النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عوامل ضعف المسلمين

عوامل ضعف المسلمين المؤلف : سميح عاطف الزين فئة الكتاب : فكر معاصر عدد الصفحات : ٢٩ تاريخ النشر : ١٩٩٣ كتاب يجيب عن الأسئلة التالية: ما

  1. #1

    افتراضي عوامل ضعف المسلمين

    عوامل ضعف المسلمين

    المؤلف : سميح عاطف الزين
    فئة الكتاب : فكر معاصر
    عدد الصفحات : ٢٩
    تاريخ النشر : ١٩٩٣

    كتاب يجيب عن الأسئلة التالية:

    ما العوامل التي أدّت إلى ضعف المسلمين؟
    هل أسن المسلمون دائمًا تطبيق الإسلام؟
    كيف ينهض المسلمون من جديد؟


    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة الكتاب
    إن موضوع هذا الكتاب يتعلق بعوامل ضعف المسلمين، ولا سيما عوامل هذا الضعف التي ظهرت في القرن العشرين الميلادي التي ما زالت تتفاعل بآثارها ونتائجها على ما نشهد ونرى من دون أن نحرِّك ساكنًا أو نعمل على تفاديها تحقيقًا لمصلحة المسلمين العليا...
    على أن ما يجب التأكيد عليه مسبقًا هو التمييز بين ضعف المسلمين كشعوب تدين بالإسلام، ومتانة الإسلام نفسه كدين لا يمكن أن يصيبه أي وهن أو ضعف، كما لا يمكن لأي قوة على وجه الأرض أن تبدِّل فيه شيئًا، لأنَّ الله تعالى ارتضاه دينًا للناس كافة، وتكفَّل ـــــــ سبحانه ـــــــ بحفظه خالصًا كما أنزله، لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (سورة الحجر: الآية 9)...
    لقد بذل أعداء الإسلام, منذ ظهوره جميع الجهود لخنقه في مهده... وتصلَّب الكفار في مناهضتهم له، بل استماتوا كي يحولوا بينه وبين الناس، وكي يصدُّوا الناسَ عنه، ولكن تلك الجهود التي بذلوها باءت بالفشل فيئسوا من محاولاتهم الماكرة واستسلموا لعظمته رغمًا عن أنوفهم، وحقت كلمة الله عزَّ وجلَّ عندما أتمَّ دينهُ القويم، وارتضاه نعمةً للعباد المؤمنين به، كما يؤكده التنزيل الحكيم بقوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (سورة المائدة: الآية 3).
    على أن هذه الحقيقة الثابتة التي تدلُّ على قوة الإسلام ومناعته، وعلى أن محاولات الكيد له أو القضاء عليه لا يمكن أن تنجح في حال من الأحوال... هذه الحقيقة لم يتَّعِظُ بها أعداء الإسلام، ولذلك ظل الطيش يغلب عليهم، ولم يفارقهم الشيطان بغوايته، فاستمرت محاولاتهم تلك في مختلف المجالات وفي مختلف البلدان، وعلى مدى الأزمان. وها هي أعمالهم حتى اليوم تدل عليهم: ففي البلاد التي غزتها الشيوعية فُرضت على المسلمين قيود قاسية، ومُنعوا حتى من ممارسة واجباتهم الدينية الشخصية... وعلى الرغم من قسوة القوانين بحقهم، ومضي نصف قرن أو أكثر على صدور تلك القوانين، فإنَّ الإسلام لم ينتهِ هناك ولا يزال فكره النيِّر المعطاء يقضُّ مضاجع الملاحدة، ويثبت لهم فشلهم وخيبة أملهم في محاربة دين الله... كما أن الغرب الرأسمالي الاستعماري لم يكن بأهون شرًّا، إن لم يكن هو المدبِّر الأكبر للمؤامرات على الإسلام، كما يدل عليه تاريخه الفكري السياسي والاقتصادي الذي حفل بأعتى الهجمات وأشدها شراسة على الإسلام وأهله، بما قام به من حروب صليبية لتشتيت قوى المسلمين والسيطرة على ديارهم، وبما روَّج من مؤلفات وكتب وضعها خصيصًا للتجريح والطعن بالإسلام كي يشوّه وجهه الناصع المشرق، أو بما نشر من عملاء مأجورين له في كل مكان، كي يبثوا الفتن والدسائس في صفوف المسلمين أنفسهم... لكنه، ولله الحمد، ارتدّ في جميع ما قام به، أو بما روَّج ونشر، خائبًا حسيرًا؛ وبدل أن ينال من الإسلام فها هو الإسلام ينتشر في بلاده نفسها: في أوروبا، وفي أميركا بشمالها وجنوبها انتشارًا واسعًا لافتًا للنظر، حيث صارت المساجد والمراكز الإسلامية قائمة في معظم عواصم الغرب ومدنه الكبرى.
    وعلى الرغم من أن الإسلام هو دين الله الحق، وهذا معتقد أساسي من معتقدات المسلمين، فإنَّ كثيرين منهم يتساءلون:
    هل لدى المسلمين الإمكانية للتخلص من ضعفهم حتى يقدروا على حمل الإسلام من جديد؟
    وهل في الإمكان تطبيق الإسلام في الوقت الحاضر؟
    وإذا كان في الإمكان تطبيقه، فهل يتيسَّر دوام هذا التطبيق؟
    إن هذه التساؤلات ناجمة عن الصورة التي شوَّه بها أعداء الإسلام التاريخ لصالحهم، وأظهروا المسلمين على غير حقيقتهم؛ كما هي متأتية من الصعوبة في تقريب الحكم الإسلامي إلى أذهان خضعت لحكم الواقع القائم بحيث لم تعد هذه الأذهان قادرة على أن تتصوَّر النظام الإسلامي إلا في مقياس ما ترى من الأنظمة الديموقراطية المطبقة عليها، وذلك بعد أن طُبعت بالثقافة الأجنبية، وصار من أصعب الصعوبات تحويلها عن هذه الثقافة...
    إذًا فالداء هنا يكمن في إغفال الموجهين المسلمين لأثر الثقافة الأجنبية وما تنتجه من مصائب عليهم... فكانوا يحاربون المستعمر في الوقت الذي يتناولون منه ثقافته، من غير أن يفكروا في أنها هي السبب في استعمارهم، وبها يتركَّز الاستعمار في بلادهم... إذًا فلينظر المسلمون كم يكون وضعهم متناقضًا تناقضًا مزريًا، ومضحكًا في آن، وهم يدّعون محاربة الأجنبي الذي يستغلُّهم، بينما هم يديرون له ظهورهم، ويمدون إليه أيديهم من خلفٍ، ليتناولوا بطواعية وشغفٍ سمومَ ثقافته القاتلة، فيتجرعوها ويسقطوا من حيث لا يدرون، صرعى بين يديه، يحسبهم الجاهل شهداءَ نِزَالٍ وما هم، في الحقيقة، إلا صرعى غفلةٍ وتضليل...
    فماذا يريدون؟ أيريدون دولًا متعددة؟ لقد أعطاهم الغرب، منذ صار إليه الأمر، دويلات كثيرة، ليمعنَ في تمزيقهم وليُتمّ خطته في تقسيم بلادهم، وبالتالي ليبعدهم عن تطبيق الإسلام الذي يجمع ولا يفرق...
    إن هذا الكتاب يحتوي على بعض الأدلة والبراهين التي تؤكد أن الإسلام قد طبق على مدى ثلاثة عشر قرنًا ونيِّف، وهو وحده القابل للتطبيق في كل زمان ومكان، ما دام كتابه القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، عمادَ الدين والدنيا، وما دامت سنَّة رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم، الذي لا ينطق عن الهوى، الأساس الثانيَ للحكم والنظام...
    والكتاب يأتي أيضًا بالقرائن التي تثبت إدانة المستعمر، وبأنه هو وعملاؤه، هم الذين يشوِّهون الحقائق، ويضعون العراقيل أمام الذين يسعون لتطبيق أحكام الإسلام والدعوة إليه حفاظًا على مصالحهم، وتحسبًا من ضياع نفوذهم وسيطرتهم... ومن هنا كانت الصعوبات التي تحول دون وصول الأحكام الإسلامية إلى معترك الحياة حتى تثبت صلاحيتها وتأثيرها في إصلاح أمور الحياة ومواجهتها بأنجح الوسائل والأساليب... ولكن!... ما دام الإسلام قويًّا بذاته، ومحفوظًا بحفظ الله تعالى، وباقيًا إلى يوم القيامة، فإن نهضة المسلمين من خلال الإسلام وبالعمل به ممكنةٌ في كل زمان، وهذا ما يجب أن يضعه المسلمون نصب أعينهم، وملء بصائرهم، وما يجب أن يجنِّدوا له جميع الطاقات في كل آن...



    u,hlg qut hglsgldk


  2. #2

    افتراضي

    [align=right]معنى: ضعف المسلمين
    نعني بضعف المسلمين: «كونهم على حالة لا يرضاها الله تعالى لهم، ولا تشكل نتيجة للعمل بالإسلام». والعمل بالإسلام ــــــ ويا للأسف ــــــ غير قائم في بلاد المسلمين حيث نجح أعداؤه في إقصائه عن المجالات العامة كالسياسة والاقتصاد والتعليم وغيرها، فترتب على ذلك واقع بلغ غاية السوء يظهر جليًّا في الأمور الآتية:
    أولًا: تجزئة بلاد المسلمين وتقسيمها جغرافيًّا حتى تجاوز عدد أجزاء العالم الإسلامي الخمسين، وصار لكل جزء دولة، ولكل دولة حاكم ونظام، وكل نظام يناقض الآخرين ولا يأتلف معهم على الحق، بل أحيانًا تشتد تلك التناقضات وتقوى حتى تقع بين المتناقضين حروب ومعارك عسكرية ضارية، وانحصر كل شعب من شعوب الأمة الإسلامية ضمن حدود الدولة المرسومة له، فإن غادرها إلى الدولة المجاورة فهو أجنبي غريب يجب الحذر منه وفرض القيود عليه في الإقامة والعمل.
    ثانيًا: فقْدِ الشعوب الإسلامية لحقها في اختيار حاكمها (الخليفة) وبناء نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغير ذلك وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
    ثالثًا: خضوع البلاد الإسلامية لنفوذ المعسكرات والقوى الكبرى إلى حد فقدت فيه إمكانية التصرف في ثرواتها وقراراتها.
    رابعًا: عجز المسلمين في العالم ــــــ والعرب منهم بخاصة ـــــــ عن تحرير بيت المقدس وسائر الأراضي التي يحتلها اليهود في بلاد الشام وإزالة دولة اليهود المغتصبة لفلسطين، وكذلك عجزهم عن مساعدة إخوانهم المسلمين المضطهدين في الفيلبين والهند ولبنان وغيرها.
    خامسًا: غربة الإسلام في كثير من بلاد المسلمين بسبب تغريب الفكر الإسلامي وتأثره بالتيارات الفكرية المعادية للإسلام ـــــــ كما سنبين في عوامل ضعف المسلمين ـــــــ.
    إن حالة الضعف التي أشرنا إلى أهم مظاهرها وآثارها لم تحل بالمسلمين وهم عاملون بدينهم متمسكون بكتاب ربهم وسنّة نبيهم، إذ لو كانوا كذلك لما وهنوا ولما ضعفوا.
    فما العوامل التي أدت إذًا إلى ضعفهم على هذا النحو الذي نراه اليوم؟
    [/align]

  3. #3

    افتراضي

    هل أحسن المسلمون دائمًا تطبيق الإسلام؟
    بعد عرضنا عوامل ضعف المسلمين نرغب في الإجابة عن سؤال يطرحه الكثيرون، بعضهم على سبيل الاستعلام، وبعضهم الآخر على سبيل التشكيك، وهو: «هل طبق الإسلام يومًا؟» أي: هل كان المسلمون أقوياء بالإسلام؟، وقد فضلنا أن تكون صيغة السؤال على نحو آخر ليكون أدق وأشمل فتساءلنا: «هل أحسن المسلمون دائمًا تطبيق الإسلام؟» لأن هذا السؤال يحمل جوابًا بديهيًّا عن السؤال الأول بالإيجاب وأن الإسلام قد طبق عمليًّا بلا شك، ولكن ما نريد التوقف عنده من خلاله هو مدى إحسان المسلمين لتطبيقه في مراحل تاريخهم، إذ لا يكفي أن يكون المبدأ أو الحكم حقًّا بنفسه لينال الناس خيره، بل لا بد من تطبيقه تطبيقًا سليمًا لتحقيق الغاية الرشيدة منه. وجوابنا الموجز عن ذلك:
    إن الإسلام قد طُبق عمليًّا لكن المسلمين لم يحسنوا دائمًا تطبيقه، وبيانه: أن المسلمين طبقوا الإسلام وحدَهُ في جميعِ العصور مُنذُ أن وصل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة حتى سنة 1336هــــــ، 1918 ميلادية، حين سقطت آخر دولة إسلامية على أيدي أعداء الإسلام من المستعمرين، وكان التطبيقُ شاملًا ونجحوا فيه إلى أبعد حدوده، والدليلُ على ذلك أن الدولة هي التي تطبق النظام، والذي يطبقه في الدولة شخصان: القاضي الذي يفصل الخصومات بين الناس، والحاكمُ الذي يرعى شؤونهم في الداخل والخارج.
    أما القاضي فقد رُوي بطريق التواتُر أن القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى نهاية الخلافة في استانبول، كانوا يفصلونها بحسب أحكامِ الشرع الشريف في جميع أمور الحياة، سواءٌ أكان الفصلُ بين المسلمين وحدهم أو بينهم وبين غيرهم.
    والمحكمةُ التي كانت تفصلُ جميع الخصومات من حقوق وجزاءٍ وأحوال شخصية وغير ذلك محكمةٌ واحدةٌ، تحكمُ بالشرع الإسلامي وحده، ولم يَرْوِ أحد أن قضية واحدة فُصلت على غير الأحكام الشرعية الإسلامية.
    وأقرب دليلٍ على ذلك سجلاتُ المحاكمِ الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها، فإنها دليلٌ يقيني على أن الشرع الإسلامي هو الذي كان يطبقه القضاةُ وحده. كما أن غير المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه الإسلامي، ويؤلفون فيه، مثل سليم الباز اللبناني شارح مجلة الأحكام العدلية المستمدة من فقه الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وهو شرح متداول في لبنان بخاصة وغيره ممن ألّفوا في الفقه الإسلامي في العصور المتأخرة.
    يتضح من هذا العرض الموجز أن الإسلام طُبّق قضائيًّا، ولم يطبَّق غيرُهُ في جميع عصور الدولة الإسلامية. أما تطبيق الحاكم للإسلام، فإنه يتمثّل في الأحكام الشرعية المتعلّقة بنظام الحكم والنواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والسياسة الخارجية. وقد طبقت الدولة الإسلامية أحكام الشرع في كلّ ذلك، فكان من نتيجة هذا التطبيق نجاح الأمة الإسلامية وتقدمها في جميع المجالات بما فيها الفلك والطب، وكذلك الفتوحات الإسلامية التي ملأت شهرتها الآفاق وما أعقبته من نهضة مدنية وحضارية حيث حل المسلمون.
    وعليه فالإسلام طبق عمليًّا منذ السنة الأولى للهجرة حتى سنة 1336هـــــــ (1918م) كما أشرنا.
    أما إساءة التطبيق فقد حصلت في فترات من تاريخ الأمة الإسلامية، عندما أخذ ولاة الأمور خلالها بعدم الالتزام بالأحكام الشرعية التزامًا كاملًا كما حصل بعد نهاية الخلافة الراشدة حيث أصبح انتقال الولاية بالوراثة والتعيين عن طريق تولية العهد، بدل أن تكون خلافة، وتكون الخلافة نتيجة المبايعة الصحيحة من المسلمين لإمامهم؛ وإذا كان ذلك لم يؤثر في الدولة الإسلامية يوم كانت قوية منيعة، فإن أثره ظهر في ما بعد حين ضعفت الدولة. ولم يقتصر هذا الأثر على أمر بيعة الخليفة، بل تعداه إلى الولاة؛ فمن قبيل ذلك مثلًا سكوت الدولة العباسية على عبد الرحمن الداخل في الأندلس وتركها له يستقل فيها، مما أدّى إلى جعل جزء منها يدار إدارة منفردة من قبل ولاة أطلقوا على أنفسهم في ما بعد اسم «أمير المؤمنين»... ولئن لم تنفصل الأندلس في ذلك الوقت عن جسم الدولة، ولم ينفصل مسلموها عن باقي المسلمين، فإن ذلك لم يمنع كونها منفصلة الإدارة، الأمر الذي أدى إلى تسرّب الضعف لها، وسهل لأعدائها الاستيلاء عليها، وبالتالي أخذهم لها، والمسلمون في عنفوان مجدهم وأوج قوتهم!... هذا في المغرب.
    أما في المشرق فإن إعطاء الولاية العامة للولاة وجعل الصلاحيات الواسعة لهم، حرّك فيهم أحاسيس السيادة وأطمعهم، فاستقلوا بالإدارة الداخلية، ورضي الخليفة منهم بذلك، مكتفيًا بالدعوة له على المنابر، وبصدور براءة التعيين منه، وضرب النقد باسمه، وإرسال الخراج له؛ فكانت الولايات في استقلالها الداخلي تشبه الدويلات كما كانت الحال مع السلجوقيين وغيرهم... وهذه الأمور جميعًا كانت سببًا أدى تدريجًا إلى الضعف والانحلال.
    على أن إساءة التطبيق هذه لا تمسُّ الإسلام بشيء، لأنها ناجمة عن تصرف الأشخاص المولجين بالتطبيق، وهم بشر قد يصيبون وقد يخطئون؛ فالإنسان ليس كائنًا صناعيًّا آليًّا يعيش على المسطرة، ويطبق النظام بلا تفاوت بالقياس الهندسي الدقيق، بل هو مخلوق مجتمعي تتفاوت في أفراده القوى والخاصيات، وإن في المجتمع ـــــــ كما نعلن ــــــــ فسّاق وفجّار، وكفّار ومنافقون، ومرتدون وملحدون، لكن العبرة تبقى بالمجتمع في مجموعة وليس في أفرادٍ من هذا المجموع.
    وإساءة التطبيق لا تعني أن الإسلام لم يطبق، بل المقطوع به أن الإسلام طُبّق كما لم يُطبق غيره من المبادئ والنظم. إن العبرة في التطبيق للقوانينِ والأنظمة التي تأمرُ الدولة بالعمل بها، ولم تأخذ الدولةُ الإسلامية أي شيءٍ مخالف للإسلام، وكل ما حصل أنّ بعضَ الحكام أساؤوا التطبيق.
    على أن الشيء الذي ينبغي أن يكونَ واضحًا أن الواجبَ علينا حينَ نستعرضُ تطبيق الإسلام من التاريخ أن نلاحظ شيئين اثنين:
    أولهما: ألّا نأخُذَ هذا التاريخ عن أعداء الإسلام وأن نأخذه بالتحقيق الدقيق من علماء المسلمينَ أنفسهم الحريصينَ عليه حتى لا نأخُذ الصورة مشوَّهة.
    ثانيهما: لا يجوز أن نستعملَ القياسَ الشموليّ على المجتمعِ لا في تاريخِ الأفرادِ، ولا في تاريخ ناحيةٍ من نواحي المجتمع، فمن الخطأ أن نأخذ الحكم على العصر الأمويّ من تاريخ يزيد مثلًا. أو أن نأخذ واقع العصر العباسيّ من تصرفات بعض خلفائه. كذلك لا يجوز أن نحكم على المجتمع في العصر العباسي من قراءَ كتاب الأغاني الذي جَمَعَ أخبارَ المجّان والشعراء والأدباء، أو من قراءة بعض كُتب التصوّف وما شاكَلَها، فَنَحكم على العصرِ بأنّه عصرُ فسقٍ وفجور أو عصر تواكل وانعزال، بل يجب أن ننظُر إلى المجتمع بأكملِهِ.
    وحين ندرسُ المجتمع الإسلامي على هذا الأساس، وبالتحقيق الدقيقِ نجدهُ خير المجتمعات لأنه يقوم على الإسلام عقيدة ونظامًا ومنهجًا للحياة.
    ومن ذلك كله نرى أن النظام الإسلامي طُبّق عمليًّا ولم يُطبّق غيره في جميع عصور الدولة الإسلامية. وأما نجاح هذا التطبيق عمليًّا فقد كان نجاحًا منقطعَ النظير على الرغم من الثغرات والعثرات التي حصلت في فترات من تاريخه ولا سيما في نقل الذين أسلموا ـــــــ وخصوصًا العرب ـــــــ من حالة فكرية منحطة إلى عصر نهضة فكرية يتلألأ بنور الإسلام الذي لم يقتصر بزوغ شمسه على العرب وحدَهُم، بل عمّ العالم كلّه. فلقد اندَفَعَ المسلمونَ في الأرض وهم يَحملونَ الإسلام للعالمِ. ففتحوا بلاد فارس والعراق وبلاد الشام ومصر وشمالي إفريقيا. وكانت لكل شعبٍ من هذه الشعوب قوميّة غير قوميّات الشعوب الأخرى، ولغةٌ غيرُ لغاتها وعاداتٌ وتقاليدُ وأديانٌ مختلفةٌ. وما إن استظلّت تلك الشعوب بالحكم الإسلامي وفهمتِ الإسلام حتى دخلت فيه كلّها، وأصبحتْ جميعُ هذه الشعوب أُمّةً واحدةً. كانَ نجاحُ القيادةِ الفكرية الإسلامية في صَهْر هذه الشعوب والقوميّات نجاحًا منقطع النظيرِ.
    ولم يكن الفتح الإسلاميّ إلا لإزالة الحواجز المادية بعدما صاروا أحرارًا من تلك القيود حتى يُخلَّى بين الناس والحق الذي يرشدهم إليه العقل السليم وتهديهم إليه الفطرةُ، ولذلك دخلَ الناسُ في دين الله أفواجًا.

    المصادر
    2 أهم مجموعة من القبائل التركية الذين أسلموا، ثم أعلنوا قيام دولتهم في نيسابور عام (429هـــ 1037م)، ثم اعترف بدولتهم هذه الخليفة العباس (432هـــ). وامتد نفوذهم من حدود الهند والصين شرقًا إلى البحر المتوسط غربًا، ومن البحر الأسود شمالًا إلى الخليج جنوبًا. وقد انهارت الدولة السلجوقية قبل أن يمرَّ أكثر من مئة وخمسين سنة على قيامها.

  4. #4

    افتراضي كيف ينهض المسلمون من جديد

    كيف ينهض المسلمون من جديد؟
    إنه لسؤال بديهي بعد هذا الذي ذكرناه من عوامل ضعف المسلمين، ولم نشأ أن يكون هذا السؤال: «هل ينهض المسلمون من جديد؟» لأن هذه الصيغة لا تحمل المسلمين مسؤولية النهوض كاملة ولا تمكننا من الإجابة الدقيقة إلا بعد شرح مسهب عن الإسلام ومدى عمل المسلمين به ليجاب إثره بنعم أو بلا. لكننا لا نريد الكلام في هذا المجال، فقد سبق لنا فيه بيان وافٍ وإنما مرادنا أن نبيِّن كيفية نهوض المسلمين من كبوتهم وتغلّبهم على ما يعانونه من ضعف وتمزُّق واختلاف، أي: أن توضح العوامل والوسائل التي يجب على المسلمين أن يأخذوا بها من أجل الوصول إلى هذا الهدف السامي بعد بياننا لعوامل ضعفهم، إذ لا شيء يحدث في العادة إلا بسبب، فما من أمة قويت أو ضعفت إلا بسبب، ونحن لا ندّعي في عرضنا لأهم أسباب نهوض المسلمين أننا وضعنا يدنا على شيء جديد لم يعرفه المسلمون من قبل، بل قد عرفوا ذلك من قبل في فترات طويلة من تاريخهم وطبقه بعضهم تطبيقًا كاملًا، لكننا نريد بهذا تعليم الذين لا يعلمون وإرشادهم إلى بعض ما جاءهم به نبيّهم محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام ليكون المسلم كامل الإسلام، قوي الإيمان، منيع الفكر، حصيف الرأي، صلب الموقف في الحق، فنقول: إن قوة الفكرة الإسلامية المقرونة بطريقتها السليمة كافية لاستئناف الحياة الإسلامية، إذا غرست هذه الفكرة في القلوب، وتغلغلت في النفوس وطبقها المسلمون، وغدا الإسلام عاملًا مؤثرًا في الحياة، إلّا إنه على الرغم من ذلك فإنه لا بدَّ من أن تتم أعمالٌ عظيمةٌ وأن تبذل جهود جبارة من أجل الوصول إلى هذا الهدف. فمجرد الرغبة والتفاؤل، والحماسة والأمل، لا يحقق تطبيق الإسلام عمليًّا، بل لا بد من ثورة إسلامية فكرية يقوم بها المسلمون تنطلق من الأسس الثلاثة التالية:
    الأساس الأول: معرفة أسباب الضعف والعمل على إزالتها
    إن من الواجب على المسلمين أن يعرفوا العوائق الضخمة التي تقف في وجه الإسلام ويقدروا خطورتها حق التقدير، ويعملوا ما يستطيعون لإزالتها، حتى يكون القول والعملُ سائرين في الطريق السويِّ بوعيٍ وحزمٍ وإقدام. ليعلم السائرون في هذه الطريق، أنهم ينحتون طريقهم في الصخر الأصمِّ، لكن معاولهم مرهفة ضخمة كفيلة بتكسير صخورِهِ وليعرفوا أنهم يعالجون أمرًا دقيقًا، لكن رفقهم كفيل بحسن معالجته، وأنهم سيصطدمون بعقبات كبيرة لكنهم سيتغلبون عليها بعون الله ولا يحيدون عن طريقهم لأنها الطريق التي سار عليها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن عندما نسلكها سلوكًا صحيحًا تكون النتائج قطعية لا ريب فيها، والنصر محققًا لا شك فيه، شرط أن يكون الاقتداءُ بالرسول الكريم دقيقًا، والسيرُ بحسب خطواتِهِ، حتى لا يتعثّر السائرُ، لأن كل خطأ في القياس، وكلَّ حيد عن الطريق، يسببُ التعثُّر بالسير والعقم في العمل. ومن أهم الصعوبات التي تعترض السائرين على طريق الإسلام في الوقت الحاضر بالإضافة إلى العوامل التي بيناها آنفًا، الأمورُ التالية:
    الأمر الأول: وجودُ الأفكارِ غيرِ الإسلامية وغزوها للعالم الإسلامي. وذلك لأن العالمَ الإسلامي غُزِي بتلك الأفكار المناقضة لأفكار الإسلام، والقائمة على أساس مغلوط وعلى فهم خاطئ للحياة ولما قبلها وما بعدها. فوجدت هذه الأفكار لدى كثير من المسلمين تربةً خصبة خالية من المقاومةِ فتمكنت منها، لذلك تشبعت عقليةُ المسلمين ــــــ ولا سيما فئة المثقفين ـــــــ بهذه الأفكار، فكوّنت عقلية سياسية مشبعة بالتقليد، بعيدة من الابتكار، غير مستعدة لقبول الفكرة الإسلامية سياسيًّا، وغير مدركة لحقيقة هذه الفكرة بل وترفض مجرد البحث فيها، وعلى الأخص من الناحية السياسية، ولذلك كان لزامًا أن تكون الدعوة الإسلامية: دعوة للإسلام، ودعوة إلى استئناف حياةٍ إسلامية، فيُدْعى غير المسلمين للإسلام بشرح أفكاره ويدعى المسلمون إلى العملِ لاستئناف الحياة الإسلامية بتفهمهم الإسلام. وهذا يقضي بأن يبين ما في الأفكار الأخرى غير الإسلامية من زيف، وما في نتائجها من أخطار، وأن تأخذ الدعوة طريقها السياسي، وأن يسعى لتثقيف الأمة ثقافةً إسلامية تبرزُ فيها الناحية السياسيةُ، وبهذا يمكن التغلّبُ على هذه الصعوبة.
    الأمر الثاني: وجود البرامج التعليمية على الأساسِ الذي وضعه المستعمر والطريقة التي تطبق عليها هذه البرامجُ في المدارس والجامعات. وتخريجها لمن يتولى أمور الحكمِ والإدارة والقضاء والتعليم وسائر شؤون الحياة بعقليّة خاصّة.
    وطريق التغلّب على هذه الصعوبةِ هو كشفُ هذه الأعمال لهؤلاء الحكامِ والموظفين، وللناس جميعًا حتى تبرز بشاعةُ الناحية الاستعمارية الموجودة فيها، ليتنازل هؤلاء عن الدفاع عنها حتى تجد الدعوةُ طريقَها إلى هؤلاءِ الناس.
    فالبرامج التعليمية هذه جعلت جمهرة الشباب المتخرجين منهم والذين لا يزالون يتعلمون، يسيرون باتجاه يناقض الإسلام. ولا نقصد البرامج العلمية والصناعية فإن هذه البرامج عالميةٌ، بل نقصد البرامج الثقافية التي تؤثّر في سلوك الإنسان في الحياة. والثقافة تشملُ: التاريخ، والأدب، والعقيدة والتشريع، وذلك أن التاريخ هو تدوين الوقائع والأحداث، والأدب هو التصوير الشعوري لها، والعقيدة هي الفكر الأساسي الذي تبنى عليه وجهةُ النظرِ في الحياة، والتشريع هو المعالجاتُ العمليةُ لمشاكلِ الحياةِ، والأداة التي يقوم عليها تنظيمُ علاقاتِ الأفراد والجماعات، وهذه كلها قد كوَّن بها المستعمر عقلية أبناء المسلمين تكوينًا خاصًّا جعل بعضهم لا يشعرُ بضرورةِ وجود الإسلام في حياته وحياةِ أمتهِ، وجعل بعضهم يحملُ عداءً للإسلام منكرًا عليه صلاحيتهُ لمعالجةِ مشاكل الحياة، لذلك لا بد من تغيير هذه العقلية، وذلك بتثقيف الشباب ثقافةً مركّزة، وثقافةً جماعيّة، بالأفكار الإسلامية والأحكام الشرعية، حتى يمكن التغلب على هذه الصعوبة.
    الأمر الثالث: كون المجتمع في العالم الإسلامي يحيا ـــــــ بصورة عامة ـــــــ حياة غير إسلامية ويعيش وفقَ طراز من العيش يتناقض مع الإسلام، ذلك أن أنظمة الحكم، وقواعد الحياة التي يقومُ عليها المجتمع بكل مقوّماتها، والاتجاه النفسي الذي يتجه إليه المسلمون، والأساس العقلي الذي يقوم عليه تفكيرهُم. كلُّ ذلك يقومُ على أساس مفاهيم للحياة تناقض المفاهيم الإسلامية وتخالفها.
    فما لم تتغير هذه الأسس، وتصحح هذه المفاهيم المغلوطة، يكون من الصعبِ تغييرُ حياة الناس في المجتمع.
    الأمر الرابع: بُعد الشقة بين المسلمين ومفهوم الحكم الإسلامي، ولا سيما في سياسة الحكمِ وسياسة المال، الذي جعل تصور المسلمين للحياةِ الإسلاميةِ ضعيفًا، وجعل تصوُّر الذين لا يدينون بالإسلام للحياةِ الإسلامية تصوُّرًا مخالفًا له في الواقع ولا سيما أن المسلمين قد عاشوا مدّة نحوٍ من قرن يحكمون بنظام يناقض الإسلام، ولهذا كان لا بد من أن يرتفع الناس من الواقع السيّىء الذي يعيشونَ فيه، وأن يتصوروا الحياةَ التي تليق بهم أن يحيوها، والتي يجبُ أن يغيّروا واقعهُم ويحولوه إليها. وكان لا بد من أن يتصوروا أن هذا التحول إلى الحياة الإسلامية، لا بد من أن يكونَ تحولًا كاملًا غير مجزأ، وأن تطبيق الإسلام لا بد من أن يكونَ شاملًا، وليس تدريجيًّا بالتجزيء والترقيع، حتى يقرب إليهم تصور واقع الحياة يوم كان عزُّ الإسلام.
    الأمر الخامس: وجود رأي عام من الوطنية والقومية والاشتراكية، وقيام حركات سياسية على الأساس الوطني والقومي والاشتراكي، وذلك أن استيلاء الغرب على بلاد المسلمين، وتسلّمه زمامَ الحكم فيها وتطبيقه النظام الرأسمالي عليها أثار في النفوس الميلَ للدفاع عن النفس، فنتجت عنها العاطفة الوطنية للدفاع عن الأراضي التي يعيش عليها، وأثار العصبية العنصرية للدفاع عن النفس والعائلة والقوم، والعمل لجعلِ الحكمِ لهم، فنشأت عن ذلكَ حركاتٌ سياسيةٌ باسم الوطنية لطردِ العدو من البلاد، وباسم القومية لجعل الحكم عليها لأهلها، ثم تبين للناس فساد النظام الرأسمالي وعدم صلاحيته وانتشرت بينهم دعاية للاشتراكية فقامت تكتلاتٌ باسْمِ الاشتراكية لترقيع الرأسمالية، ولم يكن لهذه الحركات أي تصوُّر سليم لنظامِ الحياة إلا التصور الارتجالي مما أبعدهم عن الإسلام بصفته مبدأ عالميًّا. وأبعدهم عن الكفاح السياسي الصحيح القائمَ على أساس المبدأ والعقيدة. فلا بد من جلاء الحقيقة للرأي العام، وتصحيح مفهوم الناس للإسلام ببيان أحقيته ومفهومهم لسواه من الأنظمة اشتراكية كانت أم رأسمالية. ببيان فسادها وفشلها وآثارها السَّيئة على المجتمعات التي عاشت في ظل حكمها وسلطتها، وحث المسلمين بعد ذلك على حمل لواء دينهم وحده والكفاح من أجل عودته حاكمًا للبلاد والعباد، عالية كلمته، خفاقة رايته، وإفهامهم أن العمل في هذا السبيل واجب على المسلمين القادرين يحرم عليهم تركه أو التخاذل دونه، وأنه هو قمّة الجهاد في سبيل الله تعالى.
    وملخص القول في هذا الأساس من أسس نهضة المسلمين من جديد:
    أن يعرفوا أسباب ضعفهم كلّها ويحيطوا بخطط الأعداء وأساليبهم الماكرة ـــــــ وقد بيّنا أهمها وأخطرها ـــــــ فيعملوا بجد وحزم على وقف المد التبشيري والغزو الثقافي لبلادهم، وبالتالي القضاء على مخلّفاته وآثاره ودُعاته والمروِّجين لأفكاره، وأن يعززوا اللغة العربية ويعتنوا بقواعدها وعلومها وآدابها لأنها لغة الإسلام ولغة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبها نزل القرآن الكريم، ولا يَفْهَم الإسلام حقّ الفهم إلا المتمكِّنون من لغة العرب حق التمكّن. وأن يعملوا على تعرية الحركات والجمعيات السرية المعادية للإسلام كالماسونية وفروعها من «الليونز» و«الروتاري» وسائر الأحزاب العقائدية الفاشلة الأخرى، وبيان ضررها وخطرها على الإسلام والمسلمين والعمل بحزم للقضاء على هياكلها وتنظيماتها وأدواتها والمروجين لأفكارها.
    وأن يعملوا أيضًا على نزع السلطة من أيدي عملاء العدو الذين سلّطهم وولاهم على المسلمين ليعيثوا في الأرض فسادًا والذين هم من جلدتنا ويتكلمون بلغات الشعوب الإسلامية التي يتحكمون فيها، وأن يختاروا من بينهم إمامًا مسلمًا عادلًا يتولى رعايتهم بحكم الله تعالى وحده لا بحكم سواه.
    الأساس الثاني: وحدة المسلمين
    الوحدة أساس القوة وعمادها فكيف إذا كانت لقاءً على الحق؟!
    لذلك أمر الله تعالى المسلمين بالاعتصام بكتابه الكريم بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (سورة آل عمران: الآية 103). والفرقة أخطر أسباب الفشل وأضرّها، لذلك نهى الله عباده المؤمنين عنها بقوله: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (سورة الأنفال: الآية 46) أي: قوتكم وهيبتكم فيسهل القضاء عليكم.
    فمن واجب المسلمين أن يتوحدوا:
    فكرًا: بفهم الإسلام فهمًا صحيحًا واحدًا، وعلى الأقل فهمًا غير متناقض تناقضًا يؤدي إلى تنازع واختلاف، وذلك بأخذه عن العلماء الموثوقين، ومن مصادره الصحيحة المعتبرة، وخصوصًا القرآن الكريم والسنّة النبويّة.
    وصفًّا: بأن يكونوا كما أمرهم الله تعالى صفًّا واحدًا بقلوبهم وأجسامهم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضُه بعضًا، وألّا يتفرقوا ولا ينقسموا، وإذا عرض لهم أمر فاختلفوا فيه فليردّوه إلى كتاب الله وسنّة رسوله، ففيهما الحل ومنهما يؤخذ العلاج.
    ووطنًا: بتوحيد بلاد المسلمين كلّها كونها وطنًا لجميع المسلمين، فلا تقسيم لبلادهم، ولا تشتيت لشملهم، ولا اعتراف بالواقع التقسيمي الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم، بل يحرم على المسلمين أن يعترفوا بهذا الواقع أو أن ينادوا به أو أن يدعوا إليه، أو أن يرضوا به. لأن كل أرض دخلها الإسلام وحكمها المسلمون فهي ديارهم جميعًا، وأيُّ عدوان على قطر من أقطارهم يُعدّ عدوانًا على المسلمين جميعًا وجب عليهم أن يصدوه، الأقرب منهم للعدو فالأقرب حتى يزول الباطل ويثبت الحق.
    وهدفًا: بأن يكون للمسلمين جميعًا هدفٌ واحدٌ لا هدفَ لهم سواه ألا وهو: أن تكون كلمة الله تعالى هي العليا في كل مكان، وكلمة الله هي كلمة التوحيد (لا إله إلّا الله محمدٌ رسولُ الله، ولا يتم ذلك إلا بالعمل في سبيل نشر الإسلام ونقله للعالَمين كونه رحمة لهم جميعًا كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
    والمسلمون في كل عصر مأمورون بنقل هذه الرحمة إلى جميع الناس وتبليغها وتوصيلها إلى من يصلهم خبرها ودعوتهم إلى الأخذ بها كونها سفينة النجاة لهم في الدنيا والآخرة.
    وقوًى: بأن يحشد المسلمون جميع طاقاتهم: البشرية (وما أكثرها) والمالية (وما أغناهم بالثروات والمعادن والمال) من أجل إقامة العدل في ما بينهم بمساعدة الفقراء في بلاد المسلمين والمنكوبين والمضطهدين، وألّا يسمحوا لأي من الدول الكبرى بوضع يدها على ثرواتهم ومواردهم أيًّا كانت المغريات أو التهديدات.
    فلو أن المسلمين اليوم توحدوا: فكرًا وصفًّا ووطنًا وهدفًا وقوًى على النحو الذي أشرنا إليه لانقلبت الموازين في العالم ولحظيت البشرية بخير عميم.
    الأساس الثالث: العمل بكتاب الله وسنّة رسوله
    إن الامتثال لشرع الله تعالى خير كله للعامل به وللمتعاملين معه، وبمقدار ما تتسع دائرة العمل بالإسلام وتنتشر بقعته يعم الخير ويزداد، ومقصودنا من هذا الأساس الأمة بكاملها، أي: أن تتوحَّد الأمة وتجتمع على الإسلام، وأن تلتزم به قولًا واعتقادًا وعملًا، على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، لا فرق في ذلك بين إنسان وآخر. لأن كل مسلم يجب عليه أن يأخذ بالإسلام، ويحرم عليه أن يعمل بسواه من الباطل أو أن يدعو إليه.
    فهل يشك عاقل في نهضة المسلمين إذا عادوا إلى العمل بالإسلام كما أمرهم الله تعالى؟!
    والله سبحانه وتعالى يؤكد بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (سورة محمد: الآية 7).
    وقوله: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (سورة الحج: الآية 40).

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أين عزة المسلمين ؟
    بواسطة عبدالمنعم عبده الكناني في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-01-2018, 06:22 PM
  2. عوامل سقوط دولة المماليك
    بواسطة عبدالمنعم عبده الكناني في المنتدى تاريخ الدولة المملوكية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 31-03-2016, 01:06 AM
  3. نحن المسلمين
    بواسطة عبدالمنعم عبده الكناني في المنتدى موسوعة الفرق و المذاهب ( الملل والنحل )
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 01-09-2015, 12:24 AM
  4. سيناء عوامل البناء ومعاول الهدم بقلم يحي عقيل
    بواسطة مجدى العقيلى في المنتدى الصالون الفكري العربي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15-05-2011, 12:04 AM
  5. الى كل المسلمين
    بواسطة نبيل زغيبر في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 24-03-2011, 04:32 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum