خروج علي إلي الكوفة واتخاذها عاصمة له



إن خروج أمير المؤمنين علي إلي الكوفة تاركا المدينة عاصمة الرسول وأبي بكر وعمر وعثمان كان أمرا مخالفا فيه أكثر الصحابة رضوان الله عليهم وقبل أن نخوض في هذه القضية نتبين أولا رأي أمير المؤمنين عليّ لماذا يريد ترك المدينة عاصمة الرسول ليتخذ من الكوفة عاصمة جديدة لخلافته ؟ إن الإمام عليّ كان يري بعد فتنة عثمان أن المدينة لم تعد تصبح عاصمة قوية للدولة فقد فقدت أغلب المقومات التي تجعل منها حاضرة قوية وخاصة في ذلك الوقت الذي عاشه أمير المؤمنين فهو يري أن أكثر الصحابة ولاسيما الأكابر منهم قد هاجروها إلي الأمصار والمدن الجديدة ، وأن المدينة أصبحت مرتعا للثوار ولمثيري الفساد والفتن كما أن مجموعة من الصحابة وخاصة من بني أمية قد هجروها إلى مكة وهكذا فكر علي بأن يترك المدينة ويتجه نحو الكوفة ويتخذ منها عاصمة لدولته حيث فيها أشياعه وأنصاره ومحبوه كما أن من أسباب خروج الإمام علي إلي الكوفة هو رغبته الشديدة في مراقبة معاوية وأن يكون قريبا من أهل الشام كما أنه استاء من أهل المدينة لأنه كلما دعاهم للخروج إلي الشام لنصرته فإنهم يتثاقلون . ويروي الطبري أن عليا رضي الله عنه كان إذا دعاهم أن يخرجوا إلي الشام فإن أهل المدينة قالوا لابد من التروي والتأني وإن تلك الفتنة مشتبهة علينا وأحجموا عن المشاركة والنصرة . ([27])


فقد حاول عدد من الصحابة أن يثني الإمام علي عن الخروج إلي الكوفة فقد حاول عبد الله بن سلام إذ أتاه وهو يستعد للمسير وأبدى خوفه عليه وحذره أن يقدم إلي العراق قائلا : أخشي أن يصيبك زباب السيف ثم أخبره بأنه لو ترك منبر رسول الله r فلن يراه أبدا بعد ذاك وكان الإمام علي يدرك ذلك جيدا كما فهم من النبي r قبل وفاته .


ولم يكن عبدالله بن سلام هو الناصح الوحيد بل نصحه أبنه الحسن فعندما خرج الإمام علي من المدينة وبلغ الربذة ([28]) ، وعسكر فيها جاءه أبنه الحسن وهو يبكي حزينا علي ما أصاب المسلمين من فرقة وتمزق وقال لوالده : قد أمرتك فعصيتني ، فتقتل ، غدا بمضيعة لا ناصر لك ، فقال علي: إنك لا تزال تخن خنين الجارية ، وما الذي أمرتني فعصيتك ؟ قال : أمرتك يوم أحيط بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولسنا بها ، ثم أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر ، ثم أمرتك حين فعلا هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا ، فإن كان الفساد كان علي يدي غيرك ، فعصيتني في ذلك كله . قال : أي بني ،أما قولك : لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان ، فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به، وأما قولك : لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار ، فإن الأمر أمر أهل المدينة ،وكرهنا أن يضيع هذا الأمر ، وأما قولك حين خرج طلحة والزبير ، فإن ذلك كان وهنا علي أهل الإسلام ، والله مازلت مقهورا مذ وليت ، منقوصا لا أصل إلي شيء مما ينبغي ، وأما قولك : أجلس في بيتك فكيف لي بما قد لزمني ، أو من تريدني ؟ أتريدني أن أكون مثل الضباع التي يحاط بها ، ويقال :دباب دباب ( دعاء الضبع للضبع )، ليست هاهنا حتى يحل عرقوباها ثم نخرج ، وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه ، فكف عنك أي بني ([29]) .


وهناك موقف لأبي موسي الأشعري ينبغي ذكره في هذا المقام وكان أمثاله كثيرون ممن اعتزلوا وحاولوا تثبيط الفتنة وقد أرسل الإمام عليّ وهو بالربذة لأهل الكوفة يستنفرهم ويدعوهم إلي نصرته وقد أرسل محمد بن أبي بكر الصديق وحنبل بن جعفر ولكنهما لم يوفقا في استنفار الناس إن أبا موسي الأشعري وهو والي الكوفة من قبل قد عمل على تثبيط همم الناس ونهاهم عن الخروج والاشتراك في الفتنة واستعان ببضعة أحاديث مما سمعها عن النبي r . ([30])

* * * *



ov,[ ugd Ygd hg;,tm ,hjoh`ih uhwlm gi