أصول عرب آسيا المركزية
ذكر برتولد مؤسس مدرسة الاستشراق الروسية في كتابه "العالم الإسلامي" الذي نشر عام 1918 "، //أن العرب احتفظوا بقوة بشخصيتهم القومية، وتركيبتهم وتسمياتهم القبلية البدوية في تركستان حتى الآن، ولو أنهم فقدوا لغتهم العربية. واستوطنت القبائل العربية البدوية في البلدان المفتوحة ليس كقبائل متفرقة، بل في مجموعات قبلية كبيرة. وأن العرب المذكورين كلهم انقسموا إلى شماليين وجنوبيين، وأن القسم الأعظم منهم كانوا في المجموعات الرئيسية من قيسيين وكليبيين، وكانت القبائل العربية الشمالية مقسمة بدورها إلى نزاريين أو معديين (ومعد كان ابن عدنان، ونزار كان ابن معد)، وضمت مجموعة مضر (التي ينسب لها القيسيون)، ربيعة، ووائل؛ والأخيرة بدورها انقسمت إلى مجموعات بكر، وتغلب. والعداوة بين مضر وربيعة كانت أشد من العداوة بين عرب الشمال، وعرب الجنوب؛ وعرب ربيعة أكثر من مرة انضموا إلى القبائل اليمانية ضد مضر. والمثال على ذلك استيطان المجموعات القبلية الكبيرة لبعض المناطق، التي قسمت شمال بلاد الرافدين إلى ديار مضر على ضفاف الفرات، متخذين من الرقة مركزاً لهم، وديار ربيعة على نهر دجلة، متخذين من الموصل مركزاً لهم، وديار بكر إلى الشمال منهما متخذين من أميد (في تركيا اليوم) مركزاً لهم، التي أبقت طابع التقسيم القبلي العربي على التسميات الجغرافية على الخارطة الجغرافية المعاصرة. بينما لم تكن هناك أية علاقة تقريباً بين التسميات الجغرافية والقبلية في شبه الجزيرة. وكانت المجموعات القبيلة الكبيرة منتشرة على مساحات واسعة في مختلف المناطق. وهذه واحدة من الأسباب التي جعلت من الخلافات التي ظهرت بحدة أثناء الإسلام أكثر منها قبل الإسلام. الخلافات القبلية أظهرت تضامناً قومياً كبيراً، انطلاقا من مصادر دينية ونسبية، وحتى أن اليمانيين في بعض الأحيان وقفوا ضد الفرس كأحفاد لإسحاق، بينما عرب الشمال كانوا من أحفاد إسماعيل//.
وتذكر المراجع المختلفة أن العرب عاشوا بكثافة في تركمانيا، وأوزبكستان، وطاجيكستان. وخاصة في المناطق الجنوبية منها. وتم بذل جهود في العديد من المراجع لتسليط الضوء وإعطاء معلومات تحليلية عن منشأ عرب تركستان انطلاقا من المعلومات المتوفرة عنها، من خلال دراسات ميدانية، ومراجع مكتوبة. وحاولت المراجع الروسية تتبع طرق الهجرة التي اتبعها العرب للوصول إلى تركستان. خاصة وأن الروس أنفسهم يعترفون بأن تقسيم عرب آسيا المركزية بين الجمهوريات التي تتشكل منها آسيا المركزية اليوم (أوزبكستان، قازاقستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان)، هو تقسيم رمزي لا أكثر، وأن التحليل يتطلب استخدام مواد تحدثت عن العرب في المنطقة بأسرها، وليس في كل جمهورية على حدى. وهنا لابد أن نشير إلى أن السلطات السوفييتية عمدت إلى تقسيم تركستان الروسية إدارياً إلى جمهوريات أوزبكستان وقازاقستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجاكستان في عام 1924 وما بعد، بينما احتفظت إدارة الاحتلال العسكرية بوحدتها القيادية تحت اسم "قطاع تركستان الحربي" منذ تأسيسه في عام 11/6/1867، وحتى خروجها من المنطقة بعد استقلال تلك الجمهوريات. واحتفظت الإدارة الدينية لمسلمي المنطقة بوحدتها تحت اسم "إدارة مسلمي آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية" أيضاً حتى الاستقلال. بينما لم يحتفظ بوحدته التنظيمية بعد الاستقلال في المنطقة سوى الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية (الكنيسة الشرقية) التي بقيت على ما كانت عليه دون تغيير منذ أكثر من قرن ونيف من تأسيسها.
وتتحدث المراجع التاريخية عن أعداد كبيرة من العرب استوطنت تركستان ولم تزل حتى وقتنا الحاضر، رغم خلو نتائج تعداد السكان الأخيرة قبل الاستقلال من تصنيف العرب بين أبناء القوميات التي تعيش في آسيا المركزية اليوم. وتذكر المراجع ستة تجمعات سكانية مستقلة لها صلة بأشكال مختلفة بالعرب، وعشرات التجمعات التي تحمل تسميات متشابهة في الأحياء والمدن والتجمعات السكانية الكبيرة. تتحدث كلها عن حقيقة انتشار العرب بكثافة في المناطق الجنوبية والشمالية والوسطى من آسيا المركزية. وتورد تاريخ نشوء قرية عرب قشلاق بمنطقة إسفارين في لينين آباد بطاجيكستان، التي أنشأها الرعاة العرب بالقرب من المزارع، خلال أواسط أو النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. بينما يسكنها اليوم الطاجيك، والأوزبك، القادمين من مقاطعات كانبدام، وقرغيز نايماني. وتذكر أن مجموعة منهم لها صلة قرابة مع العرب الناطقين باللغة الأوزبكية من سلالة خوجه بدأت مع بداية القرن العشرين.
وفي وقت متأخر جاء للسكن فيها، طاجيك من أحياء أوراتيوبيه وإيشانخو وتاختي جار. كما وعاش العرب سابقاً في بينجيكينت، بحي-غوزار عرَبٌ، حيث انصهروا بالكامل مع المحيط المحلي هناك حتى بداية القرن العشرين. وخلال القرنين التاسع عشر، والعشرين سجلت الإحصاءات السكانية اللغة العربية كلغة أم لسبعة أشخاص فقط في بينجيكينت. ورغم عدم وجود الأحياء العربية في إسفاري، يتوقع الباحثون السوفييت تواجد العرب هناك لوجود المزار الذي دفن فيه شيخ الإسلام البلخي، سعيد ساربارخان، المتوفي عام 1476م. الشخصية التي يتوقع البعض بأنها عربية كما أورد: برتولد ف.ف. في كتابه "تاريخ الحياة الثقافية في تركستان"؛ وتورسونوف ن.و. في كتابه "تشكل وطرق تطور سكان المدن والقرى في شمال طاجيكستان في القرن 19 وبداية القرن 20"؛ والمواد الميدانية التي جمعها بوشكوف ف.ي. عام 1971.
ولم يزل عرب كوباديان وشاه عرطوز محافظين على إنتماءآتهم القبلية والعشائرية. واستناداً لأقوال المعاصرين منهم، عاش في السابق على أراضي ولاية كورغانتيبه الحالية، تجمعات عربية كثيرة تنتمي لقبيلة لارخابي، وعرب كوباديان، وأيواج، وبيشكيك المنحدرة كلها من بني هاشم القرشية التي ينحدر منها الرسول العربي (ص). ويعيش العرب المنحدرين من قريش حالياً في مناطق كوباديان، وشاه عرطوز، ولارخابي، إضافة لقبائل اسكندري، وميوي، وميرحيدري، ونوروزي، وسعيدي وغيرها من القبائل ذات النسب العريق، وعلى ما يعتقد أن هذه التسميات إما لقبائل من الموالي، أو تغيرت تسمياتها مع مرور الزمن أو الترحال والاختلاط بالأعراق المحلية.
فعامل الزمن والطرق التي سلكها العرب للوصول إلى مناطق سكنهم الحالية لم تدرسه لا مدرسة الاستشراق الروسية، ولا السوفييتية من بعدها بشكل كاف. لأن تركيزها كان على تثبيت فكرة أن العرب هم غزاة ومحتلون، وأن العرب خلال غزوهم لما وراء النهر خلال الفترة التاريخية الممتدة مابين القرنين السابع، والثامن الميلاديين، تركوا في المدن الرئيسية بما وراء النهر، بخارى، وسمرقند، حاميات عسكرية لا أكثر، وأنهم أجبروا السكان المحليين على إخلاء قسم من بيوتهم لسكناهم. ويعترف برتولد ف.ف. في كتابه "تركستان في عصر الاجتياح المغولي"، وفي "بعض الآراء عن الثقافة الآرية في تركستان"، أن العرب في وقت متأخر انتشروا في المنطقة أكثر من ذلك بكثير. وأنهم عاشوا خلال القرن التاسع الميلادي في جميع مدن خراسان وما وراء النهر.
مواقع النشر (المفضلة)