بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:


تُعد الإبل من أعظم أموال العرب وأثمنها وأعزها قدراً عندهم، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: {فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ}، وحُمُر النعم هي الإبل، وما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بها المثل إلا لشرفها، قال ابن حجر في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري):" قوله: "حُمْرُ النَّعَمِ":بسكون الميم من حُمْرِ، وبفتح النون والعين المهملة: وهو من ألوان الإبل المحمودة، وكانت مما تتفاخر العرب بها .
وهي سمة العرب وبصمتهم وهويتهم التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب، ومن أجل ذلك أفردنا لها فصلاً مستقلاً في بحثنا هذا؛ لكثرة ما في التراث العربي من ثناء على الإبل ومدحٍ له قل أن يساويه في ذلك مال، ولكثرة ما كان فيها وفي التفاخر بها وبألوانها عند القبائل التهامية بشكل عام ، وعند قبائل بني مروان بشكل خاص.
وهناك ثلاثة أنواع من الإبل في بلاد بني مروان، وهي:-
1- السواحل: وهي الحُمر، وتتميز ساحليات بني مروان بأنها أطول عن الساحليات المعروفة في بقية الجزيرة العربية وبطول الأهداب والحمرة الساحلية المعروفة ، ويمتلكها قبائل بني مروان الساحل من جنوب ميدي حتى شمال الموسم وهناك سلالات شهيرة خاصة من السواحل تمتلكها قبائل بني مروان، وكذلك بنو عمومتهم بني شبيل.
2-الأوارك: ومفردها: بعير آرك وناقة آركة، وتشتهر بأنها ترعى شجر الأراك المنتشر في تهامة ولها منظر جمالي مع صفرة فاتحة قريبة من البياض في ألوانها، كما أنها أكبر حجماً من السواحل، وتدر الحليب بكثرة وتتحمل أسوأ الظروف المناخية أو البيئية، وفحولها شديدة جداً وصعبة التطبيع وتتميز بحمايتها للذود بكل شراسة، وتتواجد في سهول تهامة بشكل كثير وفي المير و الهضاب بشكل أقل، ومن الإبل المشهورة من الأوارك "العواجيات" نسبة لبني العواجي من بني مروان وفيها يقول الشاعر المشعفل العواجي: "عود يالمحذور .. لاجازع ولا معذور .. ما يلزم إلا الرأس والحنجور ... وحد النيب له قصلاف".
3- العوادي: وتسمى كذلك بـ"العرضيات"، وهي النوع الثالث وتتواجد في بلاد المير وعند بني مروان أهل المير وهي قريبة من أشكال الساحليات إلا أنها ليست بحمراء اللون، كما أنها لديها القدرة على صعود الجبال بسهولة لذلك تتواجد في تلك المناطق بكثرة.

جانب من الأشعار المروانية التي قيلت في هذه الأنواع من الإبل وسنعرض لكل نوع من الإبل، نوعٌ من الشعر:-
1- في الإبل السواحل:
طارقٌ مروانيٌ لشاعر مرواني -مجهول اسمه- فيه الثناء على الإبل السواحل، ورفضها للقيد، ومن سمات الإبل الأصيلة أنها ترفض القيد والخطام والفدام، فيشبه نفسه في الأبيات بالجمل الساحلي، ومن سمات الإبل الأصيلة أنها ترفض القيد والخطام والفدام، يقول الشاعر :
مدري وش براة الساحلي على قيده من بعد ذاك القيد علّه بقيديـــــــن
ما يصح القيد للجمال السواحـــــــــــل لو كنت أنا ماهي بتفيده ولا قيد
الردود :
حلفت يا الإخوان حنث على قيده أنّه وفاني ديوني و بقي ديــــــــــــــــــــــــــــن
ياليت بيتي قبال بيتك سوى حـــــــــــــل وأسجل اسمك وسط قلبي بلا قيد
شرح الطارق:
في الشطر الأول من البيت الأول في "المرسم": "على قيده" أتت بمعنى القيد المعروف للإبل، وكذلك في الشطر الثاني.
وفي الشطر الأول من البيت الأول في "الردود": "على قيده" أتت بمعنى القيد المجازي، وفيه كناية عن مدى عشقه.
وفي الشطر الثاني: "بقي دين": أنه ما زال لديه دين متبقي عند غريمه.
وفي الشطر الأول من البيت الثاني في "المرسم": "السواحل" وهي الإبل الساحلية، وفي الشطر الثاني " القيد ": قيد الإبل.
وفي الشطر الأول من البيت الثاني في "الردود ": "سوى حل" تعني أمنية الشعر أن يكون بيته يحل بجوار بيت محبوبته، وفي الشطر الثاني " قيد" : كناية عن مدعى محبته بتدوين لاسم محبوبته في قلبه.
2- في الإبل الأوارك:
الزامل المشهور للشاعر محمد مشعفل العواجي في فحل من إبله من سلالة العواجيات الأوارك، والذي يقول فيه:
عَوْد يالمحذور لا جازع ولا معذور ما يلزم إلا الرأس والحنجور
وحدَّ النيب له قصـــــــــــــــــــلاف
يرعى ميور الشام دايم تلهم الضمون فيها بكور ضعاف
نصبان حاتوها على السكبا ترعى نبوعٌ داجيه و البا
وتنضر السقبان
يرعون في التسعين فيها تيهان وفيها حسين
يتحزبون السلاح الزين
أهل جنابي أحناف والعتاقة رهاف
لسرحوها بصمال ترعى الفج وسنوح سيال
مضمون ما تقبل العـِــــــــــــــــقـّــــــــــــــــــال
ترعى بوادي غفير دايم لبنها كثير
يبيت في القعبان كنه غديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــر
جفاله زاد على الوكاف
شرح الزامل:
"عَوْد" و " المحذور": هي من أسماء الإبل في بادية تهامة.
"ما يلزم إلا الرأس والحنجور": ما يمسك إلا رأس ورقبة البعير الذي ينافسه في مكانته.
"وحدّ النيب له قصلاف": أي أن سنّ (ناب) الجمل له صوت أثناء طعامه أو هديره من شدة حدّته.
"يرعى ميور الشام دايم ... تلهم الضمون فيها بكور ضعاف":-
"الميور": معروفة وهي جمع مير وهو الحزَن المرتفع عن السهل، و"تَلْهَمْ: تأكل، وهي كلمة فصيحة.
"بكور": جمع بكرة وهي الناقة الشابة التي لم يضربها الفحل، و "ضعاف": بمعنى صغار، وليست بمعنى الضعف المعروف وهو الهُزال.
نصبان حاتوها على السكبا: "السكبا": مراعي ومرتفعات تصب في وادي دهوان .
"ترعى نبوعٌ داجيه و البا": "نبوع": شجر النبع، و "داجية" : كثيرة ومتشابكة الأشجار، و "البا": شجر متسلق ترعاه الإبل.
"وتنضر السقبان": "تنضِّر" : تسر من النضرة وهي السرور ، وهي كلمة فصيحة ، "السقبان" : صغار الإبل وهي كلمة فصيحة كذلك.
"يرعون في التسعين": "التسعين": شعاب تصب في وادي دهوان.
فيها تيهان وفيها حسين : "تيهان" و"حسين" أسماء الرعاة.
"يتحزبون السلاح الزين": محتزمين متحزمين بسلاح جيّد ، ويردون عن الإبل كل طامع.
"أهل جنابي أحناف": أصحاب خناجر حادة.
والعتاقة رهاف: "العتاقة" السيوف، و"رهاف": أي حادة وهي كلمة فصيحة.
"لسرحوها بصمال": "سرحوها" : أي ذهبوا بها ليرعونها، و"صمال" اسم لأحد مواضع الرعي. وربما يقصد بالصمال: العِصي الغليظة التي يستخدمها رعاة الإبل.
"ترعى الفج وسنوح سيَّال": الفَج: ما بين الجبال وهو المعروف من بلاد بني مروان ، سنوح : مرتفعات قصيرة نسبيا ، "سيَّال": وادي في محافظة الحٌرّث حالياً.
"مضمون ما تقبل العقَّال": مجزوم أن الإبل لن تقبل من يعقّلها ويربطها ؛ لشدتها وقوتها.
"ترعى بوادي غفير": "وادي غفير" : وادي صغير ببلاد بني مروان .
"دايم لبنها كثير ... يبيت في القعبان كنه غدير": يملأ القداح العظيمة مثل السيل.
"جفاله زاد على الوكاف": "الجفال" : رغوة اللبن ، و"زاد على الوكاف ": خرج عن حدود الإناء من كثرته.
3- في الإبل العوادي: دِلـــْـــع شعري ذُكرت فيه الإبل العوادي، مجهول الشاعر، وإنما رواه أحد حفاظ الشعر القديم وهو العمّ: إبراهيم المغفلي ، يقول الدِّلـــْــع والذي يصف فيه الشاعر أحد الأهواد وكمّ الحاضرين له والذين هزوا الأرض والشجر والجبال، وعطف على ذلك بذِكر الإبل العوادي وتحملها:
لابتي ذا الهود له في العرش داعي والشجر يرتاع منه والجبالي
كم تخلَّف له جنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــود صبح ظِهـَّار العــــــــــــــــــــــــــوادي
كيف شورك يا حسين


المصدر :
كتاب (هوية وتقاليد قبائل بني مروان وتهامة).



Yfg rfdgm fkd lv,hk hfg fkd lv,hk Yfg H,vh; Yfg jihlm Yfg fkd lv,hk Yfg s,hpg Yfg u,h]d