الأرض المقدسة والهيكل فى الفكر اليهودى



القضية الأولى: اليهود وخرافة شعب الله المختار


يدعى اليهود أن الله قد فضلهم على الناس أجمعين بأن جعلهمشعبه المختار والعجيب أنهم وقد أوهموا العالم بهذه الأكذوبة وكانت حجتهم فى ذلك أنهمسلالة الأنبياء الذين اصطفاهم الله بالرسالة وهذه الأسطورة دار حولها التراث اليهودىفقد كان اليهودى على يقين كامل أنه رغم انحطاطه المادى ورغم الظروف التى تحيط به فهوأكثر سموا من الآخرين لأن الله اصطفاه على العالميين بل إن الفكر اليهودى الدينى ليذهبأبعد من ذلك ويؤكد أن اضطهاد اليهود عبر التاريخ هو إحدى علامات الاصطفاء ، وقد أسهمتأسطورة الشعب المختار فى تعميق عزلة اليهود عن الأمم التى يعيشون بين ظهرانيها كماأسهمت فى تأكيد الفوارق بينهم وبين الأجناس الأخرى كما أن الأسطورة تجرد اليهودى منإنسانيته ومن كيانه الزمنى المحسوس لأنها تعليه على ما هو إنسانى وتاريخى .


وقد انطلت هذه الدعايا الخبيثة والتى تعد إحدى الأصول الدينيةوالمعتقدات التى عششت فى عقلية اليهود وانطلت على كثير من الناس وبخاصة المسيحيون حتىذهب بعضهم إلى أن اليهود فضلهم الله على العالميين لأن المسيح كان منهم وقد أثارواتلك الأكاذيب وأفاضوها فى الكتب والهوائيات وعلى ألسنة بعض من المثقفين اليهود ولميفطن المسلمون لهذه الخرافة حتى أصبحوا هدفا للصهيونية العالمية والأحقاد الصليبيةوالمطامع الاستعمارية ، وهذه بلا شك تعد عنصرية ممقوتة ضد الحقيقة الإنسانية التى خلقالله الناس عليها إذ يقول تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكمشعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (1)والغريب أن اليهود بهذه المعتقدات قد وضعوا الأمر فى غير موضعه ، وإذا كانت هناك أمةمختارة ومصطفاة فليست هى أمة اليهود وإنما هى أمة المسلمين ، فالمسلمون بهذا المقياسهم الأمة المختارة حيث يقول الله تعالى: "وكنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروفوتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (2) ويقول سبحانه وتعالى فى موضعأخر: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"(3)


وإن كان محمد )ص) خاتما لمجموعة الرسالاتالسماوية والتى دينها الإسلام ولا دين غيره بدءاً من سيدنا إبراهيم عليه السلام وبنيهإسحاق ويعقوب حتى سيدنا موسى وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين ، فالكل مسلمون وقد عبرتكثير من الآيات عن ذلك مثل قوله تعالى: "قل أمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزلعلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيين من ربهملا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهوفى الآخرة من الخاسرين" (4) فالأمة المسلمة هى الأمة المدركة لحقيقةالعهد بين الله ورسله وحقيقة دين الله الواحد ومنهجه فهى تؤمن بجميع الرسالات وتحترمجميع الرسل وترى أن أصحاب الرسالات السماوية كلهم مسلمون فالإسلام بمعناه العام هوخضوع الوجه لله أى توحيد الألوهية وتوحيد القوامة ثم توحيد العبودية وتوحيد الاتجاهوكما نرى فى هذه الآية الكريمة التى تبين موقف الرسل والرسالات على عهد من الله وميثاقهينبنى عليه فسوق من يتولى عن إتباع أخر الرسالات فالمقرر منه إيمان وتسليم بجميع الرسالاتومن ينكر رسالة من هذه الرسالات كاليهود الذين يكرهون رسالة محمد(ص)فإن هذا كفر واضحوفسوق وخروج عن ميثاق الله مع أنبيائه ومن هنا فإن التشريف سيكون للأمة التى آمنت وصدقتبجميع الرسالات وهى الأمة التى بعث إليها محمد(ص).


أما رأى المسيحية فى اليهود فيبرزه الأنبا شنودة فى كتابه"بنى إسرائيل فى رأى المسيحية" أن اليهود يفخرون بهذا وهم واقعون فى أعماقالخطيئة والفساد كما لو كانت هذه البنوة وحدها - بأن اليهود وحدهم أولاد إبراهيم -كافية لخلاص أنفسهم فى اليوم الآخر!! ويضيف إلى قوله أن الإنجيل يقول لهم: "ياأولاد الأفاعى أراكم تهربون من الغضب الآتى فاصنعوا ثمارا تليق بالتوبة .. ولا تفكرواأن تقولوا فى أنفسكم لنا إبراهيم أبا ، لأنى أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذهالحجارة أولادا لإبراهيم" .. هنا أراهم "يوحنا المعمدان" أن بنوتهملإبراهيم بالجسد لا تفيدهم شيئا ، ما لم يتوبوا ويصنعوا ثمارا تليق بالتوبة ، وإلافإن الغضب الآتى يلحقهم !!


والبنوة لإبراهيم كانت موضع نقاش بينهم وبين السيد المسيحكما يروى يوحنا فى إنجيله: "قالوا له: أبونا إبراهيم .. قال لهم يسوع لو كنتمأولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم.. ولكنكم الآن تريدون أن تقتلونى أنتم منأب هو إبليس ، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا"!!(5) وبذلك ينفى السيدالمسيح أنهم أبناء إبراهيم ما داموا لا يعملون أعمال إبراهيم ، وعليه فاليهود ليسواأبناء إبراهيم ما داموا يعملون أعمال إبليس ، وذاك كان قتالا منذ البدء ... إذن فهمأبناء إبليس وهنا تضع لنا المسيحية مبدأ هاما وهو أنه ليس كل المولودين من إبراهيمبالجسد هم أبناء إبراهيم .


هذا الأمر يوضحه لنا بولس الرسول فى كلمات صريحة فى رسالتهإلى أهل رومية قائلا: "لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون ولا لأنهممن نسل إبراهيم هم جميعا أبناء إبراهيم".


ومعنى ذلك واضحا فإن المسيحية تذكر هناك نوعين من البنوةلإبراهيم: بنوة جسدية ، وبنوة روحية .. أما البنوة الجسدية فلا تفيد شيئا لأن اللهقادر أن يقيم من الحجارة أولادا لإبراهيم .. ونحن قوم لا نحيا بالجسد وإنما نحيا بالروح!!


ويضيف الأنبا شنودة بطريرك الأقباط فى مصر أما البنوة الروحيةفهى بنوة الإيمان "الذين هم من الإيمان يتباركون مع إبراهيم المؤمن" ويقولبولس الرسول فى صراحة ووضوح أعلموا إذن أن الذين هم من الأديان أولئك هم أبناء إبراهيم"إذن الله رب لجميع البشر خلقهم ليعبدوه وليعملوا فى الأرض بنظام يكفل لهم الحياة بماخلقه لهم من نعم فى صور متعددة وسخر لهم كل شئ فى الطبيعة فيعمل الإنسان عقله ويحمدالله ويشكره وجعل لكل عهد من الأنبياء معجزات وآيات بيانات تتفق مع إدراك شعوبهم ومخاطبتهمحتى إذا انتقلوا بتفكيرهم إلى مستوى أعلى أرسل إليهم نبيا بدين يتفق مع ما بلغوا منشأن وجعل لكل نبى آيات بينات لقوله محسوسة تارة ومعقولة مبصرة تارة أخرى لتثبت وجودالله وتؤكد لهم قدرته وتبصرهم بآياته الكبرى وإذا كانت الآيات أنزلت للناس كافة فليسمن المعقول أن يختص قوم بفضل يتوارثونه جيل بعد جيل دون غيرهم مع العلم أن الناس علىمر الزمان يتغيرون ويتبدلون حسب الاندماج والزواج والتفكير(6) .


ولا يمكن أن يساوى الله بين أفراد طائفة بمزايا يتمتع بهاالمحسن والمسئ كما أنه لا يمكن تفسير آياته وكتبه المقدسة بما يدعيه اليهود بأنهم شعبالله المختار وأنه سبحانه وعدهم بأرض يسكنونها وتناسوا أن الله أمر بتشتيتهم بل لعنهمفى جميع الكتب السماوية وذكر مساوئهم حيث أساءوا إلى أنبيائهم قال تعالى: "قلهل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازيروعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل" (7).ومن أهم الأسبابالتى يرتكز عليها اليهود فى اتصالهم بالله وتفضيلهم على البشر هو أن أباهم دون سواهمهو إبراهيم الخليل وقد دحض القرآن ذلك فى آيات كثيرة يقول الله تعالى: "ما كانإبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما"(8) وقال تعالى:"يا أهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده"(9) فهل بعد ذلك ينتسب هؤلاء القومالمضللون إلى إبراهيم عليه السلام ؟ .


القضية الثانية: الأرض المقدسة والهيكل فى الفكراليهودى


البعد العقائدى فى تلك القضية


تحتل الأرض المقدسة والهيكل منزلة كبيرة فى الفكر اليهودىوفى وجدان اليهود وتراثهم القديم والحديث ، وعلينا نحن المسلمين أن ندرك ذلك البعدالفكرى والاعتقادى لمنزلة الأرض المقدسة والهيكل فهما يمثلان البعد الأساسى لقضية فلسطينبرمتها .


واليهود من أهل الكتاب هم كفار - كما قلنا - لأنهم لم يؤمنوابجميع الرسالات السماوية وكتبها المنزلة ولم يؤمنوا برسالة محمد (ص) ، ولا يصح لإنسانأن يؤمن ببعض الكتب ولا يؤمن ببعضها الآخر كما يفعل اليهود ، يقول الله تعالى:"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين" سورةآل عمران آية 85 ، من هذا المنطلق فإنهم كافرون ومن ثم المسلمين لم يرضوا بحيازة اليهودللأرض المقدسة وخصوصا الأقصى فإنهم على غير دين التوحيد ومع كفرهم هذا فإنهم يصرونعلى حيازة الأرض المقدسة وإقامة شرائعهم فيها شرائع الشرك بعد أن يقضوا على كل رمزإسلامى موحد فيه وهو المسجد الذى أسرى إليه الرسول (ص) .


وللأسف الشديد إن هذا البعد الدينى الذى تمسك به اليهود رغمعدم توحيدهم هو ما لا يريد العلمانيون العرب أن يفهموه فيتحدثون الآن عن السيادة المشتركةللأقصى من الجانبين الفلسطينى المسلم والإسرائيلى أو كما ترى الأمم المتحدة أن تكونالسيادة متداولة وأن يشرف على المدينة مشرفين دوليين حيث تتوفر حرية العبادة اليهوديةعند حائط البراق -كما يزعم العلمانيون- وإن كان العرب يرددون هذا فإن اليهود لن يقبلوهفليست القضية قضية طقوس دينية تقام فالأمر عند اليهود والنصارى واضح وهو لا تفريط أبدافى المكان الذى يقوم عليه المسجد الأقصى وعندما يقيمون هيكلهم كما يزعمون فى الأرضالمقدسة فإنهم يريدونه خالصا لطقوسهم وشعائرهم . وهذا الإصرار يفسر لنا أسباب تمسكهمبأن تكون دولتهم دينية ويعبرون عنها بالدولة اليهودية وهم الآن يحاولون انتزاع اعترافالعرب بتلك التسمية على وجه الخصوص حتى يتبين للعالم أنها دولة تختلف تماما عن الدولةالفلسطينية ومن حقها أن تهود كل شئ تحت سيطرتها وكذلك من حقها منع اللاجئين الفلسطينيينمن العودة إلى بلادهم لأنهم مواطنين مسلمين .


والهيكل فى تراث اليهود: له أبعاده وصفاته وبعده الدينى أيضاومعنى كلمة هيكل "البيت الكبير" وأصبحت تطلق هذه التسمية على كل مكان كبيريتخذ للعبادة . ولما بنى سليمان المسجد الأقصى على هيئته العظيمة التى بناه عليها وقدأطلق أهل الكتاب على مسجده "هيكل سليمان" ويذكر التاريخ أن سليمان عليه السلاماستغرق فى بنائه ثلاثة عشر عاما ليستكمل به معالم المدينة المقدسة "القدس"ويقال أن هذه المدينة كانت موجودة قبل سليمان وكان المسجد الأقصى قائما فيها قبل مرحلتهالتى كان عليها فى عهد سليمان . إلا أن المدينة والمسجد قد شهد عصرهما الزاهر فى زمانه– سليمان عليه السلام -. والأرض المقدسة تلك كانت مهادا اكتنفت كل دعوات أنبياء بنىإسرائيل عليهم صلوات الله وسلامه إلا أن يد التحريف التى نالت من كتب هؤلاء الأنبياءقد بالغت فى الكلام عن المدينة وعن بيت المقدس . والمتصفح لكتاب التوراة وخاصة الأسفارالخمسة الأولى منهم يجد حديثا متنوعا متلونا مطولا عن الأرض والمعبد فى مجال الشرائعوالشعائر والأحكام والطقوس إلخ .


وإن هيام اليهود فى هذه الأيام بالأرض والهيكل قد لخصوه فىالمقولة الآتية: "لا قيمة لإسرائيل بدون القدس" قالها بن جوريون ورددها فىمناسبات عدة "مناحم بيجين" ولا أكون مبالغا إذا قلت أن الهيكل ملك على اليهودحياتهم ووجدانهم حتى اتخذوا منه رمزا منقوشا على العلم الإسرائيلى فى شكل النجمة السداسيةلداود هذه النجمة نراها تتوسط العلم الإسرائيلى ونراها مطبوعة على هام الجند اليهودىفى الخوذات والكابات ويحملونها على أكتافهم وينقشونها على دباباتهم وتطير مع طائراتهموتنطلق مع صواريخهم ولم يخجل اليهود من اتخاذ هذا الرمز الدينى شعارا لدولتهم المتقدمةليذكرهم بأول من بنى دولة باسم إسرائيل وهو داود عليه السلام . ونحن فى بلادنا نكبلرجال الدين ونزج بالجماعات الدينية فى غياهب السجون والمعتقلات ونجرم من يدعو إلى أسلمةالدولة وأفكارها العلمانية ونمنع قيام أحزاب مرجعيتها الدين فلم يخجل هؤلاء اليهودأن يسموا دولتهم إسرائيل نسبة إلى إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام وإنى لأدعوك أيهاالقارئ الكريم أن تتأمل حجم وقيمة المشاعر الدينية عند اليهود والنصارى من حيث الأرضالمقدسة والهيكل سواء كانت موغلة فى القدم أو فى العصور الحديثة فسوف يتضح لك هذا البعدواضحا:


إن الحديث عن الأرض والمعبد استغرق مساحة كبيرة فى التوراةفإن أول سفر فيها وهو سفر التكوين يبدأ الحديث عن الوعد الإلهى بمنح الأرض المقدسةلإبراهيم عليه السلام وذريته ولعل القارئ يدرك قول ذريته لأن اليهود يتجاهلون أن هناكأمة أخرى غيرهم من ذرية إبراهيم وهى أمة إسماعيل عليه السلام وهى أمة موعودة أيضا فىالتوراة ، بالتمكين والكثرة وقد جاء فى التوراة "لا يقدح فى عينيك من أجل الغلامومن أجل جاريتك فى كل ما تقول لك سارة أسمع لقولها ، لأنه بإسحاق يدعى لك نسل ، وابنالجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك" (10)


وتذكر التوراة بتفصيل موسع صفة التابوت وخيمة الاجتماع فعندهاكانت تتنزل التوراة كانت فيها تفصيلات أخرى عن الشعائر التعبدية من ذبائح وملابس ومآكلومشارب(11) ويمكننا أن نعطى وصفا عن الهيكل الذى بناه سليمان فى صفته وهيئتهاللائقة بالنبى الملك الذى أوتى من كل شئ "فبنى سليمان البيت وأكمله ، وبنى حيطانالبيت من داخل بأضلاع أرز من أرض البيت إلى حيطان السقف وغشاه من داخل بخشب وفرش أرضالبيت بأخشاب سرو وبنى عشرين ذراعا من مؤخر البيت بأضلاع أرز من الأرض إلى الحيطانوبنى داخله لأجل المحراب أى قدس الأقداس ، وأربعون ذراعا كانت البيت أى الهيكل الذىأقام ، وأرز البيت من داخل كان منقورا على شكل قشا وبراعم وزهور ، الجميع أرز لم يكنيرى حجر وهيأ محرابا فى وسط البيت من داخل ليضع هناك تابوت عهد الرب ، المحراب عشرونذراعا طولا ، وعشرون عرضا وعشرون ذراعا سمكا وغشاه بالذهب الخالص وغشى المذبح بأرزوغشى سليمان البيت من داخل بذهب خالص ، وسد بسلاسل ذهب قدام المحراب ، وغشاه بالذهبوجميع البيت غشاه بذهب إلى تمام كل البيت، وكل المذبح الذى للمحراب غشاه بذهب وعمل فى المحراب كروبين من خشب الزيتون علو الواحدعشرة أذرع وخمسة أذرع جناح الكروم الواحد وخمسة أذرع جناح الكروم الآخر ، عشرة أذرعمن طرف جناحه إلى طرف جناحه وعشرة أذرع الكروم الآخر قياس واحد وشكل واحد للكروبين"وتتابع الصفحات فى وصف هيكل سليمان الذى استغرق بناؤه حسب قول التوراة سبع سنين .


ثم تتحدث التوراة عن نقل تابوت العهد .."حينئذ جمع سليمانشيوخ إسرائيل وكل رؤوس الأسباط رؤساء الآباء من بنى إسرائيل إلى الملك سليمان فى أورشليملإصعاد عهد الرب من مدينة داود ، وهى صهيون .. وجاء جميع شيوخ إسرائيل ، وحمل الكهنةالتابوت ، أصعدوا تابوت الرب وخيمة الاجتماع مع جميع آنية القدس التى فى الخيمة ، فأصعدهاالكهنة واللاويون والملك سليمان وكل جماعة إسرائيل المجتمعين إليه معه ، أمام التابوتكانوا يذبحون من الغنم والبقر ما لا يحصى ولا يعد من الكثرة وأدخل الكهنة تابوت عهدالرب إلى مكانه فى محراب البيت فى قدس الأقداس إلى تحت جناحى الكروبين" (12)


وتقول التوراة وبعد أن أتم سليمان بناء الهيكل تذكر التوراةعلى لسانه ابتهالا أخذ اليهود منه معتقدهم فى الرجل الذى لابد أن يخرج من نسل داودفيحكم العالم من كرسى إسرائيل: "ووقف سليمان أمام مذبح الرب تجاه كل جماعة إسرائيل، وبسط يديه إلى السماء وقال: "أيها الرب إله إسرائيل ليس إله مسلم فى السماءمن فوق ولا على الأرض بالأسفل ، حافظ العهد والراحة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهمالذى قد حفظت لعبدك داود أبى ما كلمته به فتكلمت بفمك وأكملت بيدك كهذا اليوم . والآنأيها الرب إله إسرائيل احفظ لعبدك داود أبى ما كلمته به قائلا : "لا يُعدم لكأمامى رجل يجلس على كرسى إسرائيل إن كان بنوك إنما يحفظون طرقهم حتى يسيروا أمامى كماسرت أنت أمامى" (13)


أما التلمود: فهو شروح للتوراة يتناول أحاديث التوراة عنالأرض المقدسة والهيكل بالشرح وبالتالى فهو يحتوى على كم كبير من الحكايات عنهما إلاأن التلمود يتميز بأسلوبه الخيالى المنحرف عن الواقع فى سرد الوقائع وعرض العقائد يقولالتلمود: "تربة فلسطين طاهرة لابد من دفن المتقين من موتى بنى إسرائيل فيها وإنلم يتيسر ذلك يوضع مع الكفن شئ من التراب المجلوب منها" - ويقول التلمود أيضا: "لما دخل طيطس الهيكل ، وبهزة من سيفه مزق ستار الهيكل فسال الدم من الستار، فأرسلت باعوضه لعقابه ، ودخلت مخه ، وأخذت تكبر حتى صارت مثل الحمامة ، وحين فتحتجمجمته وجدوا أن البعوضة لها فم من نحاس ومخالب حديدية" -وهذا مثال على الخيالالجامح- ومن أقوال التلمود أيضا "دمر نبختنصر بلاد إسرائيل وحطم الهيكل المقدسونهب مجوهراته وتركه فريسة للنيران الملتهبة(14) ويقول التلمود: ومن بعدتدمير الهيكل إلى الآن فإن الله لم ينقطع عن البكاء والنحيب لأنه ارتكب خطيئة ثقيلةوهذه الخطيئة قد أبهضت ضمير الله حتى أنه يطوى ثلاثة أرباع الليل منكمشا على ذاته مالئاالدنيا زئيرا كالأسد ثم يصرخ الويل لى لأنى تركت بيتى ينهب وهيكلى يحرق وأولادى يتشتتون"أليس بعد هذه الخرافات خرافات أخرى يقبلها عقل المؤمن . تعالى الله عما يقولون علواكبيرا (15).


وكذلك الصهيونية فهى: "حركة يهودية دينية سياسية تتطلعإلى إعادة بناء هيكل سليمان وإعادة مجد إسرائيل ، بإقامة دولة يهودية فى فلسطين ، فإذاتم لها الاستيلاء على القدس أقامت موضع المسجد الأقصى هيكل سليمان ، ويكون على رأسهذه الدولة التى تعمل على بسط سيادتها شرقا وغربا ملك اليهود من نسل داود ، والذى ينتهىإليه حكم العالم ، ومن ثم مزجت الحركة الصهيونية بين السياسة والدين ، واتخذت الدينركيزة تقوم عليها الدعوة السياسية" (16)


حتى فى تفسير معنى الصهيونية يوجد مثل هذا المعنىفقد قالت دائرة المعارف البريطانية:


- "إناليهود يتطلعون إلى افتداء إسرائيل ، واجتماع الشعب فى فلسطين ، واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء هيكل سليمان ، وإقامة عرش داود فى القدس ، وعليه أمير من نسل داود"(17) .


- وجاءفى دائرة المعارف البريطانية أيضا ما يلى:"كلمة صهيون(zion) كانت فى الأصل تطلق على جبل اليبوسيين فى القسمالجنوبى من المقدس ، وحينما احتلها الملك داود فكر فى بناء بيت الرب "الهيكل"فى ذلك المكان ، وجاء من بعده الملك سليمان فأنجز المهمة وصار الاسم (zion)يطلق عل المنطقة كلها" ، والصهيونية كما تقول دائرة المعارف البريطانية هى التىحفزت يهود السبى البابلى تحت قيادة "زوبَّابل" إلى إعادة بناء الهيكل(18)


- أما تفسير كلمة صهيونية فى دائرة المعارف اليهودية فقدجاء فيها: "يبغى اليهود أن يجمعوا أمرهم ، وأن يقدموا إلى القدس ويتغلبوا علىقوة الأعداء ، وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل "مكان المسجد الأقصى" ويقيمواأملاكهم هناك" .


يتضح لنا من خلال ما جاء فى دوائر المعارف البريطانية واليهوديةمن نصوص أن حركة الصهيونية هى حركة سياسية فى المقام الأول ولكنها تتخذ من الهيكل وساحتهالمقدسة اسما لها ورمزا تكافح من أجله وتعتبر نفسها مسئولة عن إعادة مجد إسرائيل وبناءهيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى ، ومن ثم تتم لهم السيطرة على العالم وإدارة دفةحكمه من القدس على يد ملك اليهود وهو المسيح المنتظر فى زعمهم .


ومن هنا تعد الصهيونية هى الأداة التنفيذية التى قامت علىرعاية مشروع الدولة اليهودية حتى برزت للوجود وهى ما تزال إلى الآن تسعى لإقامة الهيكل ، وقد تمخضت حركة "هرتزل" عن المؤتمراتالصهيونية السنوية التى صاغت بروتوكولات حكماء صهيون .


وقد اختارت الحركة الصهيونية فلسطين ، وكانت فلسطين هى الاختيارالأول لمكان الدولة ، ولكن عندما تبين أن السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى لا يعطفعلى هذه الحركة بأن منعت حكومته عمليات تملك الأرض فى فلسطين - التى كانت تمثل إحدىولايات الشام العثمانية - اتجهت أنظار بعض زعماء الحركة ولو بشكل مؤقت إلى أنحاء أخرىمن العالم ، شملت أماكن فى أفريقيا وأمريكا الجنوبية ، ووعدت بريطانيا بإقطاع مستعمرة أوغندا لإقامة هذا الوطن ، ولكن الاقتراحفشل ، كما تعثرت محاولة إقامة هذه الدولة على أرض سيناء 1906م حتى مع ممارسة ضغط بريطانىعلى الحكومة المصرية ، لهذا عادت أنظار الصهيونية مرة أخرى حول فلسطين .


واشتد سعى الصهيونية لتنفيذ مخططها وجدوا فى ذلك كثيرا منذالحرب العالمية الأولى . وقد ساعدتهم فى ذلك كل من بريطانيا والولايات المتحدة حيثأعلنت بريطانيا حمايتها لفلسطين وفى 2 نوفمبر سنة 1917م أصدرت بريطانيا وعد بلفور بإقامةوطن يهودى فى فلسطين ثم انسحبت بعد ذلك بقواتها بعدما مكنت اليهود من حكم البلاد والسيطرةعليها بالسلاح ومما ينبغى للمسلم معرفته أن حركة الصهيونية وخاصة المنسوبة إلى صهيونليست مقصورة على اليهود بل هناك نصارى يعتنقون الصهيونية ويفتخرون بانتسابهم إليهاولعل مبررات هذا العمل أو هذا الانتساب يرجع كما فى ظنهم إلى أن الإنجيل هو امتدادللتوراة وأن إعادة بناء الهيكل ستعجل بمجئ المسيح عيسى بن مريم للمرة الثانية فكل يهودىصهيونى وليس كل صهيونى بالضرورة أن يكون يهوديا ، بل يمكن أن يكون نصرانيا وربما شيوعيا، فهناك الكثير من الشخصيات البارزة المعاصرة صهيونيون وإن لم يكونوا يهودا من هؤلاء"بلفور - وتشرشل - وإيدن - وترومان - وإيزنهاور - وكيندى - وجونسون - وكارتر- وريجان - وبوش - وكلينتون" (19) فهذه الشخصيات قد أبدت فى ممارستهاالسياسية ما يدل على انتمائهم إلى الحركة الصهيونية السياسية ومن أمثلة ذلك : قول الرئيسالأمريكى الأسبق "جيمى كارتر": "لقد آمن وأظهر سبعة من رؤساء الجمهوريةأن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة وهىعلاقة لا يمكن تقويضها لأنها متأصلة فى وجدان الشعب الأمريكى نفسه وأخلاقه وديانته"(20) ويقول بجين فى كتابه الثورة "منذ أيام التوراة وأرض إسرائيل تعدأرض الأمم لأبناء إسرائيل وقد سميت هذه الأرض فيما بعد فلسطين وكانت تشمل دوما ضفتىنهر الأردن ولبنان الجنوبى وجنوب غرب سوريا : إن تقسيم الوطن عملية غير مشروعة وسوفتعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل بتمامها إلى الأبد" (21)


أما الماسونية: فلها النصيب الأكبر فى الدعوة لإعادة بناءالهيكل وهى إحدى مفرزات الصهيونية اليهودية وهى مأخوذة من كلمة "freemason" ومعناها البناؤون الأحرار وهى إحدى الجمعياتالتى تعمل فى خفاء وهدفهم هو إعادة بناء الهيكل حيث يعد رمز عزة إسرائيل ومجدها وقدانطوت تحتها العديد من الجمعيات ذات مسميات مختلفة مثل الروتارى - الليونز - البنيبرث- الاتحاد والترقى - شهود يهوه - البهائية إلى غير ذلك من منظمات سرية تهدف جميعهاإلى إعادة الهيكل الذى هو الرمز التاريخى والحيوى لإسرائيل .


والماسونية فى طبيعتها حركة تعادى الأديان المخالفة لليهوديةوبذلك تعتبر من أكبر الحركات المساندة للصهيونية فى تحقيق مخططاتها فإذا كانت الصهيونيةتوجه أغلب طاقاتها نحو اليهود فإن الماسونية تستثمر جهود غير اليهود وذلك لتحقيق الأهدافاليهودية فمن الملاحظ أن أعضاء النوادى التى تستثمرها الماسونية توجه أنشطة العديدمن المسئولين فى الدولة من وزراء ورجال أعمال وقادة إلى الغايات اليهودية الكبرى"إن مبدأ هذه الفرقة وتعاليمها ودرجاتها وغايتها ترمى إلى احترام الدين اليهودىوالعمل على تجديد المملكة اليهودية فى فلسطين جسم الوطن القومى لليهود" (22)


والقضية المهمة التى يجب أن نبرزها للقارئ المسلم الكريمونلفت نظره إليها هى تلك العلاقة القوية التى تربط بين الماسونية المنتشرة فى العالمبجمعياتها وبين هدف اليهود الأساسى والأصيل فى العودة للأرض وإعادة الهيكل .


ولعل هذا واضح تماما حيث نرى الهيكل كرمز يسيطر على كثيرمن عبارات وشعارات ودرجات الماسونيين.


وقد جاء فى بروتوكولات حكماء صهيون ما يدل على أن الماسونيةأداة صهيونية "نحن جيش مشتت عن الوصول إلى أغراضه بالطرق المستقيمة فالمراوغةفحسب هى الوسيلة الصحيحة وهى الأصل فى تنظيمنا للماسونية التى لا يفهمها أولئك الخنازيرمن الأمميين" (23) وجاء فى البروتوكول الخامس عشر "وإلى أن يأتىالوقت الذى نصل فيه إلى السلطة سنحاول أن ننشئ ونضاعف خلايا الماسونيين الأحرار فىجميع أنحاء العالم وسنجذب إليها كل من يصير أو يكون معروفا بأنه ذو روح عامة ويقولإدريس راغب وهو أحد الماسونيين العرب "إن الاعتقاد بوجوب إقامة الهيكل يقوى إيماننابالوعود المذكورة بالكتاب" (24)


وتستخدم الماسونية بعض الرموز وهم يسمون المكان الذى يجتمعونفيه محفلا أو هيكلا رمزا للكون الذى هو هيكل الله أو هيكل سليمان ، ويوجد فى بعض المحافلالماسونية رسم للتوراة يرتكز عليه سلم معروف بسلم يعقوب يرمز إلى الحلم الذى رآه يعقوبعليه السلام فى منامه وكانت الملائكة صاعدة ونازلة عليه وذلك فى المنام الذى بنى فيهيعقوب المعبد للمرة الأولى ، ومما يدل على حرص الماسونية على هيكل سليمان قولهم:"إن المحافل يجب أن تبنى على مثال هيكل سليمان وذلك الهيكل بنى على شكل خيمة الشهادةالتى أوصى الله بها موسى" (25) ومن الأدعية التى يقرأها جميع الحاضرينمن الدرجة 33 فى المحافل الماسونية "سنعود إلى عهد سليمان بن داود ونبنى الهيكلالأقدس ونقرأ فى التلمود وننفذ كل ما جاء فى الوصايا والعهود وفى سبيل مجد إسرائيلنبذل كل مجهود الويل الويل للغاصبين المستعمرين سنجعلهم قطعا فى أفواه الأسود ، الانتقامالانتقام طال المكوس فى الظلام أنعم علينا يا رب أنوار القدس الذى تجلت موآب"ويعتقد اليهود الماسونيين أنه لم يبق إلا القليل حتى يهدم الأقصى والصخرة وكنيسة القيامةوحينذاك يقام الهيكل حيث حلت الغمامة وينتصب العمودان على يمين بابه ويساره(26).


وقد جاء فى إنجيل متى ما يدل على الحرص الشديد لإعادة الهيكلوأن عيسى عليه السلام اتخذ من الهيكل منبرا لدعوته ومقرا لتعليم مريديه وتلاميذه وإنهكان دائما يحذرهم بأن زمان زوال الهيكل قد اقترب بسبب ظلم أهله وإفسادهم وعدم الرعايةالتامة لهم: "ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل فتقدم تلاميذه لكى يروه أبنية الهيكلفقال لهم يسوع ما تنظرون؟ الحق أقول لكم إنه ليترك ها هنا حجر على حجر لا ينقض"(27)


وذكر أن الهيكل الذى هدم بعد نحو أربعين سنة من رفع عيسىعليه السلام ظلت ذكراه مرتبطة عند النصارى بعيسى عليه السلام على اعتبار أن الذين كفروابه من بنى إسرائيل لم يعد لهم أى ارتباط به وظلوا مرتبطين بالهيكل المهدوم ، ولما جاءالإسلام وأشرق نوره انتقلت إلى أهله وراثة الأرض المقدسة وبنى المسجد الأقصى على الصيغةالإسلامية التوحيدية عاد النصارى إلى الهيكل طامعين فى إعادته إلى الصبغة النصرانيةالتى تؤمن بالتثليث ولهذا فقد تعاون النصارى فى العالم كله لانتزاع هذا المسجد من المسلمينمن خلال حروب طويلة عرفت بالحروب الصليبية


ويؤمن اليهود أن المسيح المنتظر أوشك على الخروج لذا نراهميسعون بكل همة لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث مكانه وظل هذا حلما يراودهملتهيئة الظروف لخروج مسيحهم المنتظر وسوف يكون على يده خلاص اليهود وهو الذى سيتوجملكا عليهم ويحكم العالم من خلال أورشليم القدس بيت الرب "الهيكل الثالث"ويؤمن اليهود أيضا بأن هذا المنتظر سيأتى من نسل داود قبل قيام الساعة وسوف يحارب أعداءإسرائيل ويتخذ مدينة القدس عاصمة لمملكته ويعيد بناء الهيكل على الوصفة اليهودية ويبدأمع عودته الفردوس الأرضى الذى يبقى ألف عام ومن هذا المنطلق ظهرت العقيدة الألفية التىهى فى الأصل عقيدة يهودية ويؤمن اليهود والنصارى أن المسيح إذا خرج سوف يحكم العالممن أورشليم ومن الهيكل الثالث على حين تعتقد بعض النصارى بأن بناء الهيكل الثالث سيؤدىإلى ظهور المسيح للمرة الثانية ، والخلاف بينهما أن اليهود تعتقد بأن بناء الهيكل سيؤدىإلى مجئ المسيح للمرة الأولى بينما المسيحيين يقولون بمجيئه للمرة الثانية ، هذا وقدرسم اليهود الصورة التى تخيلوها للمسيح المنتظر ، فذكروا أن الناس فى ظله لن يعيشواوحدهم فى العالم الجديد فى سلام وسعادة ؛ بل يشاركهم فى ذلك كل أنواع الحيوانات ويرفعرايته - أى المسيح - للأمم ويجمع منفى بنى إسرائيل ، ويضم مشتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض .


وفى التلمود توجد الصفات التى يعدها اليهود خاصة بـ"المسيح الحقيقى" المسيح اليهودى ، فجاء فيه: {سيأتى المسيح الحقيقى ، ويحصلالنصر المنتظر ، ويقبل المسيح وقتئذ هدايا كل الشعوب ، ويرفض هدايا المسيحيين ، وتكونالأمة اليهودية إذ ذاك فى غاية الثروة لأنها تكون قد حصلت على جميع أموال العالم}.


ويتحدث التلمود عن الحرب التى ستشتعل قرب مجئ المسيح: {وقبلأن يحكم اليهود نهائيا ، يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق ، ويهلك ثلثا العالم ، وسيأتىالمسيح الحقيقى ويحقق النصر القريب} (28)


وعقيدة المسيح المنتظر تلك قد استغلها البعض ممن ادعوا أنهالمسيح المنتظر واتضح للعالم كذب هؤلاء الدجالين ، ولعل هذه الظاهرة كانت موجودة عبرالأجيال المتتابعة تنفس بها الشعوب المكبوتة عن نفسها .










المبحث الثانى:الحفريات ومزاعم اليهود



القضية الأولى دور الحفريات فى تعرية مزاعم اليهود


1- الحفريات تثبت عروبة القدس لحما ودما


تحدثنا فيما سبق عن الهيكل الذى يتشدق به اليهود ويعتبرونهشعار عزتهم وسؤدد مجدهم وبدونه لم يقم لليهود ذكر أو عقيدة تذكر حيث أصبح اليوم أملهمالمنشود ، وانطلقوا يبحثون عنه فى حفريات ضخمة قاموا بها سرا تحت المسجد الأقصى إذيدعون أن هذا المسجد قد أقيم على هيكل سليمان ويريدون إثبات أى أثر لهذا الهيكل الذىزعموا أنه موجود تحت المسجد الأقصى ، ويؤكد المؤرخون وخبراء الآثار أن إسرائيل ليستلها آثار فى الأرض المحتلة كما تزعم بل إن تلك الآثار آثار عربية قديمة وإسلامية بحكمالتاريخ والموقع وهو ما تؤكده أيضا المصادر التاريخية والوثائق الأثرية القديمة ، وسوف نعالج قضية الحفريات كوثيقة من أهمالوثائق المعاصرة التى تدل على صدق ما نقول من خلال النقاط التالية:


هل توجد آثار لليهود فى فلسطين


يؤكد الدكتور "رمضان عبده" أستاذ الآثار بجامعةالقاهرة أن الحفائر الغربية والصهيونية فى الأرض المحتلة اتخذت اتجاهين: الاتجاه الأولحفائر فى جميع أنحاء فلسطين والمناطق الأثرية بها وبدأ فى عام 1891م حتى عام 1952موجاءت خلال هذه الفترة حوالى 42 بعثة أجنبية وكانت الحفائر خلال هذه الفترة لخدمة غرضسياسى حيث انتشرت فى أكثر من25 موقعاً .


أما الاتجاه الثانى كان حول مدينة القدس بحثاً عن آثار غيرعربية ولكن الجهود باءت بالفشل .


ويقول إنه فى الوقت الذى كانت فيه هذه البعثات تنقب عن الآثارفى فلسطين كان آخرون يقومون بالحفائر حول المسجد الأقصى وزادت هذه الحفائر بعد زرع"إسرائيل" فى عام 1948م وتصاعدت بعد 1967م حينما احتل الإسرائيليون القدسالشرقية فجندوا لذلك كل بعثات الحفر اليهودية والبعثات التى تساند باستمرار الفكر الصهيونىطمعاً فى إثبات آثار لهم .


ويؤكد الدكتور رمضان أن هؤلاء يركزون فى القسم الشمالى منالهضبة الشرقية فى القدس أى الذى يقع شمال حصن صهيون لبناء الهيكل المزعوم وفيه يعرفهذا الاسم بجبل "المرايا" ، وأن سيدنا سليمان عليه السلام قام باختيار هذاالموقع لبناء الهيكل .


ويقول علماء عديدون للدراسات الشرقية فى أوروبا أنهم قاموابالبحث عن صحة ما ورد فى التوراة من أسماء مدن فلسطينية فى محاولة للعثور على أى شئيدل على دورهم فى تاريخ فلسطين أو بحثاً عن آثار عبرانية فى فلسطين وقد انتهت المحاولاتكلها بالفشل الذريع .


ويقول الباحث الأثرى الدكتور "خالد عزب" إن مدينةالقدس القديمة تبلغ مساحتها ضمن الأسوار كيلو متر واحد ويشغل الحرم الأقصى الشريف مايقارب 300 -500 متر من الناحية الجنوبية وهذه المساحة هى البؤرة الرئيسية للمدينة ويحيطبالمدينة سور حجرى مرتفع يشمل خمسة أبواب مفتوحة هى باب الزاهرة وباب الأسباط وبابالعامد والباب الجديد وباب الخليل وباب النبى داود عليه السلام وأربعة أبواب مغلقةهى الباب المغرب والباب المزدوج والباب الثلاثى والباب الذهبى .


ويصف المدينة بأن بعضها مغطى ببائكات معقودة والبعض الآخرمفتوحاً ومبنى بها مساكن ومدارس وزوايا وسبل للسقاية على جانبى الطريق ومثل هذه النوعيةمن الطرق - كما يقول - توفر الظلال المريحة للمشاة وتخفف من حرارة الجو وتمنع سقوطأشعة الشمس مباشرة على المارة وخصوصاً فى الصيف(29) .


أما الدكتور "حسنين ربيع" أستاذ التاريخ الإسلامىبجامعة القاهرة فيقول: إن المصادر التاريخية القديمة تؤكد أن مدينة القدس مدينة عربيةوإسلامية خالصة فى ضوء المصادر التاريخية والأثرية القديمة رغم الأساليب الملتوية التىتلجأ إليها "إسرائيل" فى محاولة تزييف وتشويه هذه الحقائق التاريخية وهىكلها أساليب يائسة لتدعيم أباطيلها .


ويقول الدكتور "ربيع" أيضا: إن القدس مدينة عربيةأنشأها الكنعانيون العرب منذ آلاف السنين ومنذ خروج بنى "إسرائيل" من مصرقاصدين أرض فلسطين فى عهد الملك «ميررنتاح» واستيطان اليبوسيين العرب مدينة أورشليمإذ لم يبق منها حجر واحد . وبعد وقوع القدس تحت السيطرة الرومانية وما ترتب عليه منثورات انتهت بحرمان اليهود من دخول المدينة وما تلا ذلك من حوادث تاريخية بعد انتشارالمسيحية .


ويشير إلى وجود أكثر من ألف وثيقة تبرهن على عروبة القدسوهى تكشف عن ادعاءات اليهود الباطلة فى تزييف التاريخ وتشويه الحقائق أهمها كشف أثرىعن حفائر كل من مريدخ فى سوريا ومجموعة نصوص من القرن التاسع عشر قبل الميلاد أطلقعليها علماء المصرية القديمة اسم نصوص اللعنة وترجع هذه النصوص إلى أيام الملك سنوسرتالثالث إضافة إلى ما ورد فى سفر التكوين عن أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وماورد في مدينة أورشليم فى رسائل العمارنة من القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، إضافة لماورد من إشارات فى التوراة إلى أن اليهود لم تكن لهم أدنى علاقة بنشأة القدس ، وأنهمكانوا يرون أنفسهم غرباء عنها(30) .


2- عروبة القدس تتضح من خلال السَّكة


وللنقود المسكوكة دور مهم وجاد لإثبات عروبة القدس ولذلكيؤكد الدكتور "رأفت النبراوى" عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة أن النقودالتى تم سكها خلال العصور الإسلامية تثبت وتبرهن على عروبة القدس باعتبارها من الوثائق الرسمية ، وأن هذه النقود سواء كانت من العملاتالذهبية أو الفضية أو النحاسية أو البرونزية وثائق رسمية لا يمكن الطعن فى قيمتها التاريخيةأو فيما يرد عليها من كتابات وزخارف آدمية أو حيوانية أو هندسية أو نباتية ، وهذه النقوشكان يسجل عليها اسم إيلياء وهو الاسم الذى أطلقه الإمبراطور الرومانى «مادريان» علىمدينة القدس بعد حرقها وهدم بقايا هيكل سليمان ويقول: إن القدس ظل يطلق عليها هذا الاسمحتى ضمها الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة 17 هجرية وكانت أقدم النقود التىوصلتنا والتى ضربت بإيلياء فلسطين تلك التى تحمل صورة الخليفة الأموى عبد الملك بنمروان فى العام "65-86" هجرية وسكت فى عهده وتحمل حرف M كما حملت بعض الكتابات العربية وكان أشهرها العبارة الكريمة «محمد رسولالله» «بسم الله» «لا إله إلا الله وحده»(31) .


3- فشل الأثريين اليهود فى العثور على ما يدلعلى ملك سليمان


وقد صاحب التنقيب عن بقايا الملك سليمان فى فلسطين وخاصةالهيكل جدل كبير قد ساهم فى صعوبة العثور على ذلك الهيكل ، فقد اختلف رجال الآثار حولالزمان والمكان اللذين عاش فيهما الملك سليمان "ابن داود" ، فبينما تقولالقصة التوراتية إنه عاش فى بداية القرن العاشر قبل الميلاد ، تبين أن الاستحكاماتوالبنايات التى نسبت إليه ترجع إلى تاريخ آخر .


بينما حاول بعض الباحثين الذين اجتمعوا فى المتحف البريطانىبلندن فى 29 حزيران "يونيو"2002م ، التعرف على طرق قوافل البخور فى جزيرةالعرب ، وتحديد عصر ملكة سبأ ليتفق مع عصر سليمان منذ ثلاثة آلاف سنة ، نفى آخرون وجودسليمان فى تلك الفترة .


والقرآن الكريم ، لم يذكر شيئاً عن الزمان الذي عاش فيه الملكسليمان ، الذى وردت قصته فى سور "الأنبياء" و"النمل" و"سبأ"و"ص" ، ولا عن حجم مملكته أو مكانها ، لكن الروايات التوراتية تذهب إلى أنسليمان عاش خلال النصف الأول من القرن العاشر قبل الميلاد . و بحسب ما جاء فى سفر الملوكالأول التوراتى ، فإن سليمان كان "متسلطاً على جميع الممالك من النهر "الفرات"إلى أرض فلسطين و إلى تخوم مصر ، حيث كانوا يقدّمون الهدايا و يخدمون سليمان كل أيامحياته" .


وخلال الملتقى المنعقد فى المتحف البريطانى ، فاجأ"جوناثان طاب" ، رئيس قسم آثار الشرق الأدنى فى المتحف ، المؤتمرين بقوله:"لما كان العرف قد جرى على اعتبار حكم سليمان فى القرن العاشر قبل الميلاد ، فقدجرى تحديد تاريخ ملكة سبأ فى نفس ذلك الوقت . والآن يحاول الباحثون الذين يقبلون بتحديدوقت معين لحكم سليمان ، البحث عن حكم "مملكة" سبأ التوراتية ، والعثور على مملكة مناسبة فى اليمنتصلح "لهذا الغرض" فى القرن العاشر..إلا أن آثار بلاد الشام خلال السنواتالعشرين الماضية تقريبا ، لم تتوقف عند الشك فى تاريخية سليمان نفسه كحاكم مهم فى بدايةتاريخ "إسرائيل" ، بل إنها تتعارض مع حقيقة وجود مملكة "إسرائيل"المتحدة نفسها ، بالشكل الذى قدم فى الرواية التوراتية" .


وتحدث "جوناثان طاب" عن البقايا الأثرية التى تنسبعادة إلى سليمان ، وهى عبارة عن" مجموعة من البنايات الأثرية ، بنايات عامة أوقصور فى مجدّو ، أبرزها أربع بوابات ضخمة مدعمة تتبعها أسوار محصنة للمدينة ، عثر عليهافى مجدّو ، وحازورة ، وجيزر . ولمجرد أن هذه الآثار حُدّد لها تاريخ في القرن العاشر، اعتبرت كما لو كانت شاهداً على برنامج سليمان الواسع فى البناء..وعندما تمت أعمالالكشف فى تل جرزيل الذى قامت به جامعة تل أبيب والمدرسة البريطانية لعلم الآثار فىالقدس فى تسعينيات القرن العشرين ، أخرج هذا الموقع الذى شيدته عائلة عمرى خلال القرنالتاسع عشر .. فخاراً مماثلاً للفخار الذى عثر عليه فى المستويات السليمانية فى مجدّووحازورة .. مما أدى فى السنوات الأخيرة ، إلى إعادة فحص ما يسمى بالمعمار السليمانى"


وعن مملكة داود وسليمان حسب الرواية التوراتية ، فإن داودبن يسى من قبيلة يهودا ، كان يرعى الأغنام ويحسن العزف على العود ، وجاء ليعيش عندشاؤول ، وهو الذى خلفه فى قيادة قبائل بنى "إسرائيل" . وتتضمن الرواية التوراتيةمعلومات متناقضة عن هذا الملك . فنحن نجد داود ومعه جيش مكون من 600 رجل يحاربون فىصراع داخلى بين القبائل الإسرائيلية أو مع الفلسطينيين ، وفجأة نجد تفاصيل معارك كبيرةتخوضها جيوش منظمة فى مواقع محصنة عديدة من أرض الهلال الخصيب .


لم يكن صدق الرواية التاريخية يهم الكهنة فى شئ ، إذ كانهدف الرواة الأساسى من ادعاء هذه الانتصارات الجبارة هو حثّ "بنى إسرائيل"على ترك عبادة الأصنام والعودة إلى ديانة موسى ، لكى ينصرهم ربهم على أعدائهم . وبحسبهذه الرواية ، مات داود تاركاً لخليفته سليمان إمبراطورية تمتد حدودها ما بين النيلوالفرات ، دون أن يعرف أحد من أين جاءت هذه الإمبراطورية ؟(32)


4- الحفريات الحديثة تناقض التوراة


وحتى هذه اللحظة ، لم يتمكن الأثريون من العثور على أى دليليشير من قريب أو بعيد إلى مملكة داود وسليمان - عليهما السلام - فى فلسطين .


وبينما تقول رواية سفر صموئيل الثانى ، وسفر الملوك الأول"إن الملك داود أقام إمبراطورية تمتد بين النيل والفرات ، أورثها لسليمان بعدموته" فإن رجال الآثار لم يتمكنوا من العثور على ذكر واحد لأى من الملكين الإسرائيليينرغم وجود 300 موقع بأرض فلسطين تُجرى فيها البعثات الأثرية أعمال الحفر ، سواء فى "إسرائيل" أو الضفة والقطاع. وأدى عدم ظهور أدلة أثرية تتفق مع قصص التوراة ، إلى الاعتقاد بأنها روايات أسطوريةلا تعبّر عن الأحداث التاريخية . إذ يقول "توماس تومسون" أستاذ دراسات العهدالقديم بجامعة كوبنهاغن الدنمركية ، إن الاعتقاد الذى كان سائداً حتى القرن التاسععشر ذهب إلى اعتبار أن القصص التوراتية تمثل أحداثاً تاريخية حقيقية ، ثم تغير هذاالموقف تماماً الآن ، بعدما أظهرت نتائج الاكتشافات الأثرية عدم وجود أى أدلة تؤيدما جاء فى هذه القصص من أحداث وتواريخ" (33)


إذن ليس هناك دليل من الآثار على وجود مملكة إسرائيلية متحدةأيام شاؤول وداود وسليمان ، كما لم ترد أية إشارة لهؤلاء الملوك فى المصادر التاريخية"(34) .


ويعتقد تومسون أن قصص التوراة تضمنت أحداثاً تاريخية قديمةلشعوب وممالك أخرى فى الشرق الأوسط ، جرى اقتباسها لتكون جزءاً من تاريخ مملكة بنى"إسرائيل" ، بل إنه يذهب إلى أن دولة يهودا التوراتية لم تظهر إلا منذ القرنالخامس قبل الميلاد ، فى زمن الحكم الفارسى ، ولم يكن لهذه الدولة أية علاقة بدولة"إسرائيل" التى قامت حول السامرة قبل ذلك بأربعة قرون ودمّرها الآشوريونعام 722 ق. م ، ونقلوا سكانها إلى مناطق أخرى ، وأحلوا أقواماً عربية مكانهم(35)


تحكى لنا قصة سليمان - ويدعى "شلما" و"شلومو"فى العبرية - أنه جلس "على كرسى داود أبيه وتثبت ملكه جداً .. وصاهر سليمان فرعونملك مصر وأخذ بنت فرعون ، وأتى بها إلى مدينة داود إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الربوسور أورشليم حواليها" .


وبينما فشل الأثريون فى العثور على أية بقايا للبنايات التىورد ذكرها فى قصة سليمان ضمن طبقات الأرض التى ترجع إلى القرن العاشر قبل الميلاد ،فإنهم عثروا على بقايا هذه البنايات نفسها فى الشرائح التابعة لعصر أمنحتب الثالث قبلذلك بأربعة قرون(36) .


ومن مظاهر التحريف اليهودى على ما يبدو أن كتبة الرواية التوراتيةاستعاروا بعض القصص المتعلقة بالإمبراطورية المصرية بين النيل والفرات - قبل عصر سليمانبخمسة قرون - ونسبوها إلى ملكهم . ويلاحظ وجود تشابه بين هذه الروايات ، خصوصاً معما نعرفه عن تاريخ أمنحتب الثالث والد أخناتون . فقد كان أمنحتب الثالث يسيطر على معظمأجزاء العالم المعروف فى زمانه ، وامتدت حدوده شمالاً عبر نهر الفرات فى جنوب آسياالصغرى ، وجنوباً عند شلال النيل الرابع وسط السودان فى أعماق أفريقيا ، رغم أنه لميخض معركة حربية واحدة فى حياته ، لأن أجداده من ملوك الأسرة 18 أسسوا تلك الإمبراطورية. وعندما توفى تحتمس الرابع ، والد أمنحتب الثالث ، كانت الأمور قد استقرت للملك الصغيرالذى تولى الحكم وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره ، فلجأ إلى الدبلوماسية فى علاقاتهمع ملوك الإمبراطورية . وعمد أمنحتب الثالث إلى الزواج من أميرات ممالك الإمبراطوريةوتبادل الهدايا مع الملوك ، خصوصاً الذهب الذى كانت مصر تحصل عليه بكثرة من مناجم أفريقيا، لبناء علاقات صداقة مع الدول التابعة له .


وعندما جلس أمنحتب الثالث على عرش مصر ، كان الثراء قد وصلإلى درجة لم يصل إليها من قبل ، ولا هو وصل إليها فى أى عصر لاحق ، واستطاع الملك الذىساد السلام فى عصره ، أن يستخدم هذا الثراء فى البناء والمعمار سواء فى مصر أو فى بلادسورية وكنعان ، حيث شيّد المعابد والقصور والمدن المحصنة ، وكان لوجود عدد كبير منأسرى الحروب فى ذلك الزمان أثر فعال فى ازدياد القوى العاملة التى استخدمت فى أعمالقطع الحجارة والبناء(37) .


أما مدينة القدس فتقول قصة العهد القديم ، إن داود بعدماصار ملكاً على قبائل "يهودا وإسرائيل" ، استولى على مدينة القدس عندما"ذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض .. وأخذ داود حصن صهيون، وهى مدينة داود .. وأقام داود فى الحصن وسماه مدينة داود" . ولم نحصل على تفاصيلهذه القصة المنسوبة إلى داود فى أى مصدر تاريخى ولم ترد الإشارة إلى داود نفسه فى المصادرالمصرية أو البابلية ، فكان من الطبيعى أن يحاول الأثريون فى العصر الحديث العثور علىالأدلة للتأكد من صحة هذا الجزء من القصة تاريخياً ، كما وردت عنه فى سفر صموئيل الثانىمن كتب العهد القديم(38).


ومع أن عمليات البحث عن البقايا الأثرية القديمة فى القدسازدادت بشكل ملحوظ منذ وقوع هذه المدينة فى أيدى السلطات الصهيونية فى حزيران"يونيو" 1967م ، إلا أنه تبين أن لا وجود لمدينة ولا أسوار فى الفترة التىتقول الرواية التوراتية بأن القدس كانت فيها عاصمة لداود وسليمان .


وكانت بعض المصادر التاريخية التى جاء بها ذكر أورشليم قدأوحت من قبل بوجود مدينة القدس المحصنة ، على الأقل منذ القرن الرابع عشر السابق للميلاد. فهناك ستة خطابات من بين رسائل العمارنة التى وجدت فى مصر قبل نهاية القرن الماضى، كتبها "عبدى خيبة" إلى الملوك المصريين والذى وصف نفسه بأنه كان"حاكم متاتى "أرض أورشليم" . واستناداً إلى هذه الرسائل ، قال المؤرخونبوجود مدينة كبيرة فى منطقة القدس خلال حكم الملك إخناتون وأمنحتب الثالث ، فى القرنالرابع عشر قبل الميلاد . وجاءت نتائج الكشف الأثرى الأخير ، متعارضة تماماً مع هذاالاعتقاد ، ولم يعثر على بقايا أية مدينة قديمة فى موقع القدس ترجع إلى تلك الفترةالزمنية . ويبدو الآن أن أورشليم هذه لم تكن مدينة سكنية ، وإنما كانت مزرعة أقيمتعندها نقطة للحراسة العسكرية لتأمين الطريق المؤدى إلى بيت شان "بيسان" فىالشمال . وبحسب ما ذهب إليه العالم الدنمركى "تومسون" ، فإن عدد سكان منطقةأورشليم فى عصر داود كان أقل من خمسة آلاف نسمة ، مما يصعب معه القول إنها كانت عاصمةلإمبراطورية كبيرة ، و هو يرى أن علاقة اليهود بالقدس لم تبدأ إلا منذ القرن الرابعقبل الميلاد فقط .

القضية الثانية:عمارة القدس ذات طابع عربى إسلامى



1- عمارة القدس عربية إسلامية عبر العصور


ومما يثبت هوية القدس العربية الإسلامية هو فشل الإسرائيليينفى العصور على أى أثر مما يجعلنا نقول أن القدس مدينة عربية لحما ودما ، ومما يؤكدذلك ما أطلقه اليبوسيون بعد الكنعانيين على هذه المدينة "مدينة السلام ، أورشليم"وكان العرب يسمونها باسمها الرومانى البيزنطى "إيلياء" وقد ورد هذا الاسمفى وثيقة الأمان التى كتبها عمر بن الخطاب لأهل هذه المدينة حيث ذكر اسمها إيلياء ثماشترط فى عقد الأمان الذى أعطاه إلى أهلها ألا يسكن معهم اليهود ، ثم أطلق عليها العربفيما بعد اسم بيت المقدس والقدس وإذا كانت هذه المدينة قد وقعت تحت الاستعمار الإسرائيلىواعتبرها الإسرائيليون من مناطق الاستيطان اليهودى ثم بدأوا فى بداية القرن العشرينالبحث عن معالمهم الأثرية التوراتية فى هذه المدينة وعلى عادة الإسرائيليين فى التحريفوالتبديل فقد كانت بعثاتهم الأثرية مقتصرة أخيرا على الإسرائيليين جادة فى البحث والتنقيبولكن دون جدوى أو إحراز أى اكتشاف يؤكد التاريخ اليهودى فى القدس(39)


ويثبت الدكتور البهنسى فشل المنقبين الإسرائيليين "مازار"إفيغاد ، بروسحى ويادين وشيلوح وبركاى وقد أعلن هؤلاء المنقبون اليهود نتائج حفرياتهمفى دورية المصنفات فى عام 1994م ، وكان أبعد ما توصلوا إليه هو العصر الرومانى ، دونأية دلالة على الوجود الإسرائيلى عبر تاريخ القدس ، ولم يتضح لهؤلاء أى مؤشر على وجودمدينة داود ذات الأسوار أو على أثر لهيكل سليمان الذى وصفته التوراة بمبالغة (40) .


ثم يتابع الدكتور البهنسى أثار القدس فى العهود الإسلاميةفبدأ بعهد عمر بن الخطاب الذى حافظ على منشآتها الدينية وقد أمر ببناء مسجد فى مكانصلاته حينما حضر إليها لإعطاء أهلها عقد أمان وكان يطلق عليه اسم مسجد عمر وأمر بإنشاءمظلة من الخشب على الصخرة المشرفة ، والمراد بالمسجد الذى زاره عمر هو المكان المقدسالذى يسجد فيه لله تعالى وهو المكان المسمى "الحرم الشريف" وهى أرض واسعةتحيط بها الأسوار بطول يصل إلى 492م من الغرب وإلى 462م من الشرق وعرضه فى الشمال310م وفى الجنوب 281م ، وله عدد من المداخل الرمزية مؤلفة من أقواس وأعمدة أطلق عليهااسم الميازين ، فى هذه الساحة منشآت إسلامية تعود إلى مختلف العهود الإسلامية ، هىمدارس ومساجد وقباب وأهمها قبة الصخرة والمسجد الأقصى . وكان العرب الذين يزورون القدسيتبركون بهذا الحرم ويطلقون عليه المسجد الأقصى .


وفى عهد الأمويين وخاصة فى عهد عبد الملك بن مروان الذى اعتنىبالمسجد الأقصى اعتناءا كبيرا فأمر بإنشاء قبة الصخرة سنة 72ھ-691م ، وابتدأ بإنشاءالمسجد الأقصى الذى أتمه فيما بعد ابنه الوليد سنة 97ھ-715م ، ولقد أنفق عبد الملكمالاً وفيراً فى القدس لإنشاء هذين الصرحين للدلالة على قوة الإسلام وانتصاره ، وأمربتعبيد الطرق بين الشام والقدس ، لتسهيل سبل الزيارة الدينية المقدسة للحرم القدسى.


وفى قبة الصخرة وبعد إنجازها ، تقبل الوليد بن عبد الملكبيعة المؤمنين ، خليفة على المسلمين ، بينما كان أخوه سليمان ينشئ مدينة الرملة ومافيها من مسجد وقصر ، وداراً للصناعيين ، ثم جاء أخوه هشام ليبنى قصر المفجر فى أريحا. وهو أضخم قصور الأمويين .


كما يذكر للخليفة المهدى العباسى أنه أعاد بناء المسجد الأقصىسنة 158ﻫ بعد زلزال أتى عليه وقد شقيت القدس فى عهد الاحتلال الصليبى إذ جعلوا قبةالصخرة كنيسة رفعوا عليها الصليب وهدموا أطراف الأقصى وجعلوه مقرا لفرسان الإسبتاريةوظل هكذا إلى أن حرره صلاح الدين الأيوبى سنة 583ﻫ


وقام بتجديد المحراب وأعاد ترميم مسجد قبة الصخرة وقد قامالأيوبيون بمجموعة من الإعمار والإنشاء حيث قام صلاح الدين بإعادة بناء سور القدس وقامأولاده بحفر خندق حول الأسوار وأنشأ العادل أخو صلاح الدين الجامع العمرى سنة 589 وبنىسقاية لحفظ الماء وتموين القدس وتم بناء المدرسة الأفضلية وأنشأت قبة المعراج وقبةسليمان والزاوية الجراحية والمدرسة الناصرية .


وتابع المماليك البناء وأصبحت القدس أكثر ازدهاراً فى عهدهم، وخلال حكم الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكى ، الذى امتد ثلاثة وأربعين عاماًحفلت القدس بالعمائر المملوكية التى كانت نموذجاً رائعاً لتطور العمارة الإسلامية. ولقد قام الملك بإنشاء أروقة المسجد الأقصى التى تمتد من باب الحرم حتى باب الغوانمة ، وعمّر السور القبلى عند محراب داود وقامبترخيم صدر المسجد الأقصى إلى حائط المسجد الجنوبى ، وجدد تذهيب قبة المسجد الأقصى، وقبة الصخرة سنة 720ھ -1320م ، وعمّر الميازين مقابل باب حطة ومقابل باب شرف الأنبياء، وجدد عمارة باب القطانين وعمر قناة السبيل عند بركة السلطان ، وهى القناة الداخلةللقدس من عين الغروب ، وأنشأ جامع القلعة 710ھ -1310م ويتكون من حرم ذى محراب جميل.


وفى عهد السلطان الأشراف قايتباى تم إنشاء الأشرفية وسبيلقايتباى فى الحرم الشريف ، والمدرسة المزهرية ، وأنشأ السلطان برقوق المدرسة الجهاركيةوبركة السلطان وخان السلطان ودار السبت .


وقد شهدت القدس فى عهد العثمانيين نهضة عمرانية كبرى ابتدأتبأعمال الترميم التى قام بها السلطان سليمان القانونى فى سور القدس وأقام برج اللقلقوبرج الكبريت ، وأبراجاً أخرى ، كما جدد أبواب القدس ، مثل باب العامود ، باب دمشق، وباب الساهرة 946ھ – 1537م ، وباب ستى مريم وباب الخليل وباب النبى داود 940ھ -1540م ، وباب المغاربة وباب الخليل 947ھ - 1538م.


وأنشأ عدداً من السبلان فى الطرق المؤدية للحرم القدسى .منها سبيل بركة السلطان ، وسبيل باب العتم ، وسبيل سليمان ، وسبيل باب الناظر ، وسبيلباب الأسباط .


وكان سليمان القانونى قد اهتم بتوسعة هامة فى الحرم المكىفى مكة المكرمة ، كذلك قام فى القدس باستبدال الزخارف الفسيفسائية التالفة فى واجهةقبة الصخرة وأمر بتغطيتها بألواح القيشانى التى ما زالت قائمة تحمل اسمه وتاريخ الترميم.


إن المبانى الإسلامية التى أنشئت خلال العهود المختلفة تؤكدالشخصية الإسلامية التى تتمتع بها القدس القديمة التى ما زالت محافظة على طابعها التقليدى ، رغم انتهاكات اليهود وتغييراتهم الواسعةالتى يمارسونها كل يوم لتهويد القدس وذلك لإقامة المبانى اليهودية الجديدة والمستعمراتوتغيير مسار الشوارع وبعض الأماكن ليضفوا على المدينة طابعا يهوديا نقول وعلى الرغممن ذلك فإن المبانى الإسلامية التى أنشئت خلال العهود الإسلامية السابقة ما زالت حتىاليوم محافظة على طابعها الإسلامى(41) .


تبلغ مساحة القدس ضمن الأسوار كيلومتراً مربعاً ويقع الحرمالشريف فى الناحية الشرقية من المدينة وأسوارها . وتقسم المدينة إلى حارات أو خطط ،وفى هذه الأحياء أسواق محلية صغيرة استقلت عن الأسواق الرئيسة ، وكانت الأحياء تضممجموعات سكانية منسجمة فى بيئتها الاجتماعية والدينية ، وطرق المدينة القديمة متعرجة، غطى بعضها بعقود ، وقد تقوم منشآت أو امتدادات عالية للبيوت


ومن أهم هذه المنشآت المساجد والمآذن والمدارس ، وإذا استثنيناقبة الصخرة والمسجد الأقصى ، فإن أكثر المساجد والمآذن فى القدس تعود إلى العصر المملوكى، نذكر منها المئذنة الفخرية 677ھ - 1278م ، وهى مربعة وفوقها شرفة تحمل بيت المؤذنوفوقه رقبة مثمنة ثم قبة صغيرة ، ومئذنة باب الغوانمة 730ھ - 1329م ، ومئذنة باب الأسباط769ھ - 1367م


ومن المساجد نذكر مسجد القلعة 710ﻫ -1310م والمسجد القيمرى674ﻫ-1276م وجامع الخانقاه الصلاحية ، وتعود مئذنته إلى عام 798ھ - 1395م .


ومن المساجد العثمانية مسجد النبى داود الذى أنشأه سليمانالقانونى وهو مجمع معمارى ، ولقد حوّله الإسرائيليون إلى كنيس وأزيلت الكتابات القرآنيةمنه واستبدلت بكتابة عبرية ، وجامع المولولة 995ھ - 1587م والمسجد القيمرى .


وبتحليل مساقط ومقاطع هذه المآذن تبين لنا مدى ارتباطها بالأصولالمعمارية الإسلامية التى سنتحدث عنها .


2- ارتباط عمارة القدس بأحوال العمارة الإسلامية


إن أغلب المبانى الإسلامية التى أقيمت فى القدس هى المدارسالتعليمية . وقد كان عدد المدارس والزوايا خلال القرن الحادى عشر الهجرى 630 مدرسة، ومن أقدم المدارس المدرسة المنصورية التى أنشأها الملك المنصور قلاوون ، وهي أكثرالمدارس الإسلامية الباقية من العهد المملوكى الذى امتد حتى عام 923ھ - 1517م ، وقداهتم المماليك بتأكيد المذهب السنى بمذاهبه الأربعة وبخاصة المذهب الشافعى ، ولذلكفإن بناء المدرسة يتضمن أربعة أواوين لتدريس الفقه حسب المذهب الحنفى والشافعى والحنبلىوالمالكى ، وكان الإيوان القبلى هو حرم للصلاة ومدرسة لتدريس المذهب الشافعى .


وتمتاز عمارة المدارس بالفناء ذى البركة تشرف عليه الأواوينوالغرف ، أما الواجهة الجميلة التى تدخل منها إلى المدرسة من خلال دركاه ، فهى من ميزاتالعمارة المملوكية ، وإذا كانت المدارس المملوكية فى القدس لم ترق إلى مستوى المدارسفى القاهرة التى تميزت بالاتساع والفخامة كمدرسة السلطان حسن ، فإنها مع ذلك تتمتعبالأناقة والبساطة والوحدة ، ومن أهم المدارس المملوكية الباقية حتى اليوم :


المدرسة السلامية 1300م وهى مؤلفة من طابقين وصحن وإيوانكبير ، ومدخل جميل ، المدرسة الجاؤلية 1320م واستعملت داراً لنيابة السلطنة ثم أصبحتداراً للحكم العثمانى وأضيف إليها طابق ثالث . المدرسة التنكزية 1329م وكان فيها خانقاهودار للأيتام ودار للحديث ، المدرسة الأمينية 1330م وتتداخل مع المدرسة الفارسية ،المدرسة الملكية 1340م . المدرسة الفارسية 153م وتقع فوق الحرم الشريف الشمالى . المدرسةالأرغونية 1356 وفيها ضريح الحسين بن على والمدرسة القشتمرية 1358م مؤلفة من طبقة واحدةوفيها مسجد ذو محراب جميل المدرسة المحدثية 1360م ، المدرسة المنجيكة 1360م ، ولهاقاعة ضخمة تشرف على الحرم القدسى ، المدرسة الطشتمرية 1384م وتتألف من مدرسة وتربةوكتّاب وسبيل .


وتعود أهمية القدس إلى وجود الحرم الشريف والأبنية القائمةعليه ، وبخاصة المسجد الأقصى وقبة الصخرة .


إن المساجد التى أشرف على بنائها الوليد بن عبد الملك ، وهىالأقصى فى القدس والأموى فى دمشق ومسجد حلب ومسجد الرسول فى المدينة ، كانت متشابهة، وكان مصدر مخططها مسجد الرسول الأول فى المدينة المنورة والمؤلف من حرم وصحن .


ولم يبق من المسجد الأقصى الذى أقامه الأمويون إلا بعض العناصر، كما أن المؤرخين لم يقدموا وصفاً شافياً لعمارة هذا المسجد الأولى(42).


3- وصف عمارة المسجد الأقصى فى عصور الإسلام


لقد تغيرت معالم المسجد الأقصى بعد الزلزال الذى حدث فى عام130ھ-748م وأعاده الخليفة المنصور العباسى 154ھ - 770م إثر زلزال آخر عام 158ھ-774م فأعاد بناءه الخليفة المهدى عام 163ھ - 780م حيث انقص من طوله وزيد فى عرضه ،ولم تكن له قبة بل كان غنياً بالرخاميات والفسيفساء ، وكان له ستة وعشرون باباً فىواجهة الحرم تتصل بأجنحة متجهة نحو جدار القبلة ، ثم رمم المسجد فى عهد الخليفة الفاطمىالظاهر إثر زلزال عام 406ھ - 1015م . ولقد وصف كريزويل المسجد فى ذلك العهد ، وبعدتحرير القدس سنة 583ھ - 1187م "جدد صلاح الدين المحراب القائم حتى اليوم وزينهبالفسيفساء ، واستحضر من حلب المنبر الخشبى الذى أحرقه اليهود فى آب 1969" .


أ- وصف الحرم الشريف


إن أهم ما يميز مدينة القدس ويؤكد طابعها الإسلامى المقدسهو الحرم الشريف الذى تقوم فيه روائع العمارة الإسلامية وبخاصة قبة الصخرة ، والحرمهو أولى القبلتين وثالث الحرمين ، فهو صرح لحماية الصخرة المقدسة وعليها همّ إبراهيمالخليل بالتضحية بابنه ، كما أن الرسول عرجمنها إلى السماء ، والحرم الشريف وهذه الصخرة كانت قبلة المسلمين فى صلاتهم الأولى،ثم نزلت الآية الكريمة {ومن حيث خرجت فوّل وجهك شطر المسجد الحرام} (43)فتحول المصلون إلى الكعبة حيث الحجر الأسود أيضاً .


ولا بد من الوقوف طويلاً أمام قبة الصخرة ، هذه الآية الرائعةالتى قال عنها المؤرخ بوركهارت "إن إشادة بناء بهذا المستوى من الكمال والإتقان الفنى ، يعتبر عملاً خارقاً فى دولة الإسلام التىلم يكن قد مضى على ظهورها قرن واحد" .


ب- وصف لقبة الصخرة


ولقد أفاضت الرواية التاريخية الحديثة فى وصف العمارة الإسلاميةوذكر تفاصيل خاصة بهذه القبة بمخطط الثمانى الذى قامت عليه ، فهل جاء هذا التخطيط من وحى وإبداع المهندسين المسلمين أماستلهموا مصدر آخر غير مسلم فى هذا التخطيط الثمانى؟ لأن هذا التخطيط جاء متفردا ومخالفالشروط مسجد الرسول الأول فى المدينة المنورة .


وقد تعود المؤرخون مقارنة بناء قبة الصخرة المثمن بأبنيةمماثلة كانت قائمة قبل هذه القبة . ولقد اهتم "كريزويل" بمقارنة هذا المخططالقائم على قبة قطرها 20.40م مع مخطط كنيسة القيامة فى القدس التى تقوم فوقها قبة قطرها20.44م .


ويقوم إيكوشار بمقارنة بين قبة الصخرة وقبة كنيسة القديسةهيلانة فى رافينا - إيطاليا ، كما يقارنهامع كاتدرائية بصرى 512م ، وكنيسة القديس سمعان العمودى - سوريا .


وليس من شك فى أن العمارة الثمانية كانت موجودة آنذاك ومستمرة، ولكن ما يهمنا هو معرفة السبب الذى دعا المعماريْن ، "رجاء بن حياة الكندى ويزيدبن سلام" ، إلى اختيار هذا الشكل الثمانى لبناء آبدة تكريمية تحتضن الصخرة المقدسةأو هى بناء تعبدى ، مسجد أو قبلة للصلاة .


لقد وصلت قبة الصخرة إلى أقصى حدود الكمال المعمارى كما يشهدبذلك ماكس فان برشيم الذى درس القبة دراسة متعمقة ، وكما تشهد ابنته مارغريت على روعةالزخارف الفسيفسائية فى هذا القبة .


ولكن أهمية هذه القبة وقد أصبحت رمزاً إسلامياً بعد الكعبةتبدو فى احتوائها على معان قدسية رسخت أسس الفكر المعمارى الإسلامى ، وكانت أصلاً يقتدىبه فى العمارة اللاحقة .


وفى بيوت الصلاة أو فى المآذن يتم الانتقال تصاعدياً تعبيراًعن الابتهال ، ولكن فى الأضرحة وقباب التكريم فإن الانتقال يتم من القبة إلى القاعدةتعبيراً عن الرعاية والحماية والتكريم ، كما هى قبة الصخرة .


وهذا يعنى أن هدف بناء قبة الصخرة لم يكن لمضاهاة كنيسة القيامة، ولم يكن لمجرد تقليدها كما يدعى كريزويل ، بل كان هدفاً رمزياً لتحديد علاقة رعايةوحماية


وابتدأت التجربة لتحقيق هذا الهدف بتصميم قبة السلسلة لتكوننموذجاً أولياً لقبة الصخرة ، وأرادها المعماريان المصممان أن تعبر فى مقاسها وتشكيلاتهاعن رموز وحدانية(44) .


4- أصالة القبة ورمزيتها لعقيدة التوحيد


ويقول الدكتور عفيف البهنسى أن جميع الأبنية الإسلامية علىامتداد الأرض قد تميزها تلك القبة ومن هنا نجد القباب قد انتشرت على كل المبانى الإسلاميةنراه واضحا جليا فى منشآت مدينة القدس على اختلاف وظائفها سواء أكانت سبيلا أو كانتمدفنا أو كانت قبة مسجد أو قبة تكريمية أو قوسا أو عقدا مما يضفى الطابع الإسلامى علىمدينة القدس كلها ويؤكد أصالة العمارة فيها وتبقى قبة الصخرة منطلق الأصالة المعماريةالإسلامية ، فالنجمة الثمانية التى تعبر عن مفهوم الكون وخالق الكون فى الفكر الإسلامى، والتى تتألف من مربعين متقابلين بمركز واحد . مربع يمثل الجهات الأربع كما هو مربعالكعبة المشرفة ومربع آخر يمثل عناصر الطبيعة الأربعة - الماء والهواء والنار والتراب.


ومرة أخرى نحن لا ننكر أن عمارة القبة لها نظائرها فى العمائرالثمانية السابقة للإسلام ، نراها في قلعة سمعان "قرب حلب" وفى كاتدرائيةبصرى "حوران" وقد درس إيكوشار هذه العلاقة بدقة ، ولا ننكر أن كثيراً منالرموز الرياضية المألوفة فى الثقافة الإغريقية عند أفلاطون وفيثاغورث كانت معروفةعند علماء المسلمين ، ولكن الشئ الجديد فى قبة الصخرة ، هو تحول الشكل المربع الذىيرمز إلى جغرافية الأرض بأبعادها الأربعة ، إلى شكل ثمانى مؤلف من مربعين متقابلينفى قبة الصخرة يشكلان نجمة ثمانية هى إشعاع القبة، هذا الشكل الكروى المعبر عن قبةالكون ، والذى يمثل العناية السماوية على الصخرة المشرفة .


إن المتأمل لقبة الصخرة يجد فيه أسسا جمالية منها ما هو رياضىومنها ما هو صوفى إلى غير ذلك من جماليات تحتويها تلك القبة وغاية القول الذى يمكنأن نقوله أن جميع القباب التذكارية تقوم على مبادئ قبة الصخرة ذاتها فقد انتقل الشكلالمضلع الثمانى إلى أبنية لاحقة إسلامية مثل قبة الصليبية فى سامراء ومدرسة كابى أغافى آماسى فى تركيا . وبقيت محافظة على مفهوم النجمة الثمانية .


إن عدداً من القباب التى أنشئت فى منطقة الحرم الشريف ، كانتتذكارية ، ولذلك فإن الرمز الوحيد الذى تتضمنه هو القبة ذاتها وهو الرمز السماوى المعروفوالمعبر عن العناية الإلهية ، وتحمل هذه القباب أقواس على أعمدة من واجهاتها الست كماهو قبة السلسلة ، أو الواجهات الأربعة كما فى قبة يوسف التى أنشأها صلاح الدين يوسفالأيوبى ، أو فى قبة يوسف أغا والقبة النحوية وقبة موسى ، أما قبة النبى 945ھ - 1538م ، وقبةسليمان وقبة الأرواح فإنها جميعا تقوم على ثمانية وجوه .


وإذا انتقلنا إلى الزخارف الهندسية التى تبدو محفورة علىواجهات المبانى أو على أبوابها ، نراها ترجع إلى المنطق نفسه ، كأنها مرتسم التحولاتالمعمارية اللولبية على سطح ذى بعدين.


ويجب التمييز فى الرقش العربى بين الرقش النباتى والرقش الهندسى، فالزخارف الفسيفسائية نباتية المنشأ ، وعندما درست "فان برشيم" ، و"دولوره"زخارف فسيفساء قبة الصخرة النباتية ، كان لا بد من ربطها بتقاليد الزخارف السابقة للإسلام، لاستمرارية التقاليد المعمارية والفنية في المراحل الأولى لتشكل الفن الإسلامى ،ولكن دراسة الزخارف الهندسية ، تبقى مستمدة من الفكر الجمالى الإسلامى .


إن النجمة الثمانية فى الزخرفة والمخطط الثمانى فى العمارةالذى إلتزمه معماريو قبة الصخرة علامة إسلامية مميزة ، ولا ينفى أن المسدس والنجمةالسداسية أو المخمس والنجمة الخماسية هى من التقاليد الفنية الإسلامية أيضاً لها تأويلهاومعناها ، فالنجمة السداسية مؤلفة من مثلثين ، واحد يمثل الأرض ورأسه إلى أعلى تعبيراًعن الإيمان ، وآخر يمثل السماء ورأسه إلى أسفل تعبيراً عن عناية الله ، والنجمة الخماسيةهى إدماج للمثلين .


لقد كان الفكر الوحدانى الإسلامى المحور الذى نشأ عليه الفنالإسلامى والعمارة الإسلامية وكانت تجارب المنشئين الأوائل فى القدس من معماريين ومزخرفينوخطاطين ، محاولات تأسيسية لفن جديد ، تتضح منطلقاته النظرية بتحاشى التشبيه لعدم مضاهاةالله فى مقدرته على الخلق ، أو فيما يتعلق بالتعبير عن المطلق عوضاً عن المشخص من خلالالشكل الهندسى المجرد ، ففى ذلك يتحقق الانتماء إلى العقيدة التوحيدية من خلال الفن.


وإذا كانت ولادة الرقش العربى قد بدأت من هذه المنطلقات ،فإن ولادة الخط العربى كعمل إبداعى ، تولدت من تجويد كتابة القرآن تعبيراً عن التكريم والتعظيم ، ويجب أن نذكر هنا أن أقدم شكل من أشكالالخط العربى البديع نراه على جدران قبة الصخرة ، فثمة شريط طوله 240 متراً ، يقع فىالقسم العلوى من المثمن الداخلى بقبة الصخرة يتضمن كتابة منفذة بفصوص الفسيفساء المذهبةعلى خلفية زرقاء ، هى آيات قرآنية من سورة النساء وسورة آل عمران ، وثمة كتابة أخرىتتضمن تاريخ بناء قبة الصخرة .


وكذا فإن الزخارف الإسلامية بأشكالها وأنواعها المختلفة والقبابالإسلامية القائمة على أغلب المنشآت المعمارية فى بيت المقدس لتدل دلالات كبيرة علىأن القدس مدينة عربية إسلامية لحما ودما وقد أكدت هذه الحقيقة الحفريات التى سبق أنذكرناها والتى أثبتت عدم وجود أى أثر يهودى فى فلسطين كلها وليس فى بيت المقدس فقط(45).










المبحث الثالث: سياسة التطبيع بين العرب وإسرائيل



ما هو التطبيع


يعرف الجميع أنّ الحركة الصهيونية و الكيان الصهيوني ارتكبجرائم لا تحصى في حق العرب و المسلمين ، قد بلغت درجة الجرائم ضد الأنسانية ، و المعضلةالتي ينتفض الأحرار ضدها هي الجهود التي تبذلها الصهيونية و تطلب من العرب و المسلمينالقبول بتلك الجرائم و أن يتم التعامل معها و كأنّها لم ترتكب أيّ جريمة ، فالتطبيعمع الكيان الصهيوني أو ما يسمى بكيان اسرائيل ، هو بناء علاقات رسمية و غير رسمية ،سياسية و اقتصادية و ثقافية و علمية و استخباراتية مع الكيان الصهيوني .


والتطبيع هو تسليمللكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين ، وبحقه في بناء المستوطنات و حقه فيتهجير الفلسطينيين و حقه في تدمير القرى و المدن العربية ، و هكذا يكون التطبيع هوالاستسلام و الرضا بأبشع مراتب المذلة و الهوان و التنازل عن الكرامة و عن الحقوق ،و من كبار المطبعين نجد الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس محمد أنور السادات و الملك الأردنيالحسين و الملك المغربي الحسن الثاني ، و قائمة طويلة من العرب المستعدين دوما لبيعكل شيء في سبيل الحفاظ على الملك العقيم ومن هذا المنطلق فهل يعد التطبيع حلالاً ومشروعاًيستفيد منه العرب والمسلمون ام انه يجرم لما يناله العرب من جرائم كثيرة ومتعددة؟ وتعوداسباب تجريم اسباب التطبيع مع العدو الصهيونى الى مايلى :-


أ- وجود اسرائيلذاته جريمة في حقنا .


ب- لم تتوقف الصهيونيةطيلة قرن من الزمان عن ارتكاب الجرائم : مجازر، تهجير ، تدمير القرى و المدن ، شنّالحروب على البلدان المجاورة ، تخريب الواقع العربي و العمل على إثارة الفتن داخل كلقطر عربي و مسلم


ج- كل انسان من حقهالدفاع عن نفسه و أرضه و ماله ،و الحركة الصهيونية عدوان على أرضنا و عرضنا و مالنا.


د- تونس عانت منالعدوان الصهيوني ، و استشهد تونسيون إثر الغارة الجوية الصهيونية على حمام الشط في01-10-1985 و كذلك اغتيال عدد من القيادات الفلسطينية في بلادنا، و مازلنا إلى اليومنسمع أخبارا عن الموساد في تونس ، و لن يكون دورهم غير التخريب ،


هـ- لا يمكن لأحدأن ينكر الواجب التونسي و العربي و الانساني تجاه المقاومة الفلسطينية و اللبنانية،فهي تخوض المعركة ضد كيان صهيوني ذي طبيعة عنصرية أبشع من عنصرية جنوب افريقيا ، وذي تاريخ دموي و ذي طبيعة عدوانية وظيفة تخريبية ،و نصرة المقاومة لا تتمّ إلاّ منخلال تجريم التطبيع .وقد يتساءل الانسان عن مخاطر التطبيع مع الكيانى الصهيوني ويمكنالحديث عنها من خلال النقاط التالية :-


أ‌- المساهمة في بناءالشرق الأوسط الكبير الذي يقوده الكيان الصهيوني، وهو الهدف الذي تسعى إليه الولاياتالمتحدة الأمريكية و الصهيونية منذ بدايات التطبيع (كامب دافيد ،أوسلو)


ب‌- التسليم بالتفوقالاستراتيجي للكيان الصهيوني اقتصاديا و عسكريا و محاصرة أي محاولة لمنافسة الكيانالصهيوني ،بل إنّ المنافسة تصبح جريمة في منظور المطبعين كما هو الشأن مع الحالة الايرانيةو ملفها النووي .


جـ ‌- الإمضاء على وثيقةالموت الطوعي للمشروع العربي و لمشروع التحرر و الاستنهاض ، إنّ التطبيع هو استباقللمستقبل و قتل لأي أفق مستقبلي يمكن أن تتغير فيه موازين القوى و يصبح العرب أقوياءو أحرارا، وبذلك فهو تعبير عن حالة اليأس المطلق.


د ‌- التطبيع هو تنازلعن المعنى الانساني عند العرب و البشر ، ومن العجيب هذا التناقض القاتل عند بعض الغربيينبين وقوفهم ضد الهولوكست و قبولهم بمجازر الصهيونية ضد العرب السؤال الكبير الذي يطرح على كل انسان : الصهيونية حركة عنصرية باعتراف الأمم المتحدةفكيف نقبل بوجودها بيننا ؟


إن الكيان الصهيوني قام على القتل و السرقة و يستمر بهذاالأسلوب فكيف نقبل بوجوده ؟ فإذا قبلنا و خاصة نحن العرب فكـأننا نضع أمننا و استقلالناو اقتصادنا و ثوارتنا في طبق نقدمها هدية إلى عدونا .


التطبيع قبول بتخريب الكيان الصهيوني لوطننا و قد ظهر هذاالتخريب في تقسيم السودان و في مصر و في لبنان و في العراق و في سوريا .والاستعداد الى تجزئة الكبير ، ثم القضاء على الثورات التى تطلع فيها الشعوبالعربية الى الحرية والديمقراطية لكى تنمو وتنهض .


لم يبقي امامنا الا خياراً واحدً لبث الرعب فى قلوب الصهاينةوتكبيدهم هزائم متتالية دفع الكثير منهم الى التفكير فى ان يغادر فلسطين بعد ان حررجزءا من الارض وان شاء الله يمكنه ان يحرر ما تبقي هذا هو خيار المقاومة ، مقاومة الفسادو الاستبداد و الصهيونية ،وهو كذلك خيار الديمقراطية و الوحدة الوطنية .


إذا كنا أمام هذه الفرصة التاريخية فلماذا نتنازل عن حقنافي الانتصار؟؟ لماذا نقبل الهزيمة و الإذلال ؟ لماذا ننقذ العدو الصهيوني من النتيجةالحتمية لجرائمه ؟ لماذا لا نشارك في أشرف معركة تخوضها الأمة و البشرية ، معركة زوالالصهيونية .

اختلاف المسلمينوالعرب حول قضية التطبيع مع اليهود



أولا : مقدمة في بيان معنى الصلح الشرعي ، والفرقبينه وبين التطبيع العصري :


لا بد للمسلم أن يعتني بمعرفة حقائق الأمور ، وإدراك ذلكيساعد على معرفة حكم الله على الحقيقة ويساعد في مسألة تحقيق المناط ، وحسن تنزيل الوقائععلى الأعيان والمعاني تنزيلا صحيحا . وأن لا يغتر المسلم بالألفاظ البراقة الخادعةالتي هي بخلاف حقيقتها ، فكم سُمي الشرك تعظيما للأولياء ، وسمى الربا بغير اسمه ،وسمي الخمر بمشروبات روحية وهكذا ، ويجب أن لا ننظر للأسماء فقط مع مخالفة الحقيقةونحكم بمجرد ذلك . قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله في منهاج التأسيسص12 ( وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة وكم وقع بذلك منغلط وريب وغمة اهـ ) .


ومن ذلك ما يجري اليوم مع اليهود حيث يُسمي صلحا ، ومصالحة، وفي حقيقة الأمر هو استسلام وتبديل وإلغاء لبعض الأحكام الشرعية وموالاة الكافرين،والاتفاق على شروط باطلة . على ما سوف نوضحه إن شاء الله , لأن مصطلح الصلح اليوم تغيّرعن المعنى القديم الموجود في القرون المفضلة وفي عرف العلماء والفقهاء ، وأصبح يعنياليوم أمورا أخرى ، وعليه يجب أن نفهم الصلح حسب عرف من يتكلم به وحسب المفهوم المعاصرلكي نعرف الحكم الشرعي الصحيح ولكي نصل إلى تحقيق المناط الصحيح وأيضا لكي نفهم اللعبة.


وبعد ذلك نقول ماذا يعني التطبيع في عرف اليهود والأمريكانوالساسة العرب , وهل هو منطبق على معنى الصلح الشرعي ؟ وما معناه من خلال واقع ثلاثمعاهدات تمت مع اليهود ( مع السلطة الفلسطينية و مصر و الأردن ) إذا عرفنا ذلك أمكنتصور معالم هذا التطبيع الجديد , والصلح العصري والتطبيع يعني تمكين اليهود من أرضإسلامية ، وعلى رقاب شعب مسلم ، ووجود سفارات وبعثات دبلوماسية ــ ولا يخفى أن هذهتتحول إلى أوكار للجاسوسية ــ ، ووجود شركات اقتصادية وملاحق عسكرية وثقافية وفنانين، وتعني تطبيعا سياحيا لاستجلاب اليهود يؤدي إلى إنشاء فنادق ومطاعم وبنوك ومراقص ومسارحو فن. وزيارة اليهود للمدينة لإقامة مهرجانات أعيادهم وزيارتهم لآثار أجدادهم وهذاهو الذي ينادون به وهو الذي حصل في الدول التي قبلت التطبيع المزعوم مع اليهود ، فاسألبه خبيرا ، واسأل شعوبها ماذا حصل ؟ ففيهم لنا عبرة فاعتبروا يا أولى الأبصار .


ويؤدي إلى ضياع المناهج التعليمية مع التطبيع ، و ضياع عقيدةالبراءة في تلك المناهج من الكفار عموما و من اليهود خصوصا .


ويقصدون بالتطبيع الكامل إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسيةوثقافية وتاريخية طبق قرارات هيئة الأمم المتحدة ، وليس طبق قرارات القرآن والسنة. هذا هو معنى الصلح عندهم . وبذلك نعرف أنه يعني الاستسلام للكفار وعلو شأنهم وإضاعةللدين وللأراضي الإسلامية .


أما معنى الصلح الشرعي المجمع عليه فهو : الصلح مع الكفارإن دعت المصلحة على وضع الحرب مدة معلومة إن كان عقدا لازما ، أو مدة مطلقة إن كانعقدا جائزا ممكن الفسخ وقت الحاجة , هذا هو حدود الصلح الشرعي بالإجماع , أما المصالحةالمتضمنة تنازلات عقدية وإلغاء لأحكام شرعية فهذا صلح باطل شرعا بالإجماع ولا يجوز، و ليس هو صلحا مسموحا به شرعا بل حقيقته استسلام ونكوص عن الشريعة وتخل عن بعض أحكامهاوشرائعها ، وهذا لم يحصل من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اعتقد أن ذلك حدث من الرسولصلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد .


ثانيا : أدلة التحريم والمنع من الكتاب والسنةوالإجماع وباعتبار المفاسد والمآل .


إذا عرفنا ذلك فإن التطبيع مع اليهود محرم شرعا ، ولا يجوزلأحد كائنا من كان أن يعقده بتلك الصورة ، وإذا وقع كذلك فإنه يقع صلحا باطلا . أماالأدلة على ذلك :


1 ـ قال تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليومالآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتىيعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) وهذا التطبيع يعطل هذه الآية .


2 ـ ويضاد قوله تعالى ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللهوالمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالمأهلها ) وإذا كان الله أوجب القتال لإنقاذ المستضعفين فكيف نصالحهم صلحا يمكنهم منالمستضعفين من المسلمين وهذا مما يتضمنه التطبيع .


3 ـ قال تعالى ( فإن نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فيدينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) فأمر بمقاتلة الناقض والطاعن في الدين، فكيف نعقد معهم ما يسمونه صلحا في الوقت الذي يحرم عقده كما في الآيات السابقة .


4 ـ قال تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدينوأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) .


5 ـ ويضاد مقاصد الجهاد الشرعي الثابت في الكتاب والسنة والإجماع.


6 ـ وهو صلح باطل لما فيه من الشروط الباطلة المضادة للإسلام، وقد جاء في حديث عائشة مرفوعا ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كانمائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ) متفق عليه . ففيه من الشروط الاعتراف بالكياناليهودي ، وإلغاء الجهاد وأمثال ذلك .


7 ـ ويضاد الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإخراج اليهود والنصارىمن جزيرة العرب وبالصلح المزعوم اليوم أدخلوا اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب .


8 ـ ويضاد حديث ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواهالشيخان من حديث عائشة واللفظ لمسلم ، وهذا الصلح المذموم ليس عليه أمر الرسول صلىالله عليه وسلم بل هو مضاد له .


9 ـ ويضاد الأصول المجمع عليها في الجهاد والولاء والبراءوأصل عدم تمكين اليهود من جزيرة العرب .


ثالثا : مناقشة من أجاز التطبيع العصري بناءعلى صلح الحديبية ونحوه :


وقبل مناقشة هؤلاء يُقال لهم وهل الحكام أصلا عند قراراتهمالسياسية يبحثون عن الدليل الشرعي حتى نحاول التطوع بالتسويغ الشرعي لهم ، أم أن آخرما يفكرون به الناحية الشرعية , هذا إذا فكروا .


ويتضح الكلام في مسألة التطبيع المحرم لو أننا فرضنا أموراتمت في صلح الرسول صلى الله عليه وسلم ( وحاشاه ) مع الكفار لأنه بضدها تتبين الأشياءكما قال الشاعر :


الضد يظهر حسنه الضد ............ وبضدها تتبين الأشياء


صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح الكفار سواء مع قريشأو يهود المدينة أو بعض قبائل العرب ولكن : ليس بتنازلات عقدية وشروط تضاد الإسلام. وهنا نسأل من استدل بذلك :


هل صالح الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار على إبقائهم فيبلادهم دائما ومطلقا ؟ وهل صالحهم على إلغاء الجهاد ؟ وهل صالحهم على إنهاء حالة البغضاءو العداوة معهم . وهل صالحهم على تمكينهم من أراض إسلامية اغتصبوها ؟ وهل صالحهم علىسيطرتهم على رقاب المسلمين ؟ .


وهل صالحهم على عدم تعرضه لديانة الكفار وآلهتهم ، وإذا كانلم يقبل ذلك منهم والدعوة في بدايتها في مكة ( كما صح ذلك في السيرة ) لما عرضت عليهقريش أن يترك سب دينها وآلهتها مقابل أن يعطوه السيادة أو الملك أو المال ومع ذلك لميقبل وهو في أمس الحاجة لمهادنتهم ، فكيف يقبل ذلك وهو في دولة ذات شوكة وقوة ! . وهلصالحهم على أن لهم حق حكم المسلمين المستضعفين في مكة بشريعة الكفار ، أو أن تبقى زمامالكعبة بأيديهم كيف شاؤا ، ولو كانت قريش تخطط لقتل المسلمين هل كان يصالحهم ؟ وهوالذي بايع الصحابة في الحديبية تحت الشجرة لما قيل إن عثمان رضي الله عنه قُتل ، فأصبحالقتل مانعا من المصالحة . ولو كانت قريش تنتهك أعراض المسلمين ، وتخطط لهدم الكعبةوبناء أصنام العزى وهبل ومناة الثالثة الأخرى هل كان يصالحهم ؟ .


وهل يصح صلح يمكّن اليهود من المقام في جزيرة العرب باسمالسياحة أو إدارة اقتصادهم وأموالهم وشركاتهم وتمكينهم من إقامة معابد لهم ؟ .


إن من تأمل الإجابة على هذه الأسئلة يدرك بعين البصيرة شناعةما يُسمى بالصلح والتطبيع مع اليهود ومضادته المضادة الصريحة للإسلام . ونناقشهم أيضافي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا قتال طلب فقد ذهب إليهم في أرضهم ثم صالحهم، فصلحه معهم في حكم جهاد الطلب فهو صلح طلب ، بخلاف قتال اليهود اليوم فهو جهاد دفع، وأحكام جهاد وصلح الطلب يختلف عن جهاد وصلح الدفع فكيف يُقاس هذا على هذا ؟ .


ونناقشهم أيضا ونقول هاتوا دليلا على أن الرسول صلى اللهعليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفارا على التنازل لهم عن أرض إسلامية ؟ .


وهاتوا دليلا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاءالراشدين صالحوا كفارا سيطروا على أرض إسلامية فصالحوهم على أن يأخذ المسلمون جزءامن هذه الأرض التي سيطر عليها الكفار ليقيموا عليها حكما علمانيا ديمقراطيا لا دينيا؟ .


ويقال لهم هل تجوز المصالحة بهدف إقناع الشعب اليهودي أنالعرب لا يرفضونهم ولا يكرهونهم كما جاء في حيثيات إحدى المبادرات . وهل هدف المصالحةالإثبات لليهود أننا نحبهم ، أليس هذا يصادم القرآن والسنة والإجماع لأنه صلح يريدإزالة العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود . ثم ما حكم الصلح لو كان ركونا للدنياوكراهية لجهاد الدفع ؟ وما حكم الصلح لو كان ينتج عنه دولة علمانية لا دينية في الأراضيالتي سوف ينسحب منها يهود إن صدقوا في الانسحاب ؟


وهل من المناسب أن يُفرض التطبيع الآن بعد أن اشتد رعبهموهلعهم وبعد أن قويت شوكة إخواننا المجاهدين وفقهم الله في فلسطين ؟


وما حكم الصلح إذا كان فيه شروط باطلة تخالف أصول العقيدة.


ثم يقولون إن الضرورة أباحت الصلح ! فنقول وهل تبيح الضرورةالكفر والشرك المتعدي وهل تبيح إلغاء أصول الشريعة .


ثم إن مكة وقت صلح الرسول صلى الله عليه وسلم لهم دار كفرأصلي لم تدخل بعد وتتحول إلى دار إسلامية ، وفلسطين دار إسلام في الأصل فتحها المسلمونفكيف يُقاس هذا بهذا ؟


فإن احتجوا بقوله تعالى ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) قلناأكملوا الآيات ! تجدوا أن المخادع الخائن في العهد لا يصالح ، بل يُحرّض المسلمون علىقتاله ، والله ناصرنا عليه وهو حسبنا ( وإن يريدوا أن يخدعوك ــ أي اليهود ــ فإن حسبكالله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) الآية ، ثم قال بعدها ( يا أيها النبي حرض المؤمنينعلى القتال ) الآيات . فكيف نستدل بأول الآيات ونترك آخرها ؟ . ويدل على هذا المعنىمفهوم المخالفة في قوله تعالى في شأن المعاهدين ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) فإن لم يستقيموا لنا كما هو حال اليهود الخائنين ، فكيف نصالحهم ؟ مع أن القضية فيحقيقتها تطبيع وليست صلحاً.


رابعا : موقف العلماء المعاصرين من هذا التطبيع


لقد أوجب أهل العلم في العصر الحديث منذ بدأت قضية فلسطينقبل أكثر من خمسين عاما أوجبوا القتال ضد اليهود الغاصبين ، ومنعوا الصلح معهم ، الصلحالذي بمعنى الاستسلام ويعنى مضادة الشريعة وإلغاء بعض أحكامها ، وان سُمي صلحا .


وحسب علمنا فإنه منذ نشأت المشكلة الفلسطينية إلى قبل سنواتقليلة ما كان العلماء يختلفون في حرمة التطبيع مع اليهود ، ووجوب قتالهم .


فمن الفتاوى في ذلك :


1 ـ فتوى علماء وقضاة وخطباء فلسطين الذي انعقد في القدسعام 1355هـ الموافق 1935م وأصدروا فتوى بحرمة بيع الأراضي الفلسطينية على اليهود، لأنهيحقق المقاصد الصهيونية في تهويد أرض فلسطين ، وأن من باع الأرض عالما بنتيجة ذلك راضيابه فهذا يستلزم الكفر والردة ، وأشاروا إلى فتاوى علماء المسلمين في العراق ومصر والهندوالمغرب وسوريا والأقطار الأخرى بأنها أيضا تحرم بيع الأرض في فلسطين لليهود ، ثم ذكرواالأدلة في ذلك .


2 ـ وكذلك فتوى علماء الأزهر عام 1366 هـ وأيضا عام 1367هـ بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين .


3 ـ وفتوى علماء المؤتمر الدولي الإسلامي المنعقد في باكستانعام1388هـ ، 1968 م .


4 ـ وكذلك فتوى لجنة الفتوى في الأزهر الصادرة عام 1375 هـبتحريم التطبيع مع اليهود .


5 ـ أيضا أصدر مجموعة من العلماء عام1409 هـ ، 1989 م ، بلغعددهم ( 63 ) عالما من ثماني عشرة دولة فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين .


6 ـ وأصدر مجموعة كبيرة جدا من علماء اليمن فتوى في تحريمالتطبيع مع اليهود .


7 ـ وفتوى مؤتمر علماء فلسطين المنعقد في 1412 هـ أفتوا بحرمةالمشاركة في مؤتمر مدريد وأفتوا أيضا بحرمة التطبيع مع اليهود ثم ذكروا الأدلة الشرعيةفي ذلك .


8 ـ ثم إن علماء وأهل الجهاد والشوكة من أهل الحل والعقدمن أهل فلسطين لم يرتضوا هذه المبادرات القديم منها والحديث ، وحتى الشعب الفلسطيني، فلماذا يُفتات عليهم ولهم ذمة مستقلة تتيح لهم أن يكونوا أولى الناس بأمورهم ، وقدعارضت حركة حماس الجهادية بقيادة رئيسها الشيخ أحمد ياسين وفقه الله في بيان أعلن فيهرفضه لتلك المبادرات ، وقال : نحن نرفض أي اقتراح يتنازل عن أراضي فلسطين وأعلن أنهمسوف يواصلون الجهاد ضد اليهود .


وأخيرا :


يقال أيهما أولى التطبيع مع اليهود الخائنين والملحدين والغاصبين، أم التطبيع ونفع إخواننا المجاهدين المضطهدين في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشميروالفلبين أو أهل السنة في العراق وغيرهم , أم نبذهم والتخلي عنهم ، بل وأعانوا أعداءهمعليهم .


فان قالوا الحكومات ضعيفة ولا تستطيع بجيوشها قتال اليهودقلنا إذا كانوا لا يستطيعون فليسلّحوا الشعوب المسلمة ويتركوها تقاتل عنهم ، بل ليفتحواحدودهم فقط للمجاهدين وهذا يكفي ، بل ليسلّحوا الشعب الفلسطيني الشهم المجاهد ويدعموهليقوم بأعباء الجهاد عنهم ، وما ضاع حق وراءه مطالب ، قال تعالى ( كم من فئة قليلةغلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) .


ونقول لإخواننا المجاهدين في فلسطين المباركة إلى مزيد منالعمليات الاستشهادية الجهادية ، فإنها اليوم من أعظم الجهاد ومن أقوى النكاية في اليهود.


وندعوا إلى المقاطعة الاقتصادية لليهود والأمريكان وللدولوالشركات التي تساعدهم ، وكذلك ننصح إخواننا العلماء وطلبة العلم والدعاة والمعلمينوالأغنياء والخطباء والأئمة أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من تبيين قضية البراء منالكافرين وتبيين حكم هذا الاستسلام لليهود ، وأن يساعدوا إخواننا المجاهدين الذين يجاهدونلإعلاء كلمة الله من الفلسطينيين كل بما يستطيع ، قال صلى الله عليه وسلم ( جاهدواالمشركين بأنفسكم وأموالكم وأيديكم وألسنتكم ) رواه أحمد وأهل السنن من حديث أنس ,ولابد من الدعاء والقنوت لهم في هذه النازلة التي ألمت بهم .


وننصح الحكام العرب أن يتقوا الله ، ويراجعوا دينهم ، ويبتعدواعن هذا التطبيع المحرم مع اليهود قبل أن يحل عليهم غضب الله ونقمته .


ولا يعني حديثنا عن اليهود قاتلهم الله أننا نهوّن الأمرمع غيرهم من الكفار من نصارى وغيرهم فإن الكفر ملة واحدة , وحكمنا في هؤلاء مثل حكمنافي أولئك .


نقول هذا إبراء للذمة ونصحا للأمة وبيانا للحق ودفعا للالتباسوالتضليل والله أعلم





التطبيع من منظور اسرائيلى صهيونى :


1. مصطلح"التطبيع" كما جرت العادة من استعماله في الآونة الأخيرة ، يحمل معاني كثيرةمتباينة ومتشابكة، واكتسب من المدلولات العاطفية ما جعله يثير الحساسية بشكل يخلق ضبابيةحول فهمه فهماً دقيقاً، وفهم المعاني القريبة منه، حتى أصبح المصطلح متشابهاً في استعمالاته،وحاجباً للمعنى بدلاً من أن يكون أداة دقيقة للتعبير عنه


2. بالنسبة للعلاقاتبين الدول العربية وإسرائيل، يعني التطبيع قيام هذه الدول أو مؤسساتها أو أشخاصها فيتنفيذ مشاريع تعاونية ومبادلات تجارية واقتصادية، في غياب استتباب السلام العادل، وذلكإخلالاً بالموقف السياسي التاريخي لتلك الدول والقائل بأن مقاطعة الدول العربية لإسرائيليجب أن تستمر حتى يتحقق ذلك السلام العادل، بل وكوسيلة ضغط لتحقيقه. والتطبيع في هذهالحالة أصبح يعني ليس فقط السماح بتطوير علاقات طبيعية بين المعتدي والمعتدَى عليهفي غياب العدالة، أي في وضع غير طبيعي، بل والسماح أيضاً بالأضرار في تلك الأداة التيهي إحدى أدوات تحقيق تلك العدالة المنشودة


3. يختلف الأمر"بطبيعة الحال" بالنسبة للشعب الفلسطيني ومؤسساته وأشخاصه المتواجدين علىأرض فلسطين، سواء أولئك منهم الذين بقوا داخل ما أصبح دولة إسرائيل، أو أولئك الذينيتواجدون في مناطق السلطة (الضفة الغربية وغزة) أو في مدينة القدس التي تم ضمها عام1967، حيث أن وجود المؤسسة الإسرائيلية بشكل أو آخر في كافة هذه المناطق قسرياً فرضحقائق ووقائع بأشكال مختلفة عبر الأزمنة والمراحل المختلفة كان لا بد من التعامل معهابأساليب وأشكال مختلفة أيضاً من أجل الحفاظ على البقاء وتوفير أسباب الصمود على الأرض


4. يتضح مما سبقأنه بينما يمكن القول أن القاسم المشترك لكافة أشكال التعاطي مع المؤسسة الإسرائيليةمن قبل فئات الشعب الفلسطيني مهما اختلفت كان ضيق الهامش المتوفر لمقاطعة إسرائيل وأجهزتهاوأنظمتها وقوانينها وتعليماتها، فان العنصر المميز بينها جميعاً من جهة وبين الوضعلدى الدول والشعوب العربية غير الواقعة تحت السيطرة المباشرة الإسرائيلية هو توفر هذاالهامش لدى تلك الدول والشعوب والتي لم تضطر إلى التعاطي مع المؤسسة الإسرائيلية منأجل الصمود أو التطور


5. فلقد اضطر الشعبالفلسطيني مثلاً داخل إسرائيل عبر خمسين عاماً للانخراط في أجهزة الدولة إلى حد ما.ولا يمكن اعتبار هذا الانخراط القسري تطبيعاً، وإنما جاء كتطور ضروري من أجل تحقيقمصلحة البقاء لهذا الجزء من الشعب، الذي لم يمكن له التنفس إلا من خلال الأجهزة الرئويةللمؤسسة الإسرائيلية، اقتصادياً وسياسياً


6. أما في مناطقالضفة وغزة، والتي تقع بعضها الآن تحت سيطرة السلطة النسبية، فلقد كانت هذه المناطقمنذ عام 1967 وحتى العام 1993، أي حتى قيام السلطة، أيضاً منخرطة وإلى حد كبير في أجهزةالدولة الإسرائيلية المحتلة، وكان هامش المقاطعة لأبناء الشعب الفلسطيني في هذه المناطقمن فلسطين أيضاً محدوداً، وكان الانخراط حاجة قسرية طال الجوانب الحياتية المختلفة،الاقتصادية منها والمدنية


7. اعتمد الفلسطينيونفي الضفة والقطاع في تلك الفترة في أكثر من 90% من استهلاكهم للخدمات والمنتجات علىإسرائيل، وكذلك في مداخيلهم، لكن هذه الشبكة من العلاقات المتنفذة إن تميزت بشيء فلقدتميزت بكونها شبكة تم تسخيرها بشكل محكم لخدمة الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك على حسابالاقتصاد الفلسطيني الذي منع من تطوير ذاته بشكل يخدم حاجة المجتمع الفلسطيني كمجتمعمستقل، بالرغم من أن المردود في المجتمع الفلسطيني كان هو زيادة معدّل دخل الفرد فيالفترة نفسها، أكان الفرد موضع البحث عاملاً أو تاجراً أو وكيلاً لشركة إسرائيلي


8. عند قيام السلطةالفلسطينية عام 1993 وذلك نتيجة المفاوضات وعملية السلام، حاولت هذه السلطة جاهدة تغييرمعادلة الاعتماد غير المتكافئ، وذلك في بعض المجالات الممكنة والمفيدة، وهدفت السلطةلإعادة تصميم هذه الشبكة من العلاقات بشكل أكثر إنصافاً للشعب الفلسطيني، لكن السلطةلم تنطلق من نقطة قرار لمقاطعة إسرائيل أو لتحطيم شبكة العلاقات معها من حيث المبدأ،أكان ذلك لأسباب أو لضرورات جغرافية وديموغرافية واقتصادية. بل هي تحرّت بأن تعيد تصميممعادلة شبكة العلاقات بشكل يوفّر ولأول مرة الفرصة للمجتمع الفلسطيني لأن يتطور ككتلةاقتصادية متميزة ومتجانسة، تخدم أهدافه السياسية الجماعية، بدلاً من خدمة الأهداف الاقتصاديةوالسياسية لمجتمع آخر، هو المجتمع الإسرائيلي


9. نستنتج مما سبقأن ضرورات التحليل الموضوعي تتطلب إبراز محورين أساسيين للبحث، أحدهما التمييز بينشبكة العلاقات ما بين الدول العربية وإسرائيل من جهة، وشبكة العلاقات ما بين فئات الشعبالفلسطيني المتواجدة على أرض فلسطين وإسرائيل من جهة أخرى، مع ما يتبع هذا التمييزمن ضرورات في استعمال مقاييس ومصطلحات وصفية متمايزة. وأما المحور الثاني، فهو التمييزفي شبكة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية ما بين تلك التي تخدم المجتمع/الاقتصاد الإسرائيليعلى حساب نظيره الفلسطيني (مع الاعتراف بزيادة دخل الأفراد في المجتمع الأخير، وإنكان بدرجات متفاوتة)، وتلك العلاقات التي تخدم المجتمع/الاقتصاد الفلسطيني (مع الإدراكبإمكانية رفع مستوى معيشة الفرد كنتيجة لرفع فعالية الاقتصاد الجماعي الذي ينتمي إليهذلك الفرد)


10. بالنسبة للمحورالأول، فكما سبق وقيل فإن استعمال مصطلح "التطبيع" كوصف للعلاقات بين إسرائيلوجاراتها العرب يختلف نوعياً عنه كوصف للعلاقات بين إسرائيل وفئات أو أفراد الشعب الفلسطينيالمتواجد على أرض فلسطين. أما بالنسبة للمحور الثاني فمع أن مصطلح "التطبيع"لا يبدو ملائماً في وصف العلاقات القسرية بدءاً، فجدير بنا أن نبرز بعض الملاحظات المتعلقةبالتمييز بين المردود الفردي للعلاقة، أية كانت، والمردود الجماعي لتلك العلاقة أولغيرها. وسوف أخص بالذكر هنا نموذجين، هما العلم من جهة واستهلاك البضائع والمنتجاتالإسرائيلية من جهة أخرى، حيث أن من الجلّي أن أحدهما أكثر عرضة للتساؤل من الناحيةالوطنية من الآخر، حتى ولو لم يكن مصطلح "التطبيع" ملائماً في وصف كلاهما


11. من الواضحأن وكيل المبيعات لمنتج إسرائيلي (في الصناعة النباتية مثلاً) إنما يحقق مصلحة فردية(أي لنفسه) بالأساس، خاصة عندما تتوفر الإمكانية، ولو استراتيجياً، لتصنيع هذه المنتجاتمحلياً، كما أن من الواضح أن المصلحة الجماعية تكمن، عندما تتوفر الإمكانية الإستراتيجيةلذلك، تحديداً في تطوير القدرة على هذا التصنيع المحلي وفي المقابل، فان من الواضحأيضاً أن الباحث العلمي الفلسطيني في سياق تعاونه البحثي مع نظيره الإسرائيلي في مجالتحديد عناصر الإنتاج (كالبذور مثلاً في الصناعة النباتية)، إنما يساهم بالأساس، ليسفي تحقيق الدخل الفردي أو المصلحة الذاتية فحسب، وإنما في العملية الإستراتيجية الهادفةإلى تطوير قدرة مجتمعه على التصنيع في هذا المجال. فالعلم الذي ينهله هذا الباحث يرشحمنه لزملائه ولطلابه ومجتمعه ويرفع من المستوى والاستعداد العلمي – البحثي الجماعي،والذي هو من باب المصلحة العامة. وأذكر هنا بأننا نتكلم بالأساس عن حلقة علاقات قسريةبالأساس


12. يُستنتج مماسبق أننا إذا أردنا التمييز بين نوعين من الاتصالات في شبكة العلاقات الفلسطينية –الإسرائيلية، لتحديد أيهما أكثر منفعة للجانب الفلسطيني، فإننا نجد بسهولة أن الاتصالاتالقائمة على مستوى التعاون البحثي أو العلمي هي الاتصالات الأكثر فائدة للمصلحة العامة،وأما الاتصالات الأخرى، فأنواعها وفوائدها ومنافعها ومضارها متفاوتة، وأترك للقارئمجال تمحيص كل واحدة منها


13. تأسيساً علىما سبق، فإنه من باب المفارقة الملفتة للنظر تعرض الاتصالات الإسرائيلية – الفلسطينيةالعلمية للنقد بمبرر التطبيع، بينما قد تكون هي الوحيدة، من بين كافة الاتصالات والعلاقاتالأخرى، أكان في ظل الاحتلال عموماً، أو في ظل العملية السلمية تحديداً، ذات فائدةعلى مستوى المصلحة العامة


14. بطبيعة الحال،حتى لو أردنا تصور وضع فلسطيني يمكن فيه تنفيذ المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية ما أمكنالتي لها بدائل فلسطينية المنشأ والتصنيع، فإننا مع ذلك قد نرى أن المصلحة تقتضي عدمالمقاطعة للاتصالات العلمية والبحثية، بل تكثيفها، تحديداً لكي نرفع من مستوى القدرةعلى توفير البدائل وتنويعها وتعددها


15. بالرغم مماسبق وقيل، فإن الحصافة تستوجب الاحتراز من الوقوع بالخطأ في كثير من المشاريع البحثيةالمشتركة الممكنة، وخاصة تلك منها الممولة من مصادر أجنبية، كأن يكون الموضوع قيد البحثغير مفيد فلسطينياً، أو أن يكون سطحياً وليس جوهرياً، أو أن يكون بغالبه تظاهرياً أوإعلامياً، أو أن يكون وسيلة لبعثرة الأموال على السفريات والمؤتمرات في الفنادق السياحية،وغيره من الأمور، ولتفادي هذه الأخطاء فإن ثمة مبادئ يمكن الاسترشاد بها، وهي المشاركةالكاملة في تصميم الموضوع المطلوب بحثه، إن لم يكن فلسطيني المنشأ كلياً، والمشاركةالمتساوية الكاملة في ترشيد إدارته والتحكم في مصاريفه، والشفافية الكاملة لكل جزءأو مرحلة أو جانب من جوانبه


16. آخذاً هذهالمبادئ وغيرها في عين الاعتبار، دأبت جامعة القدس في السنوات الأخيرة على تطوير وترشيدشبكة من العلاقات الأكاديمية مع المؤسسات الإسرائيلية، نجحت خلالها في تحقيق مجموعةمن المصالح العامة، وفي تطوير بنيتها التحتية العلمية، البشرية منها والفنية، وهي تفعلذلك ليس من باب التطبيع، كما سبق وتم تفسيره، ولا أيضاً من باب جني الأرباح الفرديةأو الشخصية، بل من باب محاولة تسخير واقع غير مرغوب أصلاً (شبكة العلاقات الاحتلاليةالقسرية، وشبكة العلاقات التجارية ذات الفوائد الفردية) لتحقيق مصلحة عامة


17. بقي القولأن هناك الكثيرين ممَن يرون في التعاون الأكاديمي هذا ضرباً من ضروب التطبيع، بمعنىأنه يجب أن يكون مرهوناً بتحقيق السلام العادل، أو مرهوناً بتحقيق الحريات الكاملةلمؤسسة التعليم العالي الفلسطينية، كما أن هنالك مَن يرى في هذا التعاون مكسباً إسرائيلياً،أو جائزة، لا يجب إعطاؤها للجانب الإسرائيلي على طبق من فضة، بل يمكن إعطاؤها له كثمرةلقيامه على التنازل السياسي، أو كمقابل لإعادة الحق إلى أهله


إنني شخصياً أعتقد بضحالة منطق هذا الموقف، للأسباب المختلفةالتي سبق وذكرتها، وغيرها أيضاً، حيث أن إسقاط مصطلح له معانيه المحدودة في إطار ماعلى إطار آخر يفقده مدلولاته، السياسية وغيرها. ولا تزول هذه الأسباب برأيي، إلا فيحالة واحدة فقط، وهي الحالة التي يتخذ فيها المواطن الفلسطيني في الأرض المحتلة عام1967 موقف المقاطعة الكاملة، بدءاً بالعمالة الفلسطينية، ومروراً بالمصالح التجاريةالمشتركة (الشركات وغيرها) والتعاون الأمني، حتى نصل العلم، وهي آخر قناة يجب المطالبةبقطعها، ولا يُعقل أن تكون الأولى، في ظل الإبقاء على كافة القنوات الأخرى، بما فيهاقناة بطاقات الشخصيات المهمة، والكازينو، وغيره


18. لم أورد فيما سبق أي موقف سياسي، أي تجاه المقاطعةأو الحرب أو السلم أو غيرها، بل أسست كلامي على ما هو قائم فعلاً، وسقت البرهان ضمنما هو قائم على أفضلية التعاون العلمي – البحثي الإسرائيلي/الفلسطيني على التعاون فيالمجالات الأخرى، حيث أنه بما أن الأخيرة قائمة، فبالأحرى أن تكون الأولى كذلك


التطبيع.. خدمة عربية لـ "إسرائيل"ومدخل لتقوية علاقاتها الدولية


تواصل وفود عربية (أفرادًا وجماعات) زياراتها التطبيعية العلنيةوالسرية لدولة الاحتلال، زاعمة أنها تحاول "مدّ" جسور التعاون والحوار معالإسرائيليين، وفتح آفاق لحل الصراع المستمر منذ عشرات السنين.


وأثارت تلك الزيارات ردود فعل مستنكرة، حيث وصفها كثيرونبأنها تحسين لصورة نتنممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.php، وحذّرت فصائل فلسطينية من خطورة أي زيارات أو نشاطات لأيشخصيات أو وفود عربية أو إسلامية تطبيعية مهما كان مبررها بدورها، رأت حركة "حماس"في بيان لها تعقيبًا على ذلك، أن الإتصال بالاحتلال ولقاء قادته، "يعكس خطورة،تسهم في تشكيل مجموعة من المتأثرين بالتطبيع والمروجين له مع الاحتلال".


رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.php، تفاخر في عدة لقائلاتبالعلاقات القائمة بين حكومته ودول عديدة في المنطقة، وقال إن "انقلابًا حدث فيعلاقتنا مع دول عربية مهمة"، مضيفًا أن "هذه الدول العربية صارت تفهم أنإسرائيل ليست عدوًا، وإنما حليف وسند في مواجهة تصاعد أخطار الإسلام المتطرف على شاكلةتنظيم الدولة الإسلامية"، على حد تعبيره.


وزعم نتيناهو أن هذه العلاقات تساهم في تحقيق السلام، متغافلًاالأهداف السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تجنيها تل أبيب من خلف هكذا علاقات.


وأضاف: "التطبيع مع العالم العربي يمكنه أن يساعدنافي حث السلام بيننا وبين الفلسطينيين".


فيما تطرق الإعلام العبري لتفاصيل بعض من هذه الزيارات واللقاءات، فكتب المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"،أليكس فيشمان، عن ذلك قائلًا "الغرام السري يخرج إلى العلن"، في إشارة منهلتنامي التطبيع.


إدانات لقاءات التطبيع العربي- الإسرائيلي لم تقتصر على الفصائلوالشخصيات السياسية، بل تعدى ذلك ووصل إلى مؤسسات والفعاليات الشعبية والأهلية، ومنهااللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، والتي أكدت على أن صمت الحكومات العربيةعلى مشاركة ممثليها الرسميين وغير الرسميين في لقاءات التطبيع، "تواطئًا مشينًامن قبل هذه الحكومات في دعم الأجندة الإسرائيلية الساعية لتطبيع العلاقات مع الوطنالعربي لتصفية القضية الفلسطينية، وضرب كل أشكال المقاومة الفلسطينية والعربية لنظامإسرائيل الاحتلالي والاستعماري والعنصري".


ودعت اللجنة في بيان لها، إلى تصعيد الحركات الشعبية لمقاطعةإسرائيل وتكثيف الضغوط على "الحكومات العربية المتواطئة لوقف هذا تطبيعها المشين".كما أدانت اللجنة في بيانها، الدور الذي يلعبه مسؤولونفلسطينيون وما تسمى بـ "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي"، المنبثقة عن"منظمة التحرير الفلسطينية"، في نشر فكر التطبيع وترويج مشاريعه، وبناء جسورتستخدمها بعض الأنظمة العربية كذريعة لتطبيعها.


وشددت على أن "المحاولات اليائسة" من قبل بعض الأنظمةالعربية للتعامل المتدرج مع إسرائيل لا كدولة "طبيعية" وحسب، بل كحليف محتملفي التجاذبات والصراعات الإقليمية، لا تخدم إلا تل أبيب ومشروعها الاستعماري التوسعي،بحسب تعبير اللجنة.


من جانبه، أكد عماد أبوعواد (المختص بالشأن الإسرائيلي)،أن الاحتلال يرى بأي علاقته مع الدول العربية خدمة له من نواحي مختلفة ومنها السياسية،خاصة في ظل تراجع العلاقة السياسية بين الاحتلال ودول على الساحة الأوروبية. وشدد عوادخلال حديث مع "قدس برس"، على أن المدخل العربي مهم لدى الاحتلال الإسرائيليلتقوية العلاقات مع دول أخرى في العالم، "يمكن أن تكسبها دولة الاحتلال لصالحهافي الأمم المتحدة ، وفي محافل دولية أخرى".


وأشار إلى أن هناك مطالبات مستمرة من قبل قيادات أمنية وسياسيةإسرائيلية بضرورة أن تخرج اللقاءات السرية معها إلى العلن ولا تبقى تحت الطاولة.


لافتًا النظر إلى أن كثيرًا من اللقاءات التطبيعية السريةتتم بطلب عربي، منعًا لردود فعل داخلية من قبل جمهورها.


وأضاف: "الإعلام العبري يسعى للكشف عن بعض اللقاءاتالسرية بتوجيه من المستوى السياسي، وتتحدث كثير من المعطيات أن حوالي نصف الدول العربيةلها علاقات بشكل أو بآخر مع الاحتلال وهو ما تحرص غالبية هذه الدول على عدم كشفه".


وبيّن المختص بالشأن الإسرائيلي أن هناك شريحة واسعة في دولةالاحتلال تفضل أن تتم أي مفاوضات مع الفلسطينيين بمشاركة وغطاء عربي، ليكون ذلك وسيلةلحسم المشكلة الفلسطينية وتحميل العرب المسوؤلية، وذلك تحقيقًا لرغبة فلسطينية، بعدالاشتراطات التي أصبح من الصعب التراجع عنها من قبل القيادة الفلسطينية.


ولفت عواد إلى أن هناك مآرب اقتصادية يسعى الاحتلال لتحقيقهامن إقامة علاقات إسرائيلية- عربية، ومن بينها توفير سوق استهلاكي للصناعات الإسرائيلية،بعد أن طرأ تراجع على حجم الصادرات إلى الدول الأوروبية في الآونة الخيرة.


ورأى أن هناك سخط شعبي من مدى تطور علاقات التطبيع بين دولعربية والاحتلال، في ظل جرائم الأخير المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.وفي السياق ذاته،قال المحلل السياسي عدنان أبوعامر، إن علاقات الاحتلال مع الدول المحيطة وطيدة وعمرهايزيد عن 30 عامًا، "إلا أن الجديد هي العلاقات السرية التي بدأت تخرج للسطح مع دول بعيدة عن إسرائيل جغرافيًا، مثل دولالخليج".


وأوضح أبوعامر خلال حديث مع "قدس برس"، أن دولًاعربية مختلفة؛ خاصة الخليجية منها، تسعى لإقامة علاقات مع الاحتلال، لاعتبارات كثيرة،منها المساعدة في مواجهة التنظيمات الجهادية، وكذلك النفوذ الإيراني، ناهيك من أن العلاقةتساهم في تقارب هذه الدول مع الولايات المتحدة عبر دولة الاحتلال.


وبيّن المحاضر الجامعي، أن الاحتلال لا يُخفي أن هناك تقدمًاحقيقيًا وجديًا في علاقاته مع دول عربية، ويُشير (الاحتلال) أن هذه العلاقات أصبحتتحالفًا أقرب مما هي علاقات عابرة.


وذكر أن هناك مكاسب كثيرة يحصدها الاحتلال من وراء توطيدعلاقاته بالمزيد من الدول العربية، فهي ترى (إسرئيل) أنها بعد أن كانت دولة منبوذة،أصبح الاعتراف بها رسميًا، ولم تعد الدولة العدو بالنسبة للعرب.


وتابع: "هذه العلاقات تساهم في تطويع وترويض الذهنيةالعربية على قبول إسرائيل كأي دولة في العالم، وهناك تخوف من أن تغادر فكرة القضاءعلى إسرائيل أذهان الطير من العرب".


وأشار إلى أن الدول العربية بهذا التطبيع تقدم خدمة مجانيةلإسرائيل، مقابل مصالح آنية سياسية وعسكرية، "خاصة أن هناك مخاوف لدى بعض هذهالدول من تهديد أنظمتها السياسية، معتقدة أن ارتباطها بالاحتلال يمد لها أسباب الحياة".


العرب وإسرائيل.. التطبيع من أجل الخلاص


الفرصة سانحة الآن للدول العربية لإقامة تعاون مع إسرائيل،في ظل التهديدات الإيرانية للمنطقة». -بنيامين نتيناهو- قد تتعدد التوصيفات الدالةعلى «ماهية التطبيع» لكن الأقرب هي «دلالة التعايش» ،التعايش بما يتضمّن «رفع أي رمزيةنبذ أو تحقير أو عدائية «لهوية خاصة» ومقابل هذا الرفع المساوي له «احترام هوية» و«المشاركة معها في تشكيل تنمية شاملة وفق مساواة حافظة لكرامة الهوية وحقوقها»،وبذلكيتحقق من هذا الرفع؛ تجاوز آثمية دلالة الآخر للهوية المضافة، الانفتاح الاندماجي معالهوية الغيرية بضمير المشاركة، وحدة المصير والمنجز.


لو تأملنا مسألة التطبيع سنجد أن العرب و إسرائيل كلاهمافي حاجة إلى التطبيع، وهنا سأتوقف عند فائدة الطرفين من التطبيع.


أولا: العرب


لا يخفى على أحد اليوم طبيعة محركات القوى على خارطة المنطقة،فهي تتوزع على محركين ؛ إيران، وإسرائيل، والدول العربية تقع بين هاتين القوتين وعليهاأن تختار نهاية المطاف مع من تصطف مع إيران المدعومة من روسيا وطموحاتها الاستحواذية،أو إسرائيل المدعومة بلا قيد ولا شرط من أمريكا،والتي أيضا لها طموحات استحواذية منالنيل إلى الفرات، وبذا تظل الدول العربية بين سندان إيران ومطرقة إسرائيل، واختيارالعرب لإحدى القوتين لمساندتها ضد الأخرى تعتمد على أي القوتين أقل ضرراً للعرب وأكثرفائدة، والكفة فيما أعتقد ستكون نهاية الأمر لإسرائيل؛ فالتحالف مع إسرائيل سيحقق المسودةالعربية للتفاوض الأرض مقابل السلام حتى لو كان هذا التفعيل في أدنى مستوياته أي؛ أنالفائدة من التحالف مع إسرائيل أفضل حالاً من التحالف مع إيران، كما أن التحالف الإسرائيليالعربي سيكون درع حماية للعرب من الأطماع الاستحواذية لإيران، وبذلك لن تُصبح إيرانحليفا مسانداً للعرب؛ لأنها تراهم عرقاً من الدرجة الثانية غير مساوين لها في الوزنوالقوة.


وهكذا يُصبح الوضع السياسي للمنطقة من أهم الأسباب التي تدفعالدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل سواء على مهل أو عجلة.


ويمكننا إيجاز ضرورة التطبيع العربي الإسرائيلي فيما يأتي.


*التطبيع مقابل السلام؛ فالعرب تستخدم التطبيع «كورقة ضغط»على إسرائيل لحلحلة مفاوضات السلام أولا، واستغلال رغبة إسرائيل في فتح أبواب الدولالعربية أمامها ثانياً.


*التطبيع من أجل التحالف العربي الإسرائيلي ضد إيران.


*الحصول على الدعم الأمريكي الدائم باعتبار إسرائيل الطفلالمدلل لأمريكا وأحبابها هم أحباب أمريكا بالضرورة.


ثانيا:إسرائيل


لا شك أن التطبيع من أهم المسائل عند الإسرائيليين لأنه يحّللها تعقيدات الاعتراف العربي بوجودها ويسهل لها تخفيض فاتورة السلام، كما يفتح أمامهاأبواب الدول العربية، ويمكن تحديد أهمية التطبيع مع العرب لإسرائيل كالآتي:


*سدّ حاجتها من الأيدي العاملة العربية لنمو اقتصادها، والتطبيعيضمن انتقالاً سهلاً و سلساً وخالياً من التعقيدات العرقية أو المساءلة التاريخية للعمالةالعربية إلى إسرائيل.


*استثمار رؤوس الأموال العربية وخاصة الخليجية لبناء كونفدراليةاقتصادية تستعمر العالم على غرار نظام الرأسمالي الأمريكي.


*استثمار الأسواق العربية لما تنتجه الشركات الإسرائيليةوهو ما يقلل عليها تكلفة تصدير إنتاجها إلى أمريكا وأوروبا.


*تغيير المنهج الفكري للذهنية العربية من خلال انتقال «الهويةالإسرائيلية» من «كائن مغتصِب» إلى «فاعل مشارك في تنمية المنطقة» وهو فوز تاريخي للهويةللإسرائيلية.


لكن يجب ألَّا نغفل مسألة مهمة هنا وهي أن قرار»التطبيع العربيالإسرائيلي» ليس مجرد قرار حكومي للدول العربية فهو أيضا قرار شعبي. والقرار الشعبيقد يراه البعض صعب المنال نظراً للطبيعة الذهنية الشعبية العربية المتوارثة، وهي ذهنيةقد تعيق إتمام أي علاقة شعبية للتطبيع شاملة، وهو أمر تجاوزه يحتاج إلى «ثورة على المفاهيمالقديمة» تقوده الثقافة والفن.


في حين يرى البعض أن الذهنية العربية الشعبية قد تغيّرت وفقالضغوط السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها منذ هزيمة 67 وحتى اليوم، فتلك الضغوططهرّتها من جذورها الوجدانية وقربتها إلى العقلانية كما طوّرت مفهومها للنفعية، فإذاقُدمت لها إسرائيل كمخلّص اقتصادي لأزماتها لن تتردد في مصافحتها،كما أن العولمة غيّرتحسابات الشباب العربي فقد أتاحت الانفتاح الفكري على الجميع وقبوله والتفاعل معه، وهوما قد يجعل عدو الأمس زميلا مشاركا في التنمية التي سيستفيد منها الطرفان، فالتشاركفي المنفعة هي التي تغلب آخر المطاف، مما يجعل «الهوية الثقافية العربية ظلاًّ لا سلطانا».وهكذا يصبح التطبيع مصدر خلاص للجميع.


لماذا تعتبر فرص التطبيع ضعيفة؟


التقاء المصالح المتزايد والتقارب الاستراتيجي والتعاون السريبين إسرائيل وبين الكثير من الدول العربية يعتبر واقعًا، إسرائيل أصبحت بعيدة عن رأسسلم الأولويات الأمني كعدو بالنسبة للقادة العرب الذين يتقاسمون معها المخاوف العميقةفيما يخص إيران والإسلام المتطرف وعدم الاستقرار الإقليمي. من وراء الأبواب المغلقةيعترف هؤلاء الزعماء بأن إسرائيل لا تهددهم، وأن هناك مزايا استراتيجية واقتصادية تكمنفي التعاون الخفي معها. وحسب ما قاله لي مسؤول رسمي كبير في الخليج “نحن وإسرائيل ننظرإلى المنطقة من منظور متشابهٍ للغاية، الإسرائيليون لا يقتلون شعبنا، إيران والدولةالاسلامية يقومان بذلك”، وحتى الملك السعودي سلمان – الذي لا يعترف بوجود إسرائيل بشكلرسمي – يعترف بأن إسرائيل هي “حقيقة قائمة” وإلى ذلك، ما تزال هناك عقبات سياسية كبرىأمام التقارب العلني بين الدول العربية وإسرائيل، فالحكومات العربية في الدول الرائدة– وسيما في الرياض – تواجه مجموعة كبيرة من التهديدات التي تهدد أمنها، بل وحتى جوهروجودها، وهي تشهد تهديدات أمنية من جانب إيران واليمن وسوريا والتنظيمات الإسلاميةالمتطرفة، بمن فيهم الاخوان المسلمين والقاعدة و”الدولة الإسلامية”، وتواجه تهديداتعلى استقرارها السياسي من جانب تجمعات سكانية فائرة وكبيرة، وتضطر إلى مواجهة التغيراتالاجتماعية والتقنية المتسارعة والتراجع الاقتصادي الذي مصدره أسعار النفط المتدنية.


في ظل هذه الظروف لا يستطيع زعماء المنطقة أن يسمحوا لأنفسهمبإنفاق رأس مال سياسي نفيس في الدفاع عن التقارب العلني مع إسرائيل، الخطوة التي سيعتبرهامعظم مواطنيهم خيانة للكفاح الفلسطيني الذي ما يزال يحظى بدعم الشعب. زعماء عرب سابقونممّن وافقوا على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل (أنور السادات في مصر وحسين ملكالأردن) كانوا زعماء أقوياء ومستبدين، شعروا بأنهم قادرون (بالخطأ في حالة السادات)على القيام بالمخاطرة السياسية في التطبيع مع إسرائيل دون تعرض حكمهم للخطر. غالبيةالزعماء العرب الحاليين لا يريدون ان يروا أنفسهم ذوي قدرة على مثل هذه المخاطرة السياسيةدون مقابل معقول وأكيد.


كما ان هناك معيار إقليمي مهم آخر: في حقبة التنافس السياسيالمر مع إيران، العربية السعودية على وجه الخصوص لن ترغب بالتنازل عن القضية الفلسطينيةلصالح خصومها في طهران، والذين من المؤكد أنهم سيشجبون الرياض في أي تقارب علني معإسرائيل. الإيرانيون في هذه الحالة سيزعمون بأنهم هم المدافعين الحقيقيين عن الحقوقالإسلامية في القدس، وسيسعون إلى تقديم العربية السعودية – حتى في عيون مواطنيها –على انها “دمية” في يد الولايات المتحدة وإسرائيل، إنها مخاطرة لا يستطيع القادة السعوديونالقيام بها.


واضحٌ ان السؤال “ما هو الممكن وغير الممكن؟” مختلف إلى حدكبير بين مختلف الدول العربية، فمصر والأردن لهما الآن علاقات دبلوماسية وأمنية معإسرائيل، تُعتبر أقرب من أي وقت مضى من عدة نواحٍ (وإن لم تحظَ بالعلانية بعد)، موريتانيااعترفت بإسرائيل في 1999، وإن كانت قد جمّدت هذه العلاقات فيما بعد، في الماضي قاممسؤولون كبار من قطر وعُمان والمغرب بزيارة نظرائهم الإسرائيليين، وسمحوا لإسرائيلبفتح ممثليات تجارية في بلدانهم، غير ان هذه المكاتب اضطرت إلى إغلاق أبوابها مع اندلاعجولات الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين (عمان أغلقت الممثلية عام 2000 بعد اندلاع الانتفاضةالثانية، وقطر فعلت ذلك بعد عملية “الرصاص المصبوب” في غزة عام 2009)، الامارات المتحدةتستضيف وفدًا إسرائيليًا تابعًا للوكالة الدولية للطاقة المقيمة في أبو ظبي، يمكنهاعلى ما يبدو ان توسع بأناة علاقاتها مع إسرائيل، لكنها لن ترغب بالمخاطرة والتعرض للانتقادمن قبل أعدائها في حماس والاخوان المسلمين، العربية السعودية لديها مساحة مناورة أقلبسبب مكانتها الخاصة في العالم الإسلامي، الهشاشة النسبية في نظامها السياسي وشدة منافستهاالإقليمية مع إيران وحكومات كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن متأثرة للغاية بإيران،بحيث ان أي تقارب مع إسرائيل لن يكون واردًا بالحسبان؛ الأمر الذي يوحد جميع الدولالعربية المختلفة هذه هو عدم الرغبة في دفع الثمن السياسي للتقارب العلني مع إسرائيلفي ظل غياب أمر حقيقي ما يبدو انه مقابل.


حتى الخطوات الجزئية نحو التطبيع، والتي كثيرًا ما نوقشت(مثل: العلاقات في الاتصالات السلكية واللاسلكية بين الدول العربية وإسرائيل، وإعطاءحق المرور للطائرات الإسرائيلية، واستصدار تصاريح لرجال الأعمال الإسرائيليين للعملفي الخليج، وتبادل البعثات الرياضية أو الثقافية أو اقامة اتصال مع دبلوماسيين إسرائيليينخلال اللقاءات الدولية) ستحتاج على ما يبدو إلى خطوات كبيرة من جانب إسرائيل، أكثرمما يعتقده الكثيرون من الإسرائيليين.


وكذلك مثل هذه الخطوات المعتدلة ستكلف الزعماء العرب ثمنًاباهظًا في حال ضبطوا يقومون بها على خلاف رغبة الفلسطينيين، الذين يتمسكون بالخوف منان التطبيع الاقتصادي والدبلوماسي سيكون على حساب تطلعاتهم السياسية، ويظنون ان الوقتيعمل لصالحهم. على سيل المثال: اللفتات الاقتصادية التي أعلنت عنها إسرائيل خلال زيارةالرئيس ترامب في مايو 2017 – بما في ذلك تسهيل دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل،وزيادة ساعات فتح معبر اللنبي إلى الأردن، والسماح بتوسيع المنطقة الصناعية في ترقومياإلى داخل المنطقة (ج)، وإعطاء التراخيص لألاف البيوت الفلسطينية في أجزاء المنطقة(ج) – لم يكن لها سوى القليل من التأثير. رغم الخلاف الكبير الذي أثارته هذه الخطواتفي الكابينت الإسرائيلي؛ إلا انها بدت في نظر العرب أشكالًا مكررة لما كان قد وُعدبه الكثير من المرات في الماضي. وبشكل غير مفاجئ، التقارير الواردة في الصحف التي أكدتان دول الخليج العربية بلورت مقترحًا، وكانت على قريبة من صفقة تطبيع مع إسرائيل عشيةرحلة ترامب في المنطقة؛ اتضح أنها كانت مبكرة للغاية.


الدول العربية، وبتحذير من الفلسطينيين، كانت حذرة أيضًامن القيام بخطوات ستفسر على أنها “دائمة” أو “شرعية” تجاه إسرائيل مقابل خطوت إسرائيلية“شرعية” بأنها ستكون عكسية. على سبيل المثال: الاعتراف الرسمي بإسرائيل على أنها دولةيهودية أو الموافقة على إبقاء التواجد الإسرائيلي في التجمعات الاستيطانية الكبرى مقابلتوسيع حرية حركة الفلسطينيين أو الحكم الذاتي، والذي يمكن إلغائها في المستقبل بكلسهولة. بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى ان الجامعة العربية في بيانها الأخير، والذي صادقتفيه على التزامها بالمبادرة العربية للسلام، والتي تقترح الاعتراف بإسرائيل مقابل السلامالشامل مع الفلسطينيين وتعهد الزعماء العرب بالتطبيع فقط بعد إتمام سحب القوات الإسرائيليةبالكامل من المناطق الفلسطينية، فهم يخشون من ان أي ترتيب آخر من شأنه ان يقود إلىالاعتراف بإسرائيل مقابل انسحاب لا يتم في وقته المحدد.


وخلاصة القول: ان هناك فرق بنيوي كبير في الطريقة التي تنظرفيها كل إسرائيل والعرب إلى الخطوات باتجاه التطبيع؛ إسرائيل ترى فوائد عظيمة في تسليطالضوء على التعاون الاستخباري والعسكري والاقتصادي الذي سيدفع بالفعل باتجاه قبولهافي المنطقة ويقلل الجهود الدولية المبذولة في عزلها ويحرر جزءًا من الضغوطات الممارسةعليها من أجل القيام بتنازلات أخرى لصالح الفلسطينيين، إسرائيل ستوسع شرعيتها الدوليةمن خلال إقامة علاقات رسمية مع الدول العربية الكبرى، وستجد الأعمال الإسرائيلية فرصًاجديدة في الأسواق العربية إذا أمكنها العمل هناك علانية. لدى العرب في المقابل الديناميكامعكوسة، فتحويل التعاون من السرية إلى العلن سيجبي منهم ثمنًا باهظًا، ولأن الدول العربيةتحصل من إسرائيل على أغلب ما تريده بطريقة سرية فليس لديها دافع كبير لتوسيع العلاقاتالعلنية معها دون ان يكون لذلك سبب مهم. حتى مصر والأردن – واللتان لهما علاقات دبلوماسيةمع إسرائيل وتعاون أمني واستخباري موسع معها – من وراء الكواليس ترفض ان تبدو متصالحةجدًا على الملأ طالما ان مواطنيها تعتبر تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين بكل هذه السلبية.


كتاب جديد عن التطبيع| وأديب إسرائيلي يحكي عن«لقائه الملهم» بنجيب محفوظ


"غصن الزيتون" - اسم الكتاب الإسرائيلي الذي صدرمؤخرًا بتل أبيب، ويحكي فيه سفير تل أبيب السابق بالقاهرة، شمعون شامير، قصة إنشاءالمركز الأكاديمي الإسرائيلي بمصر، وفقًا لما أوردته صحيفة هآرتس العبرية في مقال للأديبوالكاتب الإسرائيلي، إيلي عامير؛ وهو الكتاب الذي يظهر على غلافه صورة شامير جالسًامع الرئيس الأسبق أنور السادت. وبعنوان "عودة إلى السنوات الجميلة في العلاقاتبين القاهرة وتل أبيب"، لفت عامير إلى أن "غصن الزيتون" يصف محاولاتاختراق الحواجز البيروقراطية والإدارية بين الشعبين المصري والإسرائيلي، مضيفًا أنهفي اليوم الذي أعلن فيه الرئيس السادات في مجلس الشعب المصري - نيته زيارة القدس، بدأشامير في كتابة يوميات كانت العمود الفقرى لكتاب (غصن الزيتون). أشار عامير، إلى أنالكتاب ملئ بحوارات رائعة مع كتاب وأكاديميين وطلاب ومثقفين مصريين، كما يتضمن تحليلاتوملاحظات سياسية واجتماعية وثقافية تتعلق بكل من الشعبين المصري والإسرائيلي، موضحًاأن الكتاب يعد تحليلًا رائعًا ومفيدًا كُتب بقلم باحث عن السلام ويطمح في التقريب بينالشعبين. أوضح عامير، أن "غصن الزيتون" يعطي فرصة للوقوف على اتجاهات صائغيالرأي العام، وكشف مواقف العديد من الشخصيات غير المعروفة للجمهور الإسرائيلي، مستدركًا:"شامير من أبرز الخبراء بالشأن المصري، وأقام المركز الأكاديمي الإسرائيلي وأدارهعلى مدار عامين، بعدها عمل كسفير لتل أبيب بالقاهرة، لكنه يرى أن أفضل أنجاز قام بههو إقامته للمركز، كما أن المهمة لم تكن بالسهلة، فقد كان هناك عراقيل وحواجز بيروقراطيةمرهقة وتصيب بالإحباط واليأس، كما كان هناك حواجز من نوع آخر تتمثل في العقليات والمخاوفالمتعددة لدى الجانب المصري". أشار عامير، إلى أن السفير يصف في مؤلفه الحواريالقاهرية والنخبة المصرية وحتى الإنسان العادي في الشارع والسوق، كما يتحدث عن النيلوالمدينة الرائعة، مردفًا: "إقامة المركز الأكاديمي الإسرائيلي جاءت بموافقة مصركما هو مفهوم، لكن لكي يتم إنشاء الأخير كان لابد من عمل دبلوماسي معقد وممارسة ضغوطقام به شامير وأنصاره، كما أن المركز أقيم عام 1982، واهتم شامير وزوجته دانيلا بالاهتمامبكل التفاصيل؛ بداية من تأجير المكان مرورا بتزويده بالأثاث وحتى إنشاء مكتبة للبحثوالقراءة، وقاعدة للأحداث والفعاليات وغيرها". شاهد أيضا مستشار بيجن يحكي كواليسكامب ديفيد: لماذا شحب وجه مبارك؟ خالد النبوي ينشر فيديو لأبطال «كامب ديفيد» وهميحاولون نطق اسمه هاشتاج «كامب ديفيد» يتصدر «تويتر» بالصور.. عائلة «السادات» تشاهدمسرحية كامب ديفيد بالصور| أسرة السادات تشاهد عرض «كامب ديفيد» لخالد النبوي نتنممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.php:نرفض مبادرة فرنسا والسلام مع الفلسطينيين سيتحقق مثل «كامب ديفيد» «أحرونوت»: بعد تنازل مصر عن «تيران وصنافير» للسعودية..«كامب ديفيد» قد تتغير «من اتفاقية 1906 حتى معاهدة كامب ديفيد».. لغز «تيران وصنافير»بين مصر والسعودية السادات: على من أسقط عضوية «عكاشة» المطالبة بإلغاء «كامب ديفيد»مدير مركز يافا: إسقاط عضوية عكاشة من البرلمان مقدمة لإلغاء «كامب ديفيد» وقال إن"المركز هو قاعدة بحثية هدفها مساعدة الباحثين المصريين والإسرائليين، وقد تضمنمن ضمن فعالياته دعوة باحثين وأكاديميين في كل المجالات، وكتّاب ومفكرين لإلقاء محاضراتهناك والالتقاء بطلاب وباحثين مصريين، لقد حللت ضيفًا على المركز عدة مرات وكنت شاهدًاعلى ما يقوم به رؤساء الأخير الذين فتحوا لي نافذة على الأكاديميين والمفكرين والكتابالمصريين، على مدار السنوات وسعت من دائرة معارفي المصرية، وبعد صدور روايتي (ياسمين)في مصر، حظيت بمقابلة كبير الأدباء المصريين، نجيب محفوظ، وخضنا في حديث طويل وملهم".وأوضح أن "المركز يعمل تحت رعاية الأكاديمية الوطنية للعلوم في إسرائيل، والتيدعمته حتى في فترات الأزمات والتدهور في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب"، لافتًاإلى أن "المركز ورؤساءه لا يهتمون بالقضايا السياسية، كما يمتنعون عن اتخاذ أيخطوة من شأنها أن تفسير كانحراف عن مهامهم الأكاديمية". ولفت إلى أنه "بطبيعةالحال يخضع المركز للرصد والمتابعة من قبل السلطات المصرية، في الوقت الذي يشوه فيهمعارضو السلام والتطبيع المصريون سمعة المركز ويطالبون بإيقاف نشاطاته، ويرون فيه بعثةللتجسس و العمالة لصالح تل أبيب، وكان رؤوساء المركز والسفير مضطرين إلى صد هذه الهجمات،التي ليس لها أي أساس من الصحة". وختم: "كل تغيير في العلاقات المصرية الإسرائيليةيؤثر على نشاطات المركز وبالتأكيد على عدد زائريه؛ مع إكمال تل أبيب انسحابها من سيناءسادت روح طيبة وازدهار في العلاقات مع القاهرة، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعارض والسائحين،كما قل تصوير إسرائيل بشكل شيطاني، وزاد عدد مؤيدي السلام، اليوم لم يعد هناك شيئاباقيا من هذه الروح، السلام مستمر، سواء كان باردا أم دافئًا، المهم أنه قائم.. كِتابغصن الزيتون هو شهادة بقلم مصدر أول وموثوق، وليس من فراغ قال شامير وزوجته أن سنواتهمفي المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة هي أجمل أعوام قضاها الاثنان في حياتيهما،لقد كانت هذه السنوات أيضا الأجمل في علاقات مصر وإسرائيل".


















































مراجع الباب الثالث


1- سورة الحجراتآية 13 2- سورة آل عمران آية 110


3- سورة البقرة آية 143 4- سورة آل عمران 85


5- انظر اليهود المغضوب عليهم . لمحمد عبد العزيز منصور دارالاعتصام ص27-28 6-المصدر السابق ص29


7- سورة المائدة آية 60 8-سورة آل عمران آية 67


9- سورة آل عمران آية 65


10- سفر التكوين الإصحاح 17 ، 21


11- سفر الخروج الإصحاح 29 ، 30 ، 31


12- سفر الملوكالأول- الإصحاح 8


13- سفر الملوك الأول . الإصحاح 8


14- انظر التلمود تاريخه وتعاليمه ص76، 77، 84 لظفر الدينخان نقلا عن كتاب قبل الكارثة نذير ونفير ص155


15- انظر التلمود تاريخه وتعاليمه ص66 ، 72 ، 84 ظفر الدينخان دار النفائس نقلا عن عبد العزيز بن مصطفى كامل فى كتابه قبل الكارثة نذير ونفيرص154 ، 155


16- انظر"القاموس السياسى" أحمد عطية الله ص917


17- دائرة المعارفالبريطانية ، طبعة 1964م


18- دائرة المعارفالبريطانية ، طبعة 1926 ، ج27 ، 28 / 986 ، 987


19- قبل الكارثةنذير ونفير . مرجع سابق ص167


20- قال ذلك فىخطاب أمام الكنيست الإسرائيلى فى مارس 1979م نقلا عن المصدر السابق ص167


21- كتاب الثورةلمناحم ريجين ص325 نقلا عن المصدر السابق


22- انظر يوسف الحاج"هيكل سليمان أو الوطن القومى لليهود" ص35 نقلا عن المرجع السابق .


23- انظر البروتوكولالحادى عشر من بروتوكولات حكماء صهيون .


24- الماسونية فىالعراء ص105


25- من كتاب البنايةالحرة ص150 نقلا عن كتاب قبل الكارثة نذير ونفير ص176 26- انظر الماسونية فى العراء ص150


27- إنجيل متى 24 /1 28- انظر "التلمودوتعاليمه" ، ص661 .


29- أثريون يؤكدون عروبة القدس بألف وثيقة القاهرة - محمدالصادق صحيفة البيان الإماراتية 5/3/2003* القدس العربى 27/12/1997م


30- انظر مقال محمد الصادق صحيفة البيان الإماراتية 5/ 3/ 2003


31- انظر المقال السابق


32- أحمد عثمان - الشرق الأوسط العدد 8636 –21/7/2002 بتصرف


33- انظر مقال أحمد عثمان بعنوان فشل رجال الآثار فى العثورعلى بقايا الملك سليمان فى فلسطين جريدة الشرق الأوسط العدد 8636 فى 21/7/2002م


34- انظر المقال السابق 35-انظر المقال السابق


36- المقال السابق 37-المقال السابق


38- انظر فشل رجال الآثار فى العثور على بقايا الملك سليمانفى فلسطين مقال فى جريدة الشرق الأوسط سبق ذكره .


39- الدكتور عفيف البهنسى المصدر:يوم القدس: أبحاث الندوةالسادسة "هوية القدس العربية والإسلامية" 2-5 تشرين الأول 1995م - عمان


40- المقال السابق .


41- الدكتور عفيف البهنسى المصدر:يوم القدس: أبحاث الندوةالسادسة "هوية القدس العربية والإسلامية" 2-5 تشرين الأول 1995م – عمان


42- المقال السابق . 43-سورة البقرة آية150


44- المقال السابق


45- للمزيد يرجع البحث السابق الدكتور عفيف البهنسى المصدر:يوم القدس: أبحاث الندوة السادسة "هوية القدس العربية والإسلامية" 2-5 تشرينالأول 1995م – عمان



hgHvq hglr]sm ,hgid;g tn hgt;v hgdi,]n