الاسقاط المتكرر

د. فواز أمين سعد
استشاري أول أمراض النساء والولادة
المدير العام لمركز الحياة الطبي



يتم تشخيص حالة الاسقاط المتكرر عندما تسقط المرأة ثلاث مرات متتالية قبل الأسبوع 20 للحمل. كما تصنف في هذه المجموعة النساء اللواتي أسقطن مرتين متتاليتين بعد سن الخامسة والثلاثين.
ماهي نسبة حدوث الاسقاط المتكرر؟
من المعروف جيدا أن حوالي 15% من الحمول المشخصة سريريا تنتهي بالإسقاط. السبب الرئيسي لذلك هو عادة خطأ في عملية عبور الجينات وقت حدوث الحمل. وهذا ينجم بمحض الصدفة، ولا يمكن عمل شيء للوقاية منه. ان الاسقاط هو الوسيلة الطبيعية (الالهية باعتقادنا) للحصول على ذرية صحيحة ومعافاة. وقد وجد أنه اذا تم تشخيص الحمل بشكل مبكر جدا، بواسطة تحليل الهرمون بالدم, فان 60% من الحمول تنتهي بالإسقاط (اذا لم يتم تشخيص هذه الحمول فإنها عادة ما تأول على أنها دورة طمثية غزيرة أتت بشكل متأخر). لذا فان حدوث اسقاطين مبكرين لا يعدو عن كونه من سوء الحظ.
اذا أخذنا النسبة " 15% " بعين الاعتبار، فإننا نتوقع أن 0,34 % من النساء سوف يسقطن ثلاث مرات متتالية ليس لسبب سوى الصدفة وحدها. ولكن في الواقع، ان 1% من النساء يعانين من هذه المشكلة (ثلاثة أضعاف النسبة السابقة), مما يشير الى أنه توجد عندهن عوامل أخرى مسؤولة عن الاسقاط غير الصدفة.
من المهم أن نتذكر أن 60-75% من النساء اللواتي يعانين من الاسقاط المتكرر سوف ينتهي حملهن القادم بنجاح بدون أي نوع من التحاليل أو المعالجة. كما يجب أن نعلم أنه عند اجراء تحاليل لامرأة تعاني من الاسقاط المتكرر فإننا لن نجد سببا محددا في أغلب الأحيان.
ماهي الأشياء التي تجعل امرأة ما تعاني من الاسقاط المتكرر؟
نذكر هنا بعض الحالات التي يعتقد بأنها تترافق مع الاسقاط المتكرر، واضعين بعين الاعتبار أنه غالبا مالا يوجد سبب محدد:
• متلازمة الأجسام المضادة للشحوم الفوسفورية: وهو مرض مناعي يتظاهر عموما بالإسقاط المتكرر وبحدوث جلطات في الأوردة والشرايين وأحيانا يحدث نقص في احدى مكونات الدم وهي الصفيحات. واذا استمر الحمل، فقد يكون مختلطا بضعف نمو الجنين أو بحدوث الانسمام الحملي (ارتفاع ضغط الدم مع ظهور البروتين في البول).
• خلل الكروموسومات: وفي هذه الحالة يبدو الزوجان سليمان ظاهريا ولكن أحدهما يعاني من خلل في بنية العوامل الوراثية (الكروموسومات) الموجودة في خلاياه (بما في ذلك النطاف والبويضات) مما يؤدي الى حدوث الاسقاط المتكرر. تشاهد هذه الحالة في 3% من الاسقاطات المتكررة.
• التشوهات الرحمية الخلقية: مثل الرحم ذات القرنين والرحم ذات الحجاب أو الحاجز.. الخ. تشاهد التشوهات الرحمية في حوالي 4% من حالات الاسقاط المتكرر بينما تشاهد في حوالي 1.8-3.6% من النساء العاديات. ان الكثير من النساء المصابات بالتشوهات الرحمية لا يعانين من الاسقاط المتكرر، وهذا ما أضفى ظلالا من الشك حول أهمية علاج هذه التشوهات عند تشخيصها عند امرأة مصابة بالإسقاط المتكرر. يجب دوما موازنة الخطر الناجم من الجراحة في مثل هذه الحالات (ولاسيما فتح البطن) مع أية فوائد مرجوة منها.
• الأورام الليفية: قد يؤدي الورم الليفي المتوضع تحت بطانة الرحم مباشرة الى الاسقاط (عن طريق تشويه جوف الرحم واضعاف التروية الدموية للجنين).
• قصور الفوهة الباطنة لعنق الرحم: تشخص هذه الحالة عند حدوث اسقاطات متكررة في الثلث الثاني للحمل عند امرأة في سوابقها أذية شديدة أو متكررة على عنق الرحم. كما أن بعض النساء ولدن وهن يعانين من ضعف في عنق الرحم. غالبا ما يفرط الأطباء، وتحت الحاح المرضى، في تشخيص هذه الحالة مما يؤدي الى اجراء عمليات لا مبرر لها لتطويق عنق الرحم.
• متلازمة المبيض المتعدد الكيسات: تترافق هذه الحالة عادة مع ارتفاع هرمونLH وضعف في الاباضة مع تأخر في الحمل. وإذا حدث حمل فانه يكون أكثر عرضة للإسقاط. تعاني النساء المصابات بهذه الحالة من تباعد الطموث، قد يستفدن من العلاج الهرموني أو من الكي الكهربائي للمبيض بواسطة المنظار.
• المشاكل المناعية: بعض النساء غير قادرات على صنع الأجسام المضادة والتي يعتقد بأنها تحمي الجنين من الجهاز المناعي للأم فيحدث عندهن الاسقاط المتكرر. هذه النظرية لاتزال موضع خلاف وبحث شديدين، وحتى الآن لا يوجد علاج مناعي أعطى نتائج أفضل من نسبة 60-75% التي تشاهد عادة حتى بدون أي علاج.
• الخلل الهرموني: يؤدي الداء السكري الغير منضبط وقصور الغدة الدرقية أو زيادة نشاطها الى الأسقاط المتكرر. كما وجد أن مستوى هرمون البروجسترون يكون ناقصا في الحمول التي تنتهي بالإسقاط.
• الأمراض العامة: مثل مرض الذئبة الحمامية وهو مرض يصيب أجهزة متعددة في الجسم. وعادة ما يتظاهر هذا المرض بطفح جلدي أحمر اللون على الخدين والأنف (بشكل الفراشة).
أشياء غالبا ما لا تسبب الاسقاط المتكرر؟
• انقلاب الرحم الخلفي.
• الانتانات: مثل ما يعرف عادة بمرض القطط (التوكسوبلاسموز) أوالهربس وغير ذلك من الأمراض التي قد تصيب المرأة.
• الأمراض الغدية والاستقلابية: مثل قصور الغدة الدرقية المضبوط، الداء السكري المضبوط، داء كرون، فقر الدم المنجلي، ومرض بطانة الرحم الهاجرة.
• التعرض المهني: توجد دلائل قليلة على تأثير الأبخرة القاتلة للأعشاب والحقول الكهرومغناطيسية واستنشاق المواد الكيماوية وغازات التخدير.. الخ
• عدم الراحة بما يكفي: لا توجد علاقة للإسقاط المتكرر مع مقدار الراحة التي تأخذها المرأة قبل حدوث الاسقاط. كما لا توجد له علاقة بالعمل أثناء الحمل أو اجراء التمارين الرياضية أو العلاقة الزوجية (الجماع) أو ركوب الطائرة.
ما هي الفحوصات التي يمكن اجراؤها للمرأة المصابة بالإسقاط المتكرر؟
• ان الطبيب سيطلب منها أن تروي قصتها كاملة ويجري لها فحصا سريريا بحثا عن علامات قد تدل على الأمراض التي ذكرت في الأعلى.
• سوف يجري لها أيضا فحوصا للدم للكشف عن أي خلل في الهرمونات ومتلازمة المبيض المتعدد الكيسات والذئبة الحمامية وتناذر الأجسام المضادة للشحوم الفوسفورية.
• كما أن الزوجين سيعطيان الدم لتحديد الصيغة الصبغية لكل منهما للكشف عن أي خلل في بنية الكروموسومات عندهما.
• يفيد التصوير بالأمواج فوق الصوتية في الكشف عن متلازمة المبيض المتعدد الكيسات وعن أي تشوهات خلقية أو مكتسبة في الرحم.
• يفيد تنظير جوف الرحم بالكشف عن الآفات الخلقية للرحم وعن الأورام الليفية الصغيرة المتموضعة تحت الغشاء المخاطي والتي لم يمكن كشفها بواسطة الأمواج فوق الصوتية. وهو يجرى عادة تحت التخدير العام.
هل يوجد أي علاج للإسقاط المتكرر؟
اذا كشف أي من الفحوص المذكورة أعلاه عن وجود سبب للإسقاط المتكرر، فان المعالجة توجه حينئذ الى ذلك السبب – مثلا حبوب الأسبرين مع الحقن المميعة للدم، المشورة الوراثية، استئصال الورم الليفي عن طريق المنظار الرحمي، تطويق عنق الرحم.. الخ. أما إذا تم نفي جميع الحالات السابقة (كما هو متوقع في كثير من الحالات)، فان التشخيص يكون: "الاسقاط المتكرر المجهول السبب". ان التدخل الوحيد الذي أثبتت الدراسات نجاعته في مثل هذه الحالات هو اجراء التصوير بالأمواج فوق الصوتية بشكل متكرر (كل أسبوع الى أسبوعين) في الأشهر الأولى للحمل. وليس مستغربا أن يؤدي هذا الدعم النفسي الى تحسين النتائج إذا علمنا عن وجود تناغم وعلاقة تفاعلية متبادلة بين مراكز الدماغ العليا وبين الجهاز الهرموني الدقيق والمتوازن الذي يتحكم بمعظم وظائف البدن. كما يمكن للطبيب في مثل هذه الحالات إعطاء مادة البروجسترون (حبوب أو تحاميل) على الرغم من الجدل الطبي الواسع حولها.
وأخيرا، فان التعاطي مع الحالة النفسية والروحية للمريضة ومن حولها يعد أساسيا في حالات الاسقاط المتكرر ويؤثر إيجابا في نتائج الحمل في المستقبل.


hghsrh'hj hglj;vvm uk] hglvHm