المآخذ التي أخذت علي عثمان
عثمان يولي أقاربه الإمارة
عندما تولى عثمان – رضي الله عنه – الخلافة ، ترك ولاته في مناصبهم فترة منالزمن ([1])بوصية من عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ، ثم غيّر عثمان رضي اللهعنه بعضهم حسب اجتهاده و ما تقتضيه المصلحة و ظروف الأمصار ، و سار في رعيتهباللين و الحلم ،و العدل و التواضع لكنها –أي رعيته – وجدت في إسناده الإمارة لأقاربه مدخلا للطعنفيه و الإنكار عليه ، فقال الناقمون عليه إنه اتخذ بطانة سوء من أقاربه ،و قسّمبينهم الولايات ، من بينهم من لا يصلح للولاية ، حتى ظهر منهم الفسوق و العصيان والخيانة ، و مع ذلك لم يسمع لمن عاتبه عن ذلك الفعل و لم يرجع عنه . هذه بلا شك أهم المآخذ التي أخذت علي عثمانوالتي جلبت عليه نقمة الكثيرين مع وجود مأخذ أخرى سوف نذكرها . فهل كان أمير المؤمنين عثمان محقا في ذلك أمكان مخطأ ؟ ولكي ندرك ذلك ينبغي أن نتعرض بالتأمل والتأني للقضايا التالية :-
يوجد في هذا المأخذ أربع قضايا لابد منإبرازها ثم تحليلها لنقف علي حقيقة هذا المأخذ وهل أخطأ فيه عثمان أم كان علي حق (2).
القضية الأولي :- هل كان عثمان آثما فيتعيين أقاربه ولاة ؟
أن تعيين عثمان أقاربه ولاة ليس بحرام ،على ما اعتقد ، فلا يوجد ما يثبت ذلك من القرآن والسنة . كماأن عثمان –رضيالله عنه – لم ينفرد عن الخلفاء الراشدين بتعيين أقاربهولاة له ، فقد أسند علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- الإمارة لأقاربه ، و لأناسمطعون فيهم ، فمن أقاربه الذين ولاهم : عبد الله بن عباس على البصرة ،و عبيد اللهبن العباس على البحرين و اليمن ،و قثم بن العباس على الطائف و مكة ([2])و ولى من المطعون فيهم : محمد بن أبي حذيفة على مصر ،وكذلك الأشتر النخعي ،و محمد بن أبي بكر على مصر ، وهؤلاء الثلاثة هم من رؤوس الفتنة المتألبين على عثمان كما تروي بعض الروايات .وهذا ما سنوضحه بعد .
فإذا كان عثمان يُلام على تعيين أقاربهولاة ، فعلي هو الآخر يلام على ذلك ، خاصة و أنه ولى حتى رؤوس الفتنة . لكن حقيقةالأمر أن ما فعلاه يدل على أن إسناد الإمارة للأقارب ليس حراما ، إذ لو كان حراماما اقتربا منه ،.و يدل أيضا على أنهما كانا مجتهدين فيما قاما به ، توخيا للمصلحةحسب الظروف المحيطة بهما ؛ فمن أصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر واحد .
القضية الثانية : - هل خص عثمان أقاربه بالإمارة دون غيرهم من الناس .
فأشير أولا إلى أنه روى أن عثمان–رضيالله عنه – لم يكن يعزل أحدا من ولاته إلا إذا شكتهرعيته ،أو استعفاه أحد ولاته بأن يعفيه من منصبه ، أو ساءت علاقته مع أعوانهالمقربين منه([3]).
وثانيا:- أن تعيين عثمان بعض أقاربه من بني أمية، لم يكن جديدا على المسلمين ، فقد كان بنو أمية من أكثر القبائل العربية تولياللمناصب منذ زمن رسول الله – عليه الصلاة و السلام – فإنه استعمل منهم ، عتاب بن أسيد ،و خالد بنالعاص ،و أبان بن سعيد بن العاص ،و سعيد بن سعيد بن العاص ،و يزيد بن أبي سفيان ،وشيخهم أبا سفيان بن حرب . و قد سار على ذلك النهج أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب، في إسناد المسؤوليات لبني أمية ([4]) .
وثالثا:- فمنحق أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – أن يولي من رآه أهلا للولاية ، سواء كان منأقاربه أو من غيرهم من الناس ، و لا يحق لأحد أن يعترض عليه لمجرد أنه ولى بعضأقاربه الإمارة . فهو خليفة راشد مُنتخبله مطلق الحرية في تعيين الولاة و عزلهم خدمة للدين و البلاد و العباد .
و رابعا:- أن التهمة الموجهة إليه – أي لعثمان – في أنه خصّ أقاربه بالإمارة ، هي تهمة باطلةلا تثبت أمام الحقائق التاريخية ، فهو – أي عثمان - كما ولى من أقاربه ، ولى أيضا أكثر من هؤلاء من مختلف القبائل ؛ فقد أحصيت من ولاته عشرينواليا ، و هم : عبد الله بن الحضرمي ،و القاسم بن ربيعة الثقفي ، و يعلى بن منية،و الوليد بن عقبة ،و سعيد بن العاص ،و عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و معاوية بنأبي سفيان ، و عبد الله بن عامر بن كريز ،و محمد بن أبي بكر، و أبو موسى الأشعري،و جرير بن عبد الله ،و الأشعث بن قيس ، ،و عتبة بن النحاس ،و السائب بن الأقرع ،وسعد بن أبي وقاص ، و خالد بن العاص المخزومي، و قيس بن الهيثم السلمي ، و حبيب بن اليربوعي ،و خالد بن عبد الله بن نصر،و أمين بن أبي اليشكري ([5]).
فهؤلاء هم ولاته الذين وردوا في بعض المراجع، لا يوجد منهم من أقاربه إلا خمسة ، و هم : معاوية بن أبي سفيان ،و الوليد بنعقبة ،و سعيد بن العاص ،و عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و عبد الله بن عامر بن كريز. فهل يصح –بعد هذا –أن يقال أن عثمان خصّ أقاربه بالإمارة دون غيرهم من الناس ؟ . و ربما يقال أنهأكثر من أقاربه في السنوات الأخيرة من خلافته ، لذلك تألّب عليه المشاغبون . و هذاادعاء غير صحيح ،و مبالغ فيه جدا ، لأنه إذا رجعنا إلى وُلاّته في السنة الأخيرةمن خلافته ( سنة :35 هـ) وجدنا ثلاثة فقط من أقاربه ، و هم : معاوية على الشام ،وعبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر ، و عبد الله بن كريز على البصرة . و باقيولاته –في تلك السنة –من غير أقاربه، و عددهم تسعة ، و هم : قيس بن الهيثم السلمي على خراسان ، و القاسمبن ربيعة الثقفي على الطائف ،و يعلى بن منية على صنعاء ،و أبو موسى الأشعري على الكوفة ، و جرير بن عبد الله على قرقيسيا،و الأشعث بن قيس على أذربيجان ،و عتبة بن النحاس على حلوان ،و السائب بن الأقرععلى أصبهان ([6]). ألا ترى أن عثمان قد اتخذ عمالا من مختلف القبائل ، و أن ولاته من أقاربه همثلاثة فقط مقابل تسعة ليسوا من أقاربه ؟ فهذا يثبت أن الناقمين عليه افتروا عليهعندما اتهموه بأنه حابى أقاربه ،و خصّهم بالولايات دون غيرهم من الناس .
وبرر شيخ الإسلام بن تيمية ، اعتماد عثمان على أقاربه في إدارة الدولة ، بأنه لابدللإمام من بطانة تساعده و تدافع عنه ، فكان -أي عثمان – يرى ذلك في أقاربه .([7])و ذهب الباحث محمد الصادق عرجون إلى القول بأن عثمان لما رأى إزورار الهاشميين وبيوتات أخرى عنه ، اعتمد على عصبيته و قومه و هم موضع ثقته ،و أحرص الناس علىإنجاحه ،و تحقيق مقاصد الشرع من عدل ورحمة بين الناس ، و لكي ينتفع صاحبالمنصب بعصبيته عليه أن يقرّبهم منه و يرفع ذوي النبوغ منهم إلى كفاياتهم و قدراتهم([8])وليس في ذلك أدني شبهه من شبهات العصبية المجافية للإسلام .
ومن الآراء الطريفة في هذا المجال أبي الأعلىالمودودي فهو يلتمس العذر للإمام علي دون عثمان بن عفان رضي الله عنه فأحدهما كانعلي حق حينما استند إلي أقاربه وهو علي بنأبي طالب فقد كان مضطرا إلي ذلك لقلة من يثق فيهم بعدما تفرق الصحابة عنه واعتزلواالفتنة أما عثمان فليس له عذرا في أن يولي أقاربه فلم يكن مجبرا علي ذلك إذ كانمعه جمع كبير من الصحابة يقفون بجانبه ويقدمون له المشورة متى طلبها ([9]).
و قوله هذا فيه شيء من مبالغات ،فعثمان – رضي الله عنه – قد استعمل كثيرا من العمال من غير أقاربه ،كما سبق و أن ذكرناه . و عين من غير أقاربه أناسا قلدهم مسؤوليات على الشرطة ،وبيت المال ، و القضاء و الجند ، منهم : الصحابي زيد بن ثابت ،و القعقاع بن عمر ،وجابر بن عمر المزني ،و عقبة بن عمرو([10]).
و أما قوله بأن عليا –رضي الله عنه- ولى أقاربه لأنه لم يجدمن يثق فيه من أتباعه ، فهو قول غريب جدا ، لأن عليا ولى من أقاربه ، من الأنصار ،فمن أقاربه : عبد الله بن عباس ، و قثم بن عباس ، و عبيد الله بن عباس . و من رؤوسالفتنة : الأشتر النخعي ، و محمد بن أبي حذيفة ،و محمد بن أبي بكر .و من الصحابةالأنصار : عثمان بن حنيف ، و أبو أيوب الأنصاري ،و أبو قتادة -رضي الله عنهم – ([11]) .
و من جهة أخرى ، فإنه قد كان مع علي بنأبي طالب - رضي الله عنه - كثير منالصحابة باعتراف أبي الأعلى المودودي نفسه([12])، و قد زاد عدد جيشه – أي جيش علي - عن خمسين( 50 ) ألف جندي فيموقعة صفين([13]). كما أن المصادر التاريخية -المتوفرة – لم تذكر أنه لم يجد من يوليه ، و إنما كانيولي و يعزل كما يريد ([14])، و حتى بعد انفصال الخوارج عنه ، فإن جيشه بقي يضم عشرات الألوف من الجنود ، فيهمالكثير من يحبه و يسمع له ([15])فكما يروي المسعودي أن الإمام علي في حروبه مع أهل النهروان قد أنفصل عن الكوفةبخمسة وثلاثين ألف وأتاه من البصرة عشرة ألاف وهناك في بعض النسخ أنه أتاه ستينبدلا من الثلاثية . ومن هذا المنطلق فإنأتباع علي كانوا من الكثرة وفيهم من كان يثق به من غير أقاربه .
القضيةالثالثة :- هل كان عثمان يحاسب أقاربه الولاة أم يترك لهم الحبل علي الغارب ؟
قد كان أمير المسلمين عثمان رضي الله عنه يحاسبولاته إذا ما قصروا في حق من حقوق الرعية ولم يكن غافلا عنهم في يوم من الأيام ومنأمثلة ذلك ، أنه عندما حدث خلاف بين والي الكوفة سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه -، و بين المسؤول عن بيت المالعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه – و مالت جماعة إلى هذا و أخرى إلى ذاك ، تدخلعثمان بحزم خشية تفاقم الخلاف ، فعزل سعدا ،و عوّضه بالوليد بن عقبة ،و ترك عبدالله بن مسعود في مكانه ، و بذلك وضع حدا للخصام ([16]) .
- و حين فتح عبد الله بن سعد افريقيا سنة 27 هـ، وأخذ لنفسه خمس الخمس ، لم يرض الجند بصنيعه ، و أرسلوا إلى الخليفة يخبرونه بمافعل قائده ، قال لهم بأنه هو الذي وعدهبخمس الخمس إن هو فتح افريقيا ، ثم خيّرهم بين القبول و الرفض ، فلم يقبلوا ، وطالبوه بعزل عبد الله بن سعد عن قيادة الجيش ، لأنهم لا يريدونه قائدا عليهم بعدالذي جرى بينه و بينهم ؛ فلبى عثمان طلبهم،و أرسل إلى أخيه من الرضاع :عبد الله بن سعد يأمره باقتسام خمس الخمس الذي عنده علىالجند ،و يستخلف عليهم رجلا غيره ، ممن يرضاه و يرضونه ، فاستجاب له عبد الله ،ورجع إلى مصر غانما ([17]).
-فعثمان - رضي الله عنه -قد تدخل و حلالمشكلة التي حدثت بين جنده و قائده ، و تراجع عن وعده لقائده المظفر و عزله عنإمرة الجيش ، نزولا عند رغبة الجند و تطيبا لخاطرهم ، و لم يكن من أمر عبد الله بنسعد بن أبي سرح إلا السمع و الطاعة للخليفة ؛ و ما قام به عثمان تجاه جنده لميكن واجبا عليه .
- و عندما شهد بعض الناس على والي الكوفة الوليدبن عقبة بشرب الخمر ، أقام عليه عثمان – هو أخوه لأمه - حد شرب الخمرو عزله عن ولاية الكوفة ، و كان قد تولاها خمس سنوات ، كان فيها محببا إلى رعيتهعادلا معها ، ليس على داره باب([18]).
- و رُوي أن عثمان –رضي الله عنه – كان يطلب من ولاته المجيء إليه في كل موسمحج ، ليطلعوه على أحوال الدولة ، و يسمع إلى ردودهم على شكاوي الناس منهم ([19]). و عندما طالبه – أي طالبوا عثمان – الناقمون عليه ( سنة 35 هـ) بعزل واليه علىمصر : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، لبى طلبهم و خيّرهم فيمن يوليه عليهم ،فاختاروا محمد بن أبي بكر فولاهعليهم . ([20])
-ومما سبق ومن خلال الأمثلة التي أوردناها يتبين لنا أن عثمان رضي الله عنه كانيحاسب ولاته إذا قصروا ولم يترك لهم الحبل علي الغارب يعبثون بمقدرات الناسوبحياتهم أو يقصرون في ركن من أركان الدين في هذا المبحث ، يتبين لنا منه أن عثمان لم يكنمذنبا في إسناد الإمارة لأقاربه ، و أنه لم يخصهم بها دون غيرهم من الناس ، و أنهلم يكن غافلا عنهم و لا ساكتا عن أخطائهم و انحرافاتهم .
القضية الرابعة: هل ولي عثمان من أقاربه ما لا يصلح للإمارة .
اُتهمعثمان –رضي الله عنه –بأنه ولى من أقاربه من لا يصلح للإمارة، فظلموا الناس و أخذوا حقوقهم ، و هم : الوليد بن عقبة ،و و سعيد بن العاص ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و عبد الله بن عامر بن كريز ، و معاوية بن أبي سفيان. فهل يصدق ذلك الاتهام على هؤلاء سوف يتبين ذلك من خلال عرض سريع لألئك الولاةحتي يتضح وجه الحق ؟
( أ ) الوليد بن عقبة بن أبي معيط :
هوأخ عثمان لأمه ، ولاه إمارة الكوفة سنة 25 هـ ، و استمر بها إلى سنة 29 هـ . و قدأنكر الناس على عثمان توليته للوليد بحجة أنه هو الفاسق الذي ذكره الله تعالى فيقوله : ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ ، فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ،فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ))([21]) و ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم – أرسله إلى بني المصطلق ليقبض منهم الزكاة ،لكنه لما بلغ منتصف الطريق رجع وقال أن القوم منعوه الزكاة ، فنزلت فيه الآيةالسابقة ([22]).
إن : هذا الخبر إسناده صحيح ([23])، و قد أوردته كتب التفاسير في سبب نزول الآية السابقة الذكر ، من أنها نزلتفي الوليد بن عقبة ([24]) . لكن مع ذلك يبقى الخبر فيه مقال ، لأنالحافظ ابن عساكر ذكر أن الخطيب البغدادي قال أن الوليد بن عقبة ، رأى رسولالله –عليهالصلاة و السلام – و هو طفل صغير ([25]). فإذا صحّ هذا الخبر ، فإنه لا يعقل أن يبعث الرسول –صلىالله عليه و سلم – طفلا صغيرا إلى بني المصطلق ليقبض أموالالزكاة ! و بما أن الآية و صفت المبعوث بأنه فاسق ، فهذا يعني أنه كان بالغا مكلفا، و هذا لا ينطبق على الوليد بن عقبة .
و حتى إذا ثبت أن الوليد كان كبيرا ،و أنالآية نزلت فيه ، فأن طريق التوبة مفتوح أمامه ليتوب عما صدر منه ، و لا تبقى صفةالفسق لازمه له . لذا وجدنا أن أبا بكر الصديق و عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما –قد استعملاه ، فالأول استعمله على صدقات قضاعة ،و الثاني ولاه على صدقات بني تغلب ([26]). فلو لم يكن الوليد أمينا كُفئا ما ولاه الصديق و الفاروق على أموال الزكاة . وبناء على ذلك فإنه لا تثريب و لا حرج على عثمان أن يولي الوليد بن عقبة الإمارة ،و قد سبقه إلى استعماله الشيخان .
ومنالاتهامات الموجهة للوليد أنه أساء السيرة في أهل الكوفة ، و أن الناس اشتكوا منجوره إلى الصحابي عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - ، فصبّرهم و قال لهم : (( جور إمامكم خمسين اماخير من هرج شهر )) ، لكن هذا الخبر لايثبت ، لأن في إسناده : وهب الله بن رزق ، و هو مجهول الحال ([27]).
وترده أيضا – أي الخبر – شواهد أقوى منه ، منها أن الحافظ ابن كثيرروى أن الوليد بن عقبة مكث واليا على الكوفة خمس سنوات ، كان فيها محببا إلى رعيتهعادلا معها ، ليس على داره باب ([28]). و روى الطبري أن الوليد بن عقبة قد افاض على الناس خيرا حتى جعل يُقسم المواليد و العبيد ، و عندما عزله عثمانتفجّع عليه الأحرار و المماليك([29]).
ومما يُقوي ما رواه ابن كثير و الطبري عن عدل الوليد ، أنه تولى إمارة الكوفة خمسسنوات ، وهذا يشير إلى رضى الناس به ؛ فلو كان ظالما لهم ما صبروا على جوره تلكالمدة ، وأهل الكوفة معروف عنهم كثرة التشكي من ولاتهم ،و عدم الصبر عليهم منذ زمنعمر بن الخطاب .
واُتهم الوليد أيضا– بأنه أنقص التكبير في الصلاة ، فروي أن ابنمسعود – رضي الله عنه – قال : أول من نقص التكبير في الصلاة ،الوليد بن عقبة ، ثم قال : (( نقصوها نقصهم الله ، لقد رأيت رسول الله –صلى الله عليه و سلم – يكبر كلما ركع ،و كلما سجد ،و كلما رفع )) . لكن هذه الروايةإسنادها لا يصح ، لأن فيه ثوير بن أبي فاختة ، و هو ضعيف ([30]) .
لكنثبت أن الوليد بن عقبة قد شرب الخمر ، و تكلم فيه الناس ، و رفعوا أمره إلىالخليفة و شهد عليه شاهدان بشربه للخمر ، فأقام عثمان عليه الحد ،و عزله عن إمارةالكوفة ،و عوّضه بسعيد بن العاص ([31]). و في رواية مسلم أنه لما شهد على الوليد شاهدان ، قال آخر : رأيت الوليد يتقيأ ،فقال عثمان : (( إنه لم يتقيأ حتى شربها )) ثم أمر عليا بجلده ([32]).
فشرب الوليد للخمر لاشك أنه ذنب كبير لا يجوز السكوت عنه و هوأمير البلد ، لذا لم يتساهل معه عثمان ، فأقام عليه الحد الشرعي ،و عزله عن إمارةالكوفة ،و لم يرأف به ،و لم يحاول تبرئته ، بل زاد في تأكيد شهادة الشاهدين عندما قال : (( إنه لم يتقيأحتى شربها )) .
و إذا كان الوليد قد شرب الخمر ،و أن عثمانلم يتسامح معه و أقام عليه الحد و عزله عن الإمارة ، فإنه ينبغي علينا ألا نبالغفي ذم الرجل ، لأن له محاسن و قدرات و مهارات أهلته لتولي المسؤوليات ،فقد استعمله الشيخان – الصديق و الفاروق – على الصدقات ، و كان عادلا مع رعيته ليس علىداره باب .و من صفاته الحلم و الشجاعة ([33]) .
وقد صح أن الصحابيين عبد الله بن مسعود ،و حذيفة بن اليمان قد سمرا ([34])عند الوليد طول الليل ، ثم خرجا يتحادثان ، فلما رأيا تباشير الفجر أوتر كل منهمابركعة ([35]). فلو كان الوليد على ما يصفه به خصومه من الفسق و الانحراف و الظلم ، ما سمر معهصحابيان جليلان طول الليل .فلا غرو بعد هذا السرد أن يثق به عثمان الذي قال عنتوليته ما وليته لأنه أخي وإنما وليته لأنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول الله صليالله عليه وسلم وتوأمة أبيه .
(ب) سعيد بن العاص :
هوأبو عثمان سعيد بن العاص ، الأموي ، ولاه عثمان إمارة الكوفة سنة 29 هـ، خلفا للوليد ، و استمر واليا عليها إلى سنة 34 هـ، حيث خرج منها إلى الحج ، فلما عاد إليها منعه جيش من الكوفة من دخولها ،و أُجبرعلى العودة من حيث أتى ، ثم أختار أهل الكوفة أبا موسى الأشعري واليا عليهم ، وأرسلوا إلى عثمان يطلبون منه الموافقة على تعيين أبي موسى ، فوافق على تعيينه ([36]). فلماذا أخرج أهل الكوفة سعيد ا بعدما حكمهم خمس سنوات ؟ .
أ)فبخصوص سبب إخراجهملسعيد بن العاص ، فقد روي أنه أساء السيرة فيهم ، فذكر ابن سعد وابن عساكر أنسعيدا عندما حل بالكوفة أضر بأهلها إضرارا شديدا ([37]).
-و في رواية أخرى أن سعيدا لما تولى إمارة الكوفة أنقص في الصاع و لم يزد فيه ،فجوّع الإماء و العبيد ([38]). و هذه الرواية ذكرها الطبري بإسناد غير صحيح .
ب)إن الناقمين على سعيدبن العاص ، روّجوا عنه أنه كان يقول عن الأراضي الزراعية بسواد الكوفة ، أنهابستان لقريش ؛ فروى ابن سعد أن سعيدا كان يقول لأهل الكوفة : (( إنما هذا السوادلأغيلمة من قريش )) ، فشكوه لعثمان فقال لهم : كلما رأى أحدكم من أميره جفوة ،أرادنا أننعزله([39]). و عن ذلك القول روى الطبري خبرين ، الأول فيه أن سعيدا قال للأشتر النخعي وجماعته : (( إن هذا السواد بستان لقريش ))فرد عليه الأشتر : هذا ما أفاءه الله علينا بأسيافنا ([40]).و الثاني فيه أن الأشتر و أصحابه لمارجعوا –منعند عثمان – إلى الكوفة (سنة 34هـ) قالوا للناس أنهم تركوا سعيد بنالعاص عند عثمان – كان قد ذهب إليه – و يزعم أن فيئكم بستان لقريش ([41]) .
أما رواية ابن سعد فهي رواية ضعيف لأنه لا سندلها و أما رواية الطبري الأولى فإسنادها غير صحيح ، لأن فيه : محمد بن عمر الواقدي، و هو ليس بثقة ([42]). و أما روايته الثانية فهي ضعيفة أيضا من جهة إسنادها . كما أنأخلاق سعيد بن العاص التي اشتهر بها بين الناس ، كالسخاء و الصدق ،و الحلم والجهاد ([43])، تأبى عليه أن يظلم رعيته و يأخذ حقها ظلما و عدوانا ، لذا فإنه من المرجح جدا ،أن تلك المقولة التي أشيعت عنه هي من أفانين وأكاذيب خصومه .
جـ) أن المؤرخ ابن طاهر المقدسي قال أن سعيد بنالعاص كان شرا من الوليد بن عقبة ، عظيم الكبر ، شديد العجب ، و هو أول من وضع العشور على الجسور و القناطر([44]). و خبره هذا رواه بلا إسناد ، لذا فهو مردود عليه ، لأنه فقد شرطا أساسيا من شروطصحة الخبر . و أما متنه فهو قد وصف سعيدا بأنه عظيم الكبر شديد العجب ، و هذا كلاملا يصدق على هذا الرجل المعروف بالحكمة و العقل ،و السخاء و الإحسان ،و الصدق والحياء([45]) .
و أما قوله بأن سعيدا هو أول من وضع العشورعلى الجسور و القناطر ، فهي رواية ضعيفة ومع ضعفها فماذا يعيب سعيدا إذا وضعالعشور علي الجسور والقناطر ربما يكون قد استدعي إلي ذلك ضرورة للصالح العام ، ولميكن هدفه التضييق علي الناس أو جباية الأموال بدون حق وهذه الصفات جميعها لاتتناسب وما عرف عن ذلك الصحابي الجليل من كرمه وشدة سخائه وعطفه علي الناس .
د) يروي أن سعيدا بن العاص قال يوما لأهل الكوفة :من رأى منكم الهلال ؟ فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص : أنا رأيته . فقال سعيد :بعينك هذه العوراء رأيته من بين القوم . فقال هاشم : تعيّرني بعيني ، و إنما فتقتفي سبيل الله يوم اليرموك . ثم في اليوم التالي وإذ بهاشم هو ومجموعة من أصحابهيصبحون مفطرين ولم يكتف هشام بذلك بل تغدى عنده الناس ليأكد صحة رأيته للهلال ،فلما سمع به سعيد أرسل إليه من ضربه و أحرق داره ؛ فلما بلغ الخبر سعد بن أبيوقاص –رضي الله عنه –اتصل بعثمان و أخبره بما حدث لهاشم ، فحكم عثمان بضرب سعيد بن العاص ،و حرق دارهالتي بالمدينة ([46]).
هذا الخبر يعد خبرا ضعيفا سواء من جهة بن سعد أوبن عساكر وإذا أردنا أن نحلل ذلك الخبر علي افتراض صحته فلا شك إنه تصرف خاطئ منسعيد بن العاص الذي عيره وأعتدي عليه حيث يقول الله تعالي : ( يا أيها اللذينأمنوا لا يسخر قوم من قوم عيسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكنخيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تتنابزوا بالألقاب بئس الأسم الفسوق بعد الإيمانومن لم يتب فألئك هم الظالمون ) ([47]) . أما ضربه وإحراق داره فربما كان عليحق وهذا من سلطة الوالي لأن إفطاره هو والناس قبل التأكد من هلال شوال قد يحدثفتنة بين الناس فهو لم يكتفي بأن يفطر هو بل دعي الناس لتناول الغداء في بيته ومعذلك فإن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أقتص من سعد وأمر بضرب سعيد وحرق داره فيالمدينة
ومن هذا المنطلق يتضحلنا عظمة تلك الشخصية التي تأبي أن يصدر منها ما روي عنها من أخبار باطلة أو ضعيفةفقد عرفت بدماثة الخلق والتقوى والورع الشديد والإيمان بالله . فكيف تصدر منه هذهالاخبار المنقوتة وقد عرف عن الرجل :-
- أنه كان منالمجاهدين الشجعان والقادة المبرزين فكان له الفضل في فتح كثير من البلدان ونشرالدعوة الإسلامية كأذربيجان ،و جرجان ، طبرستان ، و غيرها من الأقاليم ([48]) .
- وأن الرجل كان محلثقة الخليفتين أبي بكر وعمر فقد استعمله عمر علي أراضي السواد بالعراق كما كان محلثقة عثمان فجعله من بين اللذين كتبوا المصحف الإمام الذي وحد الأمصار جميعها عليقراءة واحده ([49]).
- ومن أقوال سعيد بنالعاص : (لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا تمازح الدنئ فتهون عليه ) ([50])ومن مظاهر كرمه وجوده أن المدينة قد أصابها جلب وقحط فقد أنفق كل ما في بيتالمال علي أهل المدينة وأستدانا من أجلهم ولما سمع بذلك معاوية بن أبي سفيان عزلهعن ولاية المدينة ([51]).
- وقد شهد كبار المؤرخينلسعيد بن العاص بالمكانة المرموقة والكفاءة العالية فقال عنه الذهبي ( كان أميراشريفا جوادا ممدحا حليما وقورا ذا حزم وعقل يصلح للخلافة ([52]).
- ويتبقي من سيرة ذلكالرجل هو ما قيل عنه أنه منع من دخول الكوفة عندما جاءهم واليا عليهم حيث حرضالأشتر النخعي الناس علي أن يخرجوا معه لرد سعيد بن العاص فخرج معه رعاع الناسوعوامهم ولم يخرج حلماء الناس وعقلاء البلد وقد نصحه الأشتر ولكنه لم يستمع لهم .
- وينبغي الإشارة هناإلي ان عثمان رضي الله عنه قد استجاب لأهل الكوفة لأنهم كانوا كثيري الشغب فاستجابلهم حين طردوا أميره وعينوا مكانه أبا موسي الأشعري وطلبوا من الخليفة عثمان الموافقة فوافق لهم بل بالغ في مطاوعتهموملاينتهم ولكنهم قد خرجوا عن طوق الأدب مع الخليفة وكان ينبغي عقابهم وتأديبهمبدلا من تلك الملاينة وأفضل ما يقال من هذا الموضع هو ما قاله شيخ الإسلام بنتيمية : إن إخراج أهل الكوفة لسعيد بن العاص ، لا يدل على (( ذنب يوجب ذاك ، فإنالقوم كانوا يقومون على كل وال ، و قد قاموا على سعد بن أبي وقاص ،و هو الذي فتحالبلاد ،و كسر جنود كسرى ،و هو أحد أهل الشورى ، و لم يتول عليهم نائب مثله . و قدشكوا غيره –أي سعيد بن العاص –مثل عمار بن ياسر ، و سعد بن أبي وقاص ، و المغيرة بن شعبة و غيرهم ، و دعا عليهمعمر بن الخطاب –رضي الله عنه – فقال : اللهم قد لبّسوا علي ، فلبّس عليهم)) ([53]).
(ج ) عبد الله بن سعد بن أبي سرح :
هو قائد كبير منالقواد المشاركين في الفتح وهو أخو عثمان لأمه من الرضاعة حيث أرضعته أم عثمان . اعتنقالإسلام وكتب الوحي قبل فتح مكة ، لكنه ارتد عنه ، و التحق بالمشركين ، فأهدرالنبي –عليه الصلاة و السلام- دمه ، وعندما فتحت مكة استجار بأخيه من الرضاعة :عثمان بن عفان-رضي الله عنه- فأجاره و جاء به إلى رسول الله –صلى الله عليه و سلم– و شفع له عنده ليتوب و يبايعه ، فقبل منه و بايعه و عاد عبد الله إلى الإسلام منجديد ، فحسن إسلامه ، و استقامت سيرته ، وولاّه عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- صعيد مصر، ثم ولاه عثمان بن عفان ولاية مصر سنة (25 هـ) وأحله محل عمرو بن العاص ، فقد أمرهالخليفة عثمان بغزو بلاد إفريقيه فغزاها وفتحها وجلب أموالا طائلة قسم بعضها عليالجيش وقد شاركوا في هذا الجيش عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بنعمرو وكذلك شارك في غزوة ذات السواري التي انتصرت فيها بحرية الإسلام الناشئة عليبحرية الروم .
ولماأختلف الناس علي عثمان خرج من مصر وخرج لينصر عثمان بن عفان وعلي ما يبدوا فإنالمصريين لم يكن راضين عنه علي نحو ما سنعرف ، فلما قتل عثمان أقام بعسقلان وكانرجلا صالحا حيث كان يدعوا الله أن يقبضه وهو في الصلاة فصلي يوما الفجر ولما فرغمن التشهد سلم التسليمة الأولي ثم فاضت روحه إلي بارئها قبل أن يسلم التسليمةالثانية وذلك في سنة سبع وثلاثين هجريا علي ما يبدوا وعندما تولي علي مصر استقرت مصر واستقرت معهحياة المسلمين فيها لمدة طويلة ، واستقامت سيرته فيها([54]). لكن خصومه من دعاة الفتنة و السبئية أثاروا عليه العوام ، وطعنوا فيه و فيالخليفة ،و شكوه إلى عثمان و اتهموه بتهمخطيرة،و طالبوا بعزله . فما هي هذه التهم ؟ و هل لها من حقيقة ، أم هي مجرد ذريعة تندرج ضمن خطةموجهة لإثارة القلاقل ، و الكيد للمسلمين ، و الإطاحة بالوالي و خليفته ؟ .
التهمالموجهة إلي عبد الله بن أبي سرح :-
الرواية الأولي-: أن وفدا من مصر قدم إلى الخليفة عثمان –رضي الله عنه- ليشكو إليه عامله بمصر:عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فكتب إليه عثمان يتهدده و ينهاه ، فلم يسمع له ، ولم يقبل منه ، و ضرب رجلا –كان من بين الذين قدموا إلى عثمان- فقتله ؛ فأدى ذلكإلى خروج 700 رجل من أهل مصر ، و ذهبوا إلى الخليفة ، فلما و صلوا إلى المدينة ،أخبروه بما فعله بهم عامله بمصر ، و شكوا إلى الصحابة ما صنعه بهم والي مصر عبدالله بن سعد ؛ فلما لم ينصفهم الخليفة تدخل طلحة ، و علي ، و عائشة –رضي اللهعنهم-و طالبوا عثمان بالعدل و الاقتصاص من القاتل . فتراجع عثمان عن موقفه و قالللمصريين : اختاروا من تريدونه واليا عليكم ؛ فاختاروا محمد بن أبي بكر ، و عادواإلى مصر لكنهم بعد مسيرة أيام رجعوا إلىالمدينة ،و زعموا أنهم وجدوا كتابا من عثمان مع غلام له ، فيه أمر لوالي مصر بقتلهم([55]).
و الرواية الثانيةرواها ابن طاهر المقدسي (ت507هـ)، بلا إسناد ،و زعم فيها أن عبد الله بن أبي سرح قتل 700 رجل بدم واحد ، فعزلهعثمان ، و لم ينكر عليه فعلته ([56]) .
**نقدالروايتين
فبالنسبة للرواية الأولي ( ابن عساكر ) ،فإسنادها ضعيف ، و أما متنها فهو الآخر باطل ، لأسباب عديدة ، أولها أن ما ذكرتههذه الرواية عن قتل الرجل المصري ، لم تذكره روايات أخرى ([57]) . الأمر الذي يدل على أن مسألة القتل قد تكونمقحمة في الخبر . و يؤيد ذلك أن أهل مصر لما اجتمع بهم عثمان- رضي الله عنه- اتفقمعهم على عزل ابن أبي سرح وولي عليهم محمد بن أبي بكر ،فرضوا و توجهوا إلى بلادهم ،و لم يطرحواقضية الاقتصاص من القاتل ، أو دفع الدية لولي المقتول و هذا أمر شرعي لا يجوزالسكوت عنه ،و هم قد أتوا من أجله ! أفلا يدل سكوتهم عنه على أنه خبر قد يكون أقحمفي الرواية ؟ .
والثاني-:هو أن ما ذكرته الرواية عن سلبية الخليفة عثمان تجاه عامله بمصر ،و عدم اكتراثهبمطالب وفد مصر ، حتى تدخل الصحابة و أنبوه و حملوه على إنصافهم ؛هو خبر باطل يثيرالضحك و التعجب ؛ فكيف يصح أن نتصوّر صدوره عن صحابي له مواقف حازمة تجاهولاته ؟ ! من ذلك أنه عندما اُتهم أخوه منالرضاعة : الوليد بن عقبة ، بشرب الخمر عزله عن ولايته ، وأقام عليه الحد . و هذاخبر ثابت مشهور رواه البخاري و غيره من المحدثين و المؤرخين .
و المعطى الثالثهوأن الرواية المشهورة عن خروج وفد مصر إلىعثمان-رضي الله عنه- لم تذكر أنه خرج وحده إليه بسبب قتل ابن سرح لرجل منهم ؛ وإنما ذكرت أنه خرج مع وفدي البصرة و الكوفة ،و فق خطة مبيتة و محكمة ، بدعوىالخروج لأداء فريضة الحج ،و في نوايا زعمائهم قتل عثمان ([58]). فلو كان سبب الخروج قتل رجل مصري ، ما احتاج الأمر إلى ذلك التكتم و التمويه ، ولا إلى خروج وفدي الكوفة و البصرة .
وإذاتناولنا الراوية الثانية وهي رواية ابن طاهرالمقدسي(ت507هـ)،وهي رواية غير مقبولة وباطلة أيضا وفيها من الملابسات ما جعلها باطلة ، و تبطله الانتقاداتالتي ذكرت سابقا لرواية ابن عساكر . فهل يعقل أن يقتل عبد الله بن أبي سرح 700 رجلثم لا ينكر عليه عثمان فعلته ؟ ! و هل يعقل أن يحدث كل ذلك و لا تذكره المصنفاتالتاريخية و الحديثية المعروفة ، حتى يأتي ابن طاهر المقدسي بعد 400 سنة ، و يرويهلنا ؟ !
وأود أن أنبه القارئ الكريم إلي أن مكانة هؤلاءالصحابة وعظيم شأنهم وما قدموه للإسلام والمسلمين كل ذلك يترفع بها تلك الشخصيةإلي أن تهبط فيقال عنها هذا القول وقد كان ما قيل هو أفتراء من خصومه إذ عرفنا منسيرته حسن إسلامه بعد عودته وقد شارك في كثير من الفتوحات والمعارك كمعركة ذاتالسواري سنة 34 هـ وعلي يديه فتحت إفريقيا سنة( 27هـ ) وكانسجله مع الخلفاء سجلا أبيض نقيا دائم الطاعة لخلفائه ومن دلائل ذلك أن عمر بنالخطاب ولاه صعيد مصر وجعله من رجال دولته وكان من كتبة الوحي المعدودين وقد كانمطيعا للخليفة عثمان بن عفان ولا أدل علي ذلك أنه ([59])عندما وعده بخمس الخمس إن هو فتح إفريقيا ، ثم تمّ له ذلك ، و أنكر عليه جنده أخذهلخمس الخمسوشكوه للخليفة ، استجاب له –أيلعثمان– عندما أمره برد ما أخذه على الجند ، وأن يولي عليهم من يرضاه و يرضونه ، ففعل ما أمره و انقلبعائدا إلى مصر ، و لم يحتج عليه بوعدهله ،و لم يجد غضاضة في ذلك ([60]).
(د)عبد الله بن عامر بن كُريز :
هوابن خال عثمان بن عفان ، ولاه إمارة البصرة سنة 29 هـ، خلفا لأبي موسى الأشعري ، و استمر بها إلى استشهاد عثمان ([61]). و عبد الله هذا هو من أقارب عثمان الذين طعن فيهم دعاة الفتنة ،و انتقدواالخليفة على توليته الإمارة ([62]). توفي سنة 59 هـ (678 م) فإن أم أبيه أروي بن كريز أمها البيضاءبنت عبد المطلب بن هاشم عمة النبي e فما هي التهم الموجهةإليه ؟ و هل كان ظالما لرعيته ؟
أولا:- لم أعثر في المصادر – المتوفرة لدي – على أية تهمة محددة معروفة وجهت لعبد اللهبن عامر ، إلا ما سبق ذكره من أن دعاة الفتنة حين انتقدوا عثمان في تولية أقاربهالإمارة ، ذكروا من بينهم أميره على البصرة عبد الله بن عامر بن كريز ، . و قولهمهذا هو زعم لا دليل عليه ، و العكس هو الذي عثرت عليه ، إذ اتفقت المصادر على مدحهو الثناء عليه ، فقالت أنه كثير المناقب ، و سخي كريم ،و رفيق حليم ،و جواد شجاع،و ميمون ُممدح كريم النقيبة ([63]) .
و ثانيا:- أن من أعماله الخيرية التي تثبت ما قلناه سابقا،و تبين جانبا من شخصيته الخيّرة ، أنه كان مفعالا للخير ، ُيحسن لكل الناس ، منيعرف منهم و من لا يعرف .و كان أيضا يشتري العبيد و يعتقهم ([64]).و منها أنه حفر آبارا كثيرة في مناطق عديدة من البلاد ([65]). و عندما فتح خُراسان ثم توجّه إلى الحج رُوي أنه فرّق على أهل المدينة أموالاعظيمة ، حتى قال فيه علي بن أبي طالب :(( هو سيد فتيان قريش بغير مدافع )) ([66]).
و من أعماله المشهورةأنه هو أول من اتخذ الحياض بعرفة ، و أجرى إليها العيون ، و سقى الناس الماء ،وكانوا من قبل يحملونه من منى يتروونه إلى عرفات ، لذلك سموه يوم التروية ([67]).ويُروى أنه اشترى دارا من خالد بن عقبة بن أبي معيط بثمانين أو تسعين ألف درهم ،فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد ، فقال لأهله : ما سبب بكاء هؤلاء ؟ فقالت له :يبكون دارهم ، فقال : يا غلام أعلمهم أن الدار و المال لهم جميعا ([68]).
و أما فيما يخصعلاقته بأهل البصرة ، فيُروى أنه كان يتحبب إليهم بالإحسان إليهم ، فشق لهم نهرالبصرة ،و بنى لهم سوقا ، حيث اشترى دورا و هدمها ،و انشأ محلها سوق البصرة ([69]). و يُروى أن أبا موسى الأشعري –رضي الله عنه – لما علم بمجيء عبد الله بن عامر ليخلفه علىإمارة البصرة، مدحه و قال لأهلها : (( قد أتاكم فتى من قريش ، كريم الأمهات والعمات ، يقول بالمال فيكم هكذا و هكذا )) ([70]).
و ثالثا أن الرجل كان شجاعاحازما ، له جهاد و غزو ، ففتح خُراسان ، و مناطق عديدة من بلاد فارس ، كأسطخر،والكاربان،و أردشير،و سجستان ، و عندما فتح خراسان أحرم من نيسابور شكرا لله ،وتوجه إلي الحج ([71]).
و رابعا فقد رُوي أن عبد الله بن عامر، عندما كان طفلاصغيرا ، أُخذ إلى رسول الله –صلى الله عليه و سلم-فقال : هذا شبهنا ، ثم تفل عليه و عوّذه ، فجعل عبد الله يتسوقريق النبي –عليه الصلاة و السلام–فقال الرسول : إنه لمسقى . فكان عبد الله لا يُعالج أرضا إلا ظهر له فيها الماء ([72]).
و ختاما لما سبق ذكره يتبين لنا أنه لا توجدأية تهمة معروفة و محددة ، تطعن في عبد الله بن عامر بن كريز، من حيث أخلاقه وسلوكه مع رعيته .و أنه كان يتمتع بأخلاق حسنة و كفاءة عالية ،و له أعمال خيريةجليلة ، مما يثبت أن ما اتهمه به دعاة الفتنة غير صحيح ،و أن عثمان أحسن اختيارهعندما عيّنه واليا على البصرة . وأن كل ماقيل عنه إنما هو من باب الشائعات ومن روايات كثيرة علي عظماء الإسلام ومما يأسفناأن نغض الطرف عن ذكر هؤلاء الأفزاز وما صنعوه في تاريخ الإنسانية فهو أحق أن يذكرلا أن نطمسه ونهون من شأنه كما يفعل المستشرقون اليوم بتراثنا العظيم وبرجالاتهاللذين لا مثيل لهم فقد خلت الكتب المدرسية ومناهجنا في الجامعات والمدارس من سردجيد لتاريخ هؤلاء العظماء بل يكاد ألا نري وميضا من ذكر تاريخ تلك الشخصياتفالقرار اليوم في دولنا العربية قرار علماني يجافي الإسلام ورجالاته وبتهاوننا نحنوانقيادنا وراء المخططون العبثيون أمسينا كالأمة التي لا مجد لها بينما الحقيقةإنها أمة نائمة علي تراث من المجد لا يحلم الغرب بمثله .
( هـ ) معاوية بن أبي سفيان :-
هومعاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين ، ولد قبل البعثة بخمس سنين ، وأمه هي هند بنت عتبه بن ربيعة بنعبد شمس بن عبد مناف بن قصي أسلمت يوم الفتح وأصبح لها مكانتها بين صحابياتالمدينة ([73]).
وقيل أنه أسلم قبلأبيه وقت عمرة القضاء وبقي خفيا إسلامه غير قادر علي اللحاق بالنبي والهجرة إليهمن أبيه ، وقد أظهر إسلامه يوم الفتح وهو وكثير من أفراد البيت الأموي فقد أتخذبعض الرواة من تأخير بني أمية إعلان إسلامهم سبة في جبينهم أخذوا يعيرونهم بها وسف نوضح ذلك فيما بعد .
ولمعاوية أخوة ذكوروأخوات ومن أخوانه الأشقاء يزيد بن أبي سفيان وقد سماه الرسول يزيد الخير وقد ولاهأبو بكر قائدا علي أول جيش أرسل إلي ميدان الشام كما عرفنا في أخبار الصديق .
- عقبة بن أبي سفيانويكني أبا الوليد وقد ولاه عمر بن الخطاب ولاية الطائف وجباية صدقاتهم ثم ولاهمعاوية مصر .
- عنبسه بن أبي سفيانويكني أبا عثمان وكان مؤمنا تقيا ورعا .
ومن أخواته البنات : أمحبيبة بنت أبي سفيان وهي ممن شاهدن الهجرة الثانية إلي الحبشة وهي التي رفضت أنتجلس أبيها علي فراش رسول الله e حينما قدم إلي المدينة لعقد الهدنة بينهوبين قريش لأنه كان آنذاك علي الشرك ([74])- ومن أخواته أيضا : أم الحكم – وعزة بنت أبي سفيان – أميمهبنت أبي سفيان .
وكانمعاوية من المسلمين الأفاضل والصحيح عن إسلامه أنه قد أسلم مبكرا أسلم يوم عمرةالقضاء سنة سبعة هجريا وليس كما قيل يوم الفتح وشهد مع الرسول eغزوة حنين ، ومن فضائله أنه كان من كتاب الوحي المقربين لرسول الله eوكان من الجنود الذين أنعم الله عليهمبالسكينة مع النبي eحيث يقول الله تعالي : ﴿ ثم أنزل اللهسكينته علي رسوله وعلي المؤمنين﴾ ([75])،وقد دعا الرسول له ( اللهم أجعله هاديا مهديا وأهد به ) . وقال e( اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقهالعذاب ) ([76]).
ولمعاويةمناقب كثيرة تشيد بفضله وتشير لسمو مكانته فهو أول من ركب البحر ونادي دعوة النبي eوقد روي البخاري عن طريق أم حرام بنتملحان رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله eيقول: ((أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ([77])،قالت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنتفيهم )) .ثم قال النبي eأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر([78])مغفور لهم فقلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : ((لا )) .([79])
ومن الأمور التيينبغي الإشارة إليها هو تغيير بعض الأفكار السائدة عند بعض الناس كذبا وافتراء عليبني أمية ولعل هذا راجع إلي طغيان الخوارج والشيعة المتعصبين حتى أن بعضهم كذب عليالنبي eوأتي بأحاديث موضوعةفي ذم بني أمية ولو قرأنا كتب التاريخ لوجدنا أن بني أمية قد عوضوا تأخرهم فيالإسلام وكأن لم يكن هذا تأخيرا فكثيرا من الصحابة قد اسلموا يوم فتح مكة أو بعدها، والمفيد هنا أن بني أمية قد رحب بهم الرسول e وفرح بإسلامهم وأسند إليهم كثيرا من الأعمالفقد أستعمل أبا سفيان علي نجران وكان معاوية كاتبا للرسول eوكان أول والي عليمكة بعد فتحها رجلا من بني أمية وهو عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية كما أستعملرسول الله eعمر بن سعيد بن أبيالعاص بن أمية علي جباية خيبر وتيماء وتبوك ووادي القرى كما استعمل النبي eخالد بن سعيد بنالعاص علي صنعاء وأبان بن سعيد بن العاص علي البحرين .
ومنهذا المنطلق الذي ينبغي أن يدركه المسلم ويكون جزء كبيرا من ثقافته الإسلامية أنبني أمية ليسو من المغضوب عليهم بل قبض رسول الله e ومعظم رجالات البيت الأموي علي مختلف الأعمال بما لهم من درايةوخبرة كبيرة في الإدارة والكفاءة والأمانة وجباية الأموال وحسن إجادة الكتابةوالقراءة فلماذا إذن أن يعيب بعض الناس علي أمير المؤمنين عثمان في تولية معاويةوهو أحد أقاربه فهل في ذلك عيب ؟ وهل هذا العيب ينسحب علي بقية بني أمية ؟ ([80]).
- ويري صاحب العواصم من القواصم أن عثمان قد ولي معاوية وقد ولاة من قبلهأبو بكر وعمر بل أن عمر ولاه الشامات كلها ، وأقره عثمان بل أنما ولاه أبو بكرالصديق رضي الله عنه ، لأنه ولي أخاه يزيد ، واستخلفه يزيد ، فأقره عمر لتعلقهبولاية أبي بكر لأجل استخلاف واليه له ، فتعلق عثمان بعمر وأقره . ويدافع أبو بكربن العربي عن مسلك عثمان في تولية معاوية فإن عمر ولاه الشام كلها وأقره علي ذلكعثمان وقد بلغت الدولة الإسلامية الذروة في خلافة أبي بكر وعمر ولا عجب كذلك أنيوليه رسول الله e من قبل علي بعض الأمور الخاصةوكان من كتبة الوحي فلا بأس أن يستعمله عثمان رحمه الله ولا بأس أيضا أن يستشيرهفقد كان محل ثقة للصحابة جميعا يقول سعد بن أبي وقاص وهو أحد العشرة المبشرينبالجنة ( ما رأيت أحدا بعد عثمان اقضي بحق من صاحب هذا الباب يعني معاوية وقال عنهبن عباس ما رأيت رجلا أخلق بالملك من معاوية وبطبيعة الحال أن الحاكم لا يكونعادلا إلا إذا كان أخلق الناس وقد يشهد لمعاوية صحابي جليل وهو عمير بن سعدالأنصاري الذي عين مكانه معاوية وقال الناس إن عمر بن الخطاب عزل عميرا وولىمعاوية ورغم عزله إلا أنه شهد لمعاوية عندما قال للناس لا تذكروا معاوية إلا بخيرفإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : (اللهم أهد به) بل يقال أن عمر بنالخطاب هو الذي شاهد تلك الشهادة وهذا مما يدل علي صلاحية معاوية للحكم وأن عثمانكان علي حق .
وقد شهد شيخ الإسلام بن تيمية لمعاوية وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيارسير الولاة ، وكان رعيته يحبونه ، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي e أنه قال (( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم . وشرار أئمتكمالذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم )) . ([81])
ولما الثورة ضد معاوية علي وجه الخصوص فإن قيل أن عثمان بن عفان قد ولاهلمقاربه بينهما فإن أعمال معاوية تشهد بحسن سيرته واستحقاقه أن ينال الولاية ولاأريد أن أعود إلي مكرور من الكلام فإن معاوية حينما تولي الشام فقد أعز تلك الجبهةحيث رجع إليه الفضل في إنشاء الأسطولالبحري الإسلامي كما قلنا سابقا وإنشاء دار للسفن كما انه عمل علي أن يواصلالمسلمون جهادهم فأحدث نظام الصوائف والشواتي وقد عبأ المسلمين في حمالات تلوالحمالات لتأديب الروم وإذا نظرنا إلي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وإلي وضعهفي عصر عثمان لتأكد لنا حنكة ذلك الرجل وحسن سياسته لما فعله في الشام حيث أصبح فيعصر عثمان أقوي ولاته وأشدهم نفوذا كما كان معاوية محط ثقة من أمير المؤمنين عثمانفكان دائما يستشيره حينما تتعقد الأمور وهذا مما يدل علي ثقله السياسي .
وإذا كان بعض الرواة يأخذون علي عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه يعطيأقاربه من بيت المال وهذه القضية لا تحسب عليه بل له فهي منقبة نبغي كل إنسان أنيعمل بها فهو لم يعطيهم من بيت المال مطلقا وإنما كان يعطيهم من ماله الخاصة وهوصاحب تجارة ورزقه واسع وأمواله كثيرة وقد قسم عثمان أمواله وأرضه وبساتينه في بنيأمية وجع ولده كبعض من الأقارب له نصيب كنصيبه ويستمع إليه يقول : إني أحب أهلبيتي ، وأعطيهم .. فأما حبي لهم ؛ فإنه لم يمل معهم إلي جور ، بل أحمل الحقوقعليهم ... وأما إعطاؤهم ، فإني إنما أعطيهم من مالي ، ولا أستحل أموال المسلمينلنفسي ولا لأحد من الناس ، وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرعية من صلب مالي أزمانرسول الله e ، وأبي بكر ، وعمر ، وأنايومئذ شحيح حريص ، أفحين أتيت علي أسنان أهل بيتي ، وفني عمري ، وودعت الذي لي فيأهلي ، قال الملحدون ما قالوا ؟ ([82]).
وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية ، وجعل ولده كبعض من يعطي ، فبدأببني أبي العاص ، فأعطي آل الحكم رجالهم عشرة آلاف ، عشرة آلاف ، فأخذوا مائة ألف، وأعطي بني عثمان مثل ذلك ، وقسم في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب . ([83])
وقد وضح ابن تيمية رحمه الله ورد علي من أخذ عليه توزيع الأموال علي أهلهفقال : أين النقل الثابت بهذا . نعم كان يعطي أقاربه ، ويعطي غير أقاربه أيضا ،وكان يحسن إلي جميع المسلمين ، وأما هذا القدر الكثير فيحتاج إلي نقل ثابت ، ثميقال ثانيا : هذا من الكذب البين ، فإنه لا عثمان ولا غيره من الخلفاء الراشدينأعطوا أحدا ما يقارب هذا المبلغ ([84]).
وكان لعثمان رحمه الله فلسفته في ذلك فكان يقول : ( إن صاحبي اللذين كاناقبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابا ، وإن رسول الله e كان يعطي قرابته وأنا وفي رهط أهل عيلة وقلة معاش فبسط يدي في شيءمن ذلك المال وكان قد أستشار الصحابة في ذلك فقالوا له أصبت وأحسنت ) ([85]) .
وهكذا نري أن أختيار معاوية واليا من قبل عثمان وعلي الرغم من قرابته فإنهذا لا يقدح في أختيار عثمان فقد كان معاوية صادقا مجاهد له مواقفه العظيمة التيشهد بها الرسول e وأبي بكر ، وعمر ، فلماذا لايقف بجانب خليفة المسلمين الثالث وينافح عنه ويقدم له المشورة .
لم نر ولم نعثر علىحوادث تذكر أن أهل الشام ثاروا على معاوية ، أو أنهم شكوه إلى عثمان و طلبوا منهعزله و تغييره بمن يحبون ، على غرار ما حدث في الكوفة و البصرة و مصر . مما يعنيأن معاوية كان موفقا في حكمه لأهل الشام ، محبوبا عندهم ، لذا وجدناهم يقفون معهفي موقعة صفين و ما بعدها .
و أن كان هناك ثمة نقد أو اعتراض علي معاويةفيمكن إظهاره عند أبي الأعلى المودودي ، إذ انتقد عثمان بن عفان في إبقائه معاويةواليا مدة طويلة ، و توسيع رقعة ولايته لتشمل كل الشام ، بعدما كانت في عهد عمرمقتصرة على دمشق ، الأمر الذي مكّنه من ترسيخ نفوذه ، و الوقوف في وجه علي بن أبيطالب مستقبلا ([86]) . و ملاحظة المودودي صحيحة في أنمعاوية استغل طول مدة ولايته في تقوية نفوذه في الشام ، لكن لماذا يعزله عثمان؟ .
كانا عثمان معروفا عنه أنه لم يكن يعزل أحدامن ولاته إلا إذا شكته رعيته ، أو استعفاه واليه من منصبه فيعفيه ، أو ساءت علاقتهبأعوانه المقربين منه ([87]). و هو كما أبقى معاوية على ولايته منذ أيام عمر ، فإنه أبقى أيضا يعلى بن منيةعلى اليمن ، و كان قد تولاه منذ عهد عمر ([88]). و معاوية لم يطلب الاستعفاء ،و لم تشتكيه رعيته إلى الخليفة ، لأنه كان عادلامعها ذكيا مرنا و هي تحبه ،و لم تشهد ولايته الفتن و القلائل التي شهدتها مصر والكوفة و البصرة . لذا فإنه ليس من مصلحة عثمان أن يعزل معاوية ، و من المحتمل جدا–إن لم يكن مؤكدا –أنه لو عزله فإن رعيته ستحتج و تطالب بإرجاعه ،و تطرد من يخلفه ، انطلاقا من حبهاله ، أو بإعاز منه أو من رجاله ، أو من الكل .
لذلك ليس من الحكمة ،و لا من مصلحة الخليفةعزل معاوية ، لأنه لو عزله فإنه سيفتح على نفسه فتنا أخرى ، في ظرف كثر فيهالناقمون عليه ،و هو في أمس الحاجة إلى من يساعده على استتباب أوضاع الخلافة . ولو كره أهل الشام معاوية لثاروا عليه ،و أثاروا في وجهه الفتن حتى يترك الإمارة ،و سيلبي الخليفة رغبتهم في عزله على غرار ما حدث في الكوفة و مصر .
وختاما لما أوردناه في هذا المبحث ، يتبين لنا منه أن عثمان - رضيالله عنه- لم يول من أقاربه من لا يصلح للإمارة ، فكلهم كانت لهم قدرات و كفاءاتعالية لتولي المسؤوليات , و أنهم أحسنوا إلى رعيتهم و تحببوا إليهم ، و كانت لهمفتوحات و غزوات ؛ مما يثبت أن اتهامات الناقمين على عثمان ،و ولاته غير صحيحة، و ما صح منها فهي اجتهادات أو أخطاءقليلة و محدودة الأثر، لا يكاد يخلوا منها مجتمع ، و ما كانت تلك الأخطاء لتنتهيإلى الثورة على عثمان و قتله ، لو لم تكن من ورائها النوايا الخبيثة لرؤوسالفتنة . و تبين أيضا أن ولاة عثمان منأقاربه ، قد حيكت حولهم روايات كثيرة مكذوبة للنيل منهم و من الخليفة ، افتراهاعليهم كذابون من الحاسدين و الماكرين و الرواة المحترفين للتزوير .
الحمي هو المكان المحمي وهو خلاف المباح وهي ارض فسيحة مخصصة لرعاية أبلالصدقة أو الأبل والخيول التابعة للدولة وقد ذاد أمير المؤمنين عثمان في مساحتهتبعا لزيادة الإبل والخيول وفق أتساع الدولة وكثرة غنائمها .
- كان الشريف في الجاهلية أذا نزل أرضا في حيه استعوي كلبا ، فحمي لخيلهوإبله وسوائمه مدي عواء الكلب لا يشركه فيه غيره . فلما جاء الإسلام نهي النبي e (( لا حمي إلا لله ورسوله )) ([89])
- ويري صاحب العواصم أن فعل عثمان لحمي خيل المسلمين لم يزد عما فعلهالرسول e وأبو بكر وعمر من قبله والنبي e حمى النقيع للخيل والمراد بالخيل هنا خيل المسلمين المرصودةللجهاد أو ما يملكه بيت المال. ([90])
وقد سار أبو بكر علي نهجالرسول فلم يغير شيئا يذكر – أما في عهد عمر فقد اتسع الحمى فشمل سرف والربذة وقد أوصي أمير المؤمنين عامله عليالحمى وهو مولي له يدعي هنيا بأن يمنع نعم الأثرياء كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بنعفان وأن يتسامح مع رب الغنيمة وربالصريمة حتى لا تهلك ماشيتهما وكما فعل عمر في زيادة اتساع الحمى فعل عثمان رحمهالله فهل يجوز ذلك لأبي بكر وعمر ولا يجوز لعثمان فالمفروض أن تتضاعف مساحة الحمىلتقابل اتساع الدولة وازدياد الفتوح فهل يعد ذلك نقيصة أم مزية ، إن اعتراض هؤلاءالناس هو اعتراض علي أمر داخل في التشريع الإسلامي وقد دافع عثمان عن نفسه علي ملأمن الصحابة أعلن أن الذين يلون له الحمى اقتصروا فيه علي صدقات المسلمين يحمونهالئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ، وأنهم ما منعوا ولا نحوا منها أحدا .وذكر عن نفسه أنه قبل أن يلي الخلافة كان أكثر العرب بعيرا وشاه ، ثم أمسي وليس لهغير بعيرين لحجه . وسأل من يعرف ذلك من الصحابة : أكذلك ؟ قالوا اللهم نعم . ([91]) إلي هذا الحد يبدوا أن الأمر ليسفيه ما يغضب أحدا . إذن فما السبب الحقيقي وراء مآخذتهم عثمان عن الحمى ؟ سنعرف ذلك في ذلك الحوار الذي دار بين أهل مصروعثمان بخصوص هذا الشأن .
- فلما قدم أهل مصر المدينةَ، واستقبلهم عثمان رضي الله عنه قالوا له: ادعبالمصحف، فدعا به، فقالوا: افتح السابعة - وكانوا يسمون سورة يونس السابعة - فقرأحتى أتى قوله تعالى: { قُلْ آللَّهُ أذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}([92]). فقالوا له: قف، أرأيت ما حميت من الحمى، آلله أذن لك أم على الله تفتري ؟ .فقالعثمان رضي الله عنه: أمضه نزلت في كذا وكذا فأما الحمى، فإن عمر حماه قبلي لإبلالصدقة، فلما وليت زادت إبل الصدقة، فزدت في الحمى لِما زاد من إبل الصدقة،أمضه . ([93]) إن في رد عثمان رضي الله عنه على أهل مصر كفاية، وغنية، فقد ألقمهم حجراًفخرسوا عن الجواب، فإن عثمان رضي الله عنه لم يبتدع في حمي الحمى، بل سبقه إليهالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم عمر رضي الله عنه، فقد حمى عمر رضي الله عنه ( السرف، والرّبذة ) لنعم الصدقة وهذا يدل علىجواز أصل حمي الحمى للخليفة، وهو مذهبالشافعية، ومنهم من ألحق به ولاة الأقاليم .([94])
فالزيادة للحاجة جائزة-أيضاً- لجواز الأصل، وقد احتاجت إبل الصدقة في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنهإلى زيادة الرقعة المحمية لزيادة عدد إبل الصدقة، مما يدل على كثرة الخيرات فيخلافته رضي الله عنه . ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمى في قوله: "لاحمى إلا لله ولرسوله" ([95]) .
إنما هو نهي عن حمى الجاهليةالذي يخص به رئيس القبيلة نفسه دون غيره .كما أوضحنا سابقا . أما ما فعله عثمان رضي الله عنه فإنما كانلمصلحة المسلمين عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ ومسؤول عنرعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته،والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيّده راعٍ، وهومسؤول عن رعيته... فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته" .
ومما يذكر أنهم عابو عليه في حمي الحمى أنهم نقموا عليه حميه لسوق المدينةفي بعض ما يباع ويشترى ، فقالوا: لا يشتري منه أحد النوى حتى يشتري وكيلهمن شراء ما يحتاج إليه عثمان رضي الله عنه لعلف إبله وفي هذه الرواية تقول واختلاقولا أصل لها ولو فعل ذلك فيكون قد فعله بإبل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها ؛ .
ومن أقوالهم أيضا الكاذبةأنه حمي البحر من أن تخرج فيه سفينة إلا في تجارته، وهل يقول بذلك عاقل، وغاية ما يقال على تقدير صحةالنقل في ذلك يحمل على أنها كانت ملكاً له، لأنه كان منبسطاً في التجارات، متسعالمال في الجاهلية والإسلام، فما حمى البحر، وإنما حمى سفنه أن يحمل فيها متاع غيرمتاعه"
فإذا تأملنا تلك الردود منعثمان بن عفان علي افتراض صحة النقل لتأكدنا أن ما أتهم به في هذه القضية إنما هيمنقبة وميزة تميز بها عثمان ليساير العصرويساير كافة الغنائم التي كانت ترد إلي بيت المال من الفتوحات العظيمة .
وأما جمع القرآن ، فتلك حسنته العظمي ، وخصلته الكبري كما يقول ابن العربي ،وإن كان وجدها كاملة ، لكنه أظهرها ورد الناس إليها ، وحسم مادة الخلاف فيها ،وكان نفوز وعد الله بحفظ القرآن علي يديه .([96])
روي الأئمة بأجمعهم أن زيد بن ثابتقال : أرسل إلي أبو بكر عقب مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ،قال زيد : قال ( لي ) أبو بكر : إنك رجل شابعاقل لا أتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله e . فتتبع القرآن فاجمعه )) . فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبالما كان أثقل علي مما ( كلفاني وأمراني به من جمع القرآن . قلت : كيف تفعلون شيئا لميفعله رسول الله e ؟ قال عمر : (( هذا والله خير)) . فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له وصدور الرجال ، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع ( أبي ) خزيمةالأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم )) حتى خاتمة براءة . ([97])
فكانت الصحف عند أبي بكر حتي توفاه الله ، ثم عند عمر طيلة حياته ، ثم عندحفصة بنت عمر . حتى قدم حذيفة بن اليمان علي عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينيةوأذربيجان مع أهل العراق ، ( فأفزع ) حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفةلعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافاليهود والنصارى . فأرسل عثمان إلي حفصه أن أرسلي الينا بالصحف تنسخها في المصاحف، ثم نردها إليك . فأرسلت بها حفصة إلي عثمان ، فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله أبنالزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف .([98])
والأمر الذي قام به عثمانوالخاص بجمع القرآن الكريم بعد صاحبيه في جمع القرآن وتثبيته وتوحيد رسمه لأمرعظيم ينبغي علي المسلمين تذكره لعثمان عن علي بن أبي طالب قال : (( أيها الناس ،الله ، الله ، أياكم والغلو في أمر عثمان وقولكم حراق المصاحف ، فوالله ما حرقهاإلا عن ملأ من أصحاب رسول الله e ، جميعا وقال : ما تقولون في هذه القراءة التي أختلف الناس فيها ،يلقي الرجل الرجل فيقول قراءتي خير من قرائتك ، وهذا يجر إلي الكفر ؟ فقلنا : ماالراي ؟ قال : أريد أن أجمع الناس علي مصحف واحد ، فأنكم أن اختلفتم اليوم كان منبعدكم أشد أختلافا . فقلنا : نعم ما رأيت )) .([99])
- وقد حاول بعض الناس أن يلوموا عثمان علي أمره بإحراق المصاحف فقال لهمعلي بن أبي طالب لو لم يصنعه عثمان لصنعته أنا فجزي الله عثمان عن أمته خير الجزاء. ([100])
وقد وفق عثمان في إختيار لغة قريش لغة القرآن كله وقال عثمان للرهطالقرشيين الثلاثة : ((إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ،فانما نزل بلسانهم )) ففعلوا .
حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلي حفصه ، وأرسل إلي كلأفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق .
قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بنزيد بن ثابت أنه سمع زيد ابن ثابت قال : (( فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحفقد كنت أسمع رسول الله e يقرأ بها ، فالتمسناهافوجدناها فألحقناها في سورتها في المصحف)) .
واما المآخذ التي أخذها الثوار علي عثمان في صدد حرق المصاحف المخالفة لأنهكان في بقائها فساد ، أو كان فيها ما ليس من القرآن ، أو ما نسخ منه ، أو علي غيرنظمه ، وقد سلم في ذلك الصحابة كلهم إلا أنه روي عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة فقال: (( أما بعد فإن الله قال (( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة )) وأني غال مصحفي، فمن استطاع منكم أن يغل مصحفة فليفعل )) . وأراد ابن مسعود أن يؤخذ بمصحفه ، وأنيثبت ما يعلم فيه . فلما لم يفعل ذلك له قال ما قال ، فأكرهه عثمان علي رفع مصحفهحتى محي رسومه فلم تثبت له قراءة أبدا وعبد الله بن مسعود صحابي جليل من كبارعلماء الصحابة وكان أجودهم قراءة لكتاب الله وكان ابن مسعود يكتب ما يوحي منالقرآن في مصحفه كلما بلغه نزول آيات منه ، وهو يختلف في ترتيب هذه الآيات عماامتازت به مصاحف عثمان من الترتيب بحسب العرض الأخير علي رسول الله e ويحتمل أن يكون بن مسعودفاته في مصحفه بعض آيات مما استقصاه زيد بن ثابت وزملائه بالإضافة إلي ذلك فإن ابنمسعود كان يقرأ القرآن بلهجة قومه بني هذيل فليس لابن مسعود أن يحمل الأمة في زمنهوالأزمان من بعده علي لهجته الخاصة فكان من الخير توحيد الأمة علي قراءة كتاب ربهاباللهجة المضرية التي كان عليها رسول الله e ومن هنا كان عثمان علي حق عندما احرق المصاحف الأخرى حتى يتوحدالمسلمون علي قراءة واحدة وفي نظري أن هذه مزية لعثمان وليست نقيصة .
ويروي عن حذيفة بن اليمان أنه رأى في البصرة نحواً من ذلك، فقد كان ذات يومجالساً في حلقة مسجد من مساجدها، زمن ولاية الوليد بن عقبة عليها؛ فإذا هاتف يهتف:من كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأت الزاوية التي عند أبواب كندة، ومن كان يقرأعلى قراءة عبدالله بن مسعود، فليأت هذه الزاوية التي عند دار عبدالله. فاجتمع القوم، واختلفوا في آية من سورة البقرة،قرأ أحدهم: {وأتموا الحج والعمرة للبيت} وقرأ آخر: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَلِلَّهِ} . ([101]) فغضب حذيفة رضيالله عنه حتى احمرّت عيناه، فقام وغرز قميصه في حجزته، وقال لرجل منهم: إما أنتركب إلى أمير المؤمنين، وإما أن أركب، فأقبل على الناس، وقال: إن الله بعث محمداًصلى الله عليه وسلم، فقاتل بمن أقبل من أدبر، حتى أظهر الله دينه، ثم إن اللهقبضه، فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلفأبا بكر فكان ما شاء الله، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثمإن الله استخلف عمر فنزل الناس وسط الإسلام، ثم إن الله قبضه، فطعن الناس فيالإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلف عثمان وأيم الله ليوشكنَّ أن تطعنوا فيهطعنة تحلقونه كله ([102]).
وركب رضي الله عنه إلى عثمان بن عفان ([103])فقال له: يا أمير المؤمنين، أدرك هذهالأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى في الكتب، ففزع لذلك عثمانبن عفان، وجمع الصحابة - وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فقال: ما تقولون فيهذه القراءة، فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكونكفراً؟.
فقالوا: ما ترى ؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولايكون اختلاف، فقالوا: فنعم ما رأيت .
وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أومصحف أن يحرق، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار ([104]) وبعد سرد قصة جمع القرآن منذ بدايتها وحتىانتهائها، نعود إلى ما نُقل عن بعضهم من تحويل هذه الفضيلة من فضائل عثمان رضيالله عنه إلى عيب يعاب به . فإنَّ عثمانرضي الله عنه لم يبتدع في جمعه المصاحف؛ بل سبقه إلى ذلك أبو بكر الصديق رضي اللهعنه كما أنه لم يصنع ذلك من قبل نفسه، إنما فعله عن مشورة للصحابة رضي الله عنهموأعجبهم هذا الفعل، وقالوا: نعم ما رأيت، وقالوا أيضاً: قد أحسن؛ أي: في فعله فيالمصاحف. فقد أدرك مصعبُ بن سعد صحابةَالنبي صلى الله عليه وسلم؛ حين مشق ([105])عثمان رضي الله عنه المصاحف فرآهم قد أُعجبوا بهذا الفعلمنه ( . وكان علي رضي الله عنه ينهى من يعيب على عثمان رضي الله عنه بذلك ويقول:يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً –أو قولوا خيراً- فوالله ما فعل الذي فعل -أي فيالمصاحف- إلا عن ملأ منا جميعاً أي الصحابة... والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل ([106]). وبعد اتفاق هذا الجمع الفاضل من خيرة الخلق،على هذا الأمر المبارك، يتبين لكل متجرد عن الهوى، أن الواجب على المسلم الرضابهذا الصنيع الذي صنعه عثمان رضي الله عنه وحفظ الله به القرآن.
ولم يثبت أن ابن مسعود رضي الله عنه خالف عثمان في ذلك، وكلما روي في ذلك ضعيف الإسناد ، كما أن هذهالروايات الضعيفة التي تتضمن ذلك، تثبت أن ابن مسعود رجع إلى ما اتفق عليه الصحابةفي جمع القرآن، وأنه قام في الناس وأعلن ذلك، وأمرهم بالرجوع إلى جماعة المسلمينفي ذلك. وقال: إن الله لا ينتزع العلمانتزاعاً، ولكن ينتزعه بذهاب العلماء، وإن الله لا يجمع أمة محمد صلى الله عليهوسلم على ضلالة، فجامعوهم على ما اجتمعوا عليه، فإن الحق فيما اجتمعوا عليه...وكتب بذلك إلى عثمان ([107]). ولم يثبت أن عثمان رضي الله عنه خص مصحف ابن مسعود بالحرق، وعلى فرض صحة ذلك، فإن ما فعله عثمانكان دواء لمفسدة كبيرة في الدين، لكثرة ما في مصحف ابن مسعود من الشذوذ المنكر عندأهل العلم بالقرآن، وبحذفه المعوذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنهما فيالقرآن ([108])ولعل سبب ذلك أن ابن مسعود كان يكتب مايوحى من القرآن في مصحفه كلما بلغه نزول آيات منه، فاختلف ترتيبه عما امتازت بهمصاحف عثمان من الترتيب بحسب العرض الأخير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدرما أدى إليه اجتهاد الصحابة المؤيد بإجماعهم.
ويحتمل أن يكون ابن مسعود فاته في مصحفه بعض ما استقصاه زيدبن ثابت ورفاقه من الآيات التي كانت عند آخرين من قراء الصحابة، زد على ذلك أن ابنمسعود كانت تغلب عليه لهجة قومه من هذيل، والنبي صلى الله عليه وسلم رخص لمثل ابنمسعود أن يقرؤوا بلهجاتهم الخاصة. فكان من الخير توحيد الأمة على قراءة كتاب ربهاباللهجة المضرية التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعى الطحاوي،والباقلاني، وابن عبدالبر، أن قراءة القرآن على سبع لغات كان رخصة في أول الأمر،ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الحفظ، وكثرة الضبط، وتعلم الكتابة ([109]) .
وكان فعل عثمان بتوحيد المسلمين علي قراءة واحدة وافق عليهاالصحابة جميعهم هو الطريق الصحيح إلى توحيد صف المسلمين، وجمع شملهم؛ فلا يتم ذلكإلا برجوعهم إلى الكتاب والسنة، وفهمهما فهماً صحيحاً مستمداً من فهم السلف الصالحلهما، وأن يعتصموا بهما، لتتحقق لهم الوحدة، فيجتمعون على عدوهم، ويرفع الله عنهمالفشل الذي استحقوه بسبب تنازعهم {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَرِيحُكُمْ}([110]). وهذه ثمرة من ثمراتدراسة تاريخ الخلفاء الراشدين، الحافل بالعبر ومواضع القدوة. وبعد توصلنا إلى هذهالحقيقة التي كان عليها سلفنا الصالح، يتبين لنا أثم من يترك دلالة القرآن، والسنةوراءه ظهرياً ويحكم عقله، ويرفض .
لم يحضر بدرا وبيعةالرضوان وانهزم يوم أحد
هذه المآخذ الثلاثة من مجموعة المأخذ التي أخذها المتآمرون علي عثمان بن عفانرضي الله عنه ،ولو دققنا فيها النظر وتأملنها لوجدنا أن عثمان ليس له في هذه التهمناقة ولا جمل بل أن هذه المآخذ الثلاثة كانت ميزة لأمير المؤمنين عثمان ومنحتهقربي من الرسولe وسوف نعرف ذلكمن التفنيد التالي:
- عدم شهوده غزوة بدر:
كانت غزوة بدر في العام الثاني من الهجرة، وذلك لما ندب النبي صلى الله عليهوسلم أصحابه إلى الخروج إلى عير لقريش، وتعجل بمن كان مستعداً، دون أن ينتظر أهلالعوالي لاستعجاله بالخروج ([111]) ، ووافق ذلك أنكانت رقية -رضي الله عنها- ابنة النبي صلى الله عليه وسلم مريضة، قعيدة الفراش،وفي أمس الحاجة إلى من يمرضها ويرعى شؤونها، وخير من يصلح لذلك هو زوجها؛ لأنالزوجة لا تكتمل حريتها عند غير زوجها؛ لذلك كله أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بالبقاء في المدينة بجانب زوجته ليقوم بتمريضها،وضرب له بسهمه في غزوة بدر فقال عثمان: وأجري يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام:"وأجرك" . ([112])
وبذلك يتبين أن عثمان رضي الله عنه لم يشهد غزوة بدر، ولكنهكان كمن شهدها لضرب النبي صلى الله عليه وسلم له بسهم فيها، من الغنيمة والأجر. وعلمذلك الصحابة رضوان الله عليهم فلم يصح عن أحد منهم أنه عابه بعدم شهوده بدراً،واستمر الأمر على ذلك.حتى انفجرت ينابيع الفتنة، وبدأ الخارجون على عثمان رضي اللهعنه يتلمسون ما يظهرون للناس أنهم أجازوا به الخروج عليه، فعابوه بعدم شهودهبدراً. ولكن ذلك لا ينطلي إلا على الجهلة من الناس، فإن أهل البصيرة يعلمون أن عدمشهوده رضي الله عنه هذه الغزوة إنما كان بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن شهدبدراً لم يحصّل ذاك الأجر العظيم إلا لامتثاله أمره صلى الله عليه وسلم فالمتخلفبأمر الرسول e كالشاهد للمعركة بأمره e ولا فرق بينهما ([113]) .
وقد سأل العلاء بن عرار بن عمر رضي الله عنه كما يروي بن حجر في إحدى رواياته بينمايروي في موضع أخر بأنه رجل من أهل مصر يسأله عن حضور عثمان بدراً، أجابه بأنه لميشهدها، فكبر السائل فرَحاً وشماتةً بعثمان، فناداه ابن عمر رضي الله عنهما وبيّنله أن تخلف عثمان هذا لم يكن من قِبله، إنما كان بأمر من رسول الله صلى الله عليهوسلم فلا يُعدّ عيباً فيه، فقال له: وأما تغيبه عن بدر، فإنه كان تحته بنت رسولالله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنلك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه" ([114]). ومن هذا المنطلق فإن تخلف عثمان عن غزوة بدر فيه إرضاء للرسول e من جهة وأجر المجاهد من جهة أخرى وفيه أيضا رضا من الله عليه فقدرضي الله علي من شهد بدرا .
كما أن النفير -كما تقدم- لم يكن عاماً، وبسبب ذلك تخلف عن بدر كثير منالصحابة رضوان الله عليهم ممن كانوا في العوالي، وممن لم يحضروا ساعة الاستعدادللرحيل، لشدة استعجال النبي صلى الله عليه وسلم؛ خشية أن تفوت العير فلا يدركونها.فعدم حضور بدر ليس بعيب في آحاد الصحابة رضوان الله عليهم .
الذين لم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقعود في المدينة؛ فكيف يكونعيباً فيمن قعد لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما يكشف زيف استساغتهم الخروج علي عثمان ،بعدم شهوده بدراً، عدم عيبهم لسائر المتخلفين عنها الذين لم يتهيأ لهم الخروجإليها، وإن كان ذلك لعذر، فإن عذر عثمان رضي الله عنه أقوى من عذرهم، فلم ينقل لناشيء من هذا، مما يؤكد لنا أن القوم يتصيدون ما يمهدون به للخروج على الخليفة فحسب.
والتخلف عن شهود غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مع العذر، ممن لديه رغبةصادقة في شهودها، لا يوقع حرجاً على صاحبه، إذا كان ناصحاً لله ورسوله، وقد بينالله جل وعلا ذلك في قوله:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوالِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌرَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُمَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِحَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} ([115])فليس على هؤلاءسبيل، بل شهد الله لهم بالإحسان.
أما الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم للقعود عن القتال، وهم أغنياء
مستطيعون، ليس لهم عذر، ولكن رضوا بأن يكونوا مع المتخلفين، فهؤلاء هم الآثمونالذين يعاقبهم الله بالطبع على قلوبهم. كما في قوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىالَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَالْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ([116]) .
فمن يتخلف عن غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بأمر منه، ويضرب له رسولالله صلى الله عليه وسلم بسهم في الغنيمة وفي الأجر، فإنه أولى بأن لا يكون عليهسبيل ممن تخلف عنها لعدم الاستطاعة والقدرة . ثم لو كان قد أخطأ فتخلف عن غزوة بدر بدون عذر، فإن ذلك لا يسوغ قتلهصبراً، ولا يسوغ الخروج عليه وهو خليفة؟! ولوكان عثمان رضي الله عنه آثما لتخلفه عن غزوة بدر؛ فلم لم يعاتبه رسول الله صلىالله عليه وسلم على ذلك ؟ ولا عرف الصحابة هذا الوضع وعاتبوا عثمان عليه ولكنه لميرد رواية تشير إلي ذلك .
- توليه يوم أحد عن المعركة :
ومن المآخذ التي أخذت علي عثمان توليه عن القتال، في معركة أحد التي وقعت فيشهر شوال من العام الثالث للهجرة، بين المسلمين، والمشركين بالقرب من جبل أحد،الذي يقع شمال المدينة النبوية . وكان المسلمون قد انتصروا في أول المعركة، وقتلواعدداً من المشركين، وفي ذلك يقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُوَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} ([117]) ، ونتيجة لمخالفةأمر النبي صلى الله عليه وسلم من بعض المقاتلين فقد المسلمون مواقعهم، وأخذوايقاتلون دون تخطيط، فلم يستطيعوا تمييز بعضهم من بعض وأسقط في أيديهم، ففر كثيرونمنهم من ميدان القتال، وانتحى بعضهم جانباً دون قتال، في حين آثر آخرون الموت علىالحياة فقاتلوا حتى الموت ([118])
وقد ذكر الله جل وعلا خبر فرار من فر، وعفوه عنهم فقال:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَااسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَاكَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ([119]). فبين الله أنه قد عفا عن جميع المتولين يومأحد، فدخل فيهم من هو دون عثمان في الفضل والسابقية، فكيف لا يدخل هو مع فضله،وسابقته، وكثرة حسناته ([120]). ولكن الخارجينعليه لم يعبؤوا بهذا العفو من الله، بل أظهروا وأشاعوا أنهم نقموا عليه فراره يومأحد، مما يدل دلالة واضحة على أن تسويغهم ليس بتسويغ مجتهد مخطئ، أو تسويغ متحمس ضال،إنما هو تسويغ مضل مفسد يتلمس ما يسوغ به إفساده. وإلا لم عابوا عليه أمراً قد عفا الله عنه وغفره؟ ولم أشاعوا ذلك بين المسلمين على ولي أمرهم أميرالمؤمنين خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أن فراره يوم أحد لا يُحل قتله،فكيف وقد غفر الله له، ولو استحق ذلك لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلممعاقبته، ولما بايعه الصحابة جميعاً بالخلافة. فلم ير الصحابة رضي الله عنهم فيموقفه بأحد ما يستوجب التردد في بيعته بعد عفو الله عنه وعن سائر الفارين. بل رأوافي مواقفه الأخرى، ما يقدمه إلى أعظم مسؤوليات الدولة، وهي: الخلافة.
ولكن الخارجين عليه كانوا يفتشون عن مسوغات للفتنة، والتمرد، وقتل الخليفة،فتشبثوا بهذا الأمر وبغيره من المسوغات الواهية الأخرى . مما يبين جلياً أنالشيطان قد استحوذ عليهم، حتى أنساهم ذكر الله ([121])وزين لهم أعمالهمفأضلهم عن السبيل، وهم يحسبون أنهم مهتدون. ولما سأل ذلك الخارجي ([122]). ابن عمر رضي الله عنهما عن فرار عثمانيوم أحد، شهد ابن عمر على فراره؛ فكبر الخارجي شماتة بعثمان، فقال له ابن عمر:تعال لأخبرك، ولأبين لك عما سألتني عنه: أما فراره يوم أحد، فأشهد أن الله عفا عنهوغفر له... اذهب بها الآن معك . ([123])
- تخلفه عن بيعة الرضوان:
ومنها تخلفه عن بيعة الرضوان ([124])وقد كانت بيعة الرضوان في مستهل ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، تحت شجرةسمرة في مكان بالقرب من مكة يسمّى بالحديبية . دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلمبعد أن أرسل عثمان رضي الله عنه إلى أهل مكة يفاوضهم، ويبين لهم هدف المسلمين منقدومهم، وأنه العمرة وليس القتال، فلما استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم عثمان،وبلغه أن المشركين قد قتلوه، بايع أصحابه على قتال المشركين ثأراً لعثمان رضي اللهعنه. ونظراً لاحتمال عدم صدق الخبر بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيده على اليدالأخرى عن عثمان رضي الله عنه . وقد بيّن الله جل وعلا فضل أصحاب هذه البيعة، فيآيات عديدة، كما بينه أيضا الرسول صلى الله عليه وسلم . فمن الآيات قوله جل وعلا:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِفَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْفَتْحاً قَرِيباً} ([125]) ، ومن الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية لمن شهدها:"أنتم خير أهل الأرض" ([126]). وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرةأحد الذين بايعوا تحتها".
ومنذ أداء تلك البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ظلت مفخرة لمن شهدها، يعرفالناس فضلهم وقدرهم، ومكانتهم، ولا يعاب من لم يشهدها ممن كان في المدينة، وغيرهامن المسلمين، ولما بدأ الناس في الطعن على عثمان رضي الله عنه، وتلمسوا ما يعيبونهبه، أظهروا أنهم استساغوا الخروج عليه بعدة أمور: منها المفتراة، ومنها ما هومنقبة له في الحقيقة.
وعدم شهوده بيعة الرضوان هو من هذا الصنف الأخير، فإن عدمشهوده إياها فيه ما يدل على سموّ مكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسفيه منقصة له. لكن أفهام القوم قاصرة، وقلوبهم حاقدة، حتى إن أحدهم جاء إلى ابنعمر -رضي الله عنهما كما قلنا سابقا - يناشده: أَشَهِد عثمان رضي الله عنه بيعةالرضوان؟. فقال له ابن عمر: لا، وقبلانصراف الرجل، بيّن له ابن عمر رضي الله عنهما أن عدم شهوده البيعة لا يعدّ عيباًفيه، بل منقبة له، فإن سبب تغيبه عنها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلىأهل مكة، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه لعثمان ([127])فَيَدُ رسول اللهصلى الله عليه وسلم خير من يد من بايع بيده.
وفي ذلك يقول أبو نعيم: "وأما بيعة الرضوان فلأجل عثمان رضي الله عنهوقعت هذه المبايعة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه رسولاً إلى أهل مكةلِمَا اختص به من السؤدد والدين، ووفور العشيرة، وأُخبِر الرسول صلى الله عليهوسلم بقتله، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون له على الموت ليوافواأهل مكة ([128]).
فعدم حضور عثمان رضي الله عنه بيعة الرضوان يُعَدّ منقبة له وليس مثلبة فيه،ولكن القلوب الحاقدة قلبتها إلى مثلبة وعابته بها ويمكنا أن نوضح جوانب هذهالمنقبة في الأمور الأربعة التالية :-
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم اختاره لأداء تلكالمهمة،بعدما رفض عمر بن الخطاب وأقتنع الرسول بأن عثمان هو أفضل من يتفاوض في تلكالمهمة وهذا أكبر دليل على فضله رضي الله عنه وصلاحيته كمناور سياسي .
الثاني: أنه من أهل بيعة الرضوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلمبايع له بإحدى يديه
على الأخرى.
الثالث: أنه رضي الله عنهامتاز على باقي أصحاب الشجرة بأن النبي بايع عنه بيده الأخرى، فيد النبي صلى اللهعليه وسلم خير من أيديهم رضي الله عنهم أجمعين.
الرابع: أن البيعة إنماعقدت من أجله مما يبين مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم.
- وأما رد الحكم فلم يصح زعم البغاة علي عثمان في ذلك ولم يخالف الشرع فيذلك أبدا .
وقال كثير من العلماء في هذاالصدد : قد كان أذن له فيه رسول الله e . وقال ( أي عثمان ) لأبيبكر وعمر ، فقالا له : أن كان معك شهود رددناه . فلما ولي قضي بعمله في رده . وماكان عثمان ليصل مهجور رسول الله e ولو كان أباه ولا لينقض حكمه . قال ابن تيمية في منهاج السنة (وقد طعن كثيرا من أهل العلم في نفي النبي e الحكم وقالوا ذهب باختياره : وإذا كان النبي e قد عزر رجلا بالنفي لم يلزم أن يبقي منفيا طول الزمان فإن هذاأمرا شاق ولم تأت الشريعة بذنب يبقي صاحبه منفيا دائما كما أن عثمان بن عفان كانقد شفع في عبد الله بن سعد بن ابي سرح وقبل النبي منه ذلك فكيف لا يقبل شفاعته فيالحكم وقد روت بعض الروايات أن عثمان سأله أن يرده فأذن له في ذلك وأن ذنب الحكمأقل من ذنب عبد الله بن أبي السرح فكيف يقبل ذنب ابن سعد دون ذنب الحكم كما أن هذهالقصة المروية عن الحكم ليس لها أسانيد ثابتة . ([129])
- ويروي ابن تيمية أن نفي رسول الله للحكم لم يكن حدا واجبا ولا شريعة عليالتأبيد وإنما كان عقوبة علي ذنب أستحق به النفي والتوبة مبسوطة فإذا تاب سقطت عنهتلك العقوبة دون خلاف من أحد من أهل الإسلام وسارت الأرض كلها مباحة . ([130])
** ويمكننا أن نستعرض رأيشيخ الإسلام بن تيمية بشيء من التفصيل في قضية رد عثمان للحكم وابنه مروان إليالمدينة وهذا الرد له وجاهته ومبرراته فيقول ( وطرد رسولُ الله صلى الله عليه وسلمالحَكَمَ بن أبي العاص؛ عم عثمان رضي الله عنه من المدينة، ومعه ابنه مروان، فلميزل هو وابنه طريدين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما وليعثمان رضي الله عنه آواه ورده إلى المدينة، وجعل مروان كاتبه وصاحب تدبيره، مع أنالله قال: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِيُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}([131]) ، ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية من وجوه متعددة، نوجزها فيما يلي: ([132]) .
أ - أن كثيراً من أهل العلم طعن في صحة نفي النبي صلى الله عليه وسلمللحَكَم وقالوا: ذهب باختياره وليس لقصة نفيه سندٌ يعرف.
ب- أنه إن كان قد طرد النبي صلى الله عليه وسلم الحكم فلا يكون ذلك منالمدينة، كما قال الرافضي، بل يكون من مكة؛ لأن الطلقاء لم تسكن بالمدينة في حياةالنبي صلى الله عليه وسلم ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة، وليس أحد من الطلقاء الذين منهم الحكم هاجر إلى المدينة.
ج - أن مروان كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طفلاًصغيراً في أول سن التمييز، إما سبع سنين أو أكثر بقليل، أو أقل بقليل، فلم يكن لهذنب يطرد بسببه.
د - أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عزر رجلاًبالنفي، لم يلزم أن يبقى منفياً طول الزمان، فإن هذا لا يُعرف في شيء من الذنوب،ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفياً دائماً، بل غاية النفي المقدر سنة، وهونفي الزاني والمخنَّث حتى يتوب من التخنيث، فإذا كان تعزير الحاكم لذنب حتى يتوب،فإذا تاب سقطت العقوبة عنه، وإن كانت على ذنب ماض فهو أمر اجتهادي لم يقدَّر فيهقدر، ولم يوقَّت فيه وقت.
وإذا كان كذلك، فالنفي كان في آخر الهجرة، فلم تطل مدته فيزمن أبي بكر وعمر، فلمّا كان عثمان طالت مدته، وقد كان عثمان شَفَعَ في عبد اللهبن أبي سرح إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما أهدر دمه لردته، فقبل شَفَاعة عثمانفيه، وبايعه، فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم.
بل قد رووا أن عثمان سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يرده فأذن له في ذلك،وذَنْبُه دون عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقصة عبد الله ثابتة معروفة بالإسنادالثابت، وأما قصة الحكم فعامة ، من ذكرها، إنما ذكرها مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون،الذين يكثر الكذب فيما يروونه .
عدم إقامة الحد علي عبيد الله بن عمر
1- يقول الإمام أبو بكر بن العربي أما امتناع عثمان عن قتل عبيد الله بنعمر بن الخطاب بالهرمزان ، فإن ذلك باطل ويستدل علي ذلك بشهادة ابنه القماذبان فقدروي الطبري عن سيف بن عمر قال سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال : (( فلما وليعثمان دعاني فأمكنني منه ( أي من عبيد الله بن عمر بن الخطاب ) ثم قال : (( يا بنيهذا قاتل أبيك ، وأنت أولي به منا فأذهب فاقتله )) . فخرجت به وما في الأرض أحدالا معي ، ألا أنهم يطلبون إلي فيه . فقلت لهم : إلي قتله ؟ قالوا : نعم . وسبواعبيد الله . فقلت : أفلكم أن تمنعوه ؟ قالوا : لا . وسبوه . فتركته لله ولهم .فاحتملوني . فوالله ما بلغت المنزل إلا علي رؤوس الرجال وأكفهم )) . هذا كلام ابنالهرمزان ، وأن كل منصف يعتقده ( ولعل ابن الهرمزان أيضا كان يعتقد ) أن دم أميرالمؤمنين عمر في عنق الهرمزان ، وأن أبا لؤلؤة لم يكن إلا آلة في يد هذا الفارسي .وأن موقف عثمان وأخوانه أصحاب رسول الله e من هذا الحادث لا نظير له في تاريخ العدالة الإنسانية . ([133])(وإن) كان لم يفعل فالصحابة متوافرون موجدون ، والأمر في أوله .
2- ويروي الطبري أن عثمان رضي الله عنه قد تصرف في هذا الأمر بعد استشارةالصحابة فيه إذ جلس في جانب المسجد ودعا عبيد الله وكان محبوسا في دار سعد بن أبيوقاص ، وهو الذي نزع السيف من يده ... فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار : اشيرواعلي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق . فقال علي : أري أن تقتله . فقال بعضالمهاجرين : قتل عمر أمس ، ويقتل ابنه اليوم ؟! فقال عمرو بن العاص : يا أميرالمؤمنين ، إن الله أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك علي المسلمين سلطان ، إنماكان هذا الحدث ولا سلطان لك . قال عثمان : أنا وليهم ، وقد جعلتها دية ، واحتملتهافي مالي . ([134])
3- وقد قيل : إن الهرمزان سعي في مقتل عمر ، وحمل الخنجر وظهر تحتثيابه . وكان قتل عبيد الله له ، وعثمانلم يل بعد . ولعل عثمان كان لا يري علي عبيد الله حقا ، لما ثبت عنده من حال الهرمزانوفعله .
4- ويري عبد الله بن عباس جواز قتل علوج الفرس الذين في المدينة بلااستثناء ويذكر بن تيمية عن عبد الله بنعباس لما طعن عمر إذ قال له عمر : كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينةفقال بن عباس : إن شئت أن نقتلهم فقال عمر : (كذبت أفا بعد أن تكلموا بلسانكموصلوا إلي قبلتكم ؟ ) . ويعلق ابن تيمية علي ذلك قائلا وهو أفقه من عبيد الله بنعمر وأفضل بكثير يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقا الذين كانوا بالمدينة لمااتهموهم بالفساد ، أعتقد جواز مثل هذا : وإذا كان الهرمزان ممن أعان علي قتل عمركان من المفسدين في الأرض المحاربين فيجب قتله بذلك .
5- ولو قدر أن المقتول معصوم الدم يحرم قتله لكن كان القاتل متأولا ويعتقدحل قتله لشبهة ظاهرة ، صار ذلك شبهة تدرأ عن القاتل وهو عبيد الله بن عمر وإلي هذاذهب عثمان في اكتفائه بالدية واحتمالها من ماله الخاص . ([135])
- فهل تري عدلا مثل هذاالعدل فلو كان هذا الحادث وهو قتل أمير المؤمنين عمر لملك من ملوك اليوم أو رئيسمن الرؤساء لقتل بجريرته خلقا كبيرا يأخذون فيها المذنب وغير المذنب وتطاح فيهرقاب لا ذنب لها فهل تري مثل الصحابة في عدلهم وتسامحهم في هذا الحادث الأليم إلي حدالمطالبة بقتل ابن أمير المؤمنين المقتول أبيه بيد الغدر والبغي والظلم .
وأريد هنا أن أوضح نقطتين مهمتين :-
الأولي: تتعلق في أمر الدية التيأخرجها أمير المؤمنين عثمان من ماله التي فرضها للهرمزان فإن الهرمزان لم يكن لهأولياء يطلبون دمه ، وإنما وليه ولي الأمر فله أن يقتل قاتله وله أن يعفو عنه إليالدية لئلا تضيع حقوق المسلمين وقد عفا عثمان رضي الله عنه عن قاتله ورأي أن يعطيقدر الدية لآل عمر لما كان علي عمر من الدين معونة لأهله ويعد هذا التصرف بلا شكمن محاسن عثمان رضي الله عنه فأن الدية للمسلمين وللحاكم أن يصرفها في مصارفالأموال وقد تركها لآل عمر وهو بعض ما يستحقونه علي المسلمين فالمسألة هنا مسألةاجتهادية ولا ينكر علي عثمان ما فعله باجتهاده . ([136]) .
الثانية :- وهو ما ورد عن خوف عبيد الله بن عمر من علي رضي اللهعنهما أن يقتله بعد قتل عثمان فما روي في هذا الشأن ليس بصحيح حيث لم يرد في إسنادصحيح ولا متوقع ذلك من علي رضي الله عنه لأنه قد حكم الحكم في هذه المسألة بعصمةالدم فلا يتوقع من علي رضي الله عنه استحلال نقضه كما أن عليا رضي الله عنه ليسوليا للمقتول ولم يطلب ولي المقتول القود لأنه لاولي له فليس بعد عفو عثمان رضيالله عنه وحكمه بحقن دمه يباح قتله .
والعجيب في هذا الأمر حينما يتبادر هذا التساؤل هل يباح دم الخليفة الثالث المبشر بالجنة صاحبرسول الله e لأنه لم يقم الحد علي رجلقتل رجلا مشكوكا في دينه متهما بالنفاق والمحاربة لله ولرسوله والسعي في الأرض بالفساد فإذا أضفنا إلي ذلك أن عثمان كان أفضل من أكفالناس عن الدماء وقد رفض قتال الخارجين عليه مع علمه الأكيد بأنهم يردون قتله وأنهعلي الحق وأنهم علي الباطل ورفض كل عروض المناصرين له حتى لا يكون أول من خلفالرسول محمد e في أمته وسفك دماء المسلمين . وبذلك يتبين بطلان اتهام عثمان بأنهكان يستحل إراقة دماء المسلمين بتعطيل حدود الله كما زعم هؤلاء الأفاكين . ([137])
- ضربه عمار بن ياسر وابن مسعود
ومنها اتهامهم له بضرب عمار بن ياسر، فقد روي عن عائشة -رضي الله عنها-أنها ذكرت: أن مما عتب الخارجون على عثمان رضي الله عنه ضربه بالسوط، والعصا ([138])فلعل المقصود ما أشيع من ضربه عماراً رضي الله عنهما. ورُوي بإسناد ضعيف أن سعداً، وعماراً رضي اللهعنهما أرسلا إلى عثمان رضي الله عنه أن ائتنا، فإنا نريد أن نذكر لك أشياءأحدثتها، أو أشياء فعلتها، فاعتذر عثمان رضي الله عنه، عن المجيء لشغل كان مشغولاًبه، وأمرهما بالانصراف، وعقد لهما موعداً، ليستعد فيه لخصومتهما، فانصرف سعدٌ،وأبى عمار أن ينصرف، فتناوله رسول عثمان رضي الله عنه وضربه. وقد نقموا علي عثمانذلك حينما اجتمعوا مع عثمان رضي الله عنه قالوا له: ننقم عليك ضربك عماراً،فأخبرهم بالقصة وأنه لم يأمر بضربه ، ولكن رسوله تناوله من غير أمره، ثم أقسم لهمأنه ما أمر، ولا رضي، وقال : فهذه يدي لعمار فليقتص([139]). وهذه الرواية علي ضعفهافأن من حق عثمان أن يؤدب رعيته إذا صدر منهم ما يستحقوا عليه العقوبة الشرعية هذاعلي حال إذا افترضنا صحة الرواية .
ولم يكن عثمان بدعا في تأديبه للخارجين عن الشريعة فقد سبقه إلي ذلك عمر بنالخطاب رضي الله عنه فقد ضرب أبي بن كعب بالدرَّة، لمّا رأى الناس يمشون خلفه،فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: هذا ذلة للتابع، وفتنة للمتبوع ([140]). ولذلك لا حجة علي عثمان في ضرب عمار رضي الله عنهما لو قدر أنه ضرب عماروهذا لا يسوغ الخارجين أن يخرجوا علي عثمان .
وهناك رواية أخري تروي بهذا الصدد أنه اجتمع خمسونمن المهاجرين والأنصار؛ فكتبوا أحداث عثمان رضي الله عنه وما نقمواعليه في كتاب، وقالوا لعمار: أوصل هذا الكتاب إلى عثمان رضيالله عنه، ليقرأه فلعله يرجع عن هذا الذي ينكر، وخوفوه فيه بأنه إن لم يرجع خلعوهواستبدلوا غيره.
وأن عثمان رضي الله عنه طرح الكتاب بعدما قرأه، فقال له عمار: لا ترم بالكتاب،وانظر فيه، فإنه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا - والله - لكناصح، وخائف عليك، فقال: كذبت يا ابن سمية، وأنه أمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبهوأغمي عليه، وقام عثمان رضي الله عنه فوطئ بطنه، حتى أصابه الفتق، وأغمي عليه أربعصلوات ثم قضاها بعد الإفاقة، واتخذ لنفسه تباناً تحت ثيابه، وأنه أول من لبسالتبان لأجل الفتق، وأن بني مخزوم غضبوا له، وقالوا: والله لئن مات عمار من هذالنقتلن من بني أمية شيخاً عظيماً -يعنون عثمان رضي الله عنه- وأن عماراً لزم بيتهإلى أن كان من أمر الفتنة ما كان ([141]).وهذه الرواية مطعون فيها .
وقد أثبتت الشواهد التاريخية كذب تلك الرواية وإن عثمان رضي الله عنه قد عرضعلي عمار أن يقتص منه كما أوضحنا سابقا وهذا بلا شك أبلغ ما يكون في الإنصاف كماروي عن عمار قد رضي عن عثمان حينما أنصفه بحسن الأعتذار ثم قال: "فما بال أهلالبدعة لا يرضون، وما مثله فيه إلا كما يقال: رضي الخصمان، ولم يرض القاضي".
كما يروي لعمار مشهد من مشاهد الغضب من اجل عثمان حينما حاصر بيته الثائرونومنع من الماء قال لهم عمار رضي الله عنه: سبحان الله! قد اشترى بئر رومة وتمنعونهماءها! خلُّوا سبيل الماء، ثم جاء إلى علي، وسأله إنفاذ الماء إليه، فأمر براويةماء ([142]) . وهذا يثبت رضا عمار عن أمير المؤمنين عثمان وبذلك ندرك أنعثمان لم يكن آثما مع عمار فمن حقه أن يؤدب رعيته كما كان يفعل عمر بن الخطاب .
ولما اشتدت الفتنة في الأمصار وتحدثوا عن عثمان بما لا يليق له أشارالصحابة علي عثمان ان يرسل إلي الأمصار رجالا ممن يثق بهم حتى يرجعوا إليهبالحقيقة فنجد عثمان يتناسى ما كان بينه وبين عمار ويرسل عمارا إلي مصر مع مجموعةمن الرجال ولكن مما يأسف له أن من كان مع عمار قد عاد إلي المدينة وبقي عمار فيمصر حيث ألتف حوله أصحاب بن سبأ ليستميلوه إليهم فلما تدارك عثمان الأمر أرسل إليعامله في مصر بإرسال عمار علي الفور وجئ بعمار بعد عودته إلي عثمان فعاتبه لما بدرمنه فقال له : ( يا أبا اليقظان قذفت بن أبي لهب أن قذفك وغضبت علي أن أخذت لكبحقك وله بحقه اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة ، اللهم أني متقرب إليكباقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي . أخرج عني يا عمار ) فخرج فكان إذا لقي العوامنضح عن نفسه وانتقي من ذلك ، وإذا وقي من يأمنه أقر بذلك وأظهر الندم . فلامهالناس وهجروه وكرهوه .
- وأما ضربه ( ابن مسعود )ومنعه عطاءه فزور وبهتان فإن عبد الله بن مسعود لما بويع عثمان بن عفان بالخلافةقال : ( بايعنا خيرنا ولم نأل ) ويروي أنه قال ولينا أعلانا ذي فوق ولم نأل وممايؤكد هذه المشاعر ما رواه صاحب العواصم من القواصم فقد روي سبب غضب بن مسعود فعندولاية عثمان كان بن مسعود واليا لعمر علي أموال الكوفة وسعد بن أبي وقاص والياللصلاة بالناس ولقيادة الحروب فأختلف سعد وابن مسعود علي قرض أستقرضه سعد فعزلعثمان سعدا وأبقي بن مسعود وهذا مما يدل علي صفاء الأحوال بينهما .
لكن حينما عزم عثمان علي تعميم مصحف واحد يجمعالمسلمين علي قراءة واحدة كان ابن مسعود يود لو أن كتابة المصحف قد أسندت إليهوكان يود أيضا أن يبقي مصحفه الذي كان يكتبه بنفسه فجاء عمل عثمان بلا شك خلاف ماكان يتمناه بن مسعود ولكن المعروف أن عثمان أختار زيد بن ثابت لكتابة المصحفالموحد فهو أقتدي بأبي بكر وعمر في هذا الشأن فقد كان زيد بن ثابت هو الذي حفظالعرضة الأخيرة لكتاب الله علي الرسول صلوات الله عليه قبل وفاته وكان عثمان عليحق في ذلك نقول هذا وعثمان رضي الله عنه يعرف جيدا مكانة ابن مسعود وعلمه وصدقإيمانه وقد وقف جمهور الصحابة بإجماعهم مع عثمان في ذلك ولن يرتضوا قول ابن مسعود . ([143])
يمكننا القول بكل اطمئنان أن عثمان لم يضرب بن مسعود ولم يمنعه عطاءه وقدحرص كل منهما علي ألا يمس قدر الآخر فعثمان لم يضربه وابن مسعود ظل مطيعا لإمامهالذي بايعه ([144]) .
ويمكننا توجيه النقد للروايات السابقة علي النحو التالي :-
1- ويري أيضا أن ضرب عثمان لعمار كذب وافتراء كما يقولون، ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدا .
2- يروي الطبري عن سعيد بن مسيب أنه كان بين عمار وعباسبن عتبة بن أبي لهب خلاف دفع عثمان علي أن يؤدبهما عليه بالضرب ولا غرابة في ذلكفإن عمرا كان يؤدب الناس أمثال عمار ومن هم خير من عمار لما له من حق الولاية عليالمسلمين .
3- قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن عثمان أفضل من كل منتكلم فيه بسوء .....وقد اعتذر عن ذلك العلماء بوجوه لا ينبغي أن تشتغل بها لأنهامبنية علي باطل ومن هنا يتضح كذب هؤلاء الأدعياء علي أصحاب رسول الله e الذين يدعون أن عثمان ضربعمارا حتي فتق أمعائه وضرب ابن مسعود حتي كسر أضلاعه ، ولا يبني حق علي باطل ، ولاتذهب الزمان في معاشاه الجهال ، فأن ذلك لا آخر له .
إن الخارجين علي عثمان بن عفان رضي الله عنه كانوا يشنعون عليه أنه نفي أباذر رضي الله عنه إلي الربذة ، وزعم بعض المؤرخين أن ابن السوداء ( عبد الله بن سبأ) لقي أبا ذر في الشام وأوحي إليه بمذهب القناعة والزهد ، ومواساة الفقراء ، ووجوبإنفاق المال الزائد عن الحاجة ، وجعله يعيب معاوية ، فأخذه عبادة بن الصامت إليمعاوية وقال له : هذا والله الذي بعث إليك أبا ذر . فأخرج معاوية أبا ذر من الشام ([145])، وقد حاول أحمد أمين أن يوجد شبها بين رأي أبي ذر ، ورأي مزدك الفارسي ،وقال بأن وجه الشبه جاء من أن ابن سبأ كان في اليمن ، وطوف في العراق وكان الفرسفي اليمن والعراق قبل الإسلام ، فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقي هذه الفكرة منمزدكية العراق ، واعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقادها([146])، وكلما قيل في قصة أبي ذر ،مما يشنع به علي عثمان بن عفان باطل لا يبني علي رواية صحيحة ، وكل ما قيل حولاتصال أبي ذر رضي الله عنه بابن السوداء باطل لا محالة ([147])، والصحيح أن أبا ذر رضي الله عنهنزل في الربذة باختياره ، وأن ذلك كان بسبب اجتهاد أبي ذر في فهم آية خالف فيهاالصحابة ، وأصر علي رأيه ، فلم يوافقه أحد عليه ، فطلب أن ينزل بالربذة ([148])التي كان يغدو إليها زمن النبي r ، ولم يكن نزوله بها نفياقسريا ، أو إقامة جبرية ، ولم يأمره الخليفة بالرجوع عن رأيه لأن له وجها مقبولا ،ولكنه لا يجب علي المسلمين الأخذ به ([149])وأصح ما روي في قصة أبي ذر رضي الله عنه ما رواه البخاري في صحيحه عن زيدبن وهب قال : مررت بالربذة ، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه فقلت له : ما أنزلكمنزلك هذا ؟ قال : كنت بالشام ، فاختلفت أنا ومعاوية في : ] يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموالالناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فيسبيل الله فبشرهم بعذاب أليم [ ([150]) ، قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا وفيهم ، فكان بينيوبينه في ذاك ، وكتب إلي عثمان يشكوني ، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة ، فقدمتها، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان ، فقال لي : إنشئت فكنت قريبا ، فذاك الذي أنزلني هذاالمنزل ، ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت ([151]) وقد أشار هذا الأثر إلي أمور مهمة منها :
1) سأله زيد بن وهب ، ليتحقق مما أشاعه مبغضو عثمان : هل نفاه عثمان أواختار أبو ذر المكان ؟ فجاء سياق الكلام أنه خرج بعد أن كثر الناس عليه يسألونه عنسبب خروجه من الشام ، وليس في نص الحديث أن عثمان أمره بالذهاب إلي الربذة ، بلاختارها بنفسه ، ويؤيد هذا ما ذكره ابن حجر عن عبد الله بن الصامت قال : دخلت معأبي ذر علي عثمان فحسر رأسه ، فقال : والله ما أنا منهم – يعني الخوارج – فقالا :إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة ، فقال : لا حاجة لي في ذلك ، ائذن لي بالربذةقال : نعم ([152]).
2- قوله : (( كنت بالشام )) بين السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو يعلي عنطريق زيد بن وهب : حدثني أبو ذر ، قال لي رسول الله r ، إذا بلغ البناء – أي المدينة – سلعا ، فارتحل إلي الشام ، فلمابلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها ([153])، وفي رواية قالت أم ذر : والله ما سير عثمان أبا ذر – تعني الربذة – ولكنرسول الله r قال : إذا بلغ البناء سلعا ،فاخرج منها ([154]).
3- إن قصة أبي ذر في الماء جاء من اجتهاده في فهم الآية الكريمة : ] يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموالالناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فيسبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } 34 { يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذاما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون [ ([155]) وروي البخاري عن أبي ذر ما يدل علي أنه فسر الوعيد : ] يوم يحمى عليها .... [ الآية وكان يخوف الناس به ،فعن الأحنف بن قيس قال : جلست إلي ملأ من قريش في مسجد المدينة ، فجاء رجل خشنالشعر والثياب والهيئة ، حتى قام عليهم ، فسلم ثم قال : بشر الكانزين برضف ([156])يحمي عليه في نار جهنم ثم يوضع علي حلمه ثدي أحدهم ، حتى يخرج من نغضي ([157]) كتفه ويوضع علي نغض كتفه حتى يخرج من حلمه ثديه ، يتزلزل ([158]) ، ثم ولي فجلس إلي سارية ، وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو ، فقلتله : لا أري القوم إلا قد كرهوا الذي قلت . قال : إنهم لا يعقلون شيئا . واستدلأبو ذر رضي الله عنه بقول رسول الله r : ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا ،أنفقه كله ، إلا ثلاثة دنانير ([159]).
4- وقد خالف جمهور الصحابة أبا ذر ، وحملوا الوعيد علي مانعي الزكاة ،واستدلوا علي ذلك بالحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري ، قال : قال النبي r : ليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقه ،وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ([160]). وقال الحافظ ابن حجر : ومفهوم الحديث أن ما زاد علي الخمس ففيه صدقة ،ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة ، فلا وعيد علي صاحبه ، فلا يسمي ما يفضل بعدإخراجه الصدقة كنزا . ([161]) وقال ابن رشد : فإن ما دون الخمس لا تجب فيه الزكاة وقد عفي عن الحق فليسبكنز قطعا ، والله قد أثني علي فاعل الزكاة ، ومن أثني عليه في واجب حق المال لميلحقه ذم من جهة ما أثني عليه فيه ، وهو المال ([162])، قال الحافظ : ويستخلص أن يقال : ما لم تجب فيه الصدقة لا يسمي كنزا ؛لأنه معفو عنه فليكن ما أخرجت منه الزكاة كذلك ؛ لانه عفي عنه بإخراج ما وجب منهفلا يسمي كنزا ([163]) .
وقال ابن عبد البر : والجمهور علي أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته ،ويشهد له حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : إذا أديت زكاة مالك ، فقد قضيت ماعليك .. ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر ([164]) .
5- ولعل مما يفسر مذهب أبي ذر في الإنفاق ، ما رواه الإمام أحمد عن شداد بنأوس ، قال : كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله r فيه الشدة ثم يخرج إلي قومه ، يسلم لعله يشدد عليهم ، ثم إن رسولالله r يرخص فيه بعد ، فلم يسمعه أبوذر فيتعلق أبو ذر بالأمر الشديد([165]) .
6- قوله : إن شئت تنحيت فكنت قريبا ، يدل علي أن عثمان طلب من أبي ذر أنيتنحي عن المدينة برفق ، ولم يأمره ، ولم يحدد له المكان الذي يخرج إليه ، ولو رفضأبو ذر الخروج ما أجبره عثمان علي ذلك ، ولكن أبا ذر كان مطيعا للخليفة ؛ لأنه قالفي نهاية الحديث : لو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت ([166])، ومما يدل علي أنه يمقت الفتنة والخروج علي الإمام المبايع ، ما رواه ابنسعد في أن ناسا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة : إن هذا الرجل فعل بكوفعل ، هل أنت ناصب له راية – يعني مقاتله ؟ فقال : لا ، لو أن عثمان سيرني منالمشرق إلي المغرب لسمعت وأطعت ([167]).
7- والسبب في تنحي أبي ذر عنالمدينة ، أو طلب عثمان منه ذلك ، أن الفتنة بدأت تطل برأسها في الأقاليم ، وأشاعالمبغضون الأقاويل الملفقة ، وأرادوا أن يستفيدوا من إنكار أبي ذر متعلقا برأيهومذهبه ، ولا يريد أن يفارقه ، فرأي عثمان رضي الله عنه تقديم دفع المفسدة علي جلبالمصلحة ؛ لأن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة من بث علمه في طلاب العلم ،ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذهالمسألة .
8- قال أبو بكر بن العربي : كان أبو ذر زاهدا ، ويري الناس يتسعون فيالمراكب والملابس حين وجدوا فينكر ذلك عليهم ، ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم، وهو غير لازم ، فوقع بين أبي ذر ومعاوية كلام بالشام ، فخرج إلي المدينة فاجتمعإليه الناس ، فجعل يسلك تلك الطرق فقال له عثمان لو اعتزلت . معناه أنك علي مذهبلا يصح لمخالط الناس .... ومن كان علي طريقة أبي ذر فحاله يقتضي أن ينفرد بنفسه ،أو يخالط الناس ويسلم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة ، فخرج زاهدا فاضلا ،وترك جلة فضلاء ، وكل علي خير وبركة وفضل ، وحال أبي ذر أفضل ، ولا تمكن لجميعالخلق ، فلو كانوا عليها لهلكوا فسبحان مرتب المنازل ([168]) .
وقال ابن العربي : ووقع بين أبي الدرداء ومعاوية كلام ، وكان أبو الدرداءزاهدا فاضلا قاضيا لهم ( في الشام ) فلما اشتد في الحق وأخرج طريقة عمر بن الخطابفي قوم لم يحتملوها ، عزلوه ، فخرج إلي المدينة وهذه كلها مصالح لا تقدح في الدين، ولا تؤثر في منزلة أحد من المسلمين بحال ، وابو الدرداء وأبو ذر بريئان من كلعيب ، وعثمان برئ أعظم براءة ،وأكثر نزاهة ، فمن روي أنه نفي فهو كله باطل . ([169])
9- ولم يقل أحد من الصحابة لأبي ذر إنه أخطأ في رأيه ، لأنه مذهب محمود لمنيقدر عليه ، ولم يأمر عثمان أبا ذر بالرجوع عن مذهبه ، وإنما طلب منه أن يكف عنالإنكار علي الناس ما هم فيه من المتاع الحلال ....، ومن روي أن عثمان نهي أبا ذرعن الفتيا مطلقا ، لم تصل روايته إلي درجة الخبر الصحيح ([170]). والذي صح عند البخاري أن أبا ذر قال : لو وضعتم الصمصامة علي هذه – وأشارإلي قفاه – ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي r قبل أن تجيزوا علي ؛لأنفذتها ([171])، وفي البخاري ، لم يرو أن عثمان نهي أبا ذر عن الفتيا ؛ لأن نهي الصحابيعن الفتيا دون تحديد الموضوع ، أمر ليس بالهين ([172]) .
10- ولو كان عثمان نهاه عن الفتيا مطلقا ، لاختار له مكانا لا يري فيهالناس ، أو حبسه في المدينة ، أو منعه دخول المدينة ، ولكن أذن له بالنزول في منزليكثر مرور الناس به ؛ لأن الربذة كانت منزلا من منازل الحاج العراقي ، وكان أبو ذريتعاهد المدينة ، يصلي في مسجد رسول الله r . وقال له عثمان : لو تنحيت فكنت قريبا . والربذة ليست بعيدة عنالمدينة ، وكان يجاورها حمى الربذة الذي ترعي فيه إبل الصدقة ، ولذلك يروي أنعثمان أقطعه صرمة من إبل الصدقة ، وأعطاه مملوكين ، وأجري عليه رزقا . وكانتالربذة أحسن المنازل في طريق مكة ([173])، وبعد أن ذكر الإمام الطبري الأخبار التي تفيد اعتزال أبي ذر من تلقاءنفسه قال : وأما الآخرون فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة وأمورا شنيعة كرهتذكرها ([174]) .
إن الحقيقة التاريخية تقولإن عثمان رضي الله عنه لم ينف أبا ذر رضي الله عنه إنما استأذنه ، فأذن له ، ولكنأعداء عثمان رضي الله عنه كانوا يشيعون عليه بأنه نفاه ، ولذلك لما سأل غالب القطان، الحسن البصري : عثمان أخرج أبا ذر ؟ قال الحسن : لا معاذ الله ([175]) ، وكل ما روي في أن عثمان نفاهإلي الربذة ، فإنه ضعيف الإسناد لا يخلو من علة قادحة ، مع ما في متنه من نكارةلمخالفة للمرويات الصحيحة والحسنة ، التي تبين أن أبا ذر استأذن للخروج إلي الربذةوأن عثمان أذن له ([176])، بل إن عثمان أرسل يطلبه منالشام : إنا أرسلنا إيك لخير ، ليجاورنا بالمدينة ([177]). وقال له أيضا : كن عنديتغدو عليك وتروح اللقاح ([178])، أفمن يقول ذلك له ينفيه ([179])؟ ولم تنص علي نفيه إلارواية رواها ابن سعد ، وفيها بريدة بن سفيان الأسلمي ، الذي قال عنه الحافظ ابنحجر : ليس بالقوي وفيه رفض . فهل تقبل رواية رافضي تتعارض مع الروايات الصحيحةوالحسنة ([180])؟ ، واستغل الرافضة هذهالحادثة أبشع استغلال ، فأشاعوا أن عثمان رضي الله عنه نفي أبا ذر إلي الربذة ،وأن ذلك مما عيب عليه من قبل الخارجين عليه أو أنهم سوغوا الخروج عليه ([181])، وعاب عثمان رضي الله عنهبذلك ابن المطهر الحلي الرافضي المتوفي سنة 726هـ بل زاد أن عثمان رضي الله عنهضرب أبا ذر ضربا وجيعا ([182])، ورد عليه شيخ الإسلام ابنتيمية ردا جامعا قويا ([183])، وكان سلف هذه الأمة يعلمونهذه الحقيقة ، فإنه لما قيل للحسن البصري : عثمان أخرج أبا ذر ؟ قال : لا ، معاذالله ([184])، وكان ابن سيرين إذا ذكر لهأن عثمان رضي الله عنه سير أبا ذر ، أخذه أمر عظيم ، ويقول : هو خرج من نفسه ، ولميسيره عثمان ([185])، وكما تقدم في الروايةالصحيحة الإسناد – أن أبا ذر رضي الله عنه لما راي كثرة الناس عليه خشي الفتنة ،فذكر ذلك لعثمان كأنه يستأذنه في الخروج ، فقال له عثمان رضي الله عنه : إن شئتتنحيت فكنت قريبا ([186]).
أخرج من الشام أبا الدرداء
- ومما يلحق بعثمان من تهمهي تهمة أبي الدرداء حيث يروي أنه وقع بين أبي الدرداء ، ومعاوية كلام . وكان أبوالدرداء . زاهدا فاضلا قاضيا لهم (في دمشق) فلما اشتد في الحق ، ونهج طريقة عمر فيقوم لم يحتملوها عزلوه ([187]) ، فخرج إلي المدينة . وهذهكلها مصالح لا تقدح في الدين ، ولا تؤثر في منزله أحد من المسلمين بحال . وأبوالدرداء وأبو ذر أكثر ( براءة ) فلا يصح ان يلحق بهم عيب كما أن أمير المؤمنين وعثمانبرئ أعظم براءة وأكثر نزاهة ، فمن روي أنه نفي أحدا منهما فهو كاذب .
أما ما قيل عن عثمان أنهأعطي خمس خراج افريقية لمروان فهذا مجرد كذب وإفتراء فالمراد هنا ليس مروان ولكنهعبد الله بن سعد بن أبي السرح ([188]). علي أنه قد ذهب مالكوجماعة إلي أن الإمام يري رأيه في الخمس ، وينفذ فيه ما أداه إليه اجتهاده . وأنإعطاءه لواحد جائز ([189]) ، ومن الخطأ الواضح مايزعمه الزاعمون أن عثمان كان يود ذوي قرابته ويعطيهم ، فمودته ذوي قرابته من فضائله، وعلي أثني علي عثمان بأنه أوصل الصحابة للرحم ، وعثمان أجاب عن موقفه هذا بقوله: (( وقالوا : أني أحب أهل بيتي وأعطيهم . فأما حبي لهم فأنه لم يمل معهم علي جور، بل أخمل الحقوق عليهم . وأما أعطاؤهم فأني أنما أعطيهم من مالي ، ولا استحلأموال المسلمين لنفسي ، ولا لاحد من الناس . وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبةمن صلب مالي أزمان رسول الله e وابي بكر وعمر ، وأنا يومئذ شحيح حريص . أفحين أتت علي أسنان أهلبيتي وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا ؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصر إبان الحج فيصلي الصلاة الرباعية ركعتين فيمني ، وتبعه على ذلك الخليفتان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أما عثمان ففعل ذلك فيالسنوات الست الأولى من خلافته، ثم اجتهد بعدها فأتمهما أربعاً. وخالفه في ذلك عددمن الصحابة رضي الله عنهم منهم ابن عمر الذي أوضح أن السنة القصر، كما فعلها النبيصلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعثمان صدراً من إمارته ([190]) .
ورُوي أن الناسأنكروا على عثمان ذلك، فبيّن لهم سبب إتمامه ([191]) .
وحجته في ذلكوتذكر أنه سمع أن الأعراب الذين حجوا معه العام الماضي قصروا الصلاة في أوطانهم،واحتجوا بمنى فأتم ليعلمهم أن الصلاة أربع، وذلك خوفاً من أن يستنوا به، وخطبالناس، وأعلمهم بأن السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة صاحبيه، ولكنهحدث من الناس فخاف أن يستنوا به . وذكر الحافظ ابن حجر: أن الزهري قال: "إنماصلى عثمان بمنى أربعاً؛ لأن الأعراب كانوا قد كثروا في ذلك العام، فأحب أن يعلمهمأن الصلاة أربع" . وعن ابن جريح أن أعرابياً ناداه في منى: يا أمير المؤمنينما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين.
واختار ذلك الحافظ ابن حجر، ثم قال بعد أن ذكر بعض هذهالطرق: "وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً، ولا مانع أن يكون هذا أصل سببالإتمام".
والذي يبدوا -والله أعلم- أن اختيار الحافظ ابن حجر اختيار قوي تدل عليهالروايات المقبولة. وهو: أن عثمان رضي الله عنه أتم ليعلم الأعراب أن الصلاةالرباعية أربعاً، وفعل ذلك في منى؛ لأنه مقيم فيها نوع إقامة، وغير جاد في السير. ([192])
كان عمر يضرببالدرة وعثمان بالعصا
وأما قولهم أنه ضرب بالعصا ، فهذا أمر لم نستدل عليه ولم يرد إلا في بعضالروايات الضعيفة فهو زعم وباطل ( وما العجب في ذلك إن ضرب بالعصا أو بالدرة فكلاهمازجر وتعذير للمخالفين عن الدين وليس في ذلك حرج علي عثمان ) .
أرتفع درجة عن منبر الرسول وأبي بكر
وأما ما يقولونه أن عثمان قد أرتفع درجة علي درجة رسول الله e في منبر مدينة رسول الله فهذاإشاعة ليثيروا الناس ويغيروهم علي عثمان ، وقد قال العلماء في ذلك قولا سديدا فلوصح أنه فعل ذلك فهل يستحق عليه القتل ؟ وإذاكان قد أرتفع درجة علي درجة رسول الله وتعداه كما يقولون فلم لم ينكر الصحابة عليهذلك ؟ ولكن علي ما يبدوا أنهم راؤا جواز ذلك لسبب أو لأمر تطلبه تطور العصر فقدكان مسجد رسول الله e ضيق المساحة في عصر النبوةوخلافة أبي بكر ، وكان من مناقب عثمان في زمن النبي e عندما زاد عدد الصحابة أنه أشتري من ماله مساحة من الأرض وسع بهاالمسجد النبوي ، ثم وسعه أمير المؤمنين عمر فأدخل فيه دار العباس بن عبد المطلب .ثم أزداد عدد المصلين بازدياد عدد سكان المدينة وقاصديها فوسعه أمير المؤمنينعثمان مرة أخرى وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع وجدد بناءه .فاتساع المسجد وازدياد غاشيته وبعد أماكن بعضهم عن منبر الخطابة يجوز أن يكون منضرورات ارتفاع الخطيب ليراهم ويروه ويسمعوه .
كتب إلي أبي السرحبقتل حاملي الخطاب
وأما موضوع الكتاب الذي أرسله عثمان مع أحد غلمانه إلي عبد الله بن سعد بنأبي سرح يأمره بقتل حامليه . فينبغي أن يلاحظ هنا ملاحظتين :
الأولي : أنهم قالوا أرسله مع غلام الصدقة وغلمان أبلالصدقة ألوف كثيرة وهم يتبادلون دائما الأمر الذي يجعلهم غير معروفين للمشرفونعليهم فكيف يعرفهم أمير المؤمنين عثمان ؟
والملاحظة الثانية : علي افتراض أنه من رعاة ابل الصدقة فهذا ييسر لهم انيستأجر هؤلاء البغاة واحدا منهم ومما يدعم هذا الرأي أنه قد ثبت أن الأشتر وحكيمبن جبلة تخلفا في المدينة عند رحيل الثوار عنها وفي تلك المدة التي تخلف فيهاالاثنان تم تدبير أمر الكتاب وحامله للتذرع بهما في تجديد الفتنة ورد الثوار وقدكان لهؤلاء المتمردين من حيل أكثر التواء من استئجار راع يرعي أبل الصدقة بل ذكرواعن محمد بن أبي حذيفة ربيب عثمان والخارج عن طوعه أنه كان في نفس الوقت موجودا فيمصر يؤلب الناس علي أمير المؤمنين ويزور الكتب علي لسان أزواج النبي e إلي غير ذلك من الحيل ذكرها صاحب العواصم من القواصم (صـ119) . فقد قال لهم عثمان : أما أن تقيموا شاهدين علي (بذلك) ، والا فيميني أني ماكتبت ولا أمرت ([193]). وقد يكتب علي لسان الرجل ، ويضرب علي خطه ، وينقش علي خاتمه .
ثم طلبوا من عثمان أن يسلم لهممروان . فقال : لا أفعل . ولو سلمه لكان ظالما (يري ابن تيمية أن عثمان إن كان أمربقتل محمد بن أبي بكر فهو أولى بالطاعة ممن طلب قتل مروان بأن عثمان إمام هديوخليفة راشد يجب عليه سياسة رعيته وقتل من لا يدفع شره إلا بقتله أما الذين طلبواقتل مروان فهم من الخوارج المفسدون في الأرض وليس لهم قتل أحد ولا إقامة حد وليسمروان أولي بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر ولا هذا الأخير أشهر بالعلم والدينمن مروان بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان . ([194]) ، وإنما عليهم أن يطلبوا حقهمعنده علي مروان وسواه ، فما ثبت كان هو منفذه ، وآخذه وهل رفضه تسليم مروان لهميستوجب الخروج علي الخليفة وقتله ؟!! .
وأمثل ما روي في قصته أنه – بالقضاء السابق – تألب عليه قوم لأحقاداعتقدوها : ممن طلب أمرا فلم يصل إليه ، وحملهم علي ذلك قلة دين وضعف يقين ،وإيثار العاجلة علي الآجلة . وإذا نظرت إليهم لتأكد لك دناءة (قدرهم ) وبطلانأمرهم ([195]) .
أما الغافقي المصري أمير القوم ،وكنانة بن بشر التجيبي ، وسودان ابن حمران ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وحكيم بن جبلة من أهل البصرة ،ومالك بن الحارث الأشتر في طائفة هؤلاء هم رؤوسهم .
وقد كانوا أثاروا فتنة ، فأخرجهم عثمان بالاجتهاد ، وصاروا في جماعتهم عندمعاوية فذكرهم بالله وبالتقوى لفساد الحالوهتك حرمه الأمة ، حتى قال له زيد بنصوحان (يوما ) – فيما يروي -: (( كم تكثرعلينا ( من الأمرة ) وبقريش ، فما زالت العرب تأكل من قوائم سيوفها وقريشتجاهد . فقال له معاوية : (( لا أم لك .أذكرك بالاسلام وتذكرني بالجاهلية ! قبح الله من كثر علي أمير المؤمنين بكم ، فماأنتم ممن ينفع أو يضر . اخرجوا عني )) .
اتخذ رسول الله صلىالله عليه وسلم خاتماً من ذهب -أو فضة- وجعل فصه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسولالله، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها ألقاه، وقال: لا ألبسه أبداً، ثماتخذ خاتماً من فضة فاتخذ الناس خواتم الفضة.
وتوارث لبس هذا الخاتم الخلفاء من بعده؛ أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، رضي اللهعنهم حتى وقع منه في بئر أريس .([196])
ويبين لنا أنس رضي الله عنه قصة ضياعه والبحث عنه، فيقول: إن عثمان رضي اللهعنه جلس على بئر أريس، فأخرج الخاتم فجعل يعبث به، فسقط، فاختلفنا ([197]) ، ثلاثة أيام مععثمان رضي الله عنه ننزح البئر، فلم نجده ([198]) . وفي رواية لمسلمإن الذي أسقطه هو: معيقيب ([199]) . وتبين لنا رواية ابن سعد والنسائي، تاريخ وقوع الخاتم، وأنهكان في يد عثمان رضي الله عنه ست سنين، أي إنه وقع بعد تولي عثمان رضي الله عنهالخلافة بست سنين .
قال الحافظ ابن حجر: "قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى الله عليه وسلممن السر شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهبملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر، وخرج عليهالخارجون، وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان" ([200]) .
وكل ذلك يحتاج إلى دليل صحيح، وإلا فلا عبرة فيه ولا فائدة، لأن خلافة النبيصلى الله عليه وسلم لم تضع بقتل عثمان رضي الله عنه بل جاء بعده خلفاء أجلاء فيمقدمتهم علي ثم معاوية رضي الله عنهما. ولمأقف على رواية مسندة تبين أن الخارجين على عثمان رضي الله عنه عابوه بذلك، وسوغواخروجهم عليه به. وليس في ضياع خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجب الخروج علىالإمام، فضلاً عن قتله ، هذا إن صحّ أنهم اتخذوا وقوع الخاتم ذريعة وسببا لخروجهمعلي أمير المسلمين عثمان بن عفان .([201])
هل كان عثمانضعيفا عاجز عن إدارة الدولة ؟
ربما يُقال أن من أسباب الثورة على عثمان ، أنهما كان أهلا للقيام بأعباء الخلافة لضعفه وعجزه و عدم أهليته .كما يشاع علي ألسنةالجهلة والحانقين علي الإسلام . فهل هذاالزعم صحيح ؟ إنه زعم باطل ، لأنه:-
أولا، أن الصحابة الكرام هم الذين بايعواعثمان بالإجماع لتولي الخلافة ،و لو لم يكن أهلا لها ما قدموه و ما بايعوهبالإجماع.
ثانياأن لعثمان مواقف تدل على حزمه و تأديبه و توبيخه لولاته و رعيته ، منها ما سبقذكره من أنه عندما شرب الوليد بن عقبةالخمر ، حدّه و عزله عن إمارة الكوفة . و عندما سمع أن عامله على البصرة عبد الله بن عامر قد أحرم للحج من نيسابور شكرالله على أثر فتحه لخُراسان، أنكر عليه فعله ، وأرسل إليه يتوعده ،و يقول له لقدتعرّضت للبلاء ([202]) .
ثالثا:- أيضا أن بعض الناس لما رأوا أن عثمان قدلان لهم ووصلهم ([203]) ، وجدوا في ذلك مدخلا لمعارضته ، فيُروىأنه عندما أراد توسيع المسجد الحرام –بعدما ضاق بالمصلين- سنة 26هـ ، أبتاعمن قوم منازلهم ،و أبى آخرون بيعها له ، فهدمها رغم أنفهم ،و وضع الأثمان في بيتالمال ، فصاحوا به فأمر بحبسهم ،و قال لهم : (( ما جرأكم عليّ إلا حلمي ، و قد فعلبكم عمر فلم تصيحوا به )) ([204]). فهؤلاء ظنوا أن الخليفة الليّن الحليم سيتراجع أمام رفضهم و احتجاجهم ، لكنهخيّب ظنهم ،واتخذ منهم موقفا حازما ،و إجراء رادعا عندما تعلّق الأمر بهيبة الدولة،و بمصلحة المسلمين العامة .
رابعا:- أن عثمان لم يكن غافلا عما يجري فيالأمصار ، فقد كانت التقارير تصله من ولاته عن أوضاع البلاد ،و تحركات المشاغبينعليه ، فقد رُوي أنه أمر بتسيير هؤلاء المشاغبين من مصر إلى الشام ، فحبسهم أميرحمص : عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، و أدبهم و أذلهم حتى أظهروا الندم و التوبة، و أرسلوا الأشتر النخعي نائبا عنهم إلى عثمان لينقل إليه ندمهم و توبتهم ([205])، لكنهم ما إن أطلقوا حتى عادوا إلى فتنهم ، فنظّموا صفوفهم و قدموا المدينة سنة35 هـ ، و لمحاولة قال الخليفة ([206]).
ويلاحظ على عثمان – من خلال تلك الحادثة- أنه لم يتخذ ضد هؤلاءإجراءات قمعية صارمة في بدايات ظهورهم و بعده تكون كافية لردعهم ووضع حد لهمكالنفي و القتل ،و السجن لمدة طويلة ، ربما لأنه كان يعتقد أن أمر هؤلاء ليس خطيرالقلتهم و ضعفهم ،و أن الحال لا يصل بهم إلى قتل خليفة المسلمين .
- وقد وقع في أوهام كثير من الناس أن عثمان - رضي الله عنه - كان ضعيفا في موقفه من الفتنةالتي أحاطت به ، أو مستضعفا يُساق إلى ما يُراد له ،. و هذا خطأ تاريخي فاحش يجبتصحيحه ، فقد كان في وسعه أن يتخذ ولاة من : يزيدبن معاوية ، و عبد الملك بن مروان ،و ابنه الوليد ، فيُحكّمهمفي رقاب المسلمين ، ليستبيحوا البلاد،و يُذلوا العباد ، لكنه لم يفعل ذلك لأنهخليفة راشد يسوس الناس بالعدل،و راعيا شفيقا يرعاهم بالرحمة و الليّن . و قد رأىأن له من الحقوق على رعيته ما كانلصاحبيه الصديق و عمر من قبله ، لكن أهل الأهواء و دعاة الفتنة أبو عليه ذلك ، و أنى له من (( رعية الصديق و الفاروق ،و كان عثمان من رعيتهما ،و كان ابنسبأ و أضرابه من رعيةعثمان )) ([207]) .
و تبرز شجاعة عثمان وقوة نفسه ، في أنه كان من السابقين الأولين لاعتناق الإسلام ، فتحدى قومه ،و تحملالعنت ،و هاجر إلى الحبشة مرتين من أجل دينه ،و جاهد مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم – في غزواته .و عندما حاصره الأشرار لم يستجبلهم في ترك الخلافة ، و كان يخرج لأداء الصلاة في المسجد إلى أن منعوه من الخروجوضيّقوا عليه ، لكنه ظل متمسكا بموقفه ، و منع الصحابة أولادهم من الدفاع عنه ،وأمرهم بالانصراف إلى بيوتهم . فلو كان ضعيفا جبانا لأمر بقتال الثائرين عليه، أولهرب لينجوا بنفسه ، أو لاستجاب لمطالبهم و عزل نفسه لكي لا يقتلوه ، لكنه لم يفعلذلك ، و صبر على المحنة و لم يتزعزع ، حتى أتته الشهادة التي بشره بها رسولالله –عليهالصلاة و السلام ([208]).
فأثبت بذلك أنه كان قوي الإيمان ، ثابتاليقين ، كبير النفس ، صبورا على البلاء ، أبت عليه عقيدته و شجاعته أن يُقتلالناس من أجله ، أما إذا كانت الشجاعة (( سفكا للدماء ،و تقتيلا للأبرياء ،و نهباللأعمار ،و سلبا للأموال ، و إرعابا للآمنين ، و ظلما و عدوانا ، فليست هذهالشجاعة من عثمان في شيء ،و ليس عثمان منها في شيء )) ([209]). إنه اختار الشهادة ،و فدى الناس بنفسه ،و باء الأشرار بجريمته الشنعاء .
: هل كان الناس يعانون من الظلم الاقتصادي والسياسي فيعهد عثمان ؟
من المعروف لديعلماء الاجتماع ان حالة المجتمع ونشاط أفراده تتأثر تلقائيا بالنشاط السياسي منناحية والنشاط الاجتماعي من ناحية أخرى فكلاهما يؤثر في تقدم المجتمع أو تأخره فهلكان الناس في عهد عثمان يعانون من مشكلات سياسية أو اقتصادية عجزت الخلافة في عهدعثمان عن حلها لضعفه وقلة حيلته أم كان الأمر عكس ذلك تماما كان ازدهارا اقتصادياوسياسة رشيدة هذا ما سنعرفه من الدراسة التالية :
أولا :- الجانب الاقتصادي :-
ربما يظن بعض الناسأن الثائرين على عثمان كانوا يعانون من الظلم الاقتصادي لذا ثاروا عليه . فهل هذاالظن صحيح ؟ إنه ليس صحيحا ، لأن عهد عثمان لم يعرف ظلما اقتصاديا ، فقد كثرت فيهالأموال و الخيرات ، حتى تكدست و ضاق بها عثمان ذرعا ، فاتخذ لها خزائن ،و قسّمهاعلى الناس ، فكان يأمر للرجل الواحد بمائة ألف بدرة ([210])في كل بدرة أربعة آلاف أوقية ([211]). و قد صحّ الخبر أن الناس في زمن عثمان كانوا يأخذون أعطياتهم وافرة ،و يستلمونأرزاقهم وافية ، و ما من يوم يمر إلا و يقتسمون فيه خيرا كثيرا ، و كان المنادييناديهم أن اغدوا على الملابس ،و السمن و العسل.
و أشير هنا إلى أنه قد صدرت عن عثمان – رضي الله عنه – بعض تصرفات في توزيعالثروة ، أنكرها عليه أناس من رعيته ، كان هو فيها مجتهدا ، انطلاقا من وجهة نظرفقهية .
1)منها أنه لم يسو بين المسلمين في العطاء كما فعل أبو بكر و علي -رضي الله عنهما - ، و انما اتبع طريقة عمر بنالخطاب ([212])
– رضي الله عنه –فيالتفضيل بين الناس في العطاء ، حسب مراتبهم في الإسلام ، و هذه مسألة فقهية اختلفتفيها اجتهادات الفقهاء ([213]).
2) منها أيضا أن عثمان كان له رأي فيما يخص خمسالغنائم ، خالف به غالبية الفقهاء ، و مفاده هو أن العلماء قد اختلفوا في خمسالغنائم بعد وفاة الرسول – عليه الصلاة و السلام- فقال بعضهم سقط الخمسبعده ،و قال آخرون إن الخمس لذوي قربى الإمام – بعد الرسول- يقسّمه على أقاربه ، و هذاالرأي قال به عثمان و الحسن بن علي ، و قال آخرون إن الخمس يُترك لاجتهاد الإماميقسمه بنفسه في طاعة الله و رسوله ، و هذا رأي أكثر السلف ،و أصح الأقوال دلّ عليهالكتاب والسنة ([214]).
3) و قد جعل عثمانالعاملين على الأموال ممن لهم نصيب في العطاء ، و إن كانوا أغنياء قياسا علىالعاملين على الزكاة ([215]). و كان يرى أن قبيلة بني أمية –و هو منها –عددها كبير ،و معاشها قليل لذا فمن حقها عليه أن يزيدها في العطاء ([216])، لذلك كان يعطي لكل الناس حقوقهم ،و يزيد لأقاربه أكثر ، مجتهدا في الإحسان إليهم.و قد وافقه على اجتهاده طائفة من الفقهاء كالإمام مالك ، إذ رأت أن من حق الإمامالتصرّف في الخمس حسب اجتهاده ، و إن أعطاه لواحد فجائز ([217]).
4) و قد اُتهم عثمانبأنه بالغ في إعطاء الأموال لبعض أقاربه ، فروى اليعقوبي ، أن المسلمين لما فتحواإفريقيا سنة 27 هـ، غنموا ما مقداره : 2520000 دينار ، فأعطى عثمان ذلك المبلغلمروان بن الحكم عندما تزوّج بابنته ([218])- أي بنت عثمان - . و هذا الخبر انفرد به اليعقوبي عن غيره من المؤرخين ([219])فلا يعتد به في الزعم بأن عثمان أعطى خمس غنائم إفريقيا لمروان بن الحكم ، لأن منالثابت في المصنفات التاريخية المعروفة ، أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أخذ خمسالخمس لنفسه ، ثم استرده منه الخليفة و أمره بتقسيمه على جنده ، أما باقي الخمسفأرسله إلى عثمان، وأخذ الجنود نصيبهم المتعارف عليه من الغنيمة . و لم تذكرالمصادر المتوفّرة ما الذي فعله عثمان بالذي أُرسل إليه من باقي الخمس ([220]).
ومن جهة أخرى فإن اليعقوبي لم يذكر لخبره إسنادا ، و اكتفى بقوله : و روى بعضهم ([221])، وهذا دليل آخر يكفي لرد روايته التي فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر .
و في رواية أخرى يقولالواقدي أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، بعث إلى عثمان أموالا قيمتها :2520000دينار ، فأعطاها بكاملها لآل الحكم ،و قيل لآل مروان ([222]). فالمبلغ الذي ُأرسل إلى الخليفة – حسب هذه الرواية –هو نفسه مجموع ما غنمه المسلمون على ما ذكرته رواية اليعقوبي ، و هذا ما يشكك فيرواية الواقدي ،و يعارضها و يزيدها ضعفا ، لأن هذه الرواية –أي رواية اليعقوبي –نصت على أن الذي أرسل لعثمان هو خمس ذلك المبلغ و ليس كله . كما أن رواية الطبري ،و ابن كثير و الذهبي ، قد نصت على أنه لم يرسل إلى عثمان إلا أربعة أخماس الخمس ،وقدره : 400 ألف دينار من مجموع الغنيمة الذي ذكره اليعقوبي . و هذه الرواية لاتصح أيضا من حيث الإسناد.
و يرى ابن تيمية أن المبلغ – حسب رواية الواقدي – الذي قيل أن عثمان أعطاه لأقاربه هو مبلغ قد بولغ فيه جدا ، لأنه لم يثبتأن عثمان – رغم سخائه – جاد بذلك المبلغ الكبير ، و حتى الخلفاء منبعده لم يعطوا ذلك المبلغ ، فمعاوية الذي كان يعطي أكثر من عثمان ، غاية ما أعطاهللحسن بن علي : 100 ألف أو ثلاثمائة ألف درهم ، فقيل آنذاك أنه لم يعط هذا أحد قط ([223]).
و حتى إذا افترضنا – جدلا – صحة تلك الرواية فإن ما قام به عثمان ليسبحرام ، و ذلك أن جماعة من الفقهاء - منهممالك بن أنس - قالوا أن من حق الإمام التصرّف في الخمس حسب اجتهاده ،و إن أعطاهلواحد فجائز ([224]).
وبناء على ما ذكرناه عن قضية الخمس ، فإنه ليس من المستبعد أن يكون عثمان قد وزّع أربعة أخماس الخمس التي وصلته من غنائمإفريقيا ، على بعض أقاربه لكن ليس بالكمية التي ضخّمها المبالغون المفترون عليه.
و روى اليعقوبي أن أقارب عثمان كانوا يتصرفونبكل حرية في أموال بيت مال المسلمين لمصالحهم الخاصة ،و أن عثمان كان إذا أجازأحدا من أهل بيته بجائزة جعلها فرضا من بيت المال ([225]). و هذا اتهام خطير لخليفة المسلمين ،و طعن في أمانته ، فهل هذا الخبر صحيح أعتقد أنتلك الرواية رواية غير مقبولة وقد أنفرد بها اليعقوبي كما جاء بها دون إسناد .وعلي صحة روايتها فإن هذا الخبر يخالف تماما الروايات الصحيحة التي رويت عن عثمانرضي الله عنه والذي كان دائما يتحري أن يعطي من ماله الخاص ولا يقرب مال المسلمينفلا يجيزها لنفسه ولا يحلها لغيره كما دأب ان يأخذ من مال الأمصار الخمس فقط ويتركالباقي لبيت المال ليوزع علي المسلمين فقرأ معي قسمه الذي كان دائما يكرره ( أما والله ما أكله من مال المسلمين ، و لكني آكله من مالي ) وكان دائما يستشير صحابةرسول الله في المال الذي يعطيه لأقاربه فإن أشاروا بالمنع فيردوا تلك الأموال فكانيقول ( فأمر لأمركم تبع قالوا أصبت وأحسنت ) ([226]).
فينبغيأن نتحرى الدقة في قبول الأخبار التي تليق بكبار الصحابة رضوان الله عليهم وأننرفض تماما الأخبار التي تخدش حياء هذه الكوكبة من الصحابة ولو افترضنا أن عثمانكان ينفق علي أقاربه من الخمس الذي يأتيه فماذا يعيب هذا ؟ أليس بحق الإمام أنيتصرف في ذلك الخمس في أن ينفقه علي الفقراء والمساكين وعلي أقارب الإمام كما كانيفعل الرسول e فكان عثمان يري أن خمس الغنائم للإمام وأقاربه فإذا أعطاهم منهفقد صح فعله ولا مأخذه عليه في ذلك .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية مقارنة جيدة ، بين تصرفات عثمان و علي -رضي الله عنهما - ومفادها أنه بما أننا لاننكر على علي بن أبي طالب ، على توليته أقاربه ،و قتاله للمسلمين ، لأنه كانمجتهدا ، فإنه علينا أيضا أن لا ننكر على عثمان اجتهاده في الأموال ، و أمر الدماءأخطر من الأموال ، و الشر الذي حدث في الأمة بسبب الدماء أضعاف الشر الذي حصلبإعطاء الأموال ، و ما وقع في خلافة علي أقرب إلى الملام ، مما وقع في خلافة عثمان،و قد جرى في عهده من الخير ما لم يجر مثله في خلافة علي .و اجتهاده –أي عثمان – كان أقرب إلى المصلحة و أبعد عن المفسدة ،من اجتهاد علي . لذا فإنه إذا كنا نتولى عليا و نحبه ، فبطريق أولى أن نتولى عثمانو نحبه بدلالة الكتاب و السنة ([227]) .
و قد صدق الباحث محمدالصادق عرجون ، حين قال : إنه لم يكن واجبا على عثمان السيّر على نهج الصديق والفاروق، عندما حرما نفسيهما احتسابا لوجه الله ،لأن هذا الحرمان مرتبة فوق الحق و أعلىمن العدل ، و الشريعة لم توجبه ، لأن الواجب على الإمام هو الحق و العدل ، فإذاوصل الحق إلى أهله ، و تحقق العدل بين الناس ، فليس عليه حرج ، و له أن يُنفّل منشاء بما شاء لمصلحة يراها .و من حقه الإحسان إلى أقاربه و الاعتماد على من يراهمنهم قديرا على تحمّل المسؤوليات ([228]).
وختاما لما ذكرناه يتبين لنا ، أن عثمان في تصرّفه في الأموال انطلق من اجتهاد فقهي، و لم يتصرّف فيها بهوى و عصبية .و قد كثُرت في أيامه الخيرات ،و وصلت الأرزاقإلى كل الناس ، وعمهم الرخاء ،ولم ينالهم ظلم اقتصادي . لكنه – أي عثمان – أعطى أقاربه أكثر مما أعطي غيرهم من رعيته ،متأولا صلة الرحم ،وحاجة قبيلته الماسة للمال ، انطلاقا من نظرته الفقهية للخمس ،وقد وافقه عليها بعض الفقهاء.
ثانيا : الجانب السياسي :-
قديخطر على بال كثير من الناس أن الناقمين على عثمان و ولاته ، ما دفعهم إلى الثورةعليه و قتله إلا الظلم السياسي . فهل هذا صحيح ؟ ، إنه ليس صحيحا ، لأن أيامه –أي عثمان – تجلّت فيها مظاهر العدل السياسي بشكل كبير ،منها أن عهده تمتع بالأمن و الاستقرار و الرخاء ، و قد صحّ الخبر في أن أيامه –أي عثمان – كان فيها العدو مُتقى شره ، و الخيرات كثيرة، و الناس في وئام ، يغمرهم الحب و الإخاء و الألفة ،و لا يخاف مؤمن مؤمنا فيالأمصار الإسلامية. فهذا كله من أثار العدل السياسي علي مستوى الخليفة و ولاته ورعيتهولاسيما في النصف الأول من خلافة عثمان أي السنين الست الأولى .
و منها أيضا أن عثمان كان بابه مفتوحا للناس، فيستقبلهم و يسمع منهم ،و يعدل بينهم ، فعندما شكوه من واليه على الكوفة :الوليد بن عقبة و شهدوا عليه بشربه للخمر ، حدّه و عزله من منصبه . وعندما قدمإليه وفد جنود إفريقيا ،و أخبروه أن واليه عبد الله بن سعد أخذ لنفسه خمس الخمس منالغنائم ، قال لهم بأنه هو الذي وعده بذلك إن هو فتح إفريقيا ، ثم خيّرهم بينالقبول و الرفض ، فلم يقبلوا و طالبوه بعزله ، فلبى طلبهم و أرسل إلى واليه يأمرهباقتسام ما نقّله أياه على الجند ، ويستخلف عليهم رجلا يرضاه و يرضونه ، فاستجابلما أمره به ،و انقلب عائدا إلى مصر ([229]).
فعثمانكان من حقه أن يُنفّل قائده المظفر بما يراه أهلا له في إطار المصلحة الشرعية ،لكنه تراجع عنه وعده لأخيه من الرضاع ،و عزله عن إمرة الجيش نزولا عند رغبة جنده،و تطييبا لخاطرهم ،و لم يكن ذلك واجبا عليه.
و عندما طرد أهل الكوفة أميرهم سعيدأ واختاروا مكانه أبا موسى الأشعري ،و طلبوا من عثمان أن يعين عليهم أبا موسى والياعليهم ، استجاب لطلبهم ، وإزاحة لعذرهم ،و إزالة لشبههم ،و قطعا لعللهم ([230]). و كان في مقدوره أن يرفض طلبهم ،و يبعث من يُأدبهم ،و يعيّن عليهم من يريده.ومنها أيضا أن عثمان لم يجعل الإمارة محصورة في أقاربه ،و لم يعين على الناس من لايصلح للإمارة ، و انما ولى عليهم أمراء أكفاء لهم قدرات تؤهلهم للقيام بأعباء الإمارة ، و هذا أمر سبق و أن أثبتناه.
و من مظاهر العدل السياسي أن الناقمين علىعثمان و ولاته كانوا يتحركون بحرية ،و يعترضون على ولاتهم ، و يطعنون فيهم و فيالخليفة ، و لم يتخذ عثمان و ولاته ضدهم إجراءات صارمة لردعهم و قطع شأفتهم ، وهذا أمر ثابت معروف([231]) .
فهذه النماذج و التعليقات هي أدلة تعبر عنالعدل السياسي الذي كان يتمتع به الناس أيام عثمان – رضي الله عنه – و هي نماذج كافية للرد على تساؤلنا : هل كانالناس يعانون من الظلم السياسي ؟ ،و تؤكد أيضا على تنوّع مظاهر العدل السياسي الذيتمتع به الناس في عهد عثمان بن عفان .
و ختاما لما قلناه فيهذا المبحث يتبين لنا منه أن التساؤلات التي طرحناها للبحث عن أسباب الثورة علىالخليفة ، قد أثبتت –أي التساؤلات –أن عثمان لم يجعل الإمارة محتكرة بين أقاربه ،و لم يول منهم على الناس إلا من يصلحللإمارة .و أنه أيضا لم يكن خليفة ضعيفا عاجزا عن إدارة الدولة ، و أنه قامبمسؤولياته كاملة تجاه المسلمين ، و نشر بينهم العدل الاقتصادي و السياسي حسبقدراته و اجتهاداته . كما أنه سلك طريق الشوري التي سنها الرسول صلي الله عليهوسلم وسار علي قواعدها أبو بكر وعمر وكذلك عثمان رضي الله عنهم جميعا . وكتبالتاريخ تفيض بأخبار أثبتت أن عثمان كان دائم التشاور مع الصحابة فكان يجمعهمويقول لهم أنتم وزرائي وخاصة رأي أشيروا علي فكان يقف كل واحد منهم ويبرز رأيه بكلحرية وأمانه حتى أنهم كانوا يسيئون له القول في بعض الأحيان .
ملاحظات متعلقة بالثورة علي عثمان
الملاحظة الأولي : هل كانت الفتوحات في عصر عثمان مطروحة للنقد من جانب المعارضين علي نحوما أسلفناه عن المآخذ ؟ إن فتوحات عثمان لم يعترض عليها المعارضون بل لم تكنمطروحة للمآخذة . فقد ساهم عثمان مساهمة كبيرة في الفتوحات علي نفس النهج الذي سارعليه عمر بن الخطاب بل قد أبلي قواده في ميادين الحرب بلاء حسنا فاق بلاء ما صنعهعمر بن الخطاب في الفتوحات ، فالمتتبع لميداني الفرس والروم إبان عمر بن الخطابالذي اشتهر بالفتوحات العظيمة فيجد أن عمر قد مات ولم يتم افتتاح بلاد فارس كلهابل مازال كسري يزدجرد حيا يتنقل من مدينة إلي مدينة ويجتمع الناس حوله محاولا ردسلطان أهله ولم يتم تشريد ذلك الملك وقتله إلا في عهد عثمان أمير المؤمنين فقدكانت الجنود تخرج من الكوفة والبصرة للجهاد في أرض فارس يلاحقون ذلك الملك الشريدويتتبعون أنصاره ويفرقونهم حتي أنتهي أمره هاربا إلي الترك ليجد أعوان يناصرونهولكنه أنفض من حوله الأنصار وظل هكذا إلي أن قتل وأنتهت بذلك دولة الأكاسرة وانطوتصفحتها علي أيدي المجاهدين في أيام عثمان من الكوفة والبصرة .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أبلي قواد عثمان بلاءحسنا حتى فتحت أرمينية في أيامه وفتحت أفريقيه ثم سلك الطريق بعد ذاك إلي الأندلس، وفي عهد عثمان أيضا كانت معارك هائلة تدور في البحر بقيادة معاوية وعبد الله بنسعد حتى غزوا الروم واقتطعوا قبرص وحققوا نصرا عزيزا في موقعة ذات السواري وتمهيمنة المسلمين علي أغلب مياه البحر المتوسط والسؤال الذي قد يتبادر إلي الذهن : لماذالم تذكر تلك الفتوحات أو يلاقي عثمان من الثناء عليها ما لقاه عمر بن الخطاب ، فقدأتيح لعثمان من القوة العسكرية مثل ما أتيح لعمر ، وأتيح له من التوسع والفتحوالقضاء علي دولة الأكاسرة وإذلال الروم في البر والبحر ما لم يتح لعمر !
إن المشاهد من خلال قراءته الروايات التاريخية يلبس أنهذه الفتوحات قد جرت علي عثمان كثيرا من المآخذ مما جعلها مصدرا من مصادر الفتنةوالخلاف ، فقد حقتت تلك الفتوحات الكثير والكثير من الغنائم والفيء ، وربما تصرفعثمان تجاه تلك الغنائم كان قد أحفظ الجند مثلما حدث حينما وافق عثمان علي إعطاءعبد الله بن سعد خمس الخمس إذا فتح إفريقيا ، وقد سبق أن قلنا في ذلك أنه ربما أنأراد أن يشجعه علي فتح إفريقيه كما أنه قد رد تلك الاموال إلي الجنود حينما غضبواعلي عبد الله بن سعد .
كما يبدوا أيضا أنه أحفظ المهاجرين والأنصار بتصرفه فيبعض ما كان في بيت المال من الجوهر والحلي حتى لامه المسلمين وأغضبوه فنهض وخطبخطبته التي انتهى بعدها بضرب عمار بن ياسر ، ومهما يكن من الأمر فإن هيبة الدولةكانت ومازالت قوية ولم تضعف بل كانت للدولة هيبتها في عصر عثمان وأري أن تلكالروايات التي رويت عن أمير المؤمنين عثمان حول تلك الجواهر إنما هي كاذبةومتباينة فيما بينها ، وسندها ضعيف وهذا يؤكد نزاهة عثمان بن عفان ذلك الصحابيالجليل والخليفة الراشد والذي تعلم أن دينه يأمر بعدم الغلول في الغنائم كما يأمربالمحافظة علي المال العام .
فهل هذا الاختلاف والتباين يحق للمسلمين أن يخرجوا عليعثمان ويثوروا ضده أو يقتلوه . إذن لابد لهذا الخلاف من أسباب . إن الأمر لا يدعواإلي الدهشة حقا فإمامة عثمان صحيحة وأن هؤلاء الثوار لم يفعلوا ذلك إلا لأسبابأخرى ، كما أن البيعة التي تمت لعثمان بالمجسد إنما هي عقد يلزم الطرفين الإماموالرعية : فيلزم عثمان أن يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر ولا يحيدعن شيء من ذلك . إذن نؤكد بعد هذا القول علي السؤال التالي : هل خالف عثمان عنكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ؟ أم لزم ذلك فلم يخالف عنه في قليلا ولا فيكثير ؟ وفي اعتقادي أن عثمان لزم ذلك ولم يخالف عن سيرة الشيخين مخالفة يستحقعليها النقد أو اللوم .
الملاحظة الثانية : وهي ملاحظة مرتبطة بالملاحظة السابقة فإن بعض المآخذ مآخذ دينية قد تمسالدين سواء أكانت في العبادة أو العقيدة او الحدود إلي غير ذلك مثل :
- إقامة الحد علي عبيد الله بن عمر .
- إتمام الصلاة في مني وقت قصرها النبي والشيخان وقصرهاعثمان أيضا أعواما .
- أخذه الزكاء علي الخيل وقد كان النبي قد أعفي عن زكاة الخيلوالرقيق وقد ثار علي ذلك الشيخان من بعده فلما أستخلف عثمان أخذ الزكاة عليهما .
- أنه حمي الحمي . والله ورسوله قد أباحا الهواء والماءوالكلأ للناس جميعا .
- أخذ من أموال الصدقة فانفق منها فيالحرب وغير الحرب من المرافق العامة ولم يصرف أموال الصدقة في مصارفها التي عينهاالله .
- تحريق المصاحف وتجميع المسلمين علي مصحف واحد .
1- الطبري : تاريخ الأمم والملوك ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1997 ، ج2 ص: 587، 681، 693 .و ابن كثير :البداية و النهاية ، بيروت مكتبة المعارف ، ج 7 ص: 214 . و الذهبي : الخلفاءالراشدون ، حققه حسام الدين القدسي ، ط1 ، بيروت دار الجيل ، 1992 ، ص: 482 .
2-الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 661 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 1ص: 314 .و ابنتيمية : منهاج السنة النبوية ، حققه رشاد سالم ، د1 مؤسسة قرطبة ، د م 1406 ، ج 6ص: 181 .
1- الطبري : نفس المصدر ج2 ص: 163 .
[3]-الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 597 ، 599 .و ابن كثير : المصدر السابق ، ج7 ص: 170 .
[4]-ابن تيمية : منهاج السنة ، بيروت ، دار الكنب العلمية ، د ت ، ج 3ص: 145 .
[5] - الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 693 .والذهبي : سيّر أعلام النبلاء ، ط3 بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1985 .
[6]- الطبري : المصدر السابق ج 2ص: 605 ، 693 .
1- ابن تيمية : المصدر السابق ، ط بيروت ج 3ص : 190 ، 191 .
2- محمد الصادق عرجون : خالد بن الوليد ، ط2 الريض ، الدارالسعودية ، 1981 ، ص: 103 .
3- أبو الأعلى المودودي : الخلافة و الملك ، الجزائر ، شركة الشهاب، د ت ص : 93 .
4-الطبري: المصدر السابق ج 2 ص: 693 . المصدر السابق ج 1 ص: 156 و ما بعدها .
5- المصدر السابق ج 1 ص:185 و ما بعدها .
6- أنظر : الخلافة و الملك ، ص: 75-76 .
1-ابن كثير : المصدر السابق ، ج 7 ص: 240 ، 260 .
2- المصدر السابق ، ج1 ص: 185-186 .
3- مروج الذهب ومعادن الجوهر ج2 دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيعصـ399 .
4- الطبري : المصدر السابق ،ج7 ص: 595 .و ابن كثير: المصدر السابقج7 ص:151
5- الطبري : نفس المصدر ، ج2 ص: 597 .
1- الطبري : المصدر السابق ، ج1 ص: 610 و ما بعدها .و ابن كثير :البدايةج 7ص: 151 ، دار ابن كثير ، 1987 .
2- الطبري : نفس المصدر ، ج2 ص: 648 ، 679 ,
3 -الطبري : نفس المصدر ، ج2 ص: 658 . و ابن كثير : المصدر السابقج7ص: 175 و ما بعدها
1- سورة الحجرات الآية : 6 .
2- الطبري المصدر السابق ،ج 2 ص: 661 . و ابن عساكر : المصدرالسابق ، ج11ص: 314 .و ابن تيمية : المصدر السابق .
3- المصدر السابق
4- أنظر مثلا ، تفسير ابن كثير للآية السابقة .
5- تاريخ دمشق لأبن عساكر ، ج 63 ص : 224 .
6- الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 72 و ج63 ص: 221 .
1-الثورة علي سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه دراسة في أسبابهاالظاهرة والخفية د / خالد كبير علال ط1 دار البلاغ الجزائر .
2- البداية و النهاية ، ج7 ص: 151 .
3- الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 612 .
4- الثورة علي سيدنا عثمان مرجع سابق صـ 10
5- الثورة علي سيدنا عثمان كمرجع سابق
6- مسلم : الصحيح ، بيروت ، دار إحياء التراث، د ت ، ج3 ص: 1331،وأنظر أيضا الثورة علي سيدنا عثمان .
1- الثورة علي سيدنا عثمان ونفس الصفحة مرجع السابق
2- السمر هو الحديث في الليل . مختار الصحاح
3- الثورة علي سيدنا عثمان صـ 11
4- المصدر السابق ونفس الصفحة .
5- الطبقات الكبرى لأبن سعد ، بيروت ، دار صادر ، د ت ،ج 5 ص: 32.و تاريخ دمشق ، ج21ص: 114 .
6- الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 612 .
1- الطبقات الكبرى : ج 5ص : 32 .
2- الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 637 .
3- الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 641-642 .
4- الثورة علي سيدنا عثمان صـ 12 .
5- كما سنوضح بعد .
6- الثورة علي سيدنا عثمان صـ 13 .
7- المصدر السابق ونفس الصفحة
1-ابن سعد الطبقات الكبري : المصدر السابق ،ج5 ص: 32 .و ابن عساكر: المصدر السابق ج 2ص:114-115 .
2- سورة الحجرات الآية : 11 .
3- ابن عساكر : المصدر السابق ج 21ص: 124 .
1- ابن كثير البداية والنهاية ج8 صـ84 .
[50]- ابن حجر الإصابة ج3 ط بيروت صـ108 .
[51]- الثورة علي سيدنا عثمان صـ16 .
[52]- سير أعلام النبلاء ج3 صـ445 .
[53]- منهاج السنة النبوية ج6 صـ243 .
1-ابن كثير البداية والنهاية : ج5 ص 304 ، 305.
1-ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 39 ص: 416 .
2- انظر الثورة علي سيدنا عثمان صـ 19 .
3- أنظر الثورة علي سيدنا عثمان صـ19
1- الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 652 و ما بعدها .
2- ابن كثير : المصدر السابق ، ج4 ص: 297 .و ابن حجر : الإصابة،ج4ص: 110. و ابن تيمية : منهاج السنة ج6ص: 357 .
3- الثورة علي سيدنا عثمان صـ 21 .
4- ابن عساكر : المصدر السابق و أنظر أيضا الثورة علي عثمان صـ 23 .
5- الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 661 .
[63]- ابن كثير: المصدر السابق ، ج8 ص: 88 .و ابن عساكر : المصدر السابق ، ج29 ص: 249.
2- ابن عساكر : نفس المصدر ج 29 ص: 270 .
3- نفس المصدر ، ج29 ص: 253 .
4- ابن سعد : المصدر السابق ، ج5 ص: 47 .
5- البكري: معجم ما استعجم ،بيروت عالم الكتب،ج4 ص: 1316 .
6- الثورة علي سيدنا عثمان صـ 24
7- ابن سعد : المصدر السابق ج5 ص: 44 ،47.
1- المصدر السابق
2- العواصم من القواصمصـ97 .
3- المصدر السابق ونفس الصفحة .
1- أنظر ترجمة معاوية بن أبي سفيان في : سير أعلام النبلاء ج4صـ257 ، طبقات بن سعد ج3 والبداية والنهاية ابن كثير ج11 صـ398 ، الكامل لابنالأثير ج2 صـ64 ، 65 .
2- أنظر سير أعلام النبلاءمصدر سابق ج2 صـ223 ، الطبقات الكبرى ج8 صـ99 وما بعدها .
1- التوبة : جزء من الآية26 .
2- د/ علي الصلابي معاويةبن أبي سفيان شخصيته وعصره مكتبة الإيمان بالمنصورة صـ26 .
3- أي فعلوا فلايدخلون به الجنة .
4- أي القسطنطينية .
5- المصدر السابقصـ38 .
1- د/ علي الصلابي معاوية بن أبي سفيان شخصيته وعصره مكتبة الإيمانبالمنصورة صـ26 .
2- العواصم من القواصم صـ97 .
1- تاريخ الطبري ج4 صـ 345 ، 348 .
2- المصدر السابق .
3- ( ابن تيمية منهاج السنة ج3 صـ190) .
4- ( المصدر السابق ونفس الصفحة ) .
1- الخلافة و الملك ، الجزائر ، دار الشهاب ، د ت ، ص : 70 .
2- الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 597، 599 .و ابن كثير : المصدر السابق ، ج7 ص: 170 .
3- الطبري: نفس المصدر ، ج2 ص: 587، 693 .
1- رواه البخاري .
2- النقيع مكان يبعد عن المدينة عشرين فرسخا ومساحته ميل فيثمانية أميال
1- ابن حجر، فتح الباري (5/ 44- 45) .
2- رواه البخاري، الجامع الصحيح، فتح الباري(5/ 44) .
3- ابن حجر، فتحالباري (5/ 44- 45) .
4- رواه البخاري،الجامع الصحيح (فتح الباري 5/181) .
5- رواه عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج1 صـ452 وإسناده ضعيف(1/87) .
1- العواصم من القواصم صـ80 .
1- المصدر السابق صـ81 .
2- العواصم من القواصم صـ82 .
3- العواصم من القواصم صـ82 .
4- المصدر السابق صـ84 .
1- البقرة، الآية (196) .
1- ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (233- 234).
2- المصدر السابق صـ 234 .
3- أنظر صحيح البخاري. الفتح ج9 صـ11 .
4- المشق هو: الحرق (ابن منظور، لسان العرب10/ 344) .
5- ابن عساكر (241- 242)، وقد صححه الحافظابن حجر (فتح الباري 9/ 18) .
1- ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان(239- 240) .
2- أنظر العواصم من القواصم صـ 84 .
3- انظر المصدر السابق (ص: 84) حاشية رقم:(84) .
4- سورة الأنفال،الآية (46) .
1- أنظر غزوة بدر المنهج الحركي للسيرة النبوية منير محمد الغضبان صـ174-181 .
2- البخاري، الجامع الصحيح، فتح الباري (7/54، 363)، وابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (254-256) .
3- ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان(ص29، 31) .
1- البخاري، الجامع الصحيح، فتح الباري (7/54، 363)، وابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (254-256 وأنظر أيضا فتنة مقتلعثمان كمرجع سابق .
2- سورة التوبة، الآيتان (91-92) .
1-سورة التوبة، الآية (93) .
2- سورة آل عمران، جزء من الآية (152) .
3- انظر هذه الغزوة في كتاب المنهج الحركيصـ297 إلي صـ308 وأنظر أيضا تفسير بن كثير من الآيات الخاصة لموقعة أحد في سورة آلعمران .
4- سورة آل عمران، الآية (155).
5- أنظر ابن تيمية، منهاج السنة النبوية (6/298) .
1- كما في قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَعَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} سورة المجادلة، الآية (19).
2- قد يكون رجلا من أهل مصر أو أنه العلاءعرار أنظر ( فتح الباري 7/ 354 إلي 364 ).
3- البخاري، الجامع الصحيح، فتح الباري (7/54، 363) ، وابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان ( 254-256) .
4- أنظر بيعة الرضوان في كتابالمنهج الحركي صـ341 وما بعدها .
5- سورة الفتح، الآية (18)، وانظر تفسيرهافي تفسير ابن كثير (4/190-191 وأنظر أيضا المنهج الحركي الصفحات السابقة .
1- رواه البخاري ، الجامع الصحيح ، فتحالباري ج7 صـ 434 وأنظر أيضا كتاب فتنة مقتل عثمان كمرجع سابق صـ81 .
2- صحيح البخاري، فتح الباري (7/54، 363)وابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (254-256 .
3- أنظر المصدر السابق .
1- العواصم من القواصم صـ90 .
2- أنظر منهاج السنة لابن تيمية ج3 صـ235- 236 ، وأنظر أيضاالعواصم صـ90 .
1- ابن تيمية، منهاج السنة النبوية (6/ 265-269)، والآية في سورة المجادلة، الآية (22) وأنظر أيضا فتنة مقتل عثمان كمرجع سابقصـ124 .
2- ابن تيمية، منهاج السنة النبوية (6/267). وأنظر أيضا العواصم من القواصم صـ90 (1/126) .
1- أنظر الطبري ج4 صـ43 ،44 . والعواصم من القواصم صـ117 .
2- أنظر الطبري ج4 صـ43 ،44 . والعواصم من القواصم صـ117 .
1- أنظر منهاج السنة ج3 صـ200 ( ج6 صـ280 ، 284 ) .
2- أنظر بن تيمية منهاج السنةالنبوية ج6 صـ 284 .
1- أنظر المصدر السابق ونفس الصفحة .
2- أنظر فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه . محمد بنعبد الله غبان الصبحي (المملكة العربية السعودية ط 2 مصدر الكتاب موقع مكتبةالمدينة الرقمية http://www.raqamiya.orgصـ44 .
3- أنظر المصدر السابق ونفس الصفحة .
1- أنظر فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه . محمد بنعبد الله غبان الصبحي (المملكة العربية السعودية ط 2 مصدر الكتاب موقع مكتبةالمدينة الرقمية http://www.raqamiya.orgصـ44 .
2- المصدر السابق صـ45 .
3- أنظر فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه كمصدر سابق ص 45 .
1- أنظر هذا في منهاج السنة لشيخ الإسلام بن تيمية ج3 صـ191 ،192 .
1- أنظر العواصم من القواصم صـ78 .
2- المدينة المنورة فجر (الإسلام) (2/216،217).
1- فجر الإسلام ،ص110 .
2- المدينة المنورةفجر الإسلام ج2 صـ217 .
3- كانت منزلا فيالطريق بين العراق ومكة .
4- المدينة المنورة فجر الإسلام ج2 صـ217 .
5- التوبة :34 .
6 - البخاري ، كتاب الزكاة ، باب ما أدي زكاته ، رقم1406 .
7- فتح الباري ج3صـ274 وكتاب عثمان بن عفان صـ319 .
1- المدينة المنورة فجر الإسلام ج2 ص219 .
2- سير أعلامالنبلاء ج2صـ72 .
3- التوبة : 34 ،35 .
4- الرضف : الحجارة المحماة وأحدها رضفة .
5- نغض : العظمالدقيق الذي علي طرف الكتف أو علي أعلي الكتف .
6- يتزلزل : يضطربويتحرك .
7 - البخاري ، كتاب الزكاة رقم 1407 .
8- البخاري ، كتاب الزكاة رقم 1405 .
9- فتح الباري ج3 صـ272 .
1- فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه ج1 صـ107 .
2- المصدر السابق ونفس الصفحة .
3- فتح الباري ج3 ص 273 .
4- المسند ج5 ص125 .
5- البخاري رقم 1406 .
6- الطبقات ج4ص227، وكتاب عثمان بن عفان صـ322 .
1- العواصم من القواصم ،ص77 .
2- المصدر السابق ص79 .
3- المدينة المنورة فجر الإسلام ج2 ص223 .
4- البخاري ، كتاب العلم ،باب العلم قبل القول والعمل ج1ص29 .
5- المدينة المنورة فجر الإسلام ج2ص224 .
1- تاريخ الطبري ج5 ص286 .
2- المصدر السابقج5ص288 .
3- تاريخ المدينة ، ابن شبة ،ص1037 .
4- فتنة مقتل عثمانج1ص110 .
5- تاريخ المدينة ص1036-1037 .
6- الطبقات ، لابن سعد ج4ص226، 227 .
7- فتنة مقتل عثمان ج1صـ111 .
8- المصدرالسابق .
9- فتنة مقتل عثمان ج1ص111 .
10- منهاج السنة لابن تيمية ج6 ص183 .
11- المصدرنفسه ج6ص271 ، 355 .
12- تاريخ المدينةرقم 1037 .
13- المصدر السابق .
1- البخاري ، كتاب الزكاة رقم 1406 ، وكتاب عثمان بن عفانصـ324 .
2- ويروي أن معاوية عمل سنتين كعمل عمر في شدته وبأسه ثمأبتعد عن ذلك النهج بعد ذلك. ومما لا شك فيه أن معاوية كان ذكيا لبيبا فقد عرضبثاقب نظره أن عصره يختلف عن عصر ما سبقه من الخلفاء ووجد أن للبيئة تأثيرهاالكبير في إدارة شئون الحكم فهي تؤثر في الحاكم وفي نظام الحكم حتى يتمكن من أنيتكيف مع الواقع ويدير حكمه وفقا لشريعة الله وهذا يتجلي في قوله تعالي : ( إنالله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) (سورة الرعد الآية 18 ) وهناك فرقبين تطور البيئة وهو المراد ويتمثل في نظام الحكم وبين الإسلام الذي جاء في نصوصكلية ثابتة وأخرى فرعية متغيرة فالإسلام يطور البيئات المنحرفة ويصلح من شأنها لاليتطور أو يتلون معها .
3- ولكن الصحيح هوأنه أعطي خمس الخمس لعبد الله بن أبي سرح جزاءا له علي جهده وجهاده في أفريقياويقال أنه عاد فأسترد منه هذا الجزء فإن عثمان لما أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرحبالزحف من مصر علي تونس لفتحها قال له إن فتح الله عليك غدا أفريقية فلك مما أفاءالله علي المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا فخرج بجيشه وخرج من أرض مصر وتوغل فيأرض أفريقية وفتحها وغنم غنائم كثيرة وقسم علي الجند فيئهم وأخذ خمس الخمس وبعثبأربعة أخماسه إلي عثمان وقد أشتكي بعض من جنده إلي عثمان مستكثرا عليه ما أخذهفقال لهم عثمان إني أمرت له بذلك فإن سخطتم فهو رد قالوا إنا نسخطه فأمر عثمان عبدالله بن سعد برده فرده إلي بيت مال المسلمين ورجع عبد الله إلي مصر وقد فتحأفريقية .
1- وقد جاء فيأحكام الفقه الإسلامي في باب القطائع لكتاب الخراج ليحيي ابن أدم القرشي حيث ذكرالإمام الشعبي بعض الذين أقطعهم عثمان فقال أقطع الزبير وخباب وعبد الله بن مسعودوعمار بن ياسر وابن هبار . وقد فعل عثمان ذلك كما فعل عمر من قبل فقد اقطع عمرطلحة وجرير بن عبد الله والروبيل بن عمرو كما اقطع نافع أخا ذياد وأبي بكر أقطعلكل منهما أرضا في البصرة . ( انظر أيضا كتاب الخراج لأبي يوسف صـ61 ). كما اقطععليا كما يروي الطبري في ج4 صـ 148 كردوس بن هاني وسويد بن غفلة أرضا . إذا كيفينكرون علي عثمان هذا الفعل ويسكتون عن عمر وعلي .
2- رواه البخاري في صحيحه، فتح الباري (2/ 563، 3/509)، ومسلم في صحيحه أيضاً (ص: 482 .
3- رواه أحمد، المسند، بتحقيق أحمد شاكر (1/351)، ومن طريقه ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (249- 250 ) وفيه عكرمة بنإبراهيم الباهلي . أنظر فتنة مقتل عثمان د/محمد بن عبد الله غبان الصبحي مرجع سابقصـ54 .
1- أنظر المرجع السابق صـ 107 .
1-قال ابن تيمية في منهاج السنة كل ذي علم بحال عثمان يعلم أنه لم يكن ممنيأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله ولا عرف منه قط أنه قتل أحدا من هذا الضرببل هم الذين سعوا في قتله أي في قتل أمير المؤمنين عثمان ) ابن تيمية ج3 صـ188 .
1- منهاج السنة ج3صـ189 .
2- ولعل عمر بن الخطاب قد رائهم حينما كان يستعرض جيوشاوكان من الأشخاص الذين لم يسترح لهم أثناء ذلك العرض فقيل له ما يغضبك منهم فقالإني عنهم لمتردد وما مر بي قوم من العرب أكره إلي منهم فكان منهم سودان بن حمرانوخالد بن ملجم وكلاهما من البغاة علي عثمان .
3- الأريس : بفتح الهمزة، وتخفيف الراء، هيبئر معروفة قريباً من مسجد قباء في المدينة (ابن منظور، لسان العرب 6/ 6 .
1حجر، فتح الباري 10/ 329 .
2- البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري (10/ 328) .
3- معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، حليف بنيعبد شمس، من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد، وولي بيت المال لعمر،ومات في خلافة عثمان أو علي رضي الله عنهم ، وكان على خاتم عثمان رضي الله عنه(ابن حجر، الإصابة 3/ 451) .
4- الحافظ ابن حجر، فتح الباري (10/ 328) .
5- الطبري ج4 صـ281-283 .
1- ابن عساكر: تاريخ دمشق ، ج29 ص: 263 .
2- أنظر كتاب فتنة مقتل عثمان كمرجع سابق .
3- الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 595 . و اليعقوبي: المصدر السابقج2ص:115.
4- الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 635 و ما بعدها .
5- أنظر : نفس المصدر ، ج2 ص: 641، 647 .
1- محمد الصادق عرجون : عثمان بن عفان ، ص : 84، 88 ، 138 .
2- أنظر : ابن كثير : البداية ، ج7 ص: 170 و ما بعدها .و الطبري:المصدر السابق ، ج4 ص: 383 ،384 .و البخاري: الصحيح ، الجزائر دار الشهاب ، ج4 ص:196-197 .
3- الصادق عرجون : المرجع السابق ، ص: 92 .
1- تساوي البدرة عشرة آلاف درهم . و الأوقية كانت تساوي أربعيندرهما .ابن كثير : المصدر السابق ، ج 357، 337 .
2- السيوطي : تاريخ الخلفاء ص: 156 .و اين عساكر : المصدر السابقج29 ص: 258 .
3- رُوي أن عمر عزم على التسوية بين الناس في العطاء مستقبلا ، لكنالمنية وافته . ابن تيمية : منهاج السنة ، ط دار الكتب العلمية ، ج3 ص: 153 .
1- نفسه ، ج3 ص: 153 .
2- نفس المصدر ، ج3 ص: 154.
3- نفس المصدر ، ج3 ص: 191 .
4- نفس المصدر ، ج3 ص: 227 . و الطبري : المصدر السابق ، ج4 ص: 650.
5- ابن تيمية : المصدر السابق ، ج3 ص: 190، وج4 ص: 204 .و ابنالعربي : العواصم من القواصم ، حققه محب الدين الخطيب ، د ن ، دت ، ص: 79 .
6- تاريخ اليعقوبي ، ج 2ص: 116 .
7- أنظر كتاب مقتل فتنة عثمان كمرجع سابق صـ 30
1- انظر مثلا : الطبري : المصدر السابق ، ج 4ص: 254 .و ابن كثير :المصدر السابق ، ج7 ص: 152 .
2- تاريخ اليعقوبي ، ج2 ص: 116 .
3- الطبري المصدر السابق ج4 ص:254 .و ابن كثير : المصدر السابق ج7ص: 152، وانظر كتاب فتنة مقتل عثمان صـ30 .
4- منهاج السنة ، ج3 ص: 190 .
5- ابن العربي : المصدر السابق ،ص: 79 .
1- تاريخ اليعقوبي ، ج2 ص: 118 .
2- الطبري : المصدر السابق ، ج4 ص345:
3- منهاج السنة النبوية ، ج 3ص: 237 ، و ج4 ص: 205 .
1- عثمان بن عفان ، ص: 98 ، 101 .
2- الطبري : المصدر السابق ، ج4 ص: 254 .
1- ابن كثير: البداية ،ج7 ص: 161 .
2- انظر : ابن الأثير : الكامل ، ج3 ص: 31 .و الطبري: المصدرالسابق .
مواقع النشر (المفضلة)