أضاليل اليهود فى تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف


بقلم: د محمد زغروت , والد مؤسس الموقع





المبحث الأول:


من أضاليل اليهود فى القرآن الكريم


المبحث الثانى:


الإسرائيليات فى القرآن الكريم


المبحث الثالث:


من أضاليل اليهود فى الحديث الشريف


المبحث الرابع :


التأثير والتأثر بين الإسلام واليهودية


ويتناول النقاط التالية


اولا: بين الاسلام واليهودية


ثانياً:الاخلاق فى سفر اللاويين ومقارنتها بالاخلاق فى الشريعة الاسلامية


ثالثاً:من مظاهر التأثير والتأثر بين السبت والجمعة















الباب الرابع


من أضاليل اليهود فى تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف


المبحث الاول


من أضاليل اليهود فى القرآن الكريم



يتعرض القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة اليوم لمحاولات عديدة من خصوم الإسلام بهدف تشويههما وتحريفهما ، وليست تلك المحاولات وليدة اليوم فقط وإنما هى قديمة ، ممتدة فى التاريخ الإسلامى مواكبةً الدعوة منذ إشراقتها الأولى ، حمل لواءها أعداء الإسلام من يهود ووثنيين ونصارى أجيالا بعد أجيال إلى يومنا هذا وقد عبر القرآن الكريم عن تلك الظاهرة التى كان يقوم بها أهل الكتاب تجاه القرآن الكريم بقوله: "وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" (1) فالآية الكريمة هنا تعبر عن نموذج للمضللين من رجال الدين اليهود والنصارى فهم يؤلون نصوص الكتاب لتوافق أهواءهم ومصالحهم وأهواء الكنيسة وأهواء الحكام وهذه هى آفة رجال الدين فى ذلك العصر وفى كل عصر فهم أيان يفسدوا يصبحوا أداة طيعة لتزييف الحقائق تحت اسم رجال الدين وهذه الحالة التى يذكرها القرآن عن أهل الكتاب نعرفها جيدا فى زماننا هذا فهم يلوون ألسنتهم بالنصوص ليصلوا منها إلى مقررات معينة يزعمون أنها مدلول هذه النصوص وأنها تمثل ما أراده الله منها بينما هذه المقررات تصادم حقيقة الدين ومدلولات هذه النصوص الحقيقية وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبه التى يُلجأون إليها النصوص إلجاءا ويلوون معها النص إلتواء(2)


وإذا كانت حملات التشويه قد استهدفت القرآن الكريم عبر العصور فنحن نتساءل لماذ القرآن الكريم على وجه الخصوص هو الذى يلاقى تلك التهم وتلك المزاعم الخبيثة؟!


لقد عرف أعداء الإسلام أهمية كتاب الله تعالى فى نفوس المسلمين وعرفوا مدى تعلقهم به كما عرفوا أيضا أنه هو الباعث على نهضة المسلمين ومُحى همتهم وموحد كلمتهم وباختصار هو سبب نجاح المسلمين فى كل اتجاه وهو منهج المسلمين الأعم والأشمل وقد أدرك ذلك أعداء الإسلام .


يقول الحاخام الأكبر لإسرائيل سابقا مردخاى إلممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.phpممنوع وضع روابط لمواقع اخرى http://www.alnssabon.com/index.php ، مخاطبا مجموعة على وشك الالتحاق بالجيش الإسرائيلى: (هذا الكتاب الذى يسمونه القرآن هو عدونا الأكبر والأوحد ، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته ، كيف يمكن تحقيق السلام فى وقت يقدس العرب والمسلمون فيه كتابا يتحدث عنا بكل هذه السلبية؟! على حكام العرب أن يختاروا ؛ إما القرآن أو السلام معنا) (3)


ويقول وليم جيفورد: (متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذ أن نرى العربى يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدا عن محمد وكتابه) (4)


ويقول اللورد كرومر فى مصر: (جئت لأمحو ثلاثا: القرآن والكعبة والأزهر) (5)


يقول جون تاكلى: (يجب أن نستخدم القرآن - وهو أمضى سلاح - ضد الإسلام نفسه ، بأن نعلم هؤلاء الناس- يعنى المسلمين - أن الصحيح فى القرآن ليس جديدا ، وأن الجديد ليس صحيحا) (6)


الشبهه الاولى الطعن فى القرآن الكريم


لقد وجد أعداء الإسلام أن سبب قوة المسلمين ووحدتهم هو القرآن الكريم فهو الذى يبعث فيهم الحياة ويحضهم على الشهادة فيحبون الموت كما يحبون الحياة ومن ثم توجه هؤلاء الأعداء إلى الطعن فى القرآن الكريم حتى ينتزعوا منه قدسيته ويثبتوا أنه ليس من عند الله بل من عند محمد ومن هذا المنطلق يتم لهم إيجاد ثغرة كبيرة وهوة عميقة بالطعن فى القرآن الذى هو مصدر توحيدهم وسر قوتهم وقد كان الهدف من هذا الطعن هو فتح باب النزاع والشقاق بين المسلمين على مصراعيه وقد نوه إلى ذلك القرآن فيقول تعالى: "ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ، وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد" (7) .


كما كان هدفهم زرع الفتن بين المسلمين عن طريق القرآن الكريم وذلك بالحديث عن الآيات المحكمات والمتشابهات يقول الله تعالى: "هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب"(8)


ومن هذا المنطلق أيضا فإن من جملة أهداف العدو من الطعن فى القرآن الكريم هو هدم القرآن كلية فقد روى عن الشعبة عن زياد بن حذير قال . قال لى عمر هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت لا . قال: يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضللين(9) وإذا ما تحقق هذا - لا قدر الله - فيتحقق لهؤلاء الأعداء ما يريدون ويصبح المسلمون صيدا سهلا لا هم لهم إلا أن يسيروا فى ركاب أعدائهم المضللين واتباع ملتهم يقول تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"(10) وللأسف الشديد فقد تحقق لهم من هذه الأهداف الكثير فى هذه الأيام فقد بوعد بين المسلمين وبين كتابهم فاستبدلوا بأحكامه الغراء قوانين وضعية من الغرب وعزل القرآن الكريم عن التحكيم بين الناس وصدق رسول الله كما روى عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله يقول "خذوا العطاء ما دام العطاء لله فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه ، يمنعكم الفقر والحاجة ، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا أنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم ، فإذا عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا يا رسول الله كيف نصنع ؟ قال: كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب . موت فى طاعة الله خير من حياة فى معصية الله (11)


والمطاعن فى القرآن الكريم كثيرة ولكنها تنبع من معين واحد ويمكننا أن نوجزها فى أربعة أصول يتفرع من بعضها فروع أخرى وهذه الأصول هى :


1- نفى نسبة القرآن لله تعالى ويتضمن هذا النفى أن القرآن من صنع محمد ومن تأليفه وأنه مقتبس من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل(12) وأصحاب هذا الطعن يقولون أن القرآن الكريم من عند الله تعالى وليس من عند محمد (ص) ولكنه ليس مقدسا بل يمكن نقده . وفى هذا الطعن مرمى خبيث حيث طالما نقد القرآن فى نظرهم فهو معرض للصواب والخطأ ومن هنا تزول قدسيته من النفوس .


2- يرى أصحاب هذا الطعن أن القرآن من عند الله جل جلاله . ولكن يدعون عدم حفظه فبذلك يكون القرآن قد تعرض للتغيير والتبديل .أما الأصل فلا وجود له(13)


3- اتهام القرآن بالتناقض حيث تتناقض الآيات بعضها مع بعض .


4- اتهام القرآن بمعارضة الحقائق الشرعية ومعارضة الحقائق التاريخية وكذلك معارضة الحقائق الكونية وحقائق العلم التجريبى الحديث(14)


وسوف نوضح فيما بعد أمثلة من تلك الطعونات ولكن من الملفت للنظر أن هذه المطاعن منها مطاعن واضحه صريحه كما هو فى طعون المستشرقين غالبا وطعون غامضه وملتوية وغير مباشرة كما فى طعون العلمانيين واليهود وغيرهم .


من أمثلة الشبهات التى يذكرها الطاعنون :


أ- قوله تعالى فى خلق أدم أنه من تراب كما جاء فى الآية 59 من سورة آل عمران ومرة أخرى يقول من حمأ مسنون كما جاء فى سورة الحجر 26 ومرة ثالثة يقول من طين لاذب" سورة الصافات آية 11 ومرة رابعة يقول من صلصال كالفخار" سورة الرحمن آية 14 وهذه الألفاظ مختلفة ومعانيها فى أحوال مختلفة .


ب- قوله عن عصى موسى فإذا هى ثعبان مبين سورة الشعراء آية 32 ، وفى موضع أخر تهتز كأنها جان" سورة القصص آية 31


ج- تقوى الله حيث يقول تعالى: " اتقوا الله حق تقاته" آل عمران أية 102 ، ثم يقول فى موضع آخر "فاتقوا الله ما استطعتم" سورة التغابن آية 16 .


د- ومثل تعدد الزوجات حيث يقول تعالى فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة سورة النساء آية 3 ثم يقول فى آخر السورة " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" النساء آية 129


ھ- قوله تعالى "إن الله لا يأمر بالفحشاء" سورة الأعراف آية 28 ، ثم يقول فى مكان آخر "إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" سورة الإسراء آية 16


وهكذا نجد من هذه الأمثلة الكثير والكثير وهذا راجع إلى قصور فى فهم هؤلاء الناس لمقاصد القرآن الكريم وعدم فهمهم لأساليب اللغة العربية وجهلهم بالناسخ والمنسوخ وموقف سلف الأمة فى تفسيرهم للقرآن الكريم وتنزيههم كلام الله عن تلك المطاعن والخرافات . وقد قيض الله للقرآن الكريم من دافع عنه ضد تلك المطاعن والشبهات وأبانوا عن قدسيته وسلامته من تلك الطعونات وما أكثر هؤلاء المتعنتين الذين يسألون عن بعض آيات القرآن الكريم سؤال التعنت لا سؤال التعلم وقد روى عن عامر بن وائله أن ابن الكواء سأل عليا رضى الله عنه فقال يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا قال ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا(15)


وكما فعل عمر مع صبيغ فعل مع رجل آخر فعن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضى الله عنه إنى مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن وقال عمر اللهم أمكنى منه ، فدخل الرجل على عمر يوما وهو لابس ثيابا وعمامة ، وعمر يقرأ القرآن فلما فرغ قام إليه الرجل فقال يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ فقام عمر فحصر عن ذراعيه وجعل يجلده ثم قال ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب وأبلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيبا فليقل :"إن صبيغا طلب العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا فى قومه بعد أن كان سيدا فيهم" (16) .


وإذا كنا سنتحدث عن تلك الحملات فسوف نقصر الحديث فى هذه العجاله على تلك الحملات التى يواجهها القرآن الكريم فى عصرنا الحاضر حيث تناوله المستشرقون بالدس والتحريف ثم نعقب ذلك الحديث بمجموعة من الأمثلة لبعض التفاسير القرآنية التى غصت بها الإسرائيليات فى القرآن الكريم منذ القرن الهجرى الأول والثانى والثالث لنثبت أن إسرائيليات اليوم التى جاءت على ألسنة بعض المستشرقين واليهود وغيرهم ما هى إلا امتداد لفكر تلك الإسرائيليات التى واجهها القرآن الكريم من أهل الكتاب من قبل ، وقد وقع اختيارنا عند الحديث عن المستشرقين المعاصرين أن نتحدث عن أخطر هؤلاء المستشرقين الذين تناولوا القرآن الكريم بالدس والتحريف والتشويه ، ومن أخطر هؤلاء المستشرقين المستشرق اليهودى الأمريكى "ماكدونالد" وكذلك المستشرق اليهودى "جولد زيهر" والمستشرق الإنجليزى "جب" فهؤلاء هم أكثر المستشرقين حقدا وخطرا على الإسلام .


وليس هدفنا هنا أن نتتبع كل محاولات حملات التشويه للقرآن الكريم ، وإنما نحاول أن نتحدث عنها فى الإطار الزمنى الذى حددناه لهذا البحث وهو قرنان أو قرن ونصف قرن من قبل وقتنا الحاضر . ومن أخطر المصادر التى حاولت العبث بالقرآن الكريم وتعمدت تشويهه كتاب "دائرة المعارف الإسلامية" وبخاصة من كتب منهم فى التعريف بكلمة "الله" سبحانه وتعالى ، ونذكر منهم المستشرق الحاقد شديد الخطر "ماكدونالد" D.B.Macdonald حيث أساء هذا المستشرق وأخطأ وتخبط وأضر بنفسه وبالحقيقه العلمية أكثر مما أضر بالإسلام أو بالقرآن الكريم أو بالرسول محمد (ص) .


إن المتأمل فيما كتبه فى"دائرة المعارف الإسلامية"(17) يستطيع أن يرى ما تخبط فيه ذلك الكاتب ، وما قال فيه من غير علم أو تعقل وما ينم عن جهل بالعقائد الدينية وتاريخها ، وبأصول اللغة العربية . فقد فضح نفسه بتعصبه الأعمى البعيد عن الحق وهذا هو شأن أغلب المستشرقين المتعصبين يقول "ماكدونالد" فى حديثه عن القرآن الكريم بأنه من صنع محمد (ص) وليس من عند الله وهى تلك الأضلولة التى طالما رمى بها القرآن منه ومن غيره ومن أمثلة أباطيله وجهله عن الملائكة ".. كما أنه من المحقق أن أهل مكة جعلوا بينهم وبين الجنة نسبا .. وجعلوهم شركاء لله وقرابين لله وكانوا يعيذون بهم ولسنا نعلم علم اليقين هل كانت قد وجدت لديهم فكرة عن الملائكة أو أنهم جعلوهم شركاء لله وربما كان هذا تفسيرا من عند محمد(18)(.


فالخطير فى كلامه هنا أنه يدعى أن القرآن الكريم من عند محمد (ص) ، ثم يتبين جهله الشديد فى حديثه عن الملائكة فهو يتساءل بغباء هل الجاهليون كانوا يعرفون الملائكة فلو قرأ ماكدونالد حياة العرب قبل الإسلام لعرف أن لفظة ملائكة هى لفظة عربية أصيلة عرفها الجاهليون فى أشعارهم وفى كلامهم وقد جاء القرآن الكريم بلغة العرب وقد تحدث عن الملائكة فى أكثر من موضع يقول الله تعالى :"الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس" (19) وقال فى موضع أخر : "الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا" (20) ولفظة الملائكة التى مفردها ملك هى لفظة مشتقة من الألوكه وفعله لاك أى أرسل والألوكه والمألكه الرسالة فالآيات القرآنية التى جاءت فيها لفظة ملائكة تدل على أنه جنس نورانى لطيف من عند الله وأن القرآن الكريم قد استخدمه بمعنى الرسالة فلو قرأ مكدونالد تاريخ العرب فى الجاهلية لعرف تلك اللفظة وعرف أن بعض الجاهليين كان يعتقد أن الملائكة بنات الله فقد تخيلوا أن الله أصهر إلى الجن وأن الملائكة هم بناته منه وأن من العرب من كانوا يتقربون إلى الله بالملائكة يطلبون منه الشفاعة لأنهم بناته والآيات القرآنية التى تؤكد معرفة العرب للملائكة واعتقادهم فيها آيات كثيرة يمكن الرجوع إليها فى المصحف الشريف .


ثم يكرر المستشرق هذا القول فى مواضع أخرى يثبت من خلالها أن القرآن الكريم من خيال محمد(ص) وأنه يزيد أو ينقص فيه حسب ضرورات السجع فى الكلام ويأتى بدليل فيقول: "وقد عَّرف محمد الله جل وعلا "بأنه الملك المنتقم الغيور وأنه سيحاسب الناس بغير شك ويعاقبهم فى اليوم الآخر وبها تحولت الفكرة الغامضة عن الله إلى ذات لها خطر عظيم وينبغى لنا أن نتبسط فى الكلام على هذه الذات كما تصورها محمد رسول الله (ص)" ثم يقول: "ومن حسن التوفيق أن لوازم السجع حملته على وصف الله بعدة صفات يتردد ذكرها كثيرا فى القرآن .. وتبين شغف محمد بهذه الصفات وشدة تمسكه بها وكانت الفطرة السليمة هى التى دفعت المسلمين بعد محمد إلى جمع هذه الصفات وتقديسها ، وهذه الصفات تعبر عن حقيقة إله محمد أحسن مما تعبر عنها الصفات التى ذكرها علماء الكلام فى القرون الوسطى وهى تعيننا كثيرا فى فهم وتحديد عبارات محمد المبعثرة المتناقضة ثم يحاول ماكدونالد مرة أخرى أن يؤكد زعمه الباطل بأن القرآن الكريم ليس منزلا من عند الله ويوهم القارئ أنه من صنع محمد وأنه كان من السهل عليه أن يزيد أو ينقص منه وكان شعراء العرب من قبل قد أظهروا مقدرة فائقة فى استعمال الصفات(21)


ثم يحاول ماكدونالد أن يكثف اتهامه بأن محمد قد تأثر فى ذكر أسماء الله بالنصارى فيقول ومن أسمائه - يعنى الله سبحانه - السلام وهذه الصفة لم ترد إلا فى الآية 23 من سورة الحشر(22) ومعناها شديد الغموض ونكاد نقطع بأنها لا تعنى السلم ويرى المفسرون أن معناها السلامة أى البراءة من النقائص والعيوب وهو تفسير محتمل ثم يقول مؤكدا لتهمته فى خبث ودهاء وقد تكون هذه الصفة كلمة بقيت فى ذاكرة محمد من العبارات التى تتلى فى صلاة النصارى(23)


وإذا استعرضنا مستشرقا أخر من المستشرقين الخطرين على الإسلام لنتبين ماذا يقول عن ذلك المصدر الربانى المنزل من السماء على رسولنا الكريم يقول المستشرق ﻫ.ج ويلز(24) كلاما ينم عن جهل شديد ثم يزعم بأن القرآن ليس بكلام الله وإنما هو من كلام محمد وقد تأثر فيه بمؤثرات مسيحية ويهودية انظر إليه يقول: "وحدث فى مكة قرابة سنة 570م أن ولد محمد مؤسس الإسلام وولد له أطفال عديدون كان اسم أحدهم "عبد مناف" أى خادم الرب المكى "مناف" وذلك يدل على أن محمدا لم يكن قد توصل فى ذلك الوقت إلى أية اكتشافات دينية ويحتمل أنه رأى كنائس مسيحية فى سوريا ويكاد يكون محققا أنه كان يعرف الكثير عن اليهود وديانتهم وأنه استمع إلى سخريتهم من ذلك الحجر الأسود والكعبة حيث كانت له سيادة على الأرباب القبلية الثلاثمائة من بلاد العرب ورأى جماهير الحجيج ولحظ أمارات الختن وعدم الإخلاص والخرافات المتجلية فى وثنية البلدة فضاق بذلك ذرعا وربما كان اليهود قد هدوه إلى الاعتقاد بالرب الواحد الحق دون أن يدرك ما حدث لهم وجاء بآيات معينة أعلن أنها قد أوحيت إليه عن طريق ملك من السماء(25)


وهذا الكلام الذى أفاض به المستشرق ويلز فيه من الخطأ والتجنى والتحامل على القرآن وعلى نبى المسلمين ما لا يحتمله أحد فمن أين عرف ذلك المستشرق بأن النبى كان له ولد اسمه عبد مناف مع أن أولاد الرسول معروفة أسماؤهم وهم "عبد الله والقاسم وإبراهيم" من هنا ظهر هذا التجنى وذلك الكذب حينما ادعى أن عبد مناف بن محمد . فهذا تزوير وتحريف فى التاريخ لا ينبغى أن يكون أما التجنى الآخر والزعم الغير مقبول هو قوله بأن الرسول (ص) تأثر بالكنائس المسيحية فى سوريا ولو كان مؤرخا منصفا لعرف أنه ذهب إلى سوريا وهو حدث صغير السن مع عمه أبى طالب فى رحلة تجارية لم تجاوز "بصرى" وفى مكان أخر فى كتابه يقول "فلما انتشرت التعاليم الجديدة وتكيفت فى قالبها الخاص اضطرت أن تعمل على أسس ظلت على الدوام أبعد ما تكون عن المجانسة بطبيعتها والتزمت أن تنمو فى تربة أخرجتها عن سبيلها السوى وحولتها عن طريقها القويم وكان مرجعها الوحيد هو القرآن ، وهذا الكتاب كان يبدو للعقول التى لم تتذوق نغمات اللغة العربية -كما يبدو لكثير من العقول الأوروبية - اليوم خليطا من البلاغة الرائعة يمازجها - ولنقلها بصراحة مقنعة غامضه لا كيف لها وقد غاب مغزاها الحق عن عدد لا يحصى من المسلمين الجدد غيابا تاما(26) .


من خلال الكلام السابق تدل اتهامات ويلز على أنه رجل مضلل وخداع لمن يقرأ من غير الناطقين للعربية ونقول ذلك لأن القراء المسلمين لم ينخدعوا بأقواله لأنهم يعرفون أن الرسول(ص) ليس بشاعر ولا ينبغى له أن يكون بذلك فحينما يصف ويلز الرسول (ص) بأنه شاعر غير نجيب فهو إدعاء باطل وواضح بطلانه ولا ينبغى الرد عليه أما قوله :"أن الرسول (ص) يمتلك قوة تصويريه هائلة وإن كانت عرجونية على طريقة العرب ولها أغلب مزايا البدوى وأهم نقائصه فهذه ألفاظ تنم عن نفس حاقدة تقطر مرارة وسما وإن حكمه على العرب قاطبة بما فيهم الرسول (ص) الذى ينتسب إليهم لتدل دلالة كبيرة على حقده الشديد وحنقه على الإسلام فهل يتصف ذلك الباحث بموضوعية أو عقلانية فى كتاباته وبحوثه؟!


ونترك المستشرق "ﻫ.ج. ويلز" لنقرأ لمستشرق أخر وهو "جب" (27) الذى يدعى أن القرآن الكريم قد ألفه محمد وجاء استجابة لمؤثرات البيئة المحيطة بهم وإذا كان بين محمد وبين أهل مكة معارضات فهى لم تكن من أجل الدعوة واستجابته للدعوة وإنما عارضته قريش من أجل المنافسة على الزعامة ولا شك أن هذه دعاوى متهافته لا يستثيغها عقل إنسان أوتى شئ من التفكير ولو كان هذا المستشرق المضلل قارئا للتاريخ الإسلامى لأدرك مدى تفاهة أفكاره لأن أهل مكة أرادوا أن يبعدوا الرسول عن الدعوة الجديدة التى تناهض آلهتهم فعرضوا على الرسول المال والجاه وإن كان يريدهما الجاه والرياسة جعلوه ملكا عليهم فيرفض كل هذه العروض قائلا لعمه: "والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه ما تركته" .


واليوم تقوم إسرائيل بهجمة شرسة لتشويه الإسلام وتحريف القرآن فقد شنت جمعية "يد لاحيم" اليهودية حملة شعواء لتشويه صورة الإسلام عبر محاولات حثيثة للتشكيك بالدين الإسلامى وأصوله ، تعمد من خلالها إدخال تفاسير محرفة لآيات القرآن الكريم وأحاديث ملفقة للرسول محمد (ص) ولعلماء وفقهاء مسلمين كبار من أمثال أبى حنيفة والشافعى والزهرى وغيرهم .


وتنشر الجمعية المذكورة والممولة من حركة "شاس" الدينية المتطرفة مؤلفا من 222 صفحة باللغة العبرية على الإنترنت وتصدر أشرطة فيديو وكاسيت تتضمن تمثيلا يسئ للمرأة المسلمة ومعاملتها فى الإسلام . ولهذا الغرض أنشأت الجمعية اليهودية لها مركزين رئيسيين فى تل أبيب والجزء الغربى من مدينة القدس المحتلة ووضعت هاتفا مجانيا لمن يريد التعرف على ما أسمته "القرآن الجديد". وزعم رئيس الجمعية راب ليفسيك أنه مستعد لإيصال ما أسماها "رسالة الإسلام الجديدة" لمن يريد التعرف على الأحاديث والآيات القرآنية "بالشكل الصحيح" . وبحجة توعية المجتمع الإسرائيلى على مفاهيم الإسلام ، تعمد هذه الجمعية المشبوهة إلى تحريف أقوال الرسول (ص) وتحريف معانى ونصوص القرآن الكريم بزعم أنه ليس من عند الله وليس منزلا من السماء وإنما هو من عند النبى حسب افترائها .


وتزعم الجمعية أنها بذلك تسدى للمسلمين خدمة لأنهم – أى المسلمين - حسب ادعائها يفهمون القرآن والأحاديث بصورة خاطئة وأن الجمعية تعمل على إزالة ما أسمته بالأفكار المسمومة المبثوثة فى المجتمع الإسلامى حسب ادعائها.


ودأبت "يد لاحيم" على هذه خطوة خطيرة وهى نشر صور محرفة وكريهة عن الإسلام فى المجتمع الإسرائيلى بكميات كبيرة باللغة العبرية . كما تعمل على نشرها لاحقا فى المجتمعات الغربية بهدف التحريض على المسلمين وإحداث حروب وقلاقل مستمرة بين العالمين الغربى والإسلامى .


وأخطر ما تقوم به هذه الجمعية العنصرية هو تلقين هذه الأفكار الحاقدة والأكاذيب للأطفال اليهود بل ولبعض الأطفال العرب فى المدارس اليهودية المختلطة بغية تنشئتهم على كراهية المسلمين وتشكيكهم فى دينهم بزعمها بهتانا وزورا أن الدين الإسلامى ملىء بالتسمم الفكرى ويؤدى إلى الهلاك .


وتعتبر هذه الخطوة من الجمعية اليهودية جزءا من السياسة المتبعة لدى الأحزاب المعادية والحاقدة على الإسلام والمسلمين.


وقد فند مفتى القدس والأراضى المقدسة الشيخ عكرمة صبرى محاولات "جمعية يد لاحيم" المس بالقرآن الكريم وتحريفه وأكد للجزيرة نت أن هذه المحاولات ليست جديدة على هؤلاء ومآلها الفشل كسابقاتها. وأوضح المفتى أن الله تعالى قد أخذ على نفسه عهدا بحفظ القرآن الكريم من التحريف ، كما جاء في الذكر الحكيم:"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" سورة الحجر آية 9


إن شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين اليهود وغيرهم كثيرة ولكننا سنقصر الحديث على شبهتين اثنتين يمكننا عرضهما ثم تحليلهما والرد عليهما وهما: أن القرآن الكريم به بعض الأخطاء التاريخية التى يجب ألا يقع فيها – والثانية أن القرآن الكريم مقتبس من الكتب السماوية السابقة وعلى الأخص من التوراة والإنجيل . وإليك تفصيل هاتين الشبهتين :-


اولا : أن القرآن به أخطاء تاريخية


ومن أمثلة ذلك:


1 - يقول القرآن إن أبا إبراهيم اسمه آزر كما جاء فى "سورة الأنعام آية74" ويزعمون أن اسمه تارح .





الرد على الأخطاء المزعومة فى القرآن الكريم


الزعم الأول: أن أبا إبراهيم اسمه آزر


سمى القرآن أبا إبراهيم آزر واسمه فى التوراة تارح فقد ذكر القرطبى وغيره من المفسرين أكثر من عشرة أقوال فى اسم آزر أشهرها أن والد إبراهيم له اسمان: آزر و تارح ، مثل إسرائيل ويعقوب . ولا يخفى أن أقوال المفسرين إنما هى للتوفيق بين رواية التوراة ورواية القرآن بافتراض صحة ما ورد فى التوراة ، والواقع أنه لا يصح التعويل على التوراة فى ذلك ، وخاصة إذا خالفت القرآن والسنة ، فقد ورد فيهما التصريح باسم آزر وذكر المؤرخ يوسيفوس أن اسم والد إبراهيم "آثر" ، وهو قريب جدا من آزر ، وبعيد جدا من تارح .





2 - يقول القرآن أن أخا مريم العذراء هو هارون كما جاء فى "سورة مريم 28" مع أنّ هارون سابق للعذراء ب 1600 سنة .


الزعم الثانى أن هارون أخو مريم العذراء:


إن المقصود بهارون فى الآية الكريمة إمّا هارون أخو موسى ، والأخوة المذكورة ليست أخوة حقيقية ، لأن بين هارون ومريم مئات السنين بالفعل وإنما هى أخوة مجازية ، فمعنى أنها أخت هارون أنها من نسله وذريته ، كما يقال للتميمى يا أخا تميم؟ وللقرشى: يا أخا قريش ! فمعنى قولهم: يا أخت هارون ، أى يا من أنت من ذرية ذلك النبى الصالح ، كيف فعلت هذه الفعلة؟ وحتى لو لم تكن من نسله وذريته فإنها تنتسب إليه بخدمتها للهيكل وانقطاعها للعبادة فيه . فقد كانت خدمة الهيكل موقوفة على ذرية هارون. فمعنى: يا أخت هارون ! يا من تنتسبين إلى هذا النبى الصالح بالخدمة والعبادة والانقطاع للهيكل . والأصح أن المراد بهارون فى الآية هو رجلا صالحا من قومها فى ذلك الحين… كانت تتأسى به مريم…وتتشبه به فى الزهد والطاعة والعبادة ، فنسبت إليه ، فقالوا لها: يا من تتشبهين وتقتدين بذلك الرجل الصالح ، ما كان أبوك بالفاجر ، ولا أمك بالبغى فمن أين لك هذا الولد؟ وقد روى أحمد ومسلم والترمذى والنسائى وغيرهم عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال: بعثنى رسول الله (ص) إلى أهل نجران -وكانوا نصارى- فقالوا: أرأيت ما تقرؤون: يا أخت هارون؟ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ يعترضون على المغيرة .. قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فقال النبي (ص) : "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم؟" وهذا التفسير النبوى يبين أن هارون المذكور فى الآية ليس من اللازم أن يكون هارون المذكور هو أخا موسى كما فهم أهل نجران ، وإنما هو هارون معاصر لمريم … فقد كان قومها يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين منهم . والله تعالى أعلم .





3 - يقول القرآن إن هامان وزير فرعون "القصص 6 و8" مع أنّ هامان كان في بابل ، وجاء بعد فرعون بنحو ألف سنة "الرازى فى تفسير غافر36 ,37


الزعم الثالث أن هامان وزير فرعون:


اسم هامان مذكور فى القرآن فى ستة أماكن مختلفة كأحد المقربين إلى فرعون بينما تذكر لنا التوراة أن هامان لم يُذكر فى حياة موسى عليه السلام على الإطلاق وأن هامان كان وزيراً وخليلا لأحشوريش ملك الفرس الذى يدعوه اليونان زركيس ، وإذا كان هناك البعض من الذين يريدون أن يطعنوا فى القرآن ويدعون وجود أخطاء تاريخية فيه ومن بينها علاقة هامان بفرعون موسى فسوف يتضح لهم سخافة هذه الإدعاءات بعدما تم فك طلاسم الأبجدية الهيروغليفية المصرية قبل 200سنة تقريباً واسم هامان قد أكتشف فى المخطوطات القديمة وقبل هذه الاكتشافات لم يكن شئ معروفا عن التاريخ الفرعونى ، ولغز الهيروغليفية تم حله سنة 1799م بأكتشاف حجر رشيد الذى يعود إلى 196 قبل الميلاد وتعود أهمية هذا الحجر لأنه كتب بثلاث لغات: اللغة الهيروغليفية والديموقيطية واليونانية وبمساعدة اليونانية تم فك لغز الهيروغليفية من قبل شامبليون وبعدها تم معرفة الكثير حول تاريخ الفراعنة وخلال ترجمة نقش من النقوش المصرية القديمة تم الكشف عن اسم "هامان" وهذا الاسم أشير إليه فى لوح أثرى فى متحف هوف فى فينا وفى مجموعة من النقوش كشفت لنا أن هامان كان فى زمن تواجد موسى فى مصر قد رُقى إلى أن أصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية وها هى النقوش تكشف لنا حقيقة هامان بعكس ما ذكرته التوراة ورداً على الزعم الخاطئ لمعارضى القرآن . هامان الذى تتحدث عنه الأثار المصرية التى أوردها كتاب :


Pharaoh Triumphant the life and times of Ramesses II K.A. Kitchen(28)


كان الشاب آمن "= هامن/ هامان" أم أينت Amen em inet فى مثل سن الأمير "رمسيس الثانى" ورفيق صباه ، فلما أصبح رمسيس نائبا للملك ووريثا للعرش أصبح الفتى بالتبعية رفيقه وتابعه ففتح له الطريق لمستقبل زاهر وهو ما تحقق فعلا . وكان لآمن أم أينت Amen em inet "هامان" أقارب ذوو نفوذ منهم عمه [ لعله مِنموسى ، Minmose ] كبير كهنة الإله مين والإلهة ايزيس بقفط "شمال طيبة" وقائد Commandant فيالق النوبة - أى الساعد الأيمن لنائب الملك فى النوبة . ومنهم الفتى باكن خنسو [ والده باسر وزير الجنوب وابن عم آمن ام اينت Amen em inet "هامان"] (29) ، مدرب الخيول الملكية الذى التحق بعد ذلك بالسلك الكهنوتى المستديم فى خدمة آمون بطيبة [أصبح كبير كهنة آمون ](30) .


رقّى الملك رفيق طفولته آمن ام اينت Amen em inet "هامان" إلى وظيفة قائد المركبات الملكية Royal Charioteer وناظر للخيل Super Intendent of Horse(31) .


"وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ" سورة القصص آية6


آمن ام اينت Amen em inet "هامان" رفيق الفرعون القديم قد رقى إلى منصب رسول الملك لكل البلاد الأجنبية ويقول الرجل بهذه المناسبة موضحا طبيعة عمله الجديد: أرفع له "الفرعون" تقارير عن أحوال البلاد الأجنبية كلها(32).


وكانت أرقى وظائف الدولة هى وظيفة السفير "رسول الملك إلى كل البلاد الأجنبية" وكانت الترقية إليها قاصرة على كبار ضباط سلاح العربات الحربية(33)


واختار الملك للمنصب "كبير كهنة آمون" الشاغر وننفر Wennofer "مات سنة 27" وهو والد رفيق طفولة رمسيس الثانى آمن ام اينت "هامان" . وكان هامان نفسه قد نقل من وظيفته العسكرية إلى الرمسيوم ليصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية هناك Chief of Works of All Royal Monument - ولا يزيد البعد بينه وبين أبيه كبير الكهنة بالكرنك عن عبور النهر إلى الضفة الأخرى من النيل(34)


فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّى أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى سورة القصص آية 38


ذكر كتاب An Introduction to Ancient Egypt ، أن أقدم استعمال للطين الموقود بمصر كان معروفاً منذ الدولة الوسطى .


ويرجع الفضل فى صعود نجم باسر paser ، وزير للجنوب بطيبة viceroy ،عم باسر كان قائد الفرق بالنوبة وبعده ابنه نخت مين "ابن عم باسر" واختياره نائبا للملك "فى النوبة" إلى عراقة أسرته ، فابن عمه آمن ام اينت "هامان" هو رفيق طفولة رمسيس الثانى(35) وكان من علية القوم من اتخذ من الخدمة العسكرية ذريعة للوثوب إلى الوظائف المدنية العليا ، وقد تعرفنا من هؤلاء على آمن ام اينت "هامان" القائد بسلاح المركبات ثم ميليشيات المدجاى Chief of Medjay-Militia ، بعدها عين مديرا للمصانع "وزير صناعة" (36) امنحتب .. لكنه كان ينتمى لأسرة ذات نفوذ هى أسرة آمن ام اينت "هامان" قائد ميليشيات المدجاى الشهيرة(37). حيث يحتل مين مس آخر منصب كبير كهنة مين وآيزيس والذى يمت هو الآخر بصلة قرابة إلى آمن أم أينت(38) .


4- يقول الله لموسى كما جاء فى القرآن: “قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ ؛ كما ورد فى "سورة طه 85" ويقصد أنّ السامرى صنع العجل الذهبى لبنى إسرائيل ، ولكن السامريين لم يجيئوا إلا بعد سبى بابل كما ورد فى سفر "ملوك 16: 24".


الزعم الرابع أن السامرى قد فتن قوم موسى وأضلهم بصنع العجل الذهبى ولكن السامريين لم يظهروا إلا بعد سبى بابل


إن القرآن الكريم ذكر أن الذى صنع العجل لبنى إسرائيل هو السامرى ، وهذا فى ظنهم خطأ تاريخى! لأن مدينة السامرة المنسوب إليها السامرى لم تكن موجودة آنذاك ، بل هى بعد موسى بمئات السنين . وهذا الوهم قائم على أساس أن اسم السامرى لم يكن معروفا إلا بعد بناء مدينة السامرة ، وأنه منسوب إليها


والواقع أن اسم سامر كان معروفا قبل بناء مدينة السامرة ، وقد اشترى عمرى أحد ملوك بنى إسرائيل مكان هذه المدينة بوزنتين من الفضة من شخص اسمه سامر ، ولم يكن اسمها معروفا ، ولمجد بناء هذه المدينة سماها الملك: السامرة ، باسم من اشتراها منه ، ثم جعلها عاصمة مملكة إسرائيل . ولهذا تكون الياء فى كلمة "السامرى" من أصل الكلمة وملحقة بها ؟ لأن نقل الأسماء من لغة إلى لغة أخرى لا يسلم من مثل هذا التصرف ، فالسامرة منسوبة لسامر وليس العكس ، ولا يصح للمنصرين أن يقولوا: إن هذا الاسم لم يعرف إلا بعد بناء مدينة السامرة ، ولا أن يقولوا: إنه منسوب إليها . ولعل الذى دعاهم لهذا التأويل الفاضح إصرارهم على صدق ما فى التوراة من أن الذى ارتد وصنع العجل لبنى إسرائيل وعبده معهم هو هارون عليه السلام.


5- يقول فى سورة البقرة 249 : “فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ “فقد عزا إلى طالوت "وهو شاؤل" ما فعله جدعون "القضاة 7: 5-7".


الزعم الخامس بأن طالوت هو الذى فصل بالجنود كما تقول سورة البقرة ولكن الذى فعل ذلك هو جدعون سفر القضاة 7: 5-7


إن سفر القضاة سفر تاريخى ، وسفر صموئيل الأول الذى أورد قصة طالوت وداود سفر تاريخى أيضا . فأى مانع يمنع من خطأ المؤرخ فى نقل جزء من قصة إلى قصة أخرى مشابهة لها . خاصة وأنه ليس معصوماً كالنبيين والمرسلين الحقيقيين؟


ولهذا أمثلة كثيرة منها أن هذا النص مذكور مرتين: مرة فى سفر الخروج ، ومرة فى سفر التثنية من التوراة السامرية . ومذكور مرة واحدة فى سفر التثنية من التوراة العبرانية واليونانية.


6 - يقول القرآن عن الإسكندر الأكبر ذى القرنين إنه بلغ قوماً لا يفقهون ، وإنه بنى سداً من زُبر الحديد "الكهف 83-97". وقد فسّروا معنى ذى القرنين بأنه طاف قرنى الدنيا شرقها وغربها ، وقيل لأنه انقرض فى أيامه قرنان من الناس ، وقيل كان له قرنان لشجاعته . وقال القرآن إن ذا القرنين بلغ مغرب الشمس فوجدها تغرب فى عينٍ حمِئة ، أى ذات طين أسود مبتل بالماء "الكهف 86" . ولم يكن ذو القرنين نبياً بل كان من عُبّاد الأصنام ، ادّعى أنه ابن آمون إله مصر . ولا الشمس تغرب فى عين حمئة ، ولا عمَّر ذو القرنين قرنين من الزمن ، بل مات وعمره 33 سنة .


الزعم السادس بأن ذا القرنين بلغ مغرب الشمس ووجدها تغرب فى عين حمئه ولم يكن ذو القرنين نبيا بل كان من عباد الأصنام ، ولا الشمس كانت تغرب فى عين حمئه ولا عمر ذى القرنين قرنان كما يقول القرآن بل مات وعمره 33 سنة


فى القرآن الكريم - الكهف: 83-98 حكاية ذى القرنين: "ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرًا * إنا مَكّنَّا له فى الأرض وآتيناه من كل شىء سببًا" (39) إلى آخر الآيات.


وخلال هذه الآيات يتبدى عدل "ذى القرنين" فيقول: (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحًا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) (40). تلك هى تسمية القرآن الكريم لهذا الملك "ذو القرنين" .


أما أن ذا القرنين هذا هو الإسكندر الأكبر المقدونى [356-324ق.م] فذلك قصص لم يخضع لتحقيق تاريخى.. بل إن المفسرين الذين أوردوا هذا القصص قد شككوا فى صدقه وصحته.. فابن إسحاق [151ھ - 768م] - مثلاً - يروى عن "من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذى القرنين" أنه كان من أهل مصر ، وأن اسمه "مرزبان بن مردية اليونانى" .


أما الذى سماه "الإسكندر" فهو ابن هشام [213ھ - 828م] - الذى لخص وحفظ "السيرة" - لابن إسحاق - .. وهو يحدد أنه الإسكندر الذى بنى مدينة الإسكندرية ، فنسبت إليه .


وكذلك جاءت الروايات القائلة إن "ذو القرنين" هو الإسكندر المقدونى عن "وهب بن مُنبِّه" [34-114ھ ـ 654-732م] وهو مصدر لرواية الكثير من الإسرائيليات والقصص الخرافى . ولقد شكك ابن إسحاق - وهو الذى تميز بوعى ملحوظ فى تدوين ونقد القصص التاريخى - شكك فيما روى من هذا القصص - الذى دار حول تسمية ذى القرنين بالإسكندر ، أو غيره من الأسماء .. وشكك أيضًا فى صدق ما نسب للرسول (ص) حول هذا الموضوع .. وذلك عندما قال ابن إسحاق: "فالله أعلم أى ذلك كان ؟.. أقال رسول الله (ص) ذلك أم لا؟".


ويثنى القرطبى على شك وتشكيك ابن إسحاق هذا ، عندما يورده ، ثم يقول: "والحق ما قال" .. أى أن الحق هو شك وتشكيك ابن إسحاق فى هذا القصص ، الذى لم يخضع للتحقيق والتمحيص وإن يكن موقف ابن إسحاق هذا ، وكذلك القرطبى ، هو لون من التحقيق والتمحيص. فليس هناك ، إذًا ما يشهد على أن الإسكندر الأكبر المقدونى - الملك الوثنى- هو ذو القرنين ، العادل ، والموحد لله.


7- يحكى القرآن عن إسراء محمد (ص) إلى المسجد الأقصى ، أى هيكل سليمان ، وكيف صلّى فيه مع الأنبياء عليهم السلام ، ووصف أبوابه ونوافذه مع أن هيكل سليمان كان قد خُرِّب قبل الإسراء ب 550 سنة "سورة الإسراء 1" وبُنى بعد موت محمد بنحو مئة سنة .


الزعم السابع يحكى القرآن عن إسراء محمد إلى المسجد الأقصى أى هيكل سليمان وأنه صلى فيه مع الأنبياء مع أن الهيكل كان قد خرب قبل إسراء النبى (ص) بخمسمائة وخمسين سنة وبنى بعد موت محمد بمائة سنة. قال تعالى فى كتابه الكريم: "سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (41) .


هذه الحقيقة القرآنية إبطال قوى لحجج ومزاعم اليهود حول حقهم فى القدس وحرصهم على إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى بحجة أن المسلمين هم المعتدون على الهيكل ببنائهم الأقصى مكانه . فقد وُجد الأقصى قبل بعثة محمدٍ (ص) وقبل بناء الأقصى الحالى بآلاف السنين بل وقبل أن خلق الله بنى إسرائيل .


روى الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى ذر الغفارى -رضى الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أى مسجد وُضع فى الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثم أى؟ قال: "المسجد الأقصى". قلت: كم بينهما؟ قال "أربعون سنة ، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد" (42)


وورد فى مقدمة ابن خلدون أن الصابئة بنوا منذ آلاف السنين "هيكل الزهرة" مكان الأقصى لمعرفتهم بقدسية المكان وكانوا يقربون إليه الزيت فيما يقربونه ويصبونه على الصخرة التى هناك.


لقد اختُلِف فيمن أقام بناءه الأول ، فقيل يجوز أن يكون أحد أبناء آدم ، وقيل يجوز أن الملائكة قد بنته بعد بناء المسجد الحرام . وقد تعاهده أغلب الأنبياء فقد رفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة فى مكة المكرمة بناء على أوامر الله ثم عاد إبراهيم عليه السلام إلى موطنه فى بيت المقدس وجدد بناء المسجد الأقصى ، فقد هاجر من العراق إلى بيت المقدس عام 1850ق.م وقابل ملك القدس الكنعانى الموحد "ملكى صادق". ومعلوم تاريخياً أن بين إبراهيم وسليمان عليهما السلام مئات السنين فإن كتب التاريخ تقدر حكم سليمان عليه السلام لبيت المقدس فى الفترة 970-931 ق.م. كما جدد يعقوب بناءه وقد أراد داود عليه السلام تجديده ولكنه توفى فجدده ابنه سليمان بما يسمى هيكل سليمان ، وقد دُمر الهيكل وسبى اليهود على يد نبختونصر البابلى عام 587 ق.م. وما الأقصى الحالى إلا تجديد للأقصى القديم .


لقد بنى المسجد وهدم عدة مرات وأخبر المسيح عليه السلام اليهود أن بناء الهيكل سيهدم فى إنجيل متى الإصحاح 24 : 2 وفى إنجيل مرقص الإصحاح 13 : 2 وفى إنجيل لوقا الإصحاح 21 : 6 وقد أعاد الفاروق عمر بن الخطاب - رضى الله عنه وأرضاه - بناءه ، وحوله الصليبيون إلى كنيس وإصطبل ومخزن لذخائرهم عام 1099م إلى أن أذن الله بتحريره على يد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبى عام 1187م وطهره من رجس النصارى وأعاد بناءه وما زال الأقصى الشريف يحتفظ بلمسات البناء الأيوبية .


إن رسالة كل نبى هى الإسلام وقد حكم فلسطين كل من داود ومن بعده ابنه سليمان عليهما السلام حكماً إسلامياً وكانت حروبهما جهادية إسلامية لنشر الإسلام وليست حروباً يهودية عنصرية كريهة لسيادة الجنس اليهودى . لقد بنى سليمان عليه السلام هيكله مسجداً لعبادة الله وحده ولا حق ليهود هذا الزمان فى سليمان ولا فى فترة حكمه ولا فى هيكله بل إن المسلمين هم وحدهم الوارثون لسليمان ولسائر أنبياء الله .


لم يكن بناء الأقصى وقت إسراء رسولنا الكريم -عليه صلوات الله وسلامه- قائماً متكاملاَ ولكن كانت أساساته موجودة ، وبعض أعمدته وأطلاله باقية ومنها تلك الحلقة التى ربط بها رسول الله البراق ، وهى نفس الحلقة التى كان أنبياء الله يربطون دوابهم بها حين ذهابهم للصلاة فى الأقصى ، حيث أتاه إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام . لقد سمى الله هذه الأطلال والأعمدة والأساسات مسجداً فى الآية الكريمة على اعتبار ما كان وما سيكون ، فإن أمة محمد هى وارثة الحنيفية السمحة دين إبراهيم عليه السلام وأولى الناس به وبدينه وبأرضه وبمسجديه المسجد الحرام والمسجد الأقصى وهذا هو سر الربط بين المسجدين والله تعالى أعلم !! كما أن الله قد جمع الأنبياء والرسل السابقين لمحمد ليلة الإسراء فى المسجد الأقصى ومنهم أنبياء ورسل بنى إسرائيل وصلى بهم إماماً وصلوا هم خلفه مأمومين وسلموه مفاتيح الأرض المقدسة ، وهذا دليل آخر على هذه الوراثة وعلى أصالة هذا المسجد وعلى تخصيصه للصلاة ولعبادة الله سبحانه وتعالى .


ومن فضائل الأقصى إضافة لكونه أولى القبلتين ومسرى رسول الله (ص) قوله :"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجدى هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" (43) .


وقال عليه الصلاة والسلام: "الصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة فى مسجدى بألف صلاة والصلاة فى بيت المقدس بخمسمائة صلاة" (44)


وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً:"إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس ، سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة: سأل الله حكما يصادف حكمه ، فأوتيه ، وسأل الله ملكا لا ينبغى لأحد من بعده ، فأوتيه ، وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه ، أما اثنتان فقد أعطيهما ، وأرجو أن يكون قد أعطى الثالثه"(45)


8 - فى سورة مريم 23 يقول إن المسيح وُلد تحت نخلة ، مع أنه وُلد فى مذود. ويقول إنه تكلم فى المهد "آل عمران 46 والمائدة 110 ومريم 29". وإنه خلق من الطين طيراً وهو صبى "آل عمران 49 والمائدة 110". ولكن أول معجزة أجراها المسيح كانت فى عُرس قانا الجليل وهو فى الثلاثين من عمره .


الزعم الثامن يقول القرآن أن المسيح ولد تحت نخلة مع أنه ولد فى مزود ويقول القرآن أنه تكلم فى المهد وأنه خلق من الطين طيرا وهو صبى ولكن أول معجزة أجراها المسيح كانت فى عرس قانا الجليل وهو فى الثلاثين من عمره


إن هذه المعجزة وردت فى إنجيل توما. فإنه قد صنع من الطين هيئة اثنى عشر عصفوراً ، وأمرهم أن يطيروا ؛ فطاروا والناس ينظرون إليهم .


ثانيا : أن القرآن مقتبس من الكتب السماوية السابقة


إن الرسالة الإسلامية الخاتمة التى جاء بها سيدنا محمد نبى الله ورسوله لهى آخر الرسالات إذ اشتملت على خلاصة الكتب والرسالات المنزلة والتى يجب أن نؤمن بها جميعا ومن ينكر منها جزءا أو كتابا كما فعل اليهود , فيعد من الكافرين, ومن هذا المنطلق فإن الإسلام جاء ناسخا لكل الشرائع السابقة ويلزم الجميع العمل به ومع ذلك فإن القرآن الكريم لم يقطع صلته مطلقا بالتوراة والإنجيل وقد ثبت باليقين أن أصحاب الكتب السماوية قد حرفوا فى أصولها وهذا أمر معروف لدى كل الباحثين بينما القرآن الكريم فقد تولى الله حفظه إلى أن تقوم الساعة وكم من محاولات قد تمت لتشويهه ولكنها كانت سرعان ما تبوء بالفشل .


ولما كان القرآن الكريم منزل من السماء عن طريق الوحى وهو نفس المنبع الذى تنزلت منه الرسالات السماوية السابقة كان من المعقول أن تتشابه بعض آيات القرآن الكريم ببعض مما جاء فى كتب النصارى واليهود وقد يختلفان والاختلاف واضح بين وما اختلف فيه فإنما هو من باب العدل والرحمة والمثل العليا التى تنادى بها رسالات السماء فهل يعقل أن تأتى بعض الكتب السماوية فتتهم بعض الأنبياء بالزنى أو ما شابه ذلك من الكبائر؟!فليس من المنطق أن ينزل الله رسالته على هؤلاء الخبثاء ويترك الصالحين ففى الاختلاف هنا رحمة ورفع من قدر الأنبياء الذين ظلمهم أهل الكتاب هذا على سبيل المثال ، ومما يؤكد الاختلاف والتباين بين القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية أن النصارى واليهود اقتبسوا من الأديان الوثنية الكثير والكثير فالمؤرخ الشهير ديورنت يقول(46) "إن المسيحية لم تقض على الوثنية بل تبنتها ، ذلك أن العقل اليونانى المحتضر عاد إلى الحياة فى صورة جديدة فى لاهوت الكنيسة وطقوسها...ثم يقول فجاءت من مصر آراء الثالوث المقدس ومنها جاءت عبادة أم الطفل..ومن فيريجينيا جاءت عبادة الأم العظمى ومن سوريا أخذت عقيدة بعث أوتيس ومن بلاد الفرس عقيدة رجوع المسيح وحكمه الأرض ألف عام ... وهكذا فإن الديانه المسيحية كانت أخر شئ عظيم ابتدعه العالم الوثنى القديم" ، ومن هنا فإن المتصفح لكل من القرآن والتوراة والأنجيل وخاصة فى قصص الأنبياء يجد ذلك التناقض فى موقف النصارى فعندما يذكر مثلا سيدنا نوح يقولون هذا اقتباس من التوراة وحين يذكر القرآن سيدنا صالح وهو ليس عندهم فيقولون هذا لا سند له عندنا فينكرونه إذن التشابه الذى بين القرآن والإنجيل لابد أن يرد فهذا شئ طبيعى ولكن ليس فيه اقتباس للقرآن من الكتب الأخرى وسوف نذكر بعض الأمثلة التى وقع فيها التشابه بين القرآن الكريم والتوراة والإنجيل ونفندها حتى يتبين لهم أنه لا اقتباس مطلقا للقرآن من الكتب الآخرى .


وهناك أسس يقوم عليها الاقتباس ويجب تطبيقها على كل موضع فيه تشابه من القرآن وكتب أهل الكتاب ثم يحق لنا أن نسأل متى يكون القرآن مقتبسا من التوراة أو الإنجيل؟ ومتى يكون بريئا من تلك التهمة؟


1- إذا نقل القرآن الفكرة كلها أو اقتصر على نقل جزء منها ويكون دائرا فى فلك القرآن حينئذ نقول أن القرآن معظمه مقتبس من التوراة .


2- ويمتنع أن يكون القرآن مقتبسا إذا تحقق ما يأتى.





أ- عرض القرآن الوقائع عرضاً يختلف عن عرض التوراة لها.


ب- أضاف القرآن جديداً لم تعرفه التوراة فى المواضع المشتركة بينهما.


ج- صحح القرآن أخطاء "خطيرة" وردت فى التوراة فى مواضع متعددة.


د- انفرد بذكر "مادة" خاصة به ليس لها مصدر سواه.


ﻫ- فى حالة اختلافه مع التوراة حول واقعة يكون الصحيح هو ما ذكره القرآن. والباطل ما جاء فى التوراة بشهادة العقل والعلم


مما سبق يتضح أنه إذا كان الاحتمال الأول هو الواقع فالقرآن مقتبس من التوراة أما إذا كان الواقع هو الاحتمال الثانى فدعوى الاقتباس باطلة ويكون للقرآن فى هذه الحالة سلطانه الخاص به فى استيفاء الحقائق ، وعرضها فلا اقتباس لا من توراة ولا من إنجيل ولا من غيرهما.





وينبغى أن يراعى القارئ المسلم أن القضية ليست قضية اختلاف فى الرآى ولكن القضية أخطر من ذلك فالمسألة هنا مسألة مصير أبدى لأنها تفضى إلى عقيدة صحيحة توجب النجاة لصاحبها يوم الحساب أو قد تكون عقيدة فاسدة يضيع معها الإنسان فى دنياه وأخرته وهذا هو البوار ولا حول ولا قوة إلا بالله.




بعض مواضع التشابه بين القرآن والتوراة





موضع التشابه الأول: حول "آدم عليه السلام"


أ‌- تقول التوراة فى السطر السابع والعشرين من سفر التكوين الإصحاح الأول: "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا"… فمن سياق التوراة نجد أن الله خلق الإنسان كشبهه.. كشبه من؟! كشبه الله..على صورة الله…دلالة هذا الكلام أن الإنسان لو نظر إلى صورته عرف صورة الله…فأين التمييز بين المخلوق والخالق؟! بل من أين تأتى الخشية ناحية الخالق إن كان خلق الخالق كالخالق نفسه؟! ثم أضف إلى هذا ما هو أشد خطورة . إذ أن للإنسان أعضاء يخجل من ذكر اسمها فهل نتخيل وجودها فى الله- حاشاه سبحان وتعالى .


إن القاعدة الإسلامية عند أهل السنة والجماعة فى تصورهم للذات الإلهية هو أن الله سبحانه وتعالى لا نظير له إذ قال عن نفسه "ليس كمثله شئ" ومن هنا فإن الله نفى أن يشابهه أحد أو يماثله مخلوق فى أية صفة من الصفات ومن هذا التصور يتضح الفارق الكبير بين الخالق سبحانه وتعالى وبين الإنسان الذى هو عبده فلا ثمة تشابه بينهما وقد خلق الناس جميعا لعبادته "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وهذه الآية تضع حدا بين العابد والمعبود وهنا يبدو الاختلاف بين القرآن والتوراة فالثانية تقول بتشابه سيدنا أدم مع الله فى الخلق اقرأ سفر التكوين "فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التى تدب على الأرض" .


وهذه نقطة تتشابه مع العقيدة الإسلامية التى جاءت فى القرآن الكريم "ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" (47)


ب - فى الإصحاح الثالث بنفس السفر "فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيونات البرية" من هذا النص يتضح لنا أن سيدنا أدم قد اقتصر تعليمه على أسماء البهائم والطيور وحيونات البرية جميعها فهل هذه النظرة تتشابه مع نظرة الإسلام؟ قطعا لا لأن النظرة الإسلامية تتميز بالشمول والاتساع والتوازن يقول تعالى:"(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(48) . وتتضح الشمولية فى قوله "كلها" وقد شملت آية القرآن الكريم تعلم أدم كل الأسماء وليس كما فعلت التوراة فقد تعلم أدم أسماء الملائكة والجن وهذا تكريم لسيدنا أدم لم نجد له شبها فى التوراة .


ج- تقول التوراة فى السطر 25 من نفس الإصحاح: "وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان" ثم لما فعلا المعصية: نقرأ فى السطر السابع من الإصحاح 3 "فافتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان .. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر"


بينما يقول القرآن مبينا نظرته لأدم يقول تعالى: "(يَا بَنِى آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(49)


فالفارق هنا كبير وجوهرى جدا.. فسيدنا آدم والسيدة حواء كانا أصلا مستورين ولكن الشيطان عراهما بالمعصية فسقطت ملابسهما من عليهما . ثم سارعا فى البحث عن الستر الذى كان يسترهما: "فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" .إذن الأصل فى المسلم الموحد الستر والأصل عند أهل التوراة العرى .. وزد على هذا أن آدم كان جاهلا فى التوراة برغم علمه بأسماء الحيوانات والمخلوقات التى ذكرت فى النص التوراتى أنه كان عريانا .. إذن الأصل فيه الجهل بنفسه .. وفى القرآن الأصل فيه العلم والستر..وفى التوراة جاء العلم الأهم مع المعصية وفي القرآن جاء العقاب مع المعصية..


د- أما توبة سيدنا آدم فإن القرآن يذكرها على الفور بعكس التوراة التى لم تذكر له توبة على الإطلاق .. يقول تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(50) والفاء للسرعة والتعقيب…


ﻫ- وتميز القرآن بذكر أن الإنسان خليفة الله فى الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)(51) بينما التوراة لم تذكر تلك الخلافة التى أولاها الله للإنسان ، فخلافة الله فى الأرض أفضل من أن يكون الإنسان متسلط على المخلوقات فقط وهو السيد فى البيت وهو الذى يتحمل عبء المسئولية (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (52) فقد قدمه سبحانه على زوجته لكى يبين لنا أن المسئول الأول هنا هو آدم ولا تختلط الأمور فيحدث التفكك الأسرى كما نراه اليوم . ومما زاد آدم تشريفا كما ورد فى القرآن أن الله أمر الملائكة بأن تسجد له على حين أن التوراة لا تأتى بهذا أبدا ولعلك تدرك أيها القارئ الكريم الفرق بين تصور القرآن لآدم عليه السلام وتصور التوراة فهل يكون التشابه هنا اقتباسا كما يدعى هؤلاء.


كما أن القرآن الكريم يذكر عصيان آدم لربه بفعل الشيطان الذى أغواه والذى أغواهما بأن يأكلا من الشجرة وأن الله قد غفر لآدم خطيئته ولم ينسبها القرآن لزوجته كما تقول الكتب السماوية الأخرى ثم أمرهما بالنزول إلى الأرض لتكون لهما قرارا وأرزاقا وآجالا إلى حين ثم بين القرآن أن الله خلق أدم على صورته وعلى الهيئة التى خلقه عليها فلم ينتقل فى المنشأة أطوارا فى الأرحام كذريته بل خلقه الله رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح . .








موضع التشابه الثانى قصة سيدنا يوسف


سوف نتناول فى هذه القصة بعض المواقف المتشابهه ثم نحللها ونبرز الجديد الذى جاء به القرآن وكذلك نصحح الأخطاء التى وردت فى التوراة .





أ- قصة يوسف فى التوراة





"وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينها إلى يوسف وقالت: اضطجع معى ، فأبى وقال لامرأة سيده: هو ذا سيدى لا يعرف معى ما فى البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدى ، ليس هو فى هذا البيت أعظم منى. ولم يمسك عنى شيئا غيرك لأنك امرأته . فكيف أصنع هذا الشر العظيم ، وأخطئ إلى الله ، وكانت إذ كلمت يوسف يومًا فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها.


ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك فى البيت فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معى فترك ثوبه فى يدها وخرج إلى خارج ، وكان لما رأت أنه ترك ثوبه فى يدها ، وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة:


"انظروا قد جاء إلينا برجل عبرانى ليداعبنا دخل إلىّ ليضطجع معى فصرخت بصوت عظيم ، وكان لما سمع أنى رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب وخرج إلى خارج. فَوَضَعَتْ ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة دخل إلىَّ العبد العبرانى الذى جئت به إلينا ليداعبنى وكان لما رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب إلى خارج فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذى كلمته به قائلة بحسب هذا الكلام صنع بى عبدك أن غضبه حمى .


فأخذ سيدُه يوسف ووضعه فى بيت السجن المكان الذى كان أسرى الملك محبوسين فيه ".





ب- قصة يوسف فى القرآن الكريم


"وَرَاوَدَتْهُ التى هوَ فى بيتها عن نفسه وغلّقتِ الأبوابَ وقالتْ هيت لك قال معاذ الله إنهُ ربى أحسنَ مثواى إنهُ لايُفلحُ الظالمون *ولقد هَمَّتْ به وَهَمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرفَ عنهُ السوءَ والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دُبرٍ وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاءُ من أراد بأهلكَ سوءًا إلا أن يُسجن أو عذابُ أليم * قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهدٌ من أهلها إن كان قميصَه قُد من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُد من دُبرٍ فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قُد من دُبرٍ قال إنه من كيدكُنَّ إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبكِ إنك كنتِ من الخاطئين ... ثم بدا لهم من بعد مارأوا الآيات لَيَسْجنُنَّهُ حتى حين"(53) .


أولا مواضع التشابه


تبدأ المشابهة منذ بدأت امرأة العزيز تراود يوسف عن نفسه ليفعل الفحشاء فيها وتنتهى بوقوف العزيز على هذا الأمر وقراره بوضع يوسف فى السجن كذلك تشابه فى الحديث عن قميص يوسف والتشابه فى مجرد الذكر.


ثانيا: أوجه الاختلاف


لقد كانت أوجه الاختلاف مركزه فى ستة فروع بين ما أورده القرآن الكريم وما ذكرته التوراة .


1- المراودة :


التوراة: المراودة حدثت مرارًا ونُصح يوسف لامرأة سيده كان قبل المرة الأخيرة .


القرآن الكريم: المراودة حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتها.


2- تغليق الأبواب وثوب يوسف:


التوراة: خلت من الإشارة إلى تغليق الأبواب وتقول إن يوسف ترك ثوبه بجانبها وهرب وانتظرت هى قدوم زوجها وقصت عليه القصة بعد أن أعلمت بها أهل بيتها.


القرآن الكريم: يشير إلى تغليق الأبواب وأن يوسف هم بالخروج فَقَدَّتْ ثوبه من الخلف وحين وصلا إلى الباب فوجئا بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى فى الحال.


3- موقف يوسف وقت دخول العزيز عليهما :


التوراة: لم يكن يوسف موجوداً حين دخل العزيز ولم يدافع يوسف عن نفسه لدى العزيز.


القرآن الكريم: يوسف كان موجوداً حين قدم العزيز ، وقد دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة ، وقال هى راودتنى عن نفسى.


4- شهادة الشاهد


التوراة: تخلو من حديث الشاهد وتقول إن العزيز حمى غضبه على يوسف بعد سماع المرأة


القرآن الكريم: يذكر تفصيلاً شهادة الشاهد كما يذكر اقتناع العزيز بتلك الشهادة ولومه لامرأته وتذكيرها بخطئها . وتثبيت يوسف على العفة والطهارة.


5- قرار سجن يوسف


التوراة: تقول إن العزيز فى الحال أمر بوضع يوسف فى السجن ولم يعرض أمره على رجال حاشيته.


القرآن الكريم: يشير إلى أن القرار بسجن يوسف كان بعد مداولة بين العزيز وحاشيته.


6- حديث النسوة


التوراة: تخلو من حديث النسوة اللاتى لُمْنَ امرأة العزيز على مراودتها فتاها عن نفسه ، وهى فجوة هائلة فى نص التوراة.


القرآن الكريم: يذكر حديث النسوة بالتفصيل كما يذكر موقف امرأة العزيز منهن ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن ومصرة على أن ينفذ رغبتها.


من المقارنة السابقة يتضح الاختلاف الواضح البين بين القرآن والتوراة فى قصة سيدنا يوسف فهما لم يتفقا إلا فى وقوع الواقعة من حيث هى واقعة وكفى وكذلك متفقان حول عفة يوسف وإعراضه عن الفحشاء بينما أضاف القرآن إضافات جديدة لها مغزاها العقدى ولكن الجديد فى القرآن والذى تفرد به:


أ‌- حديث النسوة وموقف المرأة منهن .


ب‌- شهادة الشاهد الذى هو من أهل امرأة العزيز كما صحح القرآن بعض الأخطاء التى وقعت فيها التوراة كما قلنا .


ج‌- لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة بل كان لابساً إياه ولكنها قطعته من الخلف عند هروبه إلى الباب .


د- غياب يوسف حين حضر العزيز وإسقاط التوراة دفاعه عن نفسه.


وقد يتساءل الإنسان عن أفضل الروايتين والتى تليق بعفة يوسف أيترك ثوبه كله ويهرب أم يُخرق ثوبه من الخلف فإذا ما قلنا برواية التوراة فيكون يوسف عليه السلام ليس عفيفا والمرأة على حق فى دعواها لأن يوسف لا يخلع ثوبه كله ويليقيه هكذا إلا إذا كان هو الراغب ولا يقال إن المرأة هى التى أخلعته الثوب لأن يوسف رجل وهى امرأة فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بسهولة هكذا إذا امتنع عنها ولما امتنع عنها احتفظت بالثوب كدليل مادى على جنايته فهل خرج يوسف عريانا وترك ثوبه لدى غريمته؟! والمتأمل فى رواية التوراة لا يملك إلا أن يدين يوسف إدانة صريحة وهذا يتنافى مع العفة التى وصفه بها القرآن الكريم لكونه نبى . أما رواية القرآن ففيها إدانة صريحة لامرأة العزيز وبراءة كاملة ليوسف عليه السلام والدليل هو قطع القميص من الخلف . ولنا أن نتساءل بعد هذا كله فهل كان القرآن مقتبسا من التوراة فى قصة سيدنا يوسف؟!! .





























































موضع التشابه الثالث فى قصة "ابنى أدم قابيل وهابيل"



أ‌- قصة هابيل وقابيل فى التوراة


"حدث من بعد أيام أن قابيل قدم من أثمار الأرض قربانا للرب ، وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ، ومن سمانها ، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قابيل . وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قابيل جداً وسقط وجهه . فقال الرب لقابيل لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك ؟ إن أحسنت أفلا رفع ؟. وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها ، وأنت تسود عليها. وكلم قابين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا فى الحقل أن قابين قام على هابيل أخيه وقتله . فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم أحارس أنا لأخى ؟ فقال ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض . فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك متى عملت الأرض ؟ تعود تعطيك قوتها . تائهاً وهارباً تكون فى الأرض فقال قابين للرب: ذنبى أعظم من أن يحتمل أنك قد طردتنى اليوم على وجه الأرض ، ومن وجهك أختفى وأكون تائهاً وهارباً فى الأرض فيكون كل من وجدنى يقتلنى فقال له الرب: لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه. وجعل الرب لقابين علامة لكى لا يقتله كل من وجده. فخرج قابين من لدن الرب وسكن فى أرض نود شرقى عدن"


ب- قصة هابيل وقابيل فى القرآن الكريم :


"واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبلُ الله من المتقين * لئن بسطت إلىَّ يدك لتقتلنى ما أنا بباسطٍ يدى إليك لأقتلك إنى أخافُ الله ربَّ العالمين * إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين* فطوعت له نفسهُ قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابًا يبحث فى الأرض ليُرِيَهُ كيف يوارى سوءة أخيه * قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارىَ سوءة أخى فأصبح من النادمين * من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون"(54)


أوجه التشابه: اتفق المصدران حول نقطتين هما


1-اتفقا فى: مسألة القربان .


2- اتفقا أيضا فى قتل أحد الأخوين للآخر. أما فيما عدا هاتين النقطتين فإن ما ورد فى القرآن يختلف تماماً عما ورد فى التوراة ، وذلك على النحو الآتى :


أوجه الاختلاف


1- تسمية الأخوين


- التوراة: تسمى أحد الأخوين بقابين وهو " القاتل " والثانى " هابيل " كما تصف القربانين وتحدد نوعهما


- القرآن الكريم: لايسميهما ويكتفى ببنوتهما لآدم كما اكتفى بذكر القربانين ولم يحددهما.


ب- ذكر حوار بين القاتل والرب


- التوراة: تروى حواراً بين قابين والرب بعد قتله أخاه ، وتعلن غضب الرب على قابين وطرده من وجه الرب إلى أرض بعيدة.


- القرآن الكريم: لا يذكر حواراً حدث بين القاتل وبين الله ، ولا يذكر أن القاتل طرده الله من وجهه إلى أرض بعيدة ، إذ ليس على الله بعيد.


ج- ذكر الحوار بين الأخوين


- التوراة: تخلو من أى حوار بين الأخوين.


- القرآن الكريم: يذكر الحديث الذى دار بين ابنى آدم ويفصل القول عما صدر من القتيل قبل قتله وتهديده لأخيه بأنه سيكون من أصحاب النار إذا قتله ظلماً.


د- الغراب وجثة القتيل


- التوراة: لا مقابل فى التوراة لهذه الرواية ولمْ تبين مصير جثة القتيل ؟!


-القرآن الكريم: يذكر مسألة الغراب ، الذى بعثه الله لٍِيُرى القاتل كيف يتصرف فى جثة أخيه ، ويوارى عورته.


ھ- ندم القاتل


- التوراة: تنسب الندم إلى "قابين" القاتل لما هدده الله بحرمانه من خيرات الأرض ، ولا تجعله يشعر بشناعة ذنبه.


- القرآن الكريم: يصرح بندم "القاتل" بعد دفنه أخيه وإدراكه فداحة جريمته.


من المقارنة السابقة يتضح أن القرآن قد تفرد بعدة أشياء فى غاية الأهمية منها:


1-أنه يجعل من هذه القصة هدفاً تربوياً قوامه القصاص العادل بين الناس ففى القصاص حياة للمجتمعات . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نرى فى هذه القصة لوما لبنى إسرائيل على إفسادهم فى الأرض بعد مجىء رسل الله إليهم أما التوراة فقد ذكرت هذه القصة لمجرد التأريخ والعلم فقط ولا روح فيها ولا مجالا للتربية والتوجيه .


2-نلمح فى التوراة انعدام الجانب الخلقى أحيانا ويتضح ذلك من سوء مخاطبة قابين للرب فتأمل معى قوله لربه: "أحارس أنا لأخى" فهذا لفظ فيه فظاظة وحمق لا يليق بمخاطبة الرب سبحانه وتعالى وهكذا ترى عدم الاحترام لقدر الرب فى أغلب أسفار التوراة ونلمح ذلك أيضا فى مكان آخر من التوراة مثل الحوار الذى دار بين الرب ويعقوب وكيف يصرع يعقوب ربه ويجبره ؟ فهل هذا حديث يليق بالأنبياء فى محاطبتهم للرب؟ وكذلك نذكر التوراة فى موضع أخر أن موسى أبى ربه بأن يرجع عن غضبه على بنى إسرائيل وهدده فى ذلك بأنه سيستقيل من النبوة إذ لم يستجب .


وخلاصة: ما سبق أن رواية القرآن الكريم لابنى أدم هى الرواية الحقة التى تليق بالقرآن الكريم فى هدفها ومغزاها وأسلوبها فهل ترى فى هذه الرواية أن القرآن الكريم قد اقتبس أحداث ابنى آدم من التوراة ومما يؤيد صدق رواية القرآن الكريم وبعدها عن الاقتباس هو أن القرآن ذكر كلام الشقيق الذى قتل مع أخيه وهذا غير موجود فى نص التوراة كما أن قصة الغراب التى أتى بها القرآن ليعلم الإنسان كيف يوارى سوءة أخيه وهى غير واردة أيضا فى التوراة وهكذا نرى الفرق الهائل بين القرآن الكريم الذى استمد مصدره من السماء وبين التوراة المزورة والمحرفة وإن تشابهت معه فى أصل الواقعة .


موضع التشابه الرابع "المحرمات من النساء"


وفى هذه القضية نقارن بين بعض المسائل التشريعية فى المصدرين لأنهم يدعون أن الأحكام التشريعية فى القرآن الكريم إنما هى من أحكام التوراة وقد وقع الاختيار فى المقارنة حول المحرمات من النساء لنرى حكم ذلك فى القرآن والتوراة .


أ- المحرمات من النساء فى التوراة :


"عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف. إنها أمك لا تكشف عورتها. عورة امرأة أبيك لا تكشف. إنها عورة أبيك. عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة فى البيت ، أو المولودة خارجاً لا تكشف عورتها. عورة ابنة ابنك أو ابنة بنتك لا تكشف عورتها إنها عورتك. عورة بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك لا تكشف عورتها إنها أختك. عورة أخت أبيك لا تكشف إنها قريبة أبيك. عورة أخت أمك لا تكشف إنها قريبة أمك عورة أخى أبيك لا تكشف ، إلى امرأته لا تقرب إنها عمتك. عورة كنتك لا تكشف. إنها امرأة ابنك لا تكشف عورتها.


عورة امرأة أخيك لا تكشف إنها عورة أخيك. عورة امرأة ، وبنتها لا تكشف ، ولا تأخذ ابنة ابنتها أو ابنة بنتها لتكشف عورتها إنهما قريبتاها. إنه رذيلة. ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها فى حياتها.


ب- المحرمات من النساء فى القرآن الكريم:


"ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ماقد سلف إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا * حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم "(55)


أهم الفروق بين المصدرين


1- النسب من الرضاعة


التوراة : لا تقيم شأنًا للنسب من جهة الرضاعة.


القرآن الكريم: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.


2- امرأة العم


التوراة: تحرم نكاح امرأة العم وتدعوها عمة.


القرآن الكريم: لا يحرم نكاح امرأة العم ولا يدعوها عمة.


3-امرأة الأخ لأخيه


التوراة: تحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه.


القرآن الكريم : لا يحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه إذا طلقها أو مات عنها أخوه


4-حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين


التوراة: لا تذكر حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين زواجهم قائم.


القرآن الكريم: يحرم نكاح المتزوجات فعلاً من آخرين زواجاً قائماً ويطلق عليهن وصف المحصنات من النساء.


5- التحريم لقرابة من جهة غير الزوج


التوراة: تجعل التحريم غالباً للقرابة من جهة غير الزوج مثل قرابة الأب الأم العم .. وهكذا.


القرآن الكريم: يجعل التحريم لقرابة الزوج ممن حرمت عليه. أو قرابة زوجته أحياناً.


من المقارنة بين البنود السابقة والتى اتضح منها التباين بين القرآن الكريم والتوراة نستنبط أن ما ورد فى التوراة لا يمكن أن يكون أصلا للنص القرآنى وذلك بموجب العقل والعلم فللنص القرآنى سلطانه الخاص ومصدره المتميز الذى لم تعبث به أيدى البشر وهذا بخلاف النصوص التى وردت فى التوراة .


موضع التشابه الخامس "بشارة زكريا بيحيى عليهما السلام".


هذه القضية تحدث بها الإنجيل والقرآن الكريم فى سورة آل عمران ومريم


أ- بشارة زكريا فى الإنجيل


" لم يكن لهما يعنى زكريا وامرأته ولد . إذ كانت "اليصابات يعنى امرأة زكريا عاقراً. وكان كلاهما متقدمين فى أيامهما فبينما هو يكهن فى نوبة غرفته أمام الله حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر ، وكان كل جمهور الشعب يصلى خارجاً وقت البخور. فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور . فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لاتخف يا زكريا ؛ لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك "اليصابات" ستلد لك ولداً وتسميه يوحنا ، ويكون لك فرح وابتهاج . وكثيرون سيفخرون بولادته ؛ لأنه يكون عظيماً أمام الرب. وخمراً ومسكراً لا يشرب ، ومن بطن أمه يمتلئ بروح القدس ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم ، ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء. والعصاة إلى فكر الأبرار ، لكى يهئ للرب شعباً مستعدًّا. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا وأنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها..؟!


فأجاب الملاك وقال: أنا جبرائيل الواقف قدام الله. وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتاً ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذى يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامى الذى سيتم فى وقته. وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه فى الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا فى الهيكل. فكان يومئ إليهم. وبقى صامتاً.." (56)


ب- بشارة زكريا فى القرآن الكريم


(1) سورة آل عمران:


"هنالِكَ دعا زكريا ربَّهُ قال رب هب لى من لدُنك ذريةً طيبةً إنك سميعُ الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يُبشرك بيحيى مصدقاً بكلمةٍ من الله وسيداً وحصوراً ونبيًّا من الصالحين * قال رب أنى يكون لى غلامٌ وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر قال كذلِكَ الله يفعلُ ما يشاء * قال ربِّ اجعل لى آية قال آيتك ألا تُكلم الناسَ ثلاثةَ أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشى والإبكار"(57)


(2) سورة مريم:


"ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربَّه نداءً خفيًّا * قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربِّ شقيًّا * وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقراً فهب لى من لدنك وليًّا * يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضيًّا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا * قال رب أًنَّى يكون لى غلام وكانتً امرأتى عاقراً وقد بلغت من الكبر عتيًّا * قال كذلكَ قال ربكَ هو علىَّ هينٌ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويًّا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا * وحناناً من لدنَّا وزكاةً وكان تقيًّا * وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيًّا * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيًّا) (58)


بالمقارنة بين النصين يتضح لنا أمران الأول أن هناك أخطاء فى النص الإنجيلى قد صححها القرآن الكريم والثانى انفراد القرآن بمعان دقيقة لا وجود لها فى الإنجيل وسوف نوضح هذين الأمرين:


أولا: الأخطاء التى صححها القرآن


1- يفسر النص الإنجيلى الصمت الذى قام به زكريا عقوبة له من الملاك على حين أن القرآن الكريم قد ذكر هذه الواقعة وجعل الصمت استجابة لدعاء زكريا ربه "قال ربى اجعل لى آية قال أيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا" (59) ، وقال فى موضع أخر "ربى اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا"(60) فالصمت هنا يعد تكريما من الله لزكريا عليه السلام وليس عقوبة من الملاك كما يقول الإنجيل . ومما يؤسف له أن بعض مفسرى القرآن الكريم قد انساقوا وراء هذا التحريف وقالوا أن الصمت كان عقوبة لزكريا ولكن من الله لا من الملائكة وهذا التفسير تفسير خاطئ لأن زكريا لم يرتكب ذنبا حتى يعاقب من الله أو من الملاك فهل يعد إقرار زكريا بكبر سنه وعقر امرإته هو الذنب؟! إنه لا يعد ذنبا لأن هذا الأمر قد وقع من سيدنا إبراهيم عليه السلام أيضا حين بشر بإسحاق ووقع من سارة أيضا حين بشرت به فلم يعاقب الله منهما أحدا كما وقع من مريم عليها السلام حين بشرت بعيسى المسيح ولم يعاقبها الله عليه فلماذا أنزل العقاب بزكريا دون الآخرين كما أن النص القرآنى لم يذكر ذلك عقابا فالصمت الذى حل بزكريا بالنسبة لتكليم الناس ومع ذلك فقد ظل لسان زكريا يلهج بحمد الله وتسبيحه فى العشى والإبكار .


2-النص الإنجيلى يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل إلى يوم أن ولد يحيى وهذا خطأ آخر صححه القرآن الكريم فجعل مدته ثلاثة أيام بلياليهن بعد الخروج من المحراب .


ج- النص الإنجيلى يجعل التسمية بيحيى "يوحنا" من اختيار زكريا إلا أن الملاك قد تنبأ بها وهذا خطأ ثالث صححه القرآن إذ جعل التسمية من وحى الله إلى زكريا حيث يقول ".. اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا" (61)


د- النص الإنجيلى يقول أن زكريا قد خاف واضطرب حين جاءه الملاك بالبشرى بينما النص القرآنى قد خلا من هذا وهذا دليل على عدم وقوع الخوف والاضطراب.


ﻫ- النص الإنجيلى يجعل البشارة على لسان ملاك واحد بينما القرآن الكريم يجعله على لسان جمع من الملائكة فيقول القرآن "فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب" (62) ويقول فى موضع آخر "يا زكريا إنا نبشرك بغلام" وهذا خطأ خامس .





ثانيا: ما تفرد به القرآن على الإنجيل


أ‌- سبق قصة البشارة قصة نذر امرأة عمران ما فى بطنها لله ليعمل فى الهيكل وهذا لم يرد فى الإنجيل يقول القرآن "إذ قالت امرأة عمران ربى إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى"(63)


ب‌- إخبار القرآن لإمرأة عمران أنها ولدت أنثى وقد سمتها مريم وكانت ترجو أن يكون المولود ذكرا وهذا ما خلا منه النص الإنجيلى


ج- يذكر النص القرآنى كفالة زكريا لمريم والنقاش والجدال الذى دار بينهما أيهم يكفل مريم كذلك ذكر القرآن أن الله كان يرزق مريم دون أن يعرف أحد من البشر مصدر ذلك الرزق حيث يقول القرآن "وكلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا" (64)


د- القرآن يربط بين الدعوتين دعوة امرأة عمران بمولودها مريم وبين دعوة زكريا وابنه يحيى وهو ربط قوى يدلل على ارتباط هؤلاء القوم بالله سبحانه وتعالى وأن مشيئة الله وقدرته مطلقه .


ﻫ- أن القرآن قد تفرد بذكر دعاء زكريا كما جاء فى سورة آل عمران "هنالك دعا زكريا ربه قال ربى هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء" .


و- دعاء زكريا ربه أن يهبه غلاما يرثه ويرث من آل يعقوب حتى تستمر سلسلة الأنبياء متواصلة وهذا المعنى لم يرد فى الإنجيل يقول الله تعالى: "فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ربى رضيا"(65) انفرد القرآن الكريم أيضا بالسبب الذى جعل زكريا يدعو ربه أن يهبه غلاما هو خوفه الموالى من ورائه .


ز- اثنى القرآن الكريم على المولود "يحيى" فقال عنه أنه بار بوالديه وعليه سلام الله يوم ولادته ويوم موته ويوم يبعث حيا ويقول الله تعالى: "...وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا"(66)


وهكذا نرى أن القرآن الكريم ليس فيه اقتباس من الإنجيل لسببين هو أن القرآن الكريم قد انفرد بمعانى دقيقة لها دلالتها فى عقيدة التوحيد وتتناسب أيضا مع تكريم الله لأنبيائه هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد صحح القرآن فى هذه الواقعة خمسة أخطاء وهذا دليل أكيد على أن القرآن الكريم لم يقتبس من الإنجيل مطلقا .

































































مراجع المبحث الأول





1- سورة آل عمران آية 78 2- ظلال القرآن ج1 ص419


3- مجلة البيان عدد 159 بتاريخ 1421ﻫ


4- "قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله" . لجلال العالم ص31


5- الخنجر المسموم. للأستاذ أنور الجندى ص29


6- مجلة الفقه الإسلامي ص329 7- سورة البقرة آية 176


8- آل عمران آية 7


9- أخرجه الدارمى "المقدمة باب فى كراهية أخذ الرأى رقم 214


10- سورة البقرة آية 120


11- أخرجه الطبرانى فى الصغير " 2 / 42 " ، والكبير "20 / 90" وفى مسند الشاميين "1 / 379" تخريج جديد .


12- انظر كتاب الدكتور شوقى أبو خليل . الإسقاط فى مناهج المستشرفين ص47 دار الفكر المعاصر بيروت طبعة أولى وانظر أيضا تاريخ الدولة العربية ليوليوس فلهاوزن ص8 ترجمه عن الألمانية محمد أبو ريده .


13- انظر دائرة المعارف الإسلامية الإستشراقية . لإبراهيم عوض ص7


14- انظر كتاب شلبى رد مفتريات على الإسلام ص38 على لسان المجلس الملى القبطى الأرزوذكثى بالإسكندرية ودائرة المعارف البريطانية ص22 وكتاب العقاد حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص276


15- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى " 17 / 21 "


16- المرجع السابق ونفس الصفحات .


17- 4 / 244 ط دار الشعب بالقاهرة


18- انظر دائرة المعارف الإسلامية ج4 ص245 طبعة دار الشعب القاهرة


19- سورة الحج آية 75 20- سورة فاطر آية 1


21- انظر دائرة المعارف الإسلامية ج4 ص246 ، 247


22- يقول الله تعالى: "هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون"


23- المصدر السابق ج4 ص248


24- هو عالم من علماء الغرب تخصص فى علوم الشرق لغته وديانته وفلسفته وتاريخه ومن أشهر كتبه معالم تاريخ الإنسانية .


25- انظر كتاب ويلز . معالم تاريخ الإنسانية ج3 ص626وما بعدها


26- معالم تاريخ الإنسانية ج3 ص657


27- من أكبر مستشرقى إنجلترا المعاصرين ، كان عضوا بالمجمع اللغوى فى مصر وأستاذ الدراسات الإسلامية والعربية فى جامعة هارفرد الأمريكية ، من كبار محررى وناشرى "دائرة المعارف الإسلامية" له كتابات كثيرة فيها عمق وخطورة ، وهذا هو سر خطورته . ومن كتبه :


- "طريق الإسلام" ألفه بالاشتراك مع آخرين ، وترجم من الإنجليزية إلى العربية تحت العنوان المذكور .


- "الاتجاهات الحديثة فى الإسلام" صدر فى عام 1947 وأعيد طبعه وترجم إلى العربية تحت العنوان المذكور


- "المذهب المحمدى" صدر عام 1947 وأعيد طبعه


- "الإسلام والمجتمع الغربى" يصدر فى أجزاء وقد اشترك معه آخرون فى التأليف ، وله مقالات أخرى متفرقة .


28- ونسخته العربية "رمسيس الثانى ، فرعون المجد والانتصار، ترجمة د.أحمد زهير أمين" ص55


29- المصدر السابق ص242 30- المصدر السابق ونفس الصفحة


31- المصدر السابق ص73 32- المصدر السابق ص97


33- المصدر السابق ص199 34- المصدر السابق ص179


35- المصدر السابق ص192 36- المصدر السابق ص199


37- المصدر السابق ص240 38- المصدر السابق ص242


39- سورة الكهف آية 83 ، 84 40- سورة الكهف آية 87 ، 88


41- سورة الإسراء آية 1


42- صحيح – تخريج فقه السيرة 82 . وأخرجه البخارى ومسلم - صحيح سنن ابن ماجة باختصار السند . الألبانى ص125


43- رواه البخارى . صحيح الإرواء . صحيح ابن ماجة ص237


44- رواه أبو الدرداء - إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما :المصدر الترغيب الصفحة 2/205


45- رواه عبدالله بن عمرو بن العاص - صحيح - الألبانى -صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم 2090


46- قصة الحضارة المجلد 11 ص265 47- سورة لقمان آية 20


48- سورة البقرة آية 31 49- سورة الأعراف آية 27


50- سورة البقرة آية 37 51- سورة البقرة آية 30


52- سورة البقرة آية35 53- سورة يوسف آية23: 35


54- سورة المائدة آية27 : 32 55- سورة النساء آية 22: 24


56- إنجيل لوقا الإصحاح الأول 7 – 22 57- سورة آل عمران38–41


58- سورة مريم 2 : 15 59- سورة آل عمران آية 41


60- سورة مريم آية 10 61- سورة مريم آية 7


62- سورة آل عمران آية 39 63- سورة آل عمران آية 35


64- سورة آل عمران آية 37 65- سورة مريم آية 6


66- سورة مريم آية 14




Hqhgdg hgdi,] tn jtsdv hgrvNk hg;vdl ,hgp]de hgavdt