✿ مقدمة:
إن قبيلة الكواهلة المجيدة قبيلة عربية سودانية كبيرة عريقة ضاربة بأطنابها في شتى ربوع السودان، ولها تاريخ مجيد، وبطولات حافلة.
وهذه القبيلة في حقيقتها أكبر من أن تكون مجرد قبيلة، بل هي وعاء كبير تنضوي تحته مجموعة كبيرة من القبائل، ولذلك فالأصوب والأدق أن توصف بأنها شعب لا قبيلة؛ لأنها تمثل شعباً كبيراً من عرب السودان. والشعب أكبر من مفهوم القبيلة.
وهذا ما كنت أطرحه في العديد من اللقاءات والحوارات الودية مع إخواني المهتمين بالأنساب في الحديث عن الكواهلة الكرام.
ومن دقة فهم مؤلف كتاب "دوحة الكواهلة" أن حينما يتكلم عن أهله الكواهلة لا يقول (قبيلة الكواهلة)، بل يقول (شعب الكواهلة).
✒ فنراه يقول في كتاب "الدوحة": (هذه السلالة الكاهلية تسمى شعباً)(1).
أقول: ومع كبر حجم هذه القبيلة وعظمة تاريخها لم تجد حظها من التوثيق والدراسة مقارنةً بالقبائل الأخرى. والدراسات حولها قليلة بل نادرة، وما كُتِبَ عنها في الكتب التي تناولت قبائل السودان تمثل كليمات مقتضبة، لا تفي بعشر معشار حقها التاريخي والتراثي.
🖋 وفي ذلك يقول المؤرخ الأنثربولوجي المصري محمد عوض محمد: (ومن دواعي الأسف أن المعلومات التي دُوِّنَت عن الكواهلة- بوجهٍ عام- قليلة؛ برغم ما لهم من المكان الواضح في التطور التاريخي لبعض القبائل)(2).
أعود فأقول: ولقد وقفت على كتاب الأستاذ المهدي عبد الماجد المعنون بـ(دوحة الكواهلة)(3)؛ ففرحتُ به أيما فرح، وسعدتُ به أيما سعادة؛ وذلك لاهتمامي بالأنساب العربية بصفة عامة، ولمكانة الكواهلة الكبيرة في قلبي بصفة خاصة.
وقد يسر الله لي اقتناء الكتاب وقراءته بحمده تبارك وتعالى. والكتاب بذل فيه مؤلفه جهداً طيباً، وحاول أن يستقصي جميع فروع الكواهلة، وقد رحل إلى مناطق السودان المختلفة شمالاً وشرقاً وغرباً، وتكبد المشاق من أجل أن يوثق لكل قبيلة وفرع من فروع الكواهلة.
والكتاب ما شاء الله كبير الحجم جداً؛ فقد قاربت صفحاته الألف صفحة، فوصلت إلى (981) صفحة.
ومما زاد الكتاب قيمة أنه قد حُظِيَ بتقريظ وتقديم ثلاثة من الباحثين في التاريخ والأدب، هم:
◕ البروفيسور يوسف فضل حسن.
◕ والبروفيسور محمد علي شمو.
◕ والبروفيسور إبراهيم القرشي.
ولضخامة حجم الكواهلة وامتدادهم في ربوع السودان درج المحققون من المؤرخين والباحثين في تاريخ السودان على تقسيم المجموعات العربية إلى ثلاث مجموعات:
⓵- المجموعة الجعلية.
⓶- المجموعة الجهنية.
⓷- مجموعة الكواهلة.
وهذا التقسيم الثلاثي أدق من الاكتفاء بالتقسيم الثنائي: جعليين، وجهنيين فقط(4).
✿ ملاحظات على كتاب "دوحة الكواهلة":
بالرغم من جهود المؤلف التي تُذْكَر ولا تُنْكَر، وتُشْكَر ولا تُكْفَر إلا أن عليه ملاحظات عديدة، ينبغي التنبيه عليها. ولا يسعنا أن نتناولها كلها، ولكن نريد أن نركز في هذه السانحة على أهمها.
ويمكننا أن نجمل هذه الملاحظات في النقاط التالية:

❐ الملاحظة الأولى: عدم تحقيق المؤلف في نسب الكواهلة:
إن مؤلف كتاب (دوحة الكواهلة) لم يناقش موضوع نسب الكواهلة بصورة علمية، ولا منهجية معتبرة. بل اتكأ على النسب التقليدي الذي ينسب الكواهلة للزبير بن العوام، دون أن يعضد ذلك بحجج أو براهين أو وثائق.
ولم يعرج على ذكر الأقوال الأخرى المختلفة في نسب الكواهلة. وهي روايات مهمة جديرة بالذكر والدراسة.
🗞 ومن المعروف أن هنالك خمس روايات في نسب الكواهلة، وكل رواية لها نصيب من النظر. ويمكن تلخيصها كالتالي:
✔ الرواية الأولى: أن الكواهلة من بني كاهل بن أسد بن خزيمة:
✔ الرواية الثانية: أنهم من بني كاهل ابن هُذَيْل:
✔ الرواية الثالثة: أنهم من جهينة:
✔ الرواية الرابعة: أنهم من ذرية خالد بن الوليد بن المغيرة:
✔ الرواية الخامسة: أنهم من ذرية الزبير بن العوام:
وقد ذكرت هذه الآراء وناقشتها في مقالي: (الكواهلة أبناء كاهل بن عُذْرَة)(5)؛ فليراجعه من شاء.
ولا شك ولا ريب أن القول بأن الكواهلة من أحفاد الزبير بن العوام هو القول المشهور والمتوارث عندهم بقوة.
وانتساب الكواهلة إلى الزبير بن العوام يمكن أن يُحْمَل على أحد وجهين:
● الوجه الأول: أن بني كاهل أخوال الزبير بن العوام و(ابن أخت القوم منهم):
إن بني كاهل هم أخوال الزبير بن العوام- رضي الله عنه-. ومن الآثار التي تؤكد هذا الأمر :
ما جاء عن أبي حصين: (أن عثمان بن عفان أجاز الزبير بن العوام بستمائة ألف، فنزل على أخواله بني كاهل فقال: أي المال أجود؟ قالوا: مال أصبهان قال: أعطوني من مال أصبهان)(6).
🖌 يقول ابن عساكر -معلقاً على هذا الأثر-: (بنو كاهل: أخوال خويلد، بن أسد، جد الزبير بن العوام؛ فأمه زهرة، ويقال: الزهراء، ابنة عمرو، بن جبير، بن رويبة، بن هلال. من بني كاهل، بن أسد، بن خزيمة)(7).
🖌 ويقول الفحل الفكي الطاهر: (وآل الزبير لهم صلة كاهلية؛ لأن أمير المؤمنين الصحابي العظيم الزبير بن العوام بن خويلد وأن أم خويلد زهرة بنت عمرو بن خويلد من بني كاهل بن سعد بن هذيل بن خزيمة بن مدركة جد النبي ﷺ)(8).
● الوجه الثاني: أن بني كاهل أحلاف عبد الله بن الزبير بن العوام. و(حليف القوم منهم):
🖌 يقول البروفيسور يوسف فضل حسن في تقديمه لكتاب "الدوحة": (كان بنو كاهل من حلفاء عبد الله بن الزبير، فلما قُتِلَ قائدهم هاجروا إلى السودان من بطش الحجاج بن يوسف. ولعل هذه العلاقة الوثيقة بين بني كاهل وعبد الله بن الزبير مصدر النسب الزبيري الذي تبناه الكواهلة في السودان)(9).
إن أي قارئ مهتم له أدنى ثقافة عن الأنساب ليتعجب أشد العجب أن يكون كتاب بهذا الحجم ولا يحقق في موضوع نسب الكواهلة بصورة تروي غليل الباحث والمهتم!.

❐ الملاحظة الثانية: إغفال الكاتب لذكر قبيلة المناصير ضمن قبائل الكواهلة:
لقد أغفل الكاتب ذكر قبيلة المناصير، فلم يذكرهم ضمن قبائل الكواهلة بالسودان.
إن إغفال المصنف لقبيلة المناصير التي تعد من قبائل الكواهلة العريقة يعد نقصاً في الكتاب. كيف لباحث بذل جهداً في الجمع والتأليف ورحل إلى مناطق السودان المختلفة ليستقصي كل الكواهلة ومع ذلك يغيب عنه ذكر المناصير؟!.
ومع أنه توجد روايتان في نسب المناصير؛ إحداهما: أنهم من الكواهلة. والثانية: أنهم من قبائل الجعليين(10).
ولكن الأرجح في نسبهم أنهم من الكواهلة، وأما صلتهم بالجعليين؛ فهي صلة جوار ونسب ومصاهرة.
ومما يؤيد ذلك: أن الروايات الشفاهية الموجودة عند المناصير تؤكد نسبهم الكاهلي.
وقد التقيت بمجموعة من المثقفين من شباب المناصير، فصرحوا لي بأن الصحيح في نسبهم أنهم من قبيلة الكواهلة، وليسوا من فرعاً قبيلة الجعليين.
ومما يؤكد هذا الدم الكاهلي عند المناصير أن مجموعة من باحثي ومثقفي الكواهلة من شتى الفروع الأخرى يعرفون صلة المناصير بهم، ويؤكدون أنهم جزء لا يتجزأ منهم.
فإن قال قائل: إن سبب عدول المؤلف عن ذكر المناصير ضمن الكواهلة هو وجود النسب الجعلي، وهو الأشهر.
فنقول: إن المؤلف قد أورد مجموعة من القبائل ضمن الكواهلة ولهم نسب جعلي مشهور، بل جعليتهم أشهر من كاهليتهم، خذ على سبيل المثال:
🔦 (العَرَمَاب): حيث ذكرهم المؤلف ضمن قبائل الكواهلة. وقد أفرد لهم مساحة من (ص: 180) إلى (ص: 196).
والعَرَمَاب معروفون بنسبهم الجعلي، وهم ينزعون بأصلهم العباسي، ويتفاخرون به.
🔦 و(الأحامدة): فقد أوردهم المصنف كذلك في كتابه (ص: 171 - 174) ضمن قبائل الكواهلة، وهم قوم لهم نسب جعلي مشهور ومعروف.
📘 حتى أن الفحل الفكي الطاهر أوردهم من ضمن قبائل الجعليين، وذكر نسبهم الجعلي(11).
📓 وكذلك ذكرهم حسني أحمد العباسي في كتاب "الأساس" (12).

❐ الملاحظة الثالثة: توسع المصنف في إدخال كثير من البجة في نسب الكواهلة:
يعلم كل باحث ومهتم أن من أشهر المنافذ التي دخل بها الكواهلة إلى السودان هي المنفذ الشرقي؛ حيث دخلوا عن طريق شرق السودان. ولذلك فقد اتصلوا بالبجة واحتكوا بهم وصاهروهم، حتى تكلموا لغتهم، وحصل تداخل كبير بينهم.
ومن هنا دخلت مجموعات كثيرة من البجة في نسب الكواهلة؛ باعتبارهم أحلافاً لهم، ومن أصهارهم. وكما ذكرنا آنفاً ما تقرر في علم الأنساب أن (حليف القوم منهم)، و(ابن أخت القوم منهم).
فالمؤكد أن هنالك عدداً من قبائل البجة تعربت وتكلهت، وصارت جزءاً من الكواهلة.
وفي المقابل هنالك مجموعات من قبيلة الكواهلة تَبَجُّوا، أي دخلوا في البجة، وتكلموا لغتهم لغة البداويت؛ حتى أصبحوا جزءاً من البجة.
وقد وصف بعض المؤرخين والرحالة هذا التداخل بين الكواهلة والبجة.
✏️ يقول ابن بطوطة في "رحلته"- التي يصف فيها جولته في شرق السودان-:
(وبعد يومين من مسيرنا وصلنا إلى حَيٍّ من العرب يُعْرَفُون بـ"أولاد كاهل" مختلطين بالبجاة، عارفين بلسانهم)(13).
ولهذه الدواعي والأسباب المتداخلة ادعى سائر البجة أنهم من بني كاهل، ويصف هذا الأمر بعض المؤرخين، نذكر من أقوالهم الآتي:
✍ يقول المؤرخ محمد عوض محمد:
(أثر اتصال الكواهلة بالبجة لا يزال واضحاً تردده كل قبيلة من قبائلهم، وكل بطن من بطونهم؛ حتى أصبحت كل مجموعة بجاوية تنتسب إلى بني كاهل، مفضلةً النسب العربي الجديد على النسب البجاوي التليد)(14).
✍ ويقول المؤرخ الفحل الفكي الطاهر:
(واليوم ترى البلاد من حدود مصر إلى توكر وإلى نهر أتبرة وإلى محمد قول وسلسلة جبال أَلْبَة وكل العتمور؛ ليس به من يقول إنه من البجاة، والكل يزعم أنه من كاهل. وهذا شيءٌ عجاب!)(15).
وهذه الملاحظة يمكننا أن نحصر محاورها في النقاط التالية:
▪النقطة الأولى: أن المصنف أدخل كل (البشاريين) وكل (الأمرأر) في نسب الكواهلة، ولم يتحدث عن نسبهم البجاوي المشهور والمعروف في التاريخ. وهو أقوى وأوضح وأشهر من نسبهم العربي الكاهلي. وأدنى مثقف في السودان يعرف نسب البشاريين والأمرأر البجاوي.
فكيف لباحث يذكر نسب هؤلاء القوم، ولم يعرج على نسبهم البجاوي مع قوته وشهرته؟!.
▪النقطة الثانية: أنه لم يميز بين البجة والكواهلة في حديثه عن البشاريين والأمرأر:
إذا كان هنالك بطون من الكواهلة دخلت في البشاريين والأمرأر- على سبيل التسليم بذلك-؛ فيجب على الكاتب أن يذكرها. وينبغي عليه أن يبين ويوضح للقراء من هو على النسب الكاهلي، ومن هو على النسب البجاوي من هؤلاء القوم؟!.
مع أنه لا إشكال عندنا في تبعية البشاريين أو الأمرأر لنظارة الكواهلة، فإن كان هؤلاء حلفاء للكواهلة أو أبناء أخت فهذا يدخلهم في قبيلة الكواهلة بلا شك، ولكن هنالك فرق بين الأصيل والحليف.
وقد جنح بعض الباحثين إلى أن علاقة بعض هؤلاء بالكواهلة هي علاقة نسب ومصاهرة كما أسلفنا.
🖊 يقول صلاح الدين علي الشامي- وهو يتحدث عن البشاريين-: وهم بجاة يتكلمون لغة البداويت، ومع ذلك فإنهم ينتسبون بالأصل إلى واحد من أبناء كاهل جد الكواهلة. وربما كانت مصاهرة بالفعل بين الكواهلة في ظهير عيذاب. وكانت النشأة المبكرة للأسرة التي انحدر منها البشاريون مع مرور الأجيال والقرون اتسعت رقعة الأرض التي ضمت القبيلة التي تنتسب لهذه الأسرة (16).
فالواجب على المؤلف أن يوضح كل هذه الأمور، ويفصلها ويرتبها حتى لا يوقع القارئ في حيرة.
▪النقطة الثالثة: على فرض القول بعروبة هؤلاء فهنالك روايات تنسبهم لغير الكواهلة:
إذا تكلمنا عن عروبة البشاريين-عند من يقول بعروبتهم- فإن الروايات في نسبهم العربي ليست كاهلية فقط، فهنالك روايات أخرى تنسبهم إلى قبيلة ربيعة العدنانية، وتذكر أنهم من سلالة بشر بن مروان بن إسحاق ابن ربيعة. وهذه الروايات يعدها بعض الباحثين أوجه وأقوى من نسبتهم إلى الكواهلة(17).
فينبغي على المصنف ذكر هذا الخلاف في نسب البشاريين بين الأرومة الكاهلية والرَّبْعِيَّة؛ طالما أنه تحدث عن عروبتهم وأكد كاهليتهم.
📌 هذه النقاط السالفة تنصرف إلى البشاريين بنسبة أكبر وإلى الأمرأر بنسبة أقل. حيث أن العديد من الباحثين يرون أن الأمرأر يمثلون السلالة البجاوية الأصيلة. ولا سيما وأن لغتهم التبداوية نقية إلى حَدٍّ كبير؛ بحيث تقل فيها المفردات العربية.
✎ ولذلك يقول عنهم المستشرق سبنسر ترمنجهام: (أما الأمرأر: فهي سلالة بجاوية أصيلة)(18).
▪ النقطة الرابعة: أن المؤلف أغفل ذكر الهدندوة في النسب الكاهلي:
إن الحديث عن نسب البشاريين والأمرأر لا ينفصل عن الحديث عن نسب الهدندوة أبداً؛ فحيثما ذُكِر نسب هاتين القبيلتين يجب أن يُذْكَر معه نسب ثالثتهم الهدندوة.
ولا سيما وأن الهدندوة يدعون النسب الكاهلي، وهم أقرب للبشاريين والأمرأر من أي مجموعة عرقية أخرى.
فطالما أن المؤلف أدخل البشاريين والأمرأر في النسب الكاهلي؛ فلا يوجد مسوغ لترك الهدندوة.
ونحن نسأل: ما هي القاعدة التي بموجبها أدخل المؤلف البشاريين والأمرأر في نسب الكواهلة، وأخرج بها الهدندوة من النسب الكاهلي؟!.
علاوةً على أن هنالك روايات مشهورة لدى الكواهلة تنسب البجة كلهم لكاهل، وتذكر (بجيجاً) من أحفاد كاهل.
📒 ففي رواية الكواهلة-المحمدية بالنيل الأبيض عن نسب الكواهلة يذكرون أن (بجيج) من أولاد كاهل، وأولاده هم (البجا).
🖕 ونفس هذه الرواية موجودة عن الكواهلة- العرواب، ولكن ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ حيث قالوا: إن من أولاد كاهل (هدو) وهو جد الهدندوة(19).
❐ الملاحظة الرابعة: تجاهل آل دوقة ضمن أعلام الكواهلة الكمالاب:
درج المؤلف في مصنفه على ذكر أعلام كل بطن من بطون الكواهلة. وهذه جادة حسنة في التأليف عن القبائل أشاد بها مقدمو الكتاب.
وحينما تكلم المصنف عن (الكواهلة- الكمالاب) ذكر عدداً من أعيانهم وأعلامهم ورجالاتهم. ولكنه في الوقت ذاته أغفل ذكر عائلة (آل دوقة) الكمالاب الذين منهم أعلام تشرف بهم قبيلة الكواهلة، نذكر منهم علمين اثنين:
❍ الأول: شاعر البطانة الكبير سليمان ود دوقة. وهو شاعر فحل من شعراء الدوبيت القدامى الذين عاصروا الشاعر الكبير محمد أحمد أبو سن (الحَارْدَلُّو).
حيث أن قصائده ورباعياته سارت بها الركبان في شتى ربوع السودان. وهو من شعراء الجيل الأول، وهو بحق أحد ملوك شعر الدوبيت السوداني وشعرائه القدامى.
❍ والثاني: الشاعر الأديب الناقد الباحث المعاصر حسن سليمان محمد الملقب بـ"ود دوقة". وهو باحث له عدد من المؤلفات عن شعراء البطانة وشعر الدوبيت، وله حلقات تلفزيونية وإذاعية متعددة في الأدب الشعبي والتراث القومي. وقد توفي في العام 2013م.
ومن مؤلفاته المطبوعة:
1- "وصف الطبيعة والمراثي في بادية البطانة".
2- "مسادير ورباعيات الشاعر عبد الله حمد ود شوراني"
3- "مختارات لسبعة من شعراء البطانة المشهورين".
وله أكثر من خمسة كتب تحت الطبع.
❐ الملاحظة الخامسة: أن المؤلف لم يذكر قبيلة المعاشرة ضمن القبائل التي لها علاقة بالكواهلة:
تكلم المؤلف في الباب العاشر من كتابه عن علاقة الكواهلة بالقبائل الأخرى. وأغفل ذكر علاقة قبيلة المعاشرة بالكواهلة. وهي علاقة قوية لا يمكن أن تُنْسَى، ولا أن تُمْحَى من التاريخ.
وتظهر هذه العلاقة في محورين اثنين:
✸ المحور الأول: المصاهرات بين قبيلتي الكواهلة والمعاشرة:
لقد كان لقبيلة المعاشرة مصاهرات كثيرة مع الكواهلة كغيرها من القبائل العربية. وليس ذلك بغريب؛ فإن الكواهلة قوم أصحاب نسب ومصاهرة، وكان من كلمات العرب السائرة في السودان أنهم يقولون: (الكاهلي ناسبو).
ولأن المؤلف من منطقة النيل الأبيض، وهو بعيد عن منطقتي البطانة والرهد؛ فإنه فقد تفوته كثيراً من المعلومات المرتبطة بروابط الكواهلة في (منطقة البُطَانة) و(الرَّهَد).
وإن المصاهرات بين المعاشرة والكواهلة كثيرة، ولكن أذكر منها مصاهرات المعاشرة مع الكواهلة في (منطقة الحوش) بولاية الجزيرة، ومن الأسر المشهورة بالنسب مع المعاشرة: (أسرة آل عبد الحفيظ) الكواهلة بمناطق (الفوايدة عويضة)، و(الروف) بولاية الجزيرة.
ومن المصاهرات علاقة (آل الزياتي) المعاشرة القاضياب بالكواهلة الأساودة؛ فجدنا الخليفة المحجوب أمه كاهلية من الأساودة.
✸ المحور الثاني: المعركة التي كانت بين قبيلتي الكواهلة والمعاشرة:
لقد تطرق المصنف لبعض المعارك بين الكواهلة وغيرها من القبائل. وتكلم عن حروبات الكواهلة- الحسانية مع الشكرية والكبابيش والشلك وغيرها من القبائل العربية وغير العربية(20).
ولكن المؤلف أغفل ذكر معركة كبيرة وشهيرة جداً كانت بين الكواهلة والمعاشرة في (منطقة البُطَانة).
هذه المعركة يرجع تاريخها لقبل (عهد المهدية)، وكانت بـ(منطقة العَرَدِيبة) بالبُطَانة.
وسببها أن الكواهلة قد قتلوا رجلين من عرب الوقيلية- المعاشرة بطريق الخطأ؛ ظناً منهم أنهم من الشكرية.
وبعد ذلك دارت المعركة واشتدت رحى الحرب بين المعاشرة والكواهلة في تلك المنطقة، وقد قُتِلَ فيها من أعيان المعاشرة: (الحسن ود شاع الدين) المعشري، وقصته مشهورة جداً، ويعرفها الكواهلة الذين لهم ارتباط بمنطقة البطانة.
ومما اشتهر عن الحسن ود شاع الدين في تلك المعركة أنه عقل بعيره وعلق المفتاح في الشجرة، وشرب من (القربة) وهي معلقة، وتركها مفتوحة، فقيل له: الحسن القربة خليتَّا مفتوحة! فقال كلمته المشهورة التي سارت بها الركبان: (نسيبتي كان أرجع ليها، التاني عليها اليوكيها). ثم قُتِلَ بعد ذلك في تلك المعركة.
🖍 وفي ذلك يقول الشاعر ميرغني الكردوسي البوادري- وهو يمدح قببلة المعاشرة-:
كان ما دُرْتَ انُصْف الحق وأكون متغابي
عارف الفيهن القوب والبلاقوا الدابي
الْبِشْرَب بِحِلْ لِلْقِرْبَة مَا بِجِي حَابِي
شَايْلِين الْبِخَلِّص لام وَضِيباً كَابِي
📍 فقول الشاعر: (الْبِشْرَب بِحِلْ لِلْقِرْبَة مَا بِجِي حَابِي) يشير بذلك إلى الحسن ود شاع الدين؛ حينما شرب من القربة، وتركها مفتوحة، ولم يرجع لها مرة أخرى.
🖍 ويقول الشاعر أبو حليمة المعشري في فخره بأهله المعاشرة:
نحن الفينا ساك عارفاها كل الناس
نحن دربنا قاسي بغلب القصاص
الساها الحسن تاريخا قاعد ساس
فَضَّى القربة يَقَّن من شَرَابَّا خلاص
ومن الذين أسهموا في المعركة الشكرية؛ فمن القصص المشهورة أن ناظر الشكرية آنذاك أحمد ود عوض الكريم ود أبو سن أرسل ابنه المسمى بـ(مرض يومين) ليفزع في تار المعاشرة، وقد قُتِلَ مرض يومين في تلك المعركة.
وهنالك أيضاً مشاركة (للمسلمية)؛ فقد شاركوا في الفزع فذهب إثنان من المسلمية أخوال الحسن ود شاع الدين، وكانوا معه حتى نهاية المعركة.
وقد أخبرني الشيخ بابكر ود شاع الدين شيخ المعاشرة السالف- رحمه الله- بأن هذه المعركة كانت في (منطقة العرديبة)، وأن الكواهلة يعرفونها جيداً. وأخبرني أن منطقة العرديبة مسكونة الآن وبها سوق(21).
وإن مما أثار استغرابي: أني التقيت بالعديد من الكواهلة؛ فوجدتهم لا يعرفون شيئاً عن هذه المعركة التي كانت بين المعاشرة وبين أهلهم!. فقد يلتمس الإنسان العذر لهؤلاء بجهلهم بهذا التاريخ.
ولكن يزداد العجب حينما يجهل هذه المعركة رجل باحث يؤلف كتاباً يقارب الألف صفحة، ولا سيما وأنه قد أفرد مساحة للمعارك بين الكواهلة والقبائل الأخرى!!.
❐ الملاحظة السادسة: إغفال الباحث لنتائج الحمض النووي:
إن (علم الأنساب الجيني) هو علم جديد وحديث، وهو يقوم على دراسة الكروموزوم الذكري《Y》.
وهذا الكروموزوم ذكري أبوي خالص؛ لا دخل للإناث فيه البتة، يورثه الأب لابنائه الذكور، والابن لأبنائه الذكور كذلك، وهكذا حتى آخر رجل في هذه الحياة. وهو كذلك منذ عهد نبي الله آدم- عليه السلام-.
وإذا كان علم الأنساب التقليدي من العلوم النظرية التي تعتمد على الرواية والخبر المنقول والاستفاضة والشهرة؛ فإن علم الأنساب الجيني يعد من العلوم التجريبية التطبيقية التي تعتمد على النتيجة العلمية المختبرية. ولذلك يعد هذا العلم أكبر رافد يعضد علم الأنساب بصورة خاصة، وعلم التاريخ بصورة عامة.
لقد أثبت علم الأنساب الجيني أن البشر كلهم يرجعون لرجل واحد وهو يرمز له بالرمز《Y》.
وأن أحفاد هذا الرجل يرجعون لعشرين سلالة فقط، منها (A)، و(B)، و(E)، و(J)، و(R)، و(T).
والعرب ظهروا على بعض السلالات أشهرها (j1)، و(E-M35). وكذلك بنو إسرائيل الذين هم أبناء عمومة للعرب.
وأعمار هذه السلالات كبيرة جداً؛ حيث أن نشأتها كانت قبل تكوين الشعوب والأمم، فضلاً عن القبائل!. ولذلك تجد في السلالة الواحدة أكثر من مكون عرقي، وأكثر من جماعة إثنية.
لقد خلا بحث المؤلف الموسوم بـ"بدوحة الكواهلة" من أي إشارة للحمض النووي = علم الأنساب الجيني.
وإنه من المعروف عند الباحثين المعاصرين: أن كل بحث أو دراسة تصدر مؤخراً في هذه السنين الأخيرة، ولا يستصحب معه نتائج الحمض النووي تكون قيمته العلمية ضعيفة ومهزوزة.
إن أهلنا الكواهلة الكرام لهم نتائج جينية مشهورة على السلالة (j1)، ونتائج أخرى على السلالة (E). وكلها نتائج عربية أصيلة.
ومن النتائج الجينية التي وقفت عليها أربع نتائج، وهي كالتالي:
❶- عينة للكواهلة للقريشاب: بمنطقة المناقل- ولاية الجزيرة، ورقم العينة: (M7087).
وهي على السلالة (j1)، موجبة للتحور القضاعي (L222.2)، وحفيده (FGC1696)، وحفيده (FGC4316).
➋- عينة لآل بليلو- العبابدة: بمنطقة أم بادر- ولاية شمال كردفان، ورقم العينة (193304).
ولم تظهر لنا تحورات العينة الموجبة لها.
➌- عينة للمرغوماب- الكواهلة رقم العينة (IN36529).
وهي على السلالة (j1)، موجبة للتحور القضاعي (L222.2)، وحفيده (FGC8812) وحفيده (ZS 8398).
➍- عينة للكميلاب- الكواهلة، ورقم العينة (193359).
وهي على السلالة (E-M35)، موجبة للتحور (E-M78)، وابنه (V12).
لقد كان من الواجب العلمي على المؤلف أن يستعين بالحمض النووي وعلم الأنساب الجيني في دراسة نسب الكواهلة وتاريخهم، وهذه نتائج أهله الكواهلة بين يديه. وهنالك عدد من مثقفي الكواهلة لهم اهتمام بالحمض النووي والنتائج الجينية لقبيلتهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف خرج هذا الكتاب في نهاية القرن العشرين عام 2019م دون أن يستفيد مؤلفه من النتائج الجينية؟!. وكيف سمح الباحثون من الكواهلة الذين لهم معرفة واهتمام بالحمض النووي أن يخرج مثل هذا الكتاب دون أن ينصحوا المؤلف بالاستعانة بهذا العلم العظيم؟!.
وفي الختام أقول: هذه بعض الملاحظات المهمة على الكتاب، والتي انتقشت في ذهني وتعلقت بخاطري أثناء قراءته. وهي لا تقتضي إسقاط الكتاب، ولا التقليل من جهد كاتبه. وإنما المقصود بها النقد العلمي البَنَّاء، والتوجيه الأخوي الهادف. ولقد كتبت هذه الملاحظات أداءً لأمانة العلم، وغيرةً على تاريخ أهلي الكواهلة. ولا أدعي فيها العصمة من الخطأ، ولا القداسة، بل هي جهد بشري؛ قابل للخطأ والصواب، والزيادة والنقصان. وبيني وبين جميع إخوتي المباحثة العلمية الهادئة، والحوار الأكاديمي المحترم.
فأسأل الله أن يتقبل مني هذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. وأملي ورجائي أن تجد هذه الدراسة طريقها إلى المؤلف؛ فينتفع بها، ويسد بها النقص، ويرتق بها الخلل.

🔳 الهوامش:
_________________________________

(1) "دوحة الكواهلة" (ص: 85).
(2) "السودان الشمالي سكانه وقبائله" (ص: 144).
(3) طبع: شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، الطبعة الأولى، 2019م.
(4) ينظر: "تاريخ الثقافة العربية في السودان" للبروفيسور عبد المجيد عابدين (ص: 30)، "السودان: دراسة في الوضع الطبيعي والكيان البشري والبناء الاقتصادي" تأليف: د. محمد محمود الصياد، ود. محمد عبد الغني (ص: 160، 161).
(5) هذا مقال كتبته منذ فترة ونشرته على بعض المنتديات، وهو منشور في هذا الموقع "النسابون العرب" على هذا الرابط:
https://www.alnssabon.com/t55554.html
(6) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" ط. دار صادر (3/ 107)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (ص: 127) رقم (421)، وأبو نُعَيْم في "تاريخ أصبهان" (1/ 66)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (21/ 124).
(7) "تاريخ دمشق" (21/ 124).
(8) "تاريخ وأصول العرب بالسودان" (ص: 391).
(9) "دوحة الكواهلة (ص: 15).
(10) ينظر: "السودان الشمالي سكانه وقبائله" لمحمد عوض محمد (ص: 178- 181)، "موسوعة القبائل والأنساب" للبروفيسور عون الشريف قاسم (6/2389، 2390)، "الحياة الدينية على أرض المناصير" (ص: 21).
(11) "تاريخ وأصول العرب بالسودان" (ص: 253، 254).
(12) "الأساس في أنساب بني العباس" (ص: 520).
(13) "رحلة ابن بطوطة"- ط. أكاديمية المملكة المغربية" (2/ 100).
(14) "السودان الشمالي سكانه وقبائله" (ص: 143).
(15) "تاريخ وأصول العرب بالسودان" (ص: 412).
(16) "السودان دراسة جغرافية" (ص: 237)- بتصرف يسير-.
(17) ينظر: "الإسلام في السودان" لسبنسر ترمنجهام، ترجمة: فؤاد عكود (ص: 21)، "التاريخ السياسي لقبيلة الكنوز" للبروفيسور بركات موسى الحواتي (ص: 63).
(18) "الإسلام في السودان" (ص: 21).
(19) هذه الروايات نقلها عن المحمدية والعرواب الفحل الفكي الطاهر في كتابه "تاريخ وأصول العرب بالسودان" (ص: 415، 416). وهو مؤرخ ثقة في الأنساب.
(20) ينظر: "دوحة الكواهلة" (ص: 443 - 452).
(21) قصة هذه المعركة ورثناها بالتواتر والاستفاضة ضمن مصادرنا الشفاهية. وهي مشهورة وشهرتها تغني عن إثباتها. ولكن نذكر من مصادرها الشفاهية:
▪ الشيخ/ بابكر ود شاع الدين شيخ المعاشرة السابق- رحمه الله-.
▪ أخي الأكبر/ عبد الله الخليفة الطيب. الملقب ب(عبد الله العِدِيد).
▪ الأستاذ/ علي شاع الدين.



,rthj lu ;jhf "],pm hg;,higm": hg;,higmK ],pm hg;,higmK hgf[mK hgpskhjK hglvy,lhf