موقف اليهود من تفسير التاريخ الإسلامي


لقد استغل اليهود الفلسفات الوضعية التى ظهرت فى أوروبا إبانالقرنين الماضيين أسوأ استغلال حيث أنهم سربوا من خلالها أفكارهم الخبيثة فى التاريخ، وهى أفكار قد رتبوا لها بطريقة واعية لخدمة أهدافهم العليا فى السيطرة على شعوب العالم، وقد حددت بروتوكولات حكماء صهيون تلك الأهداف وضمنتها الوسائل المقترحة لتنفيذهاونفاذها فى العقول ، وكان أشد تلك الوسائل فتكا وأكثرها فاعلية هى الوسائل العلميةوالفكرية التى تسلطوا بها على عقول البشر ولاسيما العقلية المسلمة بهدف تقويض المجتمعاتوتخريب الديانات وطمس معالم التاريخ وإفساد المبادئ والأخلاق .


وقد جاء فى البرتوكول الثانى ما يفيد ترتيبهم لنظريات علميةوفلسفية لإفساد الشعوب "لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء ، ولاحظوا هنا أننجاح دارون وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل ، والأثر غير الأخلاقى لاتجاهات هذه العلوممن الفكر الأممى "غير اليهود" سيكون واضحةً لنا على التأكيد" (1).


كما تضمن البروتوكول الثالث عشر والرابع عشر من الوسائل العلميةما تعينهم على تنفيذ مخططاتهم . يقول البروتوكول الثالث عشر : " ولهذا السبب سنحاولأن نوجه العقل العام نحو كل نوع من أنواع النظريات المبهرجة ..."(2)أما البروتوكول الرابع عشر "وقد نشرنا فى كل الدول الكبرى ذوات الزعامة أدبا مريضاقذرا يغثى النفوس .. وسيقوم علماؤنا الذين ربوا من أجل قيادة الأميين بإلقاء خطب ورسمخطط وتسويد مذكرات ، متوسلين بذلك إلى أن تؤثر على عقول الرجال وتجذبها نحو تلك المعرفةوتلك الأفكار التى تلائمنا"(3) .


من هذا المنطلق وفى إطار حملات الدس الفكرى تسلط اليهود علىتاريخ الشعوب بصفة عامة وتاريخ العالم الإسلامى بصفة خاصة مستغلين نزعات التحرر لدىبعض الشعوب وراحوا يبثون فى عقول قادتهم وذوى الفكر منهم تفسيراتهم الواهية فى التاريخمثل التفسير العرقى والتفسير المادى والتفسير القومى إلى غير ذلك من تفسيرات تخدم أغراضهمفى تمزيق شمل الشعوب وإثارة العصبيات البغيضة .


وسوف نوضح فى الصفحات التالية بعض النماذج من تلك التفسيراتونبرز من خلالها كيف شوهت التاريخ الإسلامى وعملت على غياب فكرة التاريخ الأصيلة التىالتزم بها مؤرخو التاريخ الإسلامى فى تاريخنا القديم .





أولا : التفسير العرقى اليهودى للتاريخ


التفسير العرقى للتاريخمن النظريات المؤثرة بصورة إيجابية فى حركة التاريخ ، وتقوم هذه النظرية على فكرة مؤداها أن بعض الشعوب تتميز بخصائص منفردةتمكنها من صناعة التاريخ ، وتقوم هذه الفكرة على اعتبارات عنصرية عرقية تضرب بجذورهافى علم الوراثة من حيث رقى بعض الأجناس أو رداءتها وأن هذا التفاوت العنصرى هو المؤثرفى حركة التاريخ ، إذ إن الأجناس الراقية هى القادرة وحدها على إحراز التقدم ، بينماتظل الأجناس الرديئة الأخرى كالهنود الحمر مثلا راكدة الحركة خاملة فى صناعة التاريخ.


وقد قدر لهذه النظرية أن تجد سبيلها إلى ميدان العلم كماوجدته إلى ميدان السياسة ، وفى هذا الصدد يقوم المؤرخ بمفاضلة بين الأجناس يضفى عليهاأحكاما تفسيرية يفسر من خلالها حركة التاريخ ، ولعل الأسطورة التاريخية التى نسجت حولأفضلية الجنس الآرى عن سائر الأجناس تبرز لنا مضمون تلك النظرية ، إذ قال بها بعض العلماءمنذ بداية القرن التاسع عشر ومنهم "جوبينو" الذى يقول: "إن الظروف العنصريةهى التى تحكم المشكلات الكبرى فى التاريخ ، فالتفاوت العنصرى كاف إذن لتفسير مصائرالشعوب حيث تستطيع الأجناس الراقية إحراز التقدم فى الوقت الذى تظل فيه أجناس أخرىكالهنود الأمريكيين مثلا محكومة اجتماعيا وثقافيا بميراثها العنصرى ، لذلك فإن كل المدنياتالأساسية من عمل الآريين"(4) .


ولا يغيب عن بالنا مدى اتفاق نظرية التفسير العرقى مع التفسيراليهودى للتاريخ التى تخدم أغراضهم الخبيثة ، فهم يزعمون أنهم شعب الله المختار الذىاصطفاهم على سائر خلقه ، وباقى شعوب الأرض أمميون كقطعان الأغنام والبهائم ، من هذاالمنطلق نبعت نظرية التفسير العرقى من حيث الذات اليهودية التى أرادت أن تجعل من تاريخاليهود محورا للتواريخ الدولية .


ولكن ثمة شعور يهودى بالكراهية المتبادلة بينهم وبين شعوبالأرض بسبب تلك المقولة التى أراد لها مفكرو اليهود أن تكون عالمية وإن عرَّضهم ذلكلاضطهاد العالم ونقمته . من هنا كان البث اليهودىلهذه الفكرة من خلال إلباسها لشعوب أخرى عن طريق الزيف والتلفيق وبعث القوميات والعصبياتالتى تشعل نار العداوة والبغضاء فيما بينها ، وتعمل على تقسيم الوحدات الكبرى السياسيةلبعض الشعوب حتى يسهل عليهم النفاذ إلى أغراضهم ، ومما يؤيد ذلك ما جاء فى البروتوكولالخامس " لقد بذرنا الخلاف بين كل واحد وغيره فى جميع أغراض الأمميين الشخصيةوالقومية بنشر التعصبات الدينية والقبلية خلال عشرين قرنا . ومن هذا كله تتقرر حقيقةهى أن أية حكومة منفردة لن تجد لها سندا من جاراتها حين تدعوها إلى مساعدتها ضدنا هونكبة على كيانها الذاتى " (5) . ولعله من المفيد هنا أن نبرز بعض النتائجوالآثار التى حلت بتواريخ العالم بصفة عامة وبالتاريخ الإسلامى بصفة خاصة من جراء تلكالنظرية الخطيرة التى أثقلت كاهل الشعوب ومزقت كيانها السياسى والاجتماعى والاقتصادىلفترات طويلة :


أ- برز الدور اليهودى واضحا فى التمهيد للحرب العالمية الأولىوالثانية وذلك بإثارة الصراع بين الجنسيات الكبرى السائدة فى العالم ليدمر إحداهماالأخرى وقد لعب "ريتر" على أوتار تلك الفكرة الخبيثة فى كتاباته وأقوالهكما أشاعها آنذاك وروَّج لها فى المحافل السياسية والدولية ، وتمكن بالفعل من إذكاءنار العداوة بين الجنس القوقازى الذى يشمل روسيا الشيوعية ومنطقتها الشرقية بأكملهاوبين الجنس الآرى حتى إذا ما قامت الحرب العالمية الأولى ثبت أحد الجنسين بينما انحدرالجنس الآخر(6). ولعل من أبرز نتائج تلك الحركة الاستمرارية تفوق الجنسالألمانى كما يرى الألمان اليوم تلك الفكرة التى تشبع بها من قبل القائد الألمانى"هتلر" وعمل على استخلاص شعب متميز عرقيا بسمات خاصة(7) .


كما واتبع اليهود نفس الفكرة فى التمهيد للحرب العالمية الثانيةوذلك بإثارة الخلافات بين الفاشستية "الفاشية والنازية" وبين الصهيونية العالميةوالتى تسببت فى عداء " هتلر " لليهود لما قاموا به من دور خطير إبان هذهالحرب ، لأنه كان مقدرا فى حساباتهم تدمير الفاشستية وبقاء الثانية بجانب القوة المنتصرةفى تلك الحرب(8) .


ب- بعد الحرب العالمية الثانية ركز اليهود على إثارة العروبةوالجنس العربى مع سائر الأجناس الإسلامية ، الأمر الذى أدى إلى ظهور تواريخ محلية إقليميةتميزت بالعصبية التى تجافى روح الإسلام ودعوته العالمية ، ونظرة سريعة اليوم إلى تاريخالإسلام الذى عاش ردحا طويلا من الزمن يؤرخ له المسلمون القدامى فى إطار وحدته المذهبيةوالسياسية لنراه اليوم ممزق الأوصال على النحو التالى:


إن إسقاط الخلافة التركية بعد عملية التتريك التى تمت عنطريق جمعية الاتحاد والترقى والتى لعب يهود الدونمة من خلالها دورا بارزا بمساعدة بعضالمحافل الماسونية آنذك ، قد أدى إلى تشويه تركيا الإسلامية التى كانت أكبر قلاع المسلمينآنذاك وقد استهدفت عمليات التشويه السلطان عبد الحميد الثانى على وجه الخصوص الذى قضىعلى آمال اليهود فى استيطانهم لفلسطين ، فنرى ذلك التاريخ المشرق يتبدل ليسمى بتاريخالرجل المريض ، كما نرى الجماعات اليهودية تتصدر حملات كبرى لتشويه التاريخ العثمانىالإسلامى بوسيلتين من أخس الوسائل :


الأولى: إصدار المطبوعات التى تهاجم السلطان عبد الحميد داخلحدود الدولة الإسلامية ولاسيما داخل مصر عن طريق المحافل الماسونية والجمعية الإسرائيليةوالمتأمل فى تلك المطبوعات يجدها هى نفس المطبوعات التى كان يحررها أعضاء جمعية"تركيا الفتاة" والتى تناولها العلمانيون فيما بعد وفسروا التاريخ العثمانىالإسلامى وفق ما جاء فيها ، وقد أثمرت تلك المطبوعات بالفعل فى تشويه التاريخ العثمانى، فلا غرابة أن نرى مناهج التاريخ الإسلامى فى بعض المدارس والجامعات الإسلامية مازالت تنظر إلى التاريخ العثمانى نظرتها إلى التاريخ الاستعمارى البغيض .


الثانية: استقطاب أعداد من زعماء العالم الإسلامى للعمل ضدالدولة العثمانية ومناصرة قضية العروبة ، ومن الغريب أننا نرى بعد فترة من الزمن أنبعض هؤلاء الزعماء كانوا أعضاء عاملين فى المحافل الماسونية ، ومن هؤلاء جمال الدينالأفغانى الذى ذكرت بعض الكتب وثيقة بخط يده يطلب فيها الانضمام إلى بعض المحافل وقدردوا عليه بوثيقة أخرى مفادها أنهم قبلوه عضوا عاملا ومهما فيها(9) .


- وبعد ما تم لليهود والماسونيين تتريك تركيا على نحو ماأسلفنا ، اتجهوا لإثارة العصبيات العرقية بين شعوب العالم العربى الإسلامى مثل: الأكراد، الشراكسة ، الفارسية ، الفرعونية ، البربرية، الأمر الذى ساعد على ظهور بعض التفسيرات العرقية فى التاريخ المعاصر تلك التفسيراتالتى أحيت العصبيات البغيضة التى تجافى روح الإسلام ، والتى تسببت اليوم فى تمزق وحدةالعالم الإسلامى والتى باتت فيه الوحدات السياسية العظمى منعزلة بعضها عن بعض فكرياوتاريخيا .


- ومن مظاهر التزييف التاريخى فى هذا الصدد إضفاء العرق اليهودىعلى بعض الشعوب كذبا وبهتانا لخدمة أغراض اليهود السياسية ومن أمثلة ذلك ما تردده الكتاباتاليهودية بأن يهود الخرز من السلالات اليهودية ، وهذا أمر بعيد كل البعد عن الصحة والصواب، فمن الثابت تاريخيا أن خان الخرز "الخان بولان" هو الذى اعتنق اليهوديةفى القرن السابع الميلادى وقد فرضها على شعبه الوثنى ، وتحكى المصادر التاريخية أنذلك الخان قد استشار ثلاثة من علماء الدين الإسلامى والمسيحى واليهودى ، وسألهم أىالديانات يعتنق ، وحينما استغرق الثلاثة فى جدل طويل ، تدخل الخان وسأل كل واحد منهمعلى حدة ، فكان سؤاله للمسلم : إن كان عليه أن يترك الإسلام فأى الديانتين يختار ؟فأجاب بأن اليهودية أقرب إليه من المسيحية . ثم سأل المسيحى نفس السؤال فأجاب بأن اليهوديةأقرب إليه من الإسلام ، وعلى هذا الأساس البسيط اعتنق "خان بولان" اليهوديةباعتبارها قاسما مشتركا وفرضها على شعبه الخرزى لذا فإن الشعب الخرزى من سلالة يهوديةمقولة كاذبة إذ لم تربطهم أية وشيجة ولا أى نسب على الإطلاق بالأب إبراهيم ولا الحفيدإسرائيل ولا الأسباط الإثنى عشر(10) .


وإن كانت الدوافع وراء تلك المقولة يشوبها بعض الغموض إلاأننا قد نجد لها تفسيرا لعله يكون أقرب إلى الصواب ، فمن الملاحظ اليوم أن الغالبيةالعظمى التى تشكل دولة إسرائيل هم من أصل خرزى ، بل إن منهم القادة الكبار أمثال"هرزل" وكذلك "وايزمان" و"مناحيم بيجن" و"ابن جوريون"و"ديان" وغيرهم . من هنا جاء التزوير التاريخى فى إضفاء العرق اليهودى لشعوبالخرز تكريما لهؤلاء القادة والغالبية العظمى من سكان إسرائيل(11) .





ثانيا : التفسير الجبرى اللاهوتى للتاريخ" العناية الإلهية "


يعرف هذا التفسير فى التاريخ بالجبرية اللاهوتية أو العنايةالإلهية ، إذ يرى أصحاب هذا التفسير أن كل ما يجرى فى العالم من أحداث إنما هو مقدرمنذ الأزل فلا راد له أو مفر منه ، وقد وجدهذا التفسير سبيله إلى بعض الديانات فيما تسميه بفكرة العناية الإلهية والتى تسلم تسليمامطلقا بأن إرادة الله تتجلى بوصفها صانعة التاريخ والمحركة لأحداثه ، ولا ينبغى للمرءأن يشغل عقله بالبحث عن تفسيرات لكيفية حدوث التاريخ لأن ذلك أمر يعجز عن إدراكه العقلالبشرى المحدود الذى لا يملك فى نظرهم سوى الاعتبار بآثاره . ومعنى ذلك أن أصحاب هذاالتفسير يرفضون فكرة العلِّية التاريخية التى تربط الأسباب بالمسببات بل على المرءمنهم أن يقف موقف الناقد والمهاجم لكل تفسير تاريخى يعتمد على التحليل والتعليل واستنباطالحقائق(12).


ولا يغيب عن البال مدى اتفاق هذا التفسير مع الفكرة العامةللتاريخ عند اليهود فهم يرون - كما عرفنا سابقا - أن كل حدث تاريخى هو تعبير عن إرادةالله وأن الحقائق التاريخية ما هى إلا مواقف بين الله والبشر ، وأن ما يحل من خير أوشر إنما هو سببه رضى الله أو غضبه على اليهود وهذا التفسير الجبرى للتاريخ مناقض تمامالروح الإسلام وتعاليمه الغراء للأسباب التالية :


- إن الإنسانقد زوده الله بإرادة حرة يمكنها أن تميز بين الخير والشر وهذه الإرادة الحرة قد تحملتبعتها على عاتقها ، فعلى الرغم من قدرة الله التى تحيط به إلا أن السلوك الفاضل للإنسانهو أمر واجب فى الإسلام ومرتبط تماما بحرية الاختيار أو الرفض ولو شاء الله غيرَ ذلكلخلق الإنسان بطبيعة الخير فلا يعرف شرا أو بطبيعة الشر فلا يعرف خيرا . من هنا فإنعلو أمة أو انهيارها لا يكون أبدا إلا بسبب تمسكها بأخلاقياتها أو بتبدل تلك الأخلاقياتوهبوطها .


- كما أن هذاالتفسير يؤدى بالإنسان إلى جمود العقل ويهبط به إلى مدارك الكسل والسلبيات وإلقاء التبعاتعلى الزمان ، وهذا يؤدى بالتالى إلى ضعف الأمم واستكانتها وعدم القدرة على مواجهة التحدياتوالشدائد التى من شأنها تبرز أصالة الأمم وتكشف عن جودة معدنها فقد يرسف شعب ما تحتنير الظلم والعسف إذ عليه أن يقبع فى داره وأن يموت فى مكانه كالشجرة فى انتظار العنايةالإلهية أن تمن عليه بمخلص يخلصه من ذلك الظلم !


وللأسف الشديد وعلى الرغم من أن هذا التفسير قد سيطر علىعقلية أهل الكتاب إبان العصور الوسطى إلا أنه شق طريقه إلى المحيط الإسلامى ثم وجدناصداه عند بعض المؤرخين الأمر الذى أدى إلى تشويه التاريخ الإسلامى وحشوه بالكثير منالخرافات والأساطير والبدع التى يجب تطهيره منها وسوف نستعرض أثرا واحدا من آثار ذلكالتفسير الذى غزا العقلية المسلمة وأحدث فى التاريخ الإسلامى حدثا خطيرا ، ألا وهو" المفهوم الخاطئ لفكرة المهدى المنتظر".


المفهوم الخاطئ لفكرة المهدى المنتظر وأثرهافى الفكر الإسلامى


تعد فكرة المهدى المنتظر إحدى تفسيرات العناية الإلهية فىالتاريخ الإسلامى ، وقد اختلف علماء المسلمين فى صحة مضمون هذه الفكرة ، فمنهم من ينكرهاويراها دخيلة على الفكر الإسلامى ومنهم من يؤيدها ويعتقد بصحتها ، ولسنا هنا بصدد بيانصحة هذه الفكرة من بطلانها ، فإن الأمر أكبر من ذلك ولا تكفى هذه العجالة لتقوم بمثلهذه الدراسة ، وإنما سأكتفى بذكر آراء من يعارضونها فلعله يكون فى رأيهم دافعا لبعضمن طلاب الدراسات العليا ممن يعكفون على دراسة هذا الموضوع لبيان حقيقته وفى اعتقادىأن دراسة علمية منهجية لمثل هذا الموضوع سوف تعود على الدراسات الإسلامية بالخير العميمسواء أثبتت تلك الدراسة صحة الفكرة أو بطلانها .


ومن الآراء التى تعارض هذه الفكرة رأى الشيخ " عبد اللهبن زيد " رئيس الشئون الدينية والمحاكم الشرعية فى دولة قطر إذ أصدر كتابا سماه" لا مهدى ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر " ، وقد أثبت بأدلة عقلية ونقليهبطلان هذه الفكرة منها تعارض الأحاديث الدالة عليها وتناقضها فى الموضوع ، وإن كانتبعض هذه الأحاديث قد تسربت فى بعض كتب الصحاح ، إلا أن البخارى ومسلم لم يأخذا بصحتهامع رواجها فى زمنهما(13) .


- كما أن العلامة أبا الأعلى المودودى قام بتفنيد أحاديثتلك الفكرة وذكرها فى بيانه الذى ألقاه أمام المحكمة التى كانت تحاكمه على موقفه منالقاديانية وأوضح من خلال ذلك البيان أنها فكرة مدسوسة على المسلمين(14).


كما أن ابن القيم أثبت فى كتابه " المنار المنيف فىالصحيح والضعيف "(15) أن فى هذه الفكرة اختلافا بين آراء المسلمين، وبنفس الفكرة تحدث عنها ابن خلدون فى مقدمته (16) .


- ثم تجئ الدراسة التى قام بها الدكتور عبد المنعم النمرحول هذه القضية فى كتابه "الشيعة - المهدى - الدروز" لتضع رأيا جريئا مؤداهأن فكرة المهدى المنتظر فكره باطلة وهى مدسوسة على المسلمين ، وقد قام بتحقيق الأحاديثالدالة على صحتها فوجدها أحاديث ضعيفة لا يُعتد بها فى إثبات صحة هذه الفكرة ، ثم أفاضالحديث عن كيفية تسربها إلى المسلمين والنتائج الخطيرة التى ترتبت على مفهوم تلك الفكرة(17).


وفى رأينا: سواء أصحت هذه الفكرة أم لم تصح ، فإن الحكم علىهذا الموضوع مرهون بدراسة شاملة تأخذ طابعها العلمى المنهجى على أيدى بعض المتخصصينفى حقل هذه الدراسة . وإنما ما يعنينى هنا أن بعض الفرق المسلمة قد أساءت فهم هذه الفكرةعلى فرض صحتها - وراحوا يستغلونها لأغراض دينية وسياسية تخدم مصالحهم الدنيوية العاجلة، حيث استغلوا حالة الضعف والكآبة النفسية التى مرت بها جماعات المسلمين فى مراحل الحكمالإسلامى وأشاعوا القول بمهدى منتظر سوف يخلصهم مما هم فيه وينتقم من أعدائهم ثم يملأالأرض عدلا بعد أن غشيها الجور والظلم .


وعلى ما يبدو أن إساءة المسلمين لفهم هذه الفكرة قد بدأتبخلط بين المقولة التى ألقاها الحبر اليهودى "ابن سبأ" وبين مضمون الفكرةالإسلامية للمهدى المنتظر ، إذ قال ذلك اليهودىبرجعة النبى ، كما كرر القول مرة أخرى عند مقتل على رضى الله عنه : إذ أنكر أنه ماتولو جئ برأسه سبعين مرة ، وأنه لا يزال حيا وسيرجع وينتقم من خصومه . والقول بالرجعةكما هو معروف فكر يهودى دخيل على الإسلام ولكنه وجد صداه فى بعض أذهان المسلمين وخلطوابينها وبين فكرة المهدى المنتظر وذلك لأغراض سياسية ، فقد استغلها أتباع محمد بن الحنفيةعندما مات ، كما استغلها بعض أتباع الشيعة عن مقتل الحسين ، ثم قابل الأمويون الفكرة بفكرة مشابهةإذ قالوا بالسفيانى المنتظر(18) ، كما عزَّ على العباسيين ألا يكون لهممهدى منتظر فوضعت الأحاديث التى تقول بمهديهم المنتظر ، ويعلق الدكتور أحمد أمين علىذلك قائلا: "فنرى من هذا أن عقيدة المهدى فشت فى العلويين والأمويين والعباسيين، وأخذت عند كل منهم لونا خاصا" .


وقد تبلور هذا المفهوم الخاطئ وأخذ أبعاده العقدية والسياسيةعلى أيدى الشيعة حتى صارت من المعتقدات الأساسية عندهم ، فالإثنا عشرية منهم ما زالواينتظرون عودة الإمام " محمد بن الحسين العسكرى "الذى اختفى فى سرداب وهوابن خمسة أعوام ويعدونه مهديا منتظرا ينتظرون عودته حتى اليوم . كما بدأت الدولة الفاطميةوهى إحدى الفرق الباطنية نشأتها وظهورها بفكرة المهدى المنتظر حتى أن أول خليفة تولىحكم الدولة كان يسمى "عبيد الله المهدى" . وهكذا كان مفهوم فكرة المهدى المنتظرالخاطئ ، وهو حديث خرافة أفسدوا به عقول الناس الأمر الذى ترتب عليه من النتائج الخطيرةما عبثت بفكر الإسلام والمسلمين وشوهت الكثير من حقائق التاريخ الإسلامى ، ومن النتائجالخطيرة التى انعكست على عقليات المسلمين طوال حقب التاريخ من جرأة ذلك المفهوم الخاطئ:


- إشاعة الخرافات والأساطير بين المسلمين فيما يرويه الناسعن إعجابهم بشخصية المهدى المنتظر ، وما يتردد على ألسنة المغرضين من كرامات ادعوهاوبطولات لفقوها ولعل التواريخ المؤلفة حول شخصية عبيد الله المهدى ورحيله من سلميةوفراره من أيدى العباسيين ثم سجنه بمدينة سجلماسة فى المغرب ثم تخليصه على أيدى عبدالله الشيعى أكبر دليل على ما حيك حول هذه الشخصية من خرافات وأساطير التاريخ الفاطمى(19).


- ساعد المفهوم الخاطئ لفكرة المهدى المنتظر العديد من مأفونىالعقول على ادعاء النبوة بحجة تجديد العقيدة وهل كانت البابية والبهائية إلا ثمرتينفاسدتين من ثمار ذلك المفهوم الخاطئ ؟


- كما أثر المفهوم الخاطئ لفكرة المهدى على بعض المتصوفةتأثيرا كبيرا إذ إنهم التقطوا الفكرة ثم أعادوا صياغتها بصورة تتناسب ومملكتهم الروحية، فأطلقوا على المهدى "قطبا" متصرفا فى الكون وهو نظير الإمام المهدى عندالشيعة والقطب فى نظرهم هو الذى يدبر الأمر فى كل عصر وهو عماد السماء ولولاه لوقعتالأرض ويلى القطب النجباء وهم أثنى عشر نقيبا على عدد بروج الفلك فى كل زمان وكل نقيبعالم بخاصية برج وبما أودع الله فى مقامه من أسرار وعنده علوم الشرائع ، وأن إبليسمكشوف عندهم ، ومن منطلق ذلك التكوين يتضح أن للصوفية مملكة روحية باطنية لا يدركهاإلا المتصوفة بينما عامة الناس لا يرون منها سوى القشور الظاهرة فقط(20)وهى متأثرة فى ذلك بالفلسفة الشيعية التى تجمع بين الظاهر والباطن وتؤمن بتأويل النصوصوفق رموز وإشارات محددة وهذا منفذ خطير نفذ منه الفكر اليهودى .


ومما يؤيد ذلك أن هناك بعض الكتب للمتصوفة قد غصت بالخرافاتوالأساطير التى يرددها اليهود فى كتاباتهم وأفكارهم ورموزهم الخاصة التى يستعملونهافى محافلهم الماسونية مثل اسم الله الأعظم ، النجمة السداسية ، سلم يعقوب ، وعصا تابوتالرب ، ومن يرد الاستزادة فليرجع إلى الرسالة المطبوعة فى القاهرة للإمام الصوفى"محمد عبد الله الكاسى" بعنوان "الرسالة فى وقوع إشارة الرسم الخماسىالأكرم على عبارة اسم الله الأعظم" وهى من منشورات مطبعة حسان بالقاهرة(21)


التفسير الصحيح لفكرة المهدى المنتظر


أما إذا أردنا تفسيرا صحيحا لفكرة المهدى المنتظر فى التاريخالإسلامى فينبغى أن نتحاشى الفكرة الجبرية فى التاريخ وهى الفكرة السائدة عند مؤرخىاليهود كما عرفنا سابقا وهى بطبيعة الحال فكرة بعيدة عن الصواب ولا يقرها الدين الإسلامىولعل من حديث النبى (ص) التالى تتضح معالم فكرة العناية الإلهية كما يقرها الإسلاميقول " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"(22) . فالحديث فى جوهرة على ما يبدو توضيح لفكرة العناية الإلهية، فالرسالة الإسلامية مكتملة وباقية تؤتى ثمارها للناس فى كل حين على الرغم من موتالنبى (ص) وانقطاع الوحى .


وفى الحديث أيضا إشارة إلى ما يمكن أن يطلق عليه " الدوراتالروحية المتعاقبة "فى حياة الشعوب الإسلامية والتى بمقتضاها تستمر حركة التجديدالدينى لدى المسلمين والتى تعتمد أول ما تعتمد على مبدأ الاجتهاد إذ يعقب كل مرحلةمجدد يخلص المسلمين من البدع والزيف والضلالات المتراكمة عبر المرحلة الزمنية السابقة، وتلك الدورات الروحية بلا شك هى فكرة أساسية فى ثقافتنا الإسلامية . وهكذا بهذا المقومالصحيح يمكن لنا أن نفسر بعض أحداث التاريخ وفق تفسير العناية الإلهية تفسيرا صحيحا(23).


ثالثا: التفسير المادى اليهودى للتاريخ


هذا أيضا واحد من التفسيرات اليهودية للتاريخ ، ويُعد كارلماركس اليهودى صاحب هذا التفسير ويتلخص ذلك التفسير فى أن واضعه حاول أن يفسر أحداثالتاريخ تفسيرا ماديا من خلال النمط الاقتصادى السائد فى المجتمع ، إذ أنه ربط جميعأنماط الحياة بالإنتاج المادى الذى سوف يؤدى بالضرورة إلى تطور حتمى نحو طور معين منأطوار الحضارة الإنسانية .


فالتصور المادى للتاريخ فى مفهوم كارل ماركس يقوم على أساسمبدأ واحد محتوم هو وفرة وسائل الإنتاج لسد حاجات الحياة المادية ، وذلك إيمانا منهمأن جميع الدوافع السيكولوجية فى حركة التاريخ تدعمها من الباطن الأحوال المادية .


ولذلك فإن تاريخ البشرية من خلال ذلك التصور ليس سوى تاريخالكفاح الطبقى فى كل مكان ، وأن الإنتاج ماهو إلا لإشباع الحاجات الطبيعية للإنسان .


ومن النتائج المترتبة على ذلك التفسير إسقاط مقام الألوهيةوإلغاء الديانات بصفة عامة وذلك لأن المادة لها أسبقيتها ووحدانيتها فى مفهوم النظريةالماركسية التى تنظر للدين على أنه أفيون الشعوب .


ومن الثابت تاريخيا ارتباط المصالح اليهودية بالفكر الشيوعىفى المراحل المبكرة من التاريخ ، فإذا ما عرفناأن فكرة الشيوعية تقوم على الإباحة المطلقة فى كل شئ من خلال شيوعية الجميع فى الرزقوالممتلكات وغير ذلك وهى فكرة إلحادية تخريبية تؤدى إلى هدم الشعوب ، إذا عرفنا ذلكأدركنا أن وراء فكرة الشيوعية أصابع يهودية تحركها منذ القدم فقد حركتها على يد مزدكفى القرن الخامس قبل الميلاد كما بعثتها على أيدى القرامطة الذين يعدون آنذاك كأشهرجمعيات اليهود الماسونية التى استغلت بها اليهود عميان الفرس وجهال العرب فى إثارةالطبقات الفقيرة ضد الأغنياء وإحلال الفساد وإشباع الغرائز محل الدين واتجاهاته الروحانية.


أما فى العصر الحديث فقد ثبت بالأدلة اليقينية ارتباط المصالحاليهودية بالفكر الماركسى وتبنى اليهود لفكرة الشيوعية فى العالم ، ففى عام 1829م عقدتجماعة النور الماسونية مؤتمرا لها فى نيويورك ضمت إليه العدميين والإلحاديين وغيرهممن الحركات التخريبية فى منظمة عالمية واحدة تعرف باسم الشيوعية . وقد أكد ذلك الارتباطترتيبهم لنجاح كارل ماركس وصديقه إنجليز وغيرهم من أصحاب النظريات التخريبية يقول البروتوكولالثانى " لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء ولاحظوا هنا أن نجاح دارون وماركسونيتشه قد رتبناه من قبل ، والأثر غير الأخلاقى لاتجاهات هذه العلوم فى الفكر الأممىسيكون واضحا لنا على التأكيد(24) . وجاء فى البروتوكول الثالث " إننانقصد أن نظهر كما لو كنا محررين للعمال جئنا لنحررهم من هذا الظلم ، حينما ننصحهم بأنيلحقوا بطبقات جيوشنا من الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين ، ونحن على الدوام نتبنىالشيوعية ونحتضنها متظاهرين بأننا نساعد العمال طوعا بمبدأ الإخوة والمصلحة العامةللإنسانية . وهذا ما تبشر به الماسونية الاجتماعية(25) .


ثم تأتى خرافة النعيم الألفى التى كان يتشبث بها يهود العصرالتى تنبثق من فكرة النعيم المقيم الذى سيغمر العالم بعد ألفى عام على أيدى اليهودمن بنى إسرائيل بعد تخريبه ، ولا شك فإن هذه الخرافة تتمشى مع فكرة الفردوس الشيوعىالمنشود وهى فكرة انبعثت من الفردوس اليهودى الموعود . يقول العقاد " إن الماديةالماركسية بقية من بقايا الخرافات الإسرائيلية على ما فيها من الترقيع والتفكير الساذجوالنتائج التى لا تستلزمها المقدمات فإذا ما رجعنا إلى الظواهر المرئية فهناك خرافةالنعيم الألفى التى امتلأت بها الأساطير الإسرائيلية العتيقة ولم يفلت كارل ماركس منأوهامها على الرغم من صيحاته باسم العلم والنعيم الألفى خرافة إسرائيلية تقول:"إن العالم سيخرب بعد ألفى سنة ، ثم يخرج من فى القبور من أبناء إسرائيل فيعمرونهفى نعيم مقيم لا تبديل فيه ولا تأخير ولا تقديم إن هذا النعيم الألفى هو ميراث اليهودىالملحد كارل ماركس من أساطير اليهود الخرافية(26) .


إن هذا الفكر الإلحادى وتلك النظرية فى تفسير التاريخ تخالففكرة التاريخ عند المسلمين لأنه تفسير غريب عليهم ، فالإنسان المسلم يلبى دائما مطالبهالمعنوية وحاجته المادية كما هو معروف من تاريخه بل مطلوب منه أن يوازن بينهما موازنةدقيقة ، وقد أدرك المؤرخ المسلم من خلال تلك الموازنة نوعية الحركة فى التاريخ تلكالنوعية التى من خلالها تقام الحضارات وترقى الشعوب إذا ما تحكمت فى غرائزها وكبتتشهوات النفوس . أما إذا حصرت اهتماماتها فى المادة فإن ذلك سيؤدى بها إلى مسخ فى أفكارهاالإنسانية وهبوط إلى درك الحيوان يقول الله تعالى : " والذين كفروا يتمتعون ويأكلونكما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم"(27) إن الهبوط إلى مستوى هذا الدركيعنى فى نظر المؤرخ المسلم سقوط الحضارات .


وإن كنا جميعا نسلم بخطورة التفسير المادى للتاريخ الإسلامى، فإنه مما يؤسف له أننا نرى بعض المستشرقين ومن تابعهم من أبناء المسلمين قد حاولوامرارا تطبيق هذا التفسير على بعض أحداث التاريخ الإسلامى مما أدى إلى تشويهه وتزييفه، وغياب الفكرة الإسلامية وراء الحدث التاريخى .


فمثلا "مونتجمرى وات" فى كتابه "محمد فى مكة"يقول إن محمد كان يذهب إلى غار حراء لا ليتعبد كما هو معروف ، ولكن للاصطياف !! ويعللذلك بأن أغنياء مكة كانوا يذهبون إلى الطائف هربا من حرها ، أما هو فلم يكن فى وسعهمجاراتهم لفقره ، لذا كان يذهب إلى غار حراءلكى يصطاف(28) ! فأى تفسير مادى هنا وراء انقطاع النبى عن الناس وما شغلذهنه آنذاك من تفكير فى عظمة الخالق ، وما وصفت له النفس من خلوة مع خالقها ، ثم أليسفى مقدور زوجته خديجة آنذاك وقد كانت من أثرياء قريش أن تكفل له أعباء الاصطياف ؟ إنهالتشويه للخبر التاريخى وإحلال التفسير المادى محل الفكرة الإسلامية من وراء الخبرالتاريخى.


وعندما أراد الماديون تفسير أسباب ظهور الإسلام فى الجزيرةالعربية أرجعوها إلى أسباب مادية اقتصادية كما تمليها عليهم نظريتهم إذ أنهم يرون أنظروف البيئة القاسية والفقر الذى خيم على أغلب الطبقات الفقيرة آنذاك ، وطبقة العبيدالتى كانت ترزح تحت نير أسيادها . كل ذلك كانت عوامل اقتصادية دفعت - فى نظرهم - إلىظهور الدين الإسلامى ، ودليلهم أن طبقة العبيد دون سواها هى التى بدأت بتعضيد ذلك الدين!!


ولنا أن نتساءل أى تفسير مادى يصلح هنا لبيان أسباب ظهورالإسلام والدوافع الحقيقية التى عبقت صدرو الرجال حينما قرروا رفع لواء الدعوة الجديدةضد طواغيت الكفر والطغيان ؟ .


إن الاستجابة للدعوة كانت خالصة من أية مطامع مادية ، فبماذانفسر صبر الرسول (ص) وأصحابه على الأذى على الرغم من العروض المادية التى عرضتعليه ؟ وبماذا نفسر تركهم لبيوتهم وأموالهم وأسرهم وهجرتهم إلى المدينة لمؤازرة الدعوةوقد كانوا أصحاب ثروات مثل أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما ؟ إن التفسير المادى لأسبابظهور الإسلام معناه إنكار نبوة النبى (ص) والتشكيك فى صحةالرسالة الإسلامية على أنها رسالة إلهية .


وكما فسروا ظهور الإسلام تفسيرا ماديا ، راحوا يفسرون الأسبابالإسلامية للفتوحات تفسيرا ماديا إذ أنهم أحاطوها بدوافع اقتصادية لا أساس لها من الصحة، فقالوا : إن دوافع فتح الأندلس وسائر الفتوحات بصفة عامة كانت لمعالجة مشكلة الغذاءكى يُقتل الرجال ويقل الطلب ، وهذا ما كانت عليه الأوضاع فى الجاهلية فى زعمهم وأنالجهاد الإسلامى لا يختلف كثيرا عن حروب الجاهلية وإن كان قد طور ونُسق بشكل جديد(29).


وإننى لأتساءل هنا أيضا . أى تفسيرات مادية أو مطامع اقتصاديةيمكن أن نفسر من خلالها سلوك أولئك الرجال وهم الزمرة المختارة التى حملت على عاتقهامسئوليات الفتوحات الإسلامية وقد وصفهم المقوقس فى خطاب له إلى ملك الروم : "... والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا ، إن الرجل الواحدمنهم يعدل مائة رجل منا ، ذلك لأنهم قوم الموت أحب إليهم من الحياة ، يقاتل الرجل منهموهو مستبسل ، ويتمنى ألا يرجع إلى أهله ولا بلده ولا ولده ، ويرون أن لهم أجرا عظيمافيمن قتلوا منا ، ويقولون إنهم إن قُتلوا أُدخلوا الجنة ، ونحن قوم نكره الموت ونحبالحياة ، فكيف نستقيم نحن وهؤلاء وكيف صبرنا معهم"(30) .


وأية مطامع مادية فى مسلك عكرمة بن أبى جهل فى اليرموك إذقاد فرقة سميت بفرقة الموت وكان مهامها أن تهاجم قلب جيش العدو وأبلى بلاء حسنا فقيلله : " اتق الله وأرفق بنفسك " فأجاب : " كنت أجاهد بنفسى عند اللاتوالعزى فأبذلها لها ، أفأستبقيها الآن عن الله ورسوله ... لا والله أبدا"(31)واستشهد عكرمة ومعه جمع غفير من المسلمين آنذاك .


وأية مطامع مادية فى موقف " عامر بن عبد قيس "بعد فتح المدائن ، إذ جاء ذلك الرجل بحق يبدو أنه كان مليئا بجواهر ثمينة ، وسلمه لصاحبالأقباض ، فانبهر له هو وأصحابه وقالوا لعامر : " هل أخذت منه شيئا ؟ " فردعليهم قائلا : " أما والله لولا الله ما أتيتكم به " فقالوا له : من أنتفقال : " لا والله لا أخبركم لتحمدونى ، ولا غيركم ليقرظونى ، ولكن أحمد اللهوأرضى ثوابه " وانصرف الرجل ، ولكن اتبعه الرجال حتى انتهى عامر إلى أصحابه فعرفوهوعرفوا فيه صدق إيمانه(32) .


وبهذه الروح العالية التى حركتها بواعث الشهادة فى سبيل اللهاندفع المسلمون يفتحون مشارق الأرض ومغاربها رافعين راية الإسلام خفاقة دون أن ينتابهمبصيص من مطامع مادية ، ولما كان هؤلاء الفاتحون رسل هداية ودعاة دين قبل أن يكونوارجال حرب ، فقد انتشر الإسلام انتشارا واسعا حيث أقبلت عليه شعوب الأرض عن طواعية واختيارلما رأوا فيه من جوانب الرحمة والإنسانية ، ولما رأوا فى رجاله من مثل عليا فى السلوكوالعلاقات . وللأسف الشديد فقد وجد من أصحاب التفسير المادى من شوَّه هذه الصورة وحاولأن يفسر ظاهرة انتشار الإسلام تفسيرا ماديا إذ ادعوا أن الإسلام قد انتشر بحد السيف!! .


ولا نود أن نستطرد فى الإجابة أو الرد على هذه الشبهة فقدرد عليها بعض المسلمين الأفاضل بما فيه الكفاية ، ولكننى أود أن أطرح هذا التساؤل لهؤلاءالماديين :


- لماذا التزم المسلمون طيلة حروبهم ببعث رسل تحمل الرسالةإلى العدو تخِّيره بين ثلاث : إما الإسلام ، وإما الجزية ، وإما الحرب ؟ وذلك قبل بدءالعمليات الحربية ؟ .


- وبماذا نفسر موقف أبى عبيدة بن الجراح مع أهالى حمص الذينقبلوا دفع الجزية إليه على أن يبقوا على ديانتهم ، فإذا به يرد إليهم جزيتهم حيث إنهرأى عدم مقدرته على الإيفاء بعهده معهم بعد أن انتقل بجيوشه إلى مكان آخر لا يمكنهمن الدفاع عنهم(33) . وكان هذا الموقف العادل من ذلك القائد سببا فى دخولأهالى حمص فى الإسلام دون تردد . إذن بماذا نفسر ذلك الموقف ؟ .


- وبماذا نفسر موقف القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلى"مع أهالى "سمرقند" الذين شكوه إلى الخليفة "عمر بن عبد العزيز"لأنه أخرجهم من ديارهم وقاتلهم دون سابق إنذار يخيرهم فيه بين الثلاث : الإسلام ، أوالجزية ، أو الحرب ؟ فطلب الخليفة من قاضيه "سليمان بن أبى السرى" أن يحكمبين قائده وأهالى سمرقند ، فحكم بخروج "قتيبة" وجيشه ثم ينابذهم على سواءفيكون صلحا جديدا أو ظفرا عنوة ، فقال أهل سمرقند رضينا بما كان ، ولا نحدث حربا جديدةوتراضوا بذلك (34) ، وقد عظم هذا الموقف فى أعينهم فدخل أكثرهم فى الإسلامعن طواعية واختيار إذن بماذا نفسر ذلك الموقف أيضا ؟ .


رابعا: التفسير القومى اليهودى للتاريخ


ينحصر هذا التفسير فى فكرة القومية الضيقة القائمة على اللغة أو الأرض أو الجنس ليجعلمن كل منها دعامة النهضة فى المجتمعات .


والقومية مفهوم ابتدع حديثا مخالفا تماما لما تعارف عليهالأقدمون إذ كان يعنى عندهم الأهل أو الأقربين يقول الله تعالى: "ويا قوم لا يجرمنكمشقاقى أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد"هود 89 .


أما اليوم فإن ذلك المفهوم يعنى أن جماعة من الناس تعيش فىمنطقة واحدة ، ويربطهم جميعا رباط من الوحدة التاريخية واللغوية والدينية والاقتصاديةبهدف أن يعيش أفرادها فى ظل نظام واحد .


وغنى عن البيان أن تلك القومية بمعناها الإقليمى الضيق بدعةيهودية أرادها اليهود لتلعب بنفوس الناس وفق أهدافهم التى خططوا لها ، منذ جاء فى البروتوكولالخامس: "لقد بذرنا الخلاف بين كل واحد وغيره فى جميع أغراض الأممين الشخصية والقوميةبنشر التعصبات الدينية والقبلية خلال عشرين قرنا . ومن هذا كله تقرر حقيقة هى أن أيةحكومة منفردة لن تجد لها سندا من جاراتها حين تدعوها إلى مساعدتها ضدنا ، لأن كل واحدةمنها ستظن أن أى عمل ضدنا هو نكبة على كيانها الذاتى" (35) .


وقد ظهرت فكرة القومية فى الفكر اليهودى مبكرة منذ ظهور السيدالمسيح عليه السلام ، حيث انقسم اليهود إلى قسمين : قسم آمن بالسيد المسيح وتسموا بالمسيحيينوقسم انشق وكفر به ، ولما انتشرت المسيحية وقويت شوكتها أنزلت جام غضبها على اليهودالذين كفروا بالمسيح طوال حقب التاريخ ، ولم يجد اليهود الأمن والاستقرار إلا فى ظلالإسلام ، وفى تلك الظلال الوارفة عمل اليهود للكيد والخداع مستهدفين المسيحيين أعداءهمفأقاموا الكثير من التنظيمات السرية كانت أخطرها "الماسونية" التى رفعت شعارالمؤاخاة بين اليهودى والمسيحى ، ثم ابتدعوا بعد ذلك "القومية" والتى أقاموهاعلى دعائم من العرق أو اللغة أو الأرض ، وقد تمكنوا من خلالها أن يفرقوا بين الناستارة أو يقاربوا بينهم تارة أخرى حتى تمزقت أواصر الجماعات وتبعثر عقد وحدتها هنا وهناك(36)حتى كانت أخر بدعهم " الشيوعية " التى آخت بين الشيوعيين وفرقت صلات القربىبين الأب وابنه والأخ وأخيه والصديق وصديقه ، والتى جنوا من ورائها مكاسب مادية كبيرةبالإضافة إلى انقسام العالم إلى معسكرين متصارعين متعاديين مما يسهل عليهم سرعة النفاذإلى أغراضهم الخبيثة .


وقد تسرب هذا التفسير القومى المستحدث إلى تاريخ المسلمينمنذ قرن تقريبا وذلك لتسهيل مهمة الاستيلاء على فلسطين ، إذ نراهم يحملون هذا المفهومالمتعصب إلى دولة الخلافة التركية لتقطيع أوصالها وتهديم بنيانها ، وجعل أهلها شيعاومذاهب حتى سقطت الخلافة الإسلامية وتم الاستيلاء على فلسطين بسهولة فى أعقاب الحربالعالمية الأولى بعد صدور وعد بلفور عام 1917م بمساعدة بريطانيا .


ثم بعد ذلك عمدوا إلى تفسير التاريخ الإسلامى تفسيرا قوميايقوم على أساس أن العرب هم أساس التاريخ الإسلامى فالرسالة رسالتهم والنبى نبيهم حتىوصل بهم الحال إلى تسمية الرسالة الإسلامية بالرسالة المحمدية وهى بالطبع فكرة خبيثةمؤداها انتفاء الصفة الإلهية عن تلك الرسالة الخالدة . وقد تبنى بعض المستشرقين هذاالتفسير فى بعض جامعات الغرب وسايرهم بعض الدارسين من المسلمين الأمر الذى أفضى إلىتعريب الإسلام وتعريب إنتاجه الحضارى إذ جعلوا العرب هم صانعو تاريخ الإسلام دون غيرهموقد تسببت تلك النظرة الضيقة فى تمزيق التاريخ الإسلامى وضياع وحدته المنهجية حتى نراهاليوم غاصا بتواريخ تنضج بالعصبيات الفرعية من فرعونية وجاهلية وفارسية وكردية وبربريةوغيرها فى مقابل تلك القومية التى أبرزت الجنس العربى وجعلته مناط حركة التاريخ . فمثلانرى المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر تصدر سلسلة بعنوان سلسلة أعلام العرب .كما نرى كتبا تصدر من بعض أساتذة عاملين فى حقل الدراسات الإسلامية تحمل مثل هذه العناوينالتى تتبنى التفسير القومى منها على سبيل المثال كتاب "محمد والقومية العربية"للدكتور على حسنى الخربوطلى وإننى إذ أسرد على القارئ الكريم أمثال تلك الكتب لتنتابنىالدهشة ، فهل كان محمد (ص) داعيا لرسالة عربية فقط أم داعية لرسالة إسلاميةإنسانية ؟!


إنها البدعة اليهودية التى أرادها اليهود لتلعب بعقول ونفوسالعرب لعب الخمرة بالرءوس إذ هدفوا من ورائها حصرا لأفق الدين الإسلامى فى سلالة العربمما يؤدى إلى إثارة العناصر الإسلامية غير العربية وشحن قلوبها بالحقد والكراهية الأمرالذى يفضى إلى تمزيق وحدة المسلمين وإحياء للشعوبية التى أماتها الإسلام . كما وأنهمرموا من وراء ذلك أيضا إلى إلغاء سمة من أهم سمات الدين الإسلامى والتى تميز بها عنسائر الديانات وهى سمة العالمية بغض النظر عن الطوائف والجنسيات مهما كانت عراقتها.


ولا شك أنها دعوة خبيثة يرمون من وراءها أن تصير الدعوة الإسلاميةبمرور الوقت وبأثر تلك الفكرة حركة إصلاحية وضعية تختفى بمرور الزمن وصدق الله العظيمإذ يقول "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون" سورة التوبة آية 32





إن فكرة القومية العربية لفكرة غريبة على الإسلام حقا ودخيلةعلى المسلمين الذين عاشوا طيلة حقب التاريخ يفتخرون بشرف انتسابهم للإسلام لا للقوميةالعربية أو إلى جنس بعينه - كما هو معروف عن اليهود - وقد أدرك ذلك جيدا السلف الصالحرضوان الله عليهم فعمر بن الخطاب ينادى بلال الحبشى بقوله "سيدنا" والرسوليقول: "سلمان منا آل البيت" . فهل بعد ذلك ننكر دور غير العرب فى نشر الدعوةالإسلامية وتطور الفكر الإسلامى فى الوقت الذى وقفت بعض العناصر العربية العريقة فىوجه تلك الدعوة ؟ وهل يمكن أن ننكر تاريخ علماء الهند وبخارى وسمرقند وباكستان وبلادما وراء النهرين بأكملها وبلاد البربر فى التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية بصفةعامة ؟ إن فكرة القومية خدعة من خدع اليهود ولو كان فى الدعوة الإسلامية رائحة من روائحتلك القومية المريضة ما أقبل عليها أصحاب القوميات الأخرى مثل هذا الإقبال .
































مصادر ومراجع المبحث الثانى


1 ـ بروتوكولات حكماء صهيون ترجمة محمد خليفة التونسى .


2 ـ المرجع السابق


3 ـ المرجع السابق


4 ـ انظر أدب التاريخ عند العرب مرجع سابق ص38


5 ـ بروتوكولات حكماء صهيون مرجع سابق .


6 ـ قام اليهود بدور فعال فى الحرب العالمية حتى أصبحوا عقبةأمام الحكومات الأوروبية ولاسيما ألمانيا إذ استطاعوا إحداث الارتباك عن طريق المؤامراتالتى تحاك فى جميع الوزارات والحكومات بما لهم من ثقل فى الاتفاقات التجارية والالتزاماتالمالية فقد جاء فى البروتوكول السابع : " ويجب علينا أن نرد على أى دولة تجرؤعلى اعتراض طريقنا بدفع الدول المجاورة لها على إعلان الحرب عليها .. ولكن إذا ما قررتالدول المجاورة بدورها أن تتحد ضدنا فيجب الرد عليها بإشعال حرب عالمية " ، كماقامت اليهود بدور إعلامى رهيب ساعد على اندلاع الحرب العالمية إذ أثارت حربا أيديولوجيةبين المذاهب السياسية والعناصر الجنسية المتعارضة من ديمقراطية وفاشستيه ونازية وشيوعية.


7- نادى هتلر فى كتابه " كفاحى " بضرورة إخضاعجميع البرامج الدراسية لخدمة الدولة النازية على أن يكون لها هدف واحد هو تنشئة طفليكون نموذجا جديدا للألمانى القح تحت شعار ألمانيا فوق الجميع " انظر محمد عبدالعزيز منصور فى " كتابه اليهود المغضوب عليهم " دار الاعتصام ص 259


8- كانت ألمانيا تعمل على أن تسود العالم فى أعقاب الحربالعالمية الأولى فإذا بها تصطدم بعقبة كئود أفقدتها آمالها حيث وجد هتلر أن ينابيعالمال أصبحت فى يد اليهود ومن المعروف أن المال هو القوة الرئيسية للحرب عندئذٍ قررهتلر أن ينقذ بلاده من هؤلاء اليهود حتى يوفر الأموال اللازمة لمشروعاته فكانت نقمتهعلى هؤلاء اليهود الأمر الذى دفع رجالات بيوت المال من اليهود أن يتجمعوا بأموالهمفى الدول المعادية لألمانيا وشدوا من أزر الحلفاء وأمدوهم بالأموال وشجعوهم على استمرارالحرب حتى انتصروا على ألمانيا .


9- انظر صورة الطلب الذى قدمه السيد جمال الدين الأفغانىللانضمام إلى الماسونية عن كتاب "سيد جمال الدين مشهوريه أفغانى" طهران383 ، وقد قام محمود ثابت الشاذلى بنقله فى كتابه "الماسونية: عقدة المولد وعارالنهاية" مكتبة وهبة القاهرة 1986م ص77 . وقد جاء فى حاشية ذلك الكتاب أن الدكتورمحمد حرب عبد الحميد فى ترجمته وتقديمه وتحقيقه لكتاب " مذكرات السلطان عبد الحميد" دار الأنصار القاهرة . قد أورد وثيقتين عن كتاب بالفارسية " سيد جمال الدينمشهوريه أفغانى " لمؤلفيه : أصغر مهدوى وأبرج أشفار طهران عام 1383هـ . الوثيقةالأولى عن صورة الطلب الذى قدمه جمال الدين الأفغانى للانخراط فى سلك الماسونية والوثيقةالثانية صادرة عن " لوج كوكب الشرق "الماسونى بالقاهرة حول انتخابه"رئيسا محترما"!! نفس الكتاب ص75 .


10- الماسونية مرجع سابق ص 208 ، 213 .


11- المرجع السابق ونفس الصفحات .


12- أدب التاريخ عند العرب مرجع سابق ص36 ، 325 ، 326 ،327


13- انظر ما قاله الشيخ عبد الله بن زيد ص5 فى كتابه" سالف الذكر " إذ أنه يرى أن بعض المحققين المسلمين قد أخضعوا أحاديث المهدىالمنتظر للجرح والتعديل فأدركوا فيها من الملاحظات ما جعلهم يرفضون قبولها . انظر تلكالملاحظات .


14- ألقى البيان فى 14/8/1953م وقد عربها من الأورديا إلىالعربية محمد عاصم الحداد ونشر بالعربية طبع مطبعة العلوم والآداب بيروت ص114 ، وقدنقله الدكتور عبد المنعم النمر فى كتابه "الشيعة . المهدى . الدروز" نشرالكتاب العالمى ضمن سلسلة كتاب الحرية رقم 15 طبعة أولى 1987م ص 186 ومما قاله"تختلف مسألة ظهور المهدى اختلافا عظيما عن مسألة نزول المسيح عليه السلام"فالأحاديث فى هذه المسألة "المهدية" على نوعين: أحاديث فيها الصراحة بكلمةالمهدى ، وأحاديث إنما أخبر فيها بخليفة يولد فى آخر الزمان ويعنى كلمة الإسلام... ثم يقول وليس سند أى رواية من هذين النوعين من القوة بحيث يثبت أمام مقياس الإمامالبخارى بنقد الروايات فهو لم يذكر منها رواية صحيحة كما أن الإمام مسلم لم يذكر إلارواية واحدة ولكن ما جاءت فيها الصراحة بكلمة المهدى ... أما الروايات الأخرى التىجاءت فى الكتب غير الصحيحين فقد جمعناها كلها تقريبا .. وفى هذه الروايات عدة وجوهللضعف بصرف النظر عن إسنادها " ثم بين وجوه الضعف فى روايات أحاديث المهدى وكيفاستغلتها الأحزاب لتأييد الحكم ثم أبان أن مجموعة الأحاديث التى ذكرت لا تدل على أنالمهدية منصب دينى يجب الإيمان به وأن استعمالها النبى هو استعمالها كصفة لرجل ينصر السنة ولا يدعى هذا اللقب . إلى أخر ذلك منأدلة .


15- أفرد ابن القيم فصلا كاملا لبيان موضوع المهدية وبدأهقائلا: "سألت عن حديث" لا مهدى إلا عيس بن مريم فكيف يأتلف هذا مع أحاديثالمهدى وخروجه وما وجه الجمع بينهما ؟ وهلفى المهدى حديث أم لا ؟ ثم يجيب على هذه التساؤلات بذكر الأحاديث التى وردت فى المهدىالصحيح منها والضعيف وبيان درجاتها ، ثم يعقب على ذلك قائلا : وهذه الأحاديث أربعة: صحاح وحسان وغرائب وموضوعة وقد اختلف الناس فى المهدى على أربعة أقوال أحدها أنهالمسيح ابن مريم وهو المهدى على الحقيقة . القول الثانى : أنه المهدى الذى ولى من بنىالعباس وقد انتهى زمانه ... القول الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبى من ولد الحسن بن على يخرج آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيكلؤهاقسطا وعدلا ... والقول الرابع : وهو قول الرافضة والإمامية وهو أن المهدى محمد بن الحسنالعسكرى المنتظر " ثم يفيض الحديث عن مهدى المغاربة محمد بن تومرت ويصفه بالكذبوالبطلان ، ثم مهدى الفاطميين الملحد عبيد الله بن ميمون القداح . ثم يختم حديثه بالتعجبمن كثرة انتحال هذا الاسم فى فترات التاريخ إذ صار لكل فرقة مهديها الخاص بها وهذاأمر لم يحدث عند المسلمين فقط ، بل إن اليهود تنتظر قائمها ومهديها والنصارى تنتظرالمسيح عيسى بن مريم .. "فالملل الثلاث تنتظر إماما قائما يقوم أخر الزمان". انظر المنار المنيف فى الصحيح والضعيف حققه عبد الفتاح أبو غدَّه نشر مكتب المطبوعاتالإسلامية حلب ص141 ـ 155


16- أفرد ابن خلدون فى مقدمته فصلا مطولا لمناقشة هذا الموضوعوقد بدأه بقوله ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة بهذا الشأن وما للمنكرين فيهامن المطاعن وما له فى إنكارهم من المستند ، ثم نتبعه بذكر كلام المتصوفة ورأيهم ليتبينلك الصحيح من ذلك . المقدمة تحقيق على عبد الواحد ج2 ص725 ـ 759 .


17- انظر كتابه " الشيعة . المهدى الدروز " ص179ـ 204 ، وقد ذكر المؤلف تحت عنوان "التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدى المنتظر"وقوله: "أعلم أن أحاديث المهدى تدور بين ما يزعمونه صحيحا وليس بصريح ، وبين مايزعمونه صريحا وليس بصحيح ، وإننا بمقتضى الاستقراء والتتبع لم نجد عن النبى حديثا صريحا يعتمد عليه فى تسميته المهدى ، وأن الرسول (ص) تكلم فيه باسمه، وقد نزه البخارى ومسلم كتابيهما عن الخوض فى أحاديث المهدى ، كما أنه ليس له ذكرفى القرآن لهذا لا ينكر على من أنكره ، وإنما الإنكار يتوجه على من اعتقد صحة خروجه"، ثم ذكر أحد عشر حديثا رواها أبو داوود والإمام أحمد والترمذى وابن ماجة وقام بتحقيقهاوقال: " كلها متعارضة مختلفة ، ليستبصحيحة ولا متواترة ولا بمقتضى اللفظ ولا المعنى" ثم يختم حديثه عن فكرة المهدىقائلا : " إن فكرة الإمام المهدى أخر الزمان ؛ فكرة دخيلة على مذهب أهل السنةدخلت إليهم العدوى من الشيعة ، وبناء على أحاديث ثبت عدم صحة الاعتماد عليها فى عقيدةغيبية كهذه ، وكما نطارد الخرافات والأفكار الدخيلة التى لا تمت بصلة إلى العقيدة السليمةولا إلى المنهج الإسلامى الصحيح لتظل عقيدة المسلمين سليمة ، وتظل أفكارهم صحيحة مستقيمة. انظر كتاب " الشيعة ... نفس الصفحات السابقة" .


18 ـ ساق الشيخ عبد الله بن زيد رئيس الشئون الدينية والمحاكمالشرعية فى دولة قطر فى كتابه سابق الذكر "لا مهدى ينتظر بعد الرسول محمد خيرالبشر" ص4 الطبعة الثانية عام1980م .حديثا عن الحاكم فى صحيحه ج4/ص520 من كتاب الفتن الملاحم نصه :


"عن أبى هريرة قال . قال رسول الله :"يخرج رجل يقال له السفيانى من دمشق وعامة من يتبعه من كلب فيقال حتى يبقر بطونالنساء ويقتل الصبيان: الحديث وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاهوعلق الشيخ عبد الله على ذلك بقوله : " وفى الحقيقة أنها كلها غير صحيحة ولا متواترة" .أما عن مهدى العباسيين فقد روى الإمام أحمد فى مسنده ج5 ص277 حدثنا وكيع ،عن شريك ، عن على بن زيد ، عن أبى قلامة ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله :"إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فائتوها ولو حبوا على الثلج ، فإنفيها خليفة الله المهدى " وقد ضاعف ابن القيم هذا الحديث حيث إن على بن زيد لهمناكير تفرد بها فلا يحتج بما ينفرد به .


كما روى ابن ماجة فى سننه ج2 ص1367 عن عبد الله بن مسعودقال : "بينما نحن عند رسول الله (ص) إذ أقبل فتيةمن بنى هاشم فلما رآهم النبى اغرورقت عيناه وتغير لونه فقلت نزال نرى فى وجهك شيئانكرهه ؟ قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرةعلى الدنيا وإن أهل بيتى سيلقون بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتى قوم من أهل المشرق ومعهمالرايات السود يسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونهحتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيته فيملؤها قسطا كما ملئت جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهمولو حبوا على الثلج " ويقول ابن القيم بإسناده ضعف فإن يزيد بن أبى زياد كان سيئالحفظ اختلط فى أخر عمره وكان يقلد الفلوس أى يزيفها . انظر الحديثين وتعليق ابن القيمعليهما فى كتابه " المنار المنيف فى الصحيح والضعيف " مصدر سابق ، نفس الصفحات.


19 ـ انظر اليمانى " كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة" القاهرة 1955م وكتاب " الاستبصار فى عجائب الأمصار " لمؤلف مجهولالإسكندرية 1958م ص167 ، وابن خلكان فى كتابه " وفيات الأعيان وأنباء الزمان" المطبعة الميمنية مصر 1310هـ ج1 ص272 وما بعدها .


20 ـ انظر نشأت التصوف فى كتاب أحمد أمين " ظهر الإسلام" المجلد الثانى دار الكتاب العربى بيروت الطبعة الخامسة 1969م ج4 ص149 وما بعدها، كذلك كتابه " الشيعة " ص170 ، و" الماسونية " مرجع سابق ص51.





21 ـ جاء فى هذه الرسالة " ولكن من حيث الوجه الرحمانىالمقدس فقد أخذ نبى الله داوود عليه السلام الرسم السريانى الثلاثى العرش للاسم الأعظم" الله .... رحمن " والذى صورته هكذا .


والذى يقع عليه الاسمان المقدسان فى لفظين ثلاثى الأحرف هما" أصبهون ـ أبتهون " ص48 ، 49 من الرسالة نقلا عن كتاب الماسونية مرجع سابقص50 ، وقد أورد المؤلف فى الصفحة نفسها بعض الأمثلة لطلاسم المريدين وهى طلاسم ملوثةبفيروس الماسونية اليهودية ، ومن أمثلة ذلك يا من هو : " آحون قاف آدم حم هاءأمين " وتحت هذه الكلمات رموز وبعض أبيات من الشعر توضحها :

ثلاث عصـى صففتبعد خـاتم على رأسها مثل السنامالمقـوم


وميم طميـس أبـتـرثـم سلـم إلـى كل مأمـول وليـسبسلم


وأربعـة مثل الأناملصففت تشير إلى الخيـرات منغير معصم


وهاء شـقيـق ثـمواو مـقـوس كأنبــوب حجام وليس بمحجم


فهذا هـو الاسـمالمعظم قـدره فإن كنت لم تعلمه منقبل فاعلم


فيا حامـل الاسمالعظيم به اكتف لتنجــو من الآفاتحقا وتسلم



اعتمدنا فى نقل هذه المعلومات على كتاب الماسونية لمحمودثابت الشاذلى مرجع سابق ص50 ، ذكرنا ذلك لنوضح دور اليهود فى بث خرافتهم وأساطيرهمالتى كانوا يستعملونها فى الأوساط العامة وغير العامة وذلك بهدف تحريف فكرة المهدىوضياع هيبتها وتأثيرها الفعال إن صح حكمها من خلال الأحاديث الصحيحة .


22- لعل من هذا الحديث ندرك مفهوم المهدية الصحيح وأثره فىالفكر الإسلامى ، فليست هى سوى صفة فيها الهدايةيتصف بها رجل مؤمن ينصر الدين بدون أن يدعى ذلك اللقب يكون داعية مصلحا يبطل البدعويعيد قواعد الدين على أسس صحيحة بعد انحراف وشهود ، وذلك أمر يظهر فى كل وقت .


والمصلحون فى التاريخ كثيرون وبذلك تتجدد للأمة مشاعرها الدينيةوتبقى كلمة الله ومنهجه قائمين إلى أن تقوم الساعة ولن يتعارض ذلك مطلقا مع فكرة ختمالرسالة الإسلامية لرسالات السماء فالمنهج التشريعى ثابت لا يتغير بينما على المجتهدينمن علماء الأمة دور تكييف الحياة بمتغيراتها وفق ذلك المنهج وأن الاجتهاد يكفل للأمةالحيوية والتوافق والتجديد بين الحياة التى يعيشها المؤمن وبين منهج الله الثابت بنصوصهوقواعده وبذلك الاجتهاد تتجدد للأمة عزماتها وتقوى فيها روحها وتشتد إرادتها فى الحقودحر الظلم ، ويقوى بأسها فى وجه أعدائها وبهذا الصنيع تصنع الأمة نفسها بنفسها وتصبحأمة قوية مرهوبة عزيزة الجانب . أما أن تستكين الأمة وتستذل وتغمض العين على قذى إلىحين أن يأتيها مهدى ينقذها ويأخذ بأيديها ويدحر الظلم ويملأ الأرض عدلا فهذا ما لاتقره العقول السليمة ولا يرضاه الإسلام لبنيه .


23- أدب التاريخ عند العرب ص323 .


24- بروتوكولات حكماء صهيون . مرجع سابق .


25- المرجع السابق .


26- الشيوعية والإنسانية فى شريعة الإسلام ص133 طبعة دارالكتاب العربى .


27- سورة محمد الآية 12 .


28- نقلا عن عبد الرحمن على الحجى نظرات فى التاريخ الإسلامىدار العصام . القاهرة ص39 .


29- منهجية الاستشراق فى دراسة التاريخ الإسلامى بحث مقدممن الدكتور محمد عبود إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب التربيةالعربى لدول الخليج بمناسبة احتفالها بحلول القرن الخامس عشر الهجرى ، وقد نشر ضمنمجموعة بحوث من قبل مكتب التربية العربة لدول الخليج بعنوان " مناهج المستشرقينفى الدراسات العربية الإسلامية " الجزء الأول ص354 .


30- محمد فرج المدرسة العسكرية الإسلامية دار الفكر العربىالقاهرة ص129 .


31- المرجع السابق ص131 .


32- نظرات فى دراسة التاريخ الإسلامى مرجع سابق ص70 ، أثرالفكر اليهودى فى كتابة التاريخ الإسلامى دكتور محمد زغروت ص82 وما بعدها . دار الطباعةوالنشر الإسلامية القاهرة مدينة نصر .


33- محمد أبو زهرة العلاقات الدولية فى الإسلام دار الفكرالعربى ص56 . ويشير المؤلف إلى أن أبا عبيدة بن الجراح قد أمن أهالى حمص وتعهد أن يدفعالرومان عنهم فى نظير ما دفعوه إليه ، ولكن حدث أن أصاب الجيش الإسلامى ضعف بسبب طاعونسرى فيه فأرسل القائد أبو عبيدة ابن الجراح إلى أهالى حمص أموالهم وبين لهم عجزهم عنمدافعة الروم وإذ بهم ينشطون لمعاونة القائد العادل الأمين .


34- ابن الأثير الكامل ج5 ص44 طبعة ليدن .


35- بروتوكولات حكماء صهيون .


36- إحسان حقى آراء فى محاضرات مؤسسة الرسالة طبعة أولى1985م ص182 .




l,rt hgdi,] lk jtsdv hgjhvdo hgYsghld