الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد : فمن ضمن التاريخ العربي العظيم في مقاومة الكفر والطغيان ومجابهة المستبدين والغزاة والمستعمرين تظهر لنا صفحات مشرقة للقبائل العربية في تاريخ تلك المقاومة ، وتبرز لنا أدوارها العظيمة وتضحياتها الكثيرة للذب عن الدين والأرض وحياض البلاد العربية .

وهذا جانب من المناوشات البحرية في عهد الصراع العثماني الإيطالي في البحر الأحمر ومن ذلك إخباريات عما جرى هنالك من عمليات تهريب ومخالفات جمركية بين الدول أو القبائل المقيمة على الساحل ومما سبق مجموعة مراسلات وإخباريات بين القيادات العثمانية وبين القيادات الإيطالية أو بين الاثنتين مع بعضهما . وننقل لكم نَص الحوادث الحاصلة من غارات قبيلة بني مروان على العابرات البحرية هناك ، وسبب قصف ميناء ميدي من قبل إيطاليا .
وسننقل لكم كلام المؤرخ البروفيسور قيصر فرح في كتابه " سلاطين اليمن في القرن التاسع عشر " بنصه مترجماً ، والتوضيحات التي من قِبلنا ستكون بين قوسين كهذه { } وبلون مغاير حتى يتميز كلام المؤلف من تعليقاتنا إن شاء الله .

يقول المؤلف : "وجه السلطان العثماني إنذارا بضرورة التدخل المباشر لإنهاء القرصنة ، وفي مايو 1902م استولى القراصنة على سفينة عثمانية تحمل 200 برميل من البنزين ، و 35 عبوة من البضائع التي تعود ملكيتها إلى تجار من مصوع يعملون قبالة الساحل العربي ، وعلى إثر ذلك تحرك العثمانيون سريعاً للقبض على "إبراهيم" و"أدهم" و"عثمان" ، وكذلك الابن الأكبر للشيخ طاهر { شيخ بني زيلع المراونة وجزء من بادية بني مروان الساحل }، وكذلك تحركوا لاستعادة السفينة العثمانية المستولى عليها من قبل القراصنة .
وكان سبب هذه الاعتقالات هو إنذار هدد فيه قائد البحرية الإيطالية في سواحل البحر الأحمر بقصف ميدي .
أبلغ القائد العثماني الإيطاليين أنه لا يستطيع تسليم الشيخ طاهر لأنه سيكون له عواقب وخيمة على القوات العثمانية ، لكنه مستعد لمعاقبته بما ينص عليه القانون الإمبراطوري العثماني .
كان للشيخ طاهر سلطة كبيرة في المنطقة ، وسيكون التمرد الذي قد ينجم عن تسليمه للإيطاليين كارثياً على الوجود العثماني في اليمن .
لكن القائد الإيطالي أرنون أصر وأخبر المجلس الكبير لأدميرال فيلايت أنه إذا لم يتم تسليم الشيخ طاهر مبلغ 6500 دولار أمريكي ديةً لأموال الإيطاليين في مصوع الذين قتلوا وجرحوا { من الغارات المروانية } ؛ فإنه لا يستطيع أن يضمن وقف قصف الأسطول الإيطالي للساحل العربي .
ثم قصف أسطولهم ميدي شمال اللُّحيَّة في أكتوبر عام 1902م ، وهو قبل شهر من الموعد المحدد من الإيطاليين للدولة العثمانية للقيام بالمطلوبات ؛ لأن العثمانيين كانوا بطيئين للغاية لتعويض الإيطاليين عن الخسائر التي تكبدوها هم وأفراد أسرهم من غارات بني مروان على الساحل الإريتيري قبالة مصوع .
عقب ذلك أُرسلت رسالة برقية عثمانية إلى روما تؤكد فيها أن الحكومة العثمانية وليس القائد الإيطالي هم المسؤولون عن معاقبتهم ، وأنهم قد سعوا بشكل حثيث في إخطار الإيطاليين بذلك تجنباً للقتال .
ولكن قبل اتخاذ أي إجراء تلقت الحكومة العثمانية برقية عاجلة جداً وسرية من عبد الله باشا القائد العثماني في اليمن تقول : إن أرنون {القائد الإيطالي} قد قصف ميدي ، مما أجبر جميع السكان على الهرب .
نظرت الحكومة الإيطالية إلى المسألة برمتها كنتيجة طبيعية للعداء وليس انتهاكاً صارخاً للعادات الدولية .
وأصدرت وزارة الخارجية العثمانية تعليمات إلى سفيرها في روما بإخطار الحكومة الإيطالية بالحدث ، وحثها على وضع حد لمثل هذه الاعتداءات .
ومع ذلك : وفقاً لتقرير نشر في "LECLAIRE" ؛ اعتبرت الحكومة الإيطالية أن الضمانات العثمانية غير كافية وأصدرت أوامر لقائدها لمهاجمة ميدي مرة أخرى في الثاني من نوفمبر من ذات العام .
وعلى أمل القيام بتلك العملية { القصف الثاني لميدي } في أن يبحر الأسطول الإيطالي المكون من أربعة سفن حربية ؛ كان هذا العمل واضعاً للعثمانيين في موقفٍ حرج .
بعد هجمات القراصنة وعلى الرغم من أنه تم أسر البعض منهم ، لا يزال الإيطاليون يصرون على أن هذا لا يكفي .
فشرعوا في قصف الساحل على بعد مسافة ساعة من ميدي ، وبعد ثلاثة أيام قاموا بقصف ميدي بنفسه مرة أخرى .
لقد كانت الحجة التي استخدمها الإيطاليون هي أن بني مروان الأقوياء كانوا يهاجمون السفن التي تحمل العلم الإيطالي قبالة الساحل اليمني ، وأنهم ثائرون بما فيه الكفاية لمهاجمة السفن العثمانية أيضا في نفس الليلة .
وبعد أن غضبت حكومة السلطنة العثمانية من هذا الإجراء الخطير ، ورفض الإيطاليين قبول الضمانات العثمانية ؛ بعثت الحكومة العثمانية برسائل عاجلة إلى سفارتها في برلين توعز فيها باستدعاء المستشار الألماني للتدخل ضد الحكومة الأيطالية حتى تسحب أسطولها .
لقد كانت الحكومة العثمانية تدرك تمام الإدراك أن أهداف ذلك هي إضعاف العثمانيين على الساحل اليمني .
وعلى الرغم من أنهم استخدموا القرصنة كذريعة أساسية لتنفيذ أعمالهم إلا أنهم كانوا مذنبين بنفس القدر برعايتهم لممتلكاتهم على الضفة الأخرى من ساحل البحر الأحمر {سواحل إفريقيا}.
لم يعط الإنذار الإيطالي الذي ينتهي في الثامن عشر من أكتوبر سوى القليل من الوقت للرد العثماني ، ولكن بدلا من ذلك قام العثمانيون بدعوة القيصر الألماني للضغط على الإيطاليين لتأجيل الموعد حتى يتم إجراء تحقيق كامل.
تهدف إيطاليا بوضوح لمد نفوذها في اليمن ، ومن ذلك الترويج لعلاماتهم التجارية الخاصة ، والتي لعب فيها العملاء الإيطاليون دوراً صغيراً .
وكل ذلك كان يهدف إلى استفزاز القبائل العربية القوية في الساحل للانتقام .
لقد كان ذلك جزءاً من الهدف العام لإيطاليا وهو الإيقاع بين القبائل والسلطة الشرعية .
في الحادي والعشرين من أكتوبر : نقل السفير العثماني في برلين إلى المستشار الألماني طلب حكومته بأن تضغط ألمانيا على إيطاليا حتى تكف .
لكن قائد السفينة "Piemonte" ادعى أنه لم يتلق تعليمات بالتوقف ، زاعماً أن القراصنة {العرب} قد نهبوا من دهلك ، وذلك أيضا بعدما تحصلوا على 19000 دولار أمريكي من إحدى السفن الحربية الإيطالية ".

انتهى كلام المؤلف مؤرخاً لهذه الأحداث ، ويسعنا التعليق ببعض النقاط :

1- تأثير سلطة وشخصية الشيخ طاهر آل زيلع المرواني رحمه الله في تلك البلاد حينما كان أميراً لميدي ولقبائل بني زيلع ، الأمر الذي جعل الحكومة العثمانية تكف عن القبض عليه خشية من عواقب تمردات قبيلته للثأر من اعتقاله ، أو من كافة القبائل اليمنية لدوره وتأثيره في تلك المنطقة في ذلك الوقت ، وهو أحد أعلام التاريخ اليمني والأمراء العرب في سواحل البحر الأحمر .
2- عمليات قصف ساحل ميدي المعروفة وكما هو معلوم في التأريخ اليمني ما آلت إليه أمور تلك العمليات من الصلح بين بني مروان والإيطاليين ، وقد ذلك كان يعد انتصاراً للقبيلة بموازاة نتائج القرصنة ثم عمليات القصف بين قبيلة ودولة عظمى ، وبرضوخ دولة إيطاليا إلى شروط بني مروان .
3- المحاولات الإيطالية لبسط النفوذ على اليمن ودور القبائل العربية في تهامة مثل بني مروان والزرانيق - وهم أبناء عمومة من قبيلة عك العدنانية - في منع حصول ذلك .
4- التحريش الإيطالي ومحاولة إيقاع الفتنة بين القبائل وبين الدولة العثمانية .

والحمد لله رب العالمين .. إلى أن نلقاكم بإذن الله في سلاسل مشرفة لتاريخ المقاومات الإسلامية والعربية للغزاة ، نترككم في رعاية الله .
المصادر :
سلاطين اليمن في القرن التاسع عشر لقيصر فرح ص 202 و203 .



lk hgwvhu hguelhkd hgYd'hgd td hgfpv hgHplv ,],v hgrfhzg i`h hgk.hu hgwvhu hguelhkd hgYd'hgd td hgfpv hgHplv