (أولاد عامر الخفاجي) وخفاجة هو اسم امرأة أنجبت أولاد أكثر فتسمى أولادها باسمها حيث يقال لهم (أبناء أو أولاد خفاجة).

ومن القبائل العدنانية الشقيقة لقبيلة كعب، التي ترجع بأصولها أيضا إلى عامر بن صعصعة، ذكر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه) صاحب كتاب (العقد الفريد) في الجزء الثالث صفحة 354 قبيلة (بني هلال) الذين منهم ميمونة زوجة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنهم أيضا الشاعر الشهير في كتب الأدب العربي حميد بن ثور، وبنو هلال هم أصحاب السيرة الشعبية والتغريبة التاريخية الشهيرة، الذين كونوا لهم عدة إمارات في تونس وشمال افريقيا. وذكر ابن عبد ربه الأندلسي من القبائل العامرية العدنانية قبيلة (بني كلاب) وقبيلة (بني نمير).


عربستان.. الموقع والاسم

تقع عربستان إلى الجنوب الشرقي من العراق وهي محصورة بين خطي العرض 30 و33 درجة شمالا. وبين خطي الطول 48 و51 درجة شرقا، وبهذا يكاد يكون امتدادا إقليمها من الشرق إلى الغرب مساويا تقريبا لامتداده من الشمال إلى الجنوب، حيث يبلغ طوله 420 كم وعرضه 380 كم. ومساحة عربستان 159600 كيلومتر مربع وعدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.
عربستان اسم أطلقه الفرس على هذا الإقليم ومعناه (بلاد العرب) مثلما يقولون كردستان ومعناه (بلاد الكرد). ولكن الفرس فيما بعد أطلقوا على عربستان اسم (خورستان) ومعنى هذه الكلمة بالفارسية القديمة (بلاد القلاع والحصون) وعرب الأحواز (عربستان) كانوا إلى عهد قريب من أهل السنة والجماعة ولكن في الفترات المتأخرة تشبع بعضهم بتأثير علماء الشيعة من الأعاجم، وهم قبائل عربية تنسجم عاداتها وتقاليدها مع قبائل جزيرة العرب، وليس عندهم كره وتنكر لتاريخ أجدادهم العرب الفاتحين.

إمارة المشعشعين

تأسست هذ الإمارة العربية سنة 1436م على يد المؤسس الأول السيد فلاح بن هبة الله المشعشعي وينتسب إلى آل البيت وفي عهده تم بناء مدينة (الحويزة) سنة 1441م واتخذها عاصمة لإمارته، وبسط نفوذه على إقليم عربستان، وحصل على الاعتراف الكامل من دولة الخروف الأسود المغولية الحاكمة في بغداد (دولة قره قوينلي) حكمت من 814 ه/ 1469م وتوفي السيد فلاح بن هبة الله في عام 1458م وتولى الإمارة بعده ابنه محسن بن فلاح وقام بتدعيم العلاقات الديبلوماسية مع دولة المغول في بغداد المسماة دولة الخروف الأبيض (أق قوينلي: آق: ابيض - قوينلي - خروف) لأنهم يرسمون خروفا أبيض على أعلامهم، دام حكم الدولة الخروفية من 874 ه/ 1469 م إلى 914 ه/ 1508م.
وفي عام 1501م ظهرت الدولة الصفوية للوجود على يد الشاه إسماعيل الصفوي (ت 930 ه/ 1523م). وطلب الشاه الصفوي عباس الأول (حكمه من 1032 ه 1622م إلى 1037ه/ 1627م) من الأمير المشعشعي السيد منصور بن عبدالمطلب بن بدران (حكم من عام 1634م إلى عام 1643) المساعدة ضد الدولة العثمانية، ولكن الأمير السيد منصور رفض طلب الشاه عباس الأول، وكان الأمير منصور يقاوم دائما محاولات الشاه عباس الأول الصفوي التدخل في شؤون إمارته الداخلية.
وبظهور الأمير الشريف مبارك بن عبدالمطلب بن بدران المشعشعي الحسيني الذي حكم من عام 1588م إلى عام 1616م عاشت الإمارة المشعشعية عصرا ذهبيا بفضل حسن سياسته وحنكته وشجاعته في الدفاع عن إمارته ضد الاعتداءات الصفوية الفارسية والعثمانية.

شعراء الفصيح والشعبي

اللافت للنظر ان هذه الإمارة المشعشعية فيها شعراء بالفصيح والشعبي يسيرون على نفس قواعد واغراض الشعر المستخدمة عند العرب القدماء، وفي اشعارهم اعتزازا بقيمهم وعاداتهم العربية ونفوذا من عادات وتقاليد الفرس، ومن امراء هذه الدولة يوجد العديد من الشعراء منهم الأمير منصور بن عبدالمطلب وناصر عبدالمطلب، والأميران بركات ومبارك ولهم اشعار عربية ويظهر من اشعارهم حبهم لجزيرة العرب وتراث العرب.


إمارة بني كعب في الفلاحية

إمارة بني كعب في مدينة الفلاحية بزعامة البوناصر وقد هاجرت قبيلة بني كعب إلى إقليم عربستان من وسط العراق في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، واستوطن قسم من هذه القبيلة في الجزء الجنوبي الغربي من حوض نهر الكارون، وانتشر باقي أفراد القبيلة على ضفتي شط العرب شرقا وغربا. وشيدت قبيلة بني كعب مدينة (القبان) عاصمة لها ومقرا لإمارتها، وكان أول أمراء هذه الإمارة الكعبية هو الشيخ علي بن ناصر بن محمد، وهو من فخذ (البوناصر) - أي بنو ناصر - وتولى الحكم في عام 1690م ويعتبر هذا العام هو بداية تأسيس هذه الإمارة العربية الكعبية. وفي عام 1737م تولى زعامة بني كعب الشيخ سلمان بن سلطان البوناصر، واستفاد الشيخ سلمان بن ناصر من الفوضى التي عمت إيران بعد وفاة حاكمها نادر شاه (تسلم عرش فارس في سنة 1142 ه /1730م بعد ان نحى سيده الصفوي طهماسب) فبدأ الشيخ سلمان بن سلطان توسيع نفوذ إمارته في جهة الشمال والشرق واصطدم بقبائل الأفشار واستطاع ان يتغلب عليهم ويحتل عاصمتهم (الدورق) التي أبدل اسمها إلى (الفلاحية) واتخذها عاصمة ثانية له إلى جانب عاصمته السابقة (القبان).


البو ناصر

بدأت إمارة المشعشعين بالزوال بعد حكم دام عدة قرون، وقامت على أنقاضها إمارة بني كعب بزعامة البوناصر. ولقد بلغت قوة الشيخ سلمان بن سلطان البوناصر درجة كبيرة، وتميزت شخصية هذا الأمير بالشجاعة والمهارة العسكرية والحنكة الديبلوماسية فهو رجل دولة ورجل حكم، لقد حاول باشا بغداد العثماني إخضاعه بالقوة العسكرية ولكنه عجز عن تحقيق ذلك وكذلك حاول كريم خان الزند حاكم فارس محاولات عدة للسيطرة على الشيخ سلمان ولكن كل محاولاته ذهبت أدراج الرياح. وحاول الإنكليز بأسطولهم البحري القوي كسر شوكة الشيخ سلمان وفرض مصالحهم عليه، ولكنه تمكن من دحرهم والانتصار عليهم بقوته البحرية وبرجال جيشه المخلصين له. وكان الشيخ سلمان يرسم الخطط السياسية الناجحة للاستفادة من المتناقضات والصراعات التي تدور وتحدث بين القوى العظمى (العثمانيون والفرس والإنكليز) المحيطة بإمارته، من دون أن يخضع أو يتبع لواحدة من هذه القوى المتصارعة. وتوفي الشيخ سلمان بن سلطان البوناصر سنة 1767م وكانت فترة حكمه من 1737م إلى 1767 تعتبر بحق الفترة الذهبية لقبيلة بني كعب، ويعتبر الشيخ سلمان من أعظم شيوخ إمارة بني كعب، لقد ازدهرت عربستان في زمانه ازدهارا لم تبلغ مثله من قبل وبعد وفاة الشيخ سلمان، بدأت الفرقة تدب بين شيوخ بطون قبيلة كعب فانقسموا إلى قسمين، قسم ظل في مدينة الفلاحية (الدورق) بزعامة البوناصر (الشيوخ الأوائل) وقسم كبير منهم سكن حول مصب نهر الكارون بزعامة الشيخ مرداو بن علي البوكاسب. وبدأت قوة بني كعب الموجودين في مدينة الفلاحية بالتلاشي والزوال، وظهرت قوة بني كعب الساكنين عند مصب نهر الكارون بالبروز وسيادة القبيلة تحت إمارة الشيخ البوكاسب - أي بني كاسب.


المحمرة بزعامة البوكاسب

مؤسس هذه الإمارة العربية الكعبية، التي برزت حول مصب نهر الكارون هو الشيخ مرداو بن علي البوكاسب، فهو المؤسس الأول الذي وطد أركان مشيخة البوكاسب وبعد وفاته تسلم الإمارة من بعده ابنه الأكبر الشيخ الحاج يوسف بن مرداو بن علي البوكاسب، فقام ببناء مدينة (المحمرة) في عام 1227 ه/ 1812م عند مصب نهر كارون حيث مقر إمارته، وبرزت أهمية هذه المدينة دوليا بسبب موقعها الجغرافي المتميز، فازدهرت أحوالها وأصبحت من الموانئ المهمة. وتوفى الشيخ الحاج يوسف بن مرداو سنة 1829م بعد ان تحسنت أحوال إمارته الاقتصادية والتجارية، وتسلم الإمارة من بعده أخوه الشيخ الحاج جابر بن مرداو بن علي ودام حكمه من عام 1829م إلى عام 1881 ويعتبر عهده عهدا جديدا في تاريخ إمارة المحمرة حيث برزت الأهمية الدولية لميناء المحمرة الواقعة عند مصب نهر الكارون بشط العرب فهي متصلة بمياه الخليج العربي عن طريق شط العرب لأنها تقع على الضفة الشرقية لشط العرب جنوب البصرة. وامتاز الشيخ الحاج جبار بن مرداو بجرأته السياسية في معاملاته مع الإنجليز والعثمانيين والفرس واستطاع فرض هيبة إمارته على القوى المحيطة به، وتمكن أن يكسب ثقة رعاياه. وتوفي الشيخ الحاج جابر بن مرداو في سنة 1881م فتولى شؤون الإمارة ابنه الشيخ مزعل بن جابر بن مرداو ودام حكمه من عام 1881م إلى عام 1897م وتميز عهده باندفاع بريطانيا نحو التغلغل في إمارته والسعي إلى استثمار المناطق الغنية بالبترول والمعادن والحاصلات الزراعية الواقعة على جانبي حوض نهر الكارون وشط العرب. وقد أسست بريطانيا في عام 1890م قنصلية لها في المحمرة لرعاية مصالحها في المنطقة. ورغم فترة القلق والفوضى النسبية التي مر بها الشيخ مزعل بسبب الظروف المحيطة به فإنه استطاع توطيد حكمه وتوسيع إمارته والسيطرة على قبائلها. أما علاقاته الخارجية فكانت متينة مع شيوخ الكويت وكثيرا ما ترددوا عليه في مقره بالمحمرة، وكذلك كانت علاقاته متينة مع آل سعدون شيوخ عربان المنتفق، وبقيت علاقته بالدولة الفارسية رمزية اسمية لم يطرأ عليها اي تغيير عما كانت عليه زمن ابيه، لكن الشيخ مزعل لم يكن ميالا للانكليز فهو يبتعد عنهم كلما حاولوا التقرب إليه، لذلك لم يرتاحوا ويتنفسوا الصعداء الا بعد ان تم اغتياله في 1/6/1897م على يد اخيه الشيخ خزعل الذي جارى الانكليز ونفذ طلباتهم وتقرب اليهم وعاونهم في الحرب العالمية الاولى وحقق اهدافهم.
مدينة المحمرة سميت بهذا الاسم نسبة الى الطين الاحمر «الغرين» المترسب عند مصب نهر الكارون ويسمي الفرس هذه المدينة باسم (خرمشهر).


إمارة الشيخ خزعل الكعبي

تسلم الشيخ خزعل امارة المحمرة بعد قتله أخيه الشيخ مزعل بتاريخ 1/6/1897م والشيخ خزعل هو الشيخ الخامس من اسرة البوكاسب الكعبية الذي يعتلي كرسي امارة المحمرة، ودام حكمه من سنة 1897م الى سنة 1925م، ويعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحديث جاء ذكره كثيرا في مذكرات القادة الانكليز الذين خدموا في العراق وايران والخليج، ولعب هذا الشيخ دورا رئيسيا في احداث الخليج العربي في الربع الاول من القرن العشرين وأسهم مساهمة فعالة في احداثه واحتل مكانة مرموقة بين امراء الجزيرة العربية وتأتي اهمية الشيخ خزعل بسبب الاحداث الجسام التي شهدتها امارته خلال فترة حكمه، انها احداث في غاية الاهمية فقد شهدت تفجر النفط من منابعه وآباره، وشهدت قيام الحرب العالمية الاولى التي هزت العالم وغيرت الخرائط والحدود، وكانت امارة الشيخ خزعل خلال هذه الحرب تتميز بموقع استراتيجي خطير استفادت منه بريطانيا في حربها مع تركيا، وشهدت فترة حكم الشيخ خزعل انهيار الحكم الملكي القاجاري في ايران وقيام الحكم الملكي البهلوي على انقاضه، وكان حكم الشيخ خزعل اثناء تلك الاحداث والمتغيرات الجسام يتسم بالاستقلالية ولقد كتب الشاه رضا بهلوي «مؤسس الحكم البهلوي» في مذكراته واصفا الشيخ خزعل بقوله «كان اميرا مستقلا داخل حدوده، وليس لحكومة طهران اي سلطان عليه، وقد مضت عليه اعوام دون ان يدفع اي ضريبة لفارس»،

منقول



Ylhvm fkd ;uf>> ui] ldl,k td jhvdo hgHp,h.