النبي صالح نبي العرب ونبي الناقة


كتب د محمد زغروت رحمه الله

وقصةالنبي صالح عليه السلام مع قومه ثمود وردت في سور متعددة: فجاءت مفصلة في سور: (الأعراف)،و(هود)، و(الحِجر)، و(الشعراء)، و(فصلت). وجاءت أقل تفصيلاً في سور: (الإسراء)، و(النمل)،و(الذاريات)، و(الحاقة)، و(الفجر)، و(الشمس)، وأشير إليها في سور: (التوبة)، و(إبراهيم)،و(الحج)، و(الفرقان)، و(العنكبوت)، و(ص)، و(غافر)، و(ق)، و(النجم)، و(البروج).






حاصلالقصة


أرسلالله نبيه صالحاً عليه السلام إلى قبيلة ثمود، وهي من قبائل العرب، وكان صالح واحداًمنها، وكانت مساكنها بـ (الحِجْر)، وهو مكان يقع الآن بين الحدود الشمالية للمملكةالعربية السعودية وشرق المملكة الأردنية. وكان قوم صالح عليه السلام قد أنعم الله عليهمبمظاهر الحضارة من العمران والبنيان، بيد أنهم كانوا جاحدين لأنعمه، منكرين لوحدانيته.وقد طالبوا نبيهم بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم، فأتاهم بالناقة. وأمرهم أن يتركواالناقة وشأنها، ولا يمسوها بسوء، غير أنهم لم يلتفوا لأمره، وقتلوا الناقة، فعاقبهمسبحانه شر عقاب، ونجى نبيه صالحاً والذين آمنوا معه.


تحليلعناصر القصة


تدوروقائع هذه القصة وأحداثها على ستة عناصر رئيسة، هي على النحو التالي:


العنصرالأول: دعوة النبي صالح عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده والإخلاص له، ونبذ كلمعبود سواه، سواء أكان المعبود صنماً، أم وثناً، أم غير ذلك. وقد تعددت الآيات الواردةفي تقرير هذه الدعوة، منها قوله تعالى: {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.وقوله عز وجل: {إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون}. ومنها أيضاً قوله سبحانه: {أن اعبدواالله}. وقوله عز من قائل: {فاستغفروه ثم توبوا إليه}. وقوله تعالى: {لولا تستغفرونالله لعلكم ترحمون} (النمل:46).





العنصرالثاني: ذِكْر المعجزة التي جاءهم بها، تصديقاً لرسالته، وانقياداً لدعوته، جاء ذلكفي قوله تعالى: {قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية}. وقوله سبحانه: {وآتيناثمود الناقة مبصرة}. وقوله عز وجل: {قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} .


العنصرالثالث: تذكيرهم بما أنعم الله عليه من نعم، وما منَّ عليهم من مِنَن، جاء في ذلك قولهعز من قائل: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولهاقصورا وتنحتون الجبال بيوتا}. وقوله سبحانه: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}.


العنصر الرابع: الإنكار عليهم لما هم عليهمن فساد عريض وطغيان كبير، وإيثار للحياة الدنيا على الحياة الآخرة، نقرأ في ذلك قولهتعالى: {فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}. وقوله سبحانه: {وكانوا ينحتونمن الجبال بيوتا آمنين}. وقوله عز وجل: {أتتركون في ما ها هنا آمنين * في جنات وعيون* وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين}. وقوله عز من قائل: {ياقوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة} .


العنصرالخامس: موقف قوم صالح عليه السلام من دعوته نحا منحى السخرية والتكبر والاستعلاء فيالأرض، وهو ما أشارت إليه الآيات التاليات: قوله سبحانه: {فعقروا الناقة وعتوا عن أمرربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين}. وقوله تعالى: {قالوا ياصالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعوناإليه مريب}. وقوله سبحانه: {وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين}. وقوله عز وجل: {قالواإنما أنت من المسحرين * ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين}. وقولهعز من قائل: {قالوا اطيرنا بك وبمن معك}. وقوله تعالى: {فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعهإنا إذا لفي ضلال وسعر * أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر}.


العنصرالسادس: بيان عاقبة المعرضين عن دعوة الله، والمنكرين لها، وعاقبة المستجيبين لها،والمنقادين لأمرها، وهو ما عبرت عنه الآيات الآتية: قوله تعالى: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوافي دارهم جاثمين}. {وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوافيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود}. وقوله سبحانه: {فأخذتهم الصيحة مصبحين}.وقوله عز وجل: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ}.وقوله تعالى: {فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}. وقوله عز وجل:{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلمواإن في ذلك لآية لقوم يعلمون}. وقوله تعالى: {فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوايكسبون}. وقوله سبحانه: {فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون * فما استطاعوا من قيام وما كانوامنتصرين} ، وقوله تعالى: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية}. وقوله عز وجل: {فدمدم عليهمربهم بذنبهم فسواها}.





ويلاحظأن الآيات الكريمة عبرت عن {العذاب} الذي أصاب قوم صالح عليه السلام، تارة بـ {الصيحة}،وتارة بـ {الرجفة}، وتارة بـ {الصاعقة}، وتارة {بالطاغية}، ولا تعارض بين هذه التعبيرات؛لأنها متقاربة في معناها، ويكمل بعضها بعضاً، وهي تدل على شدة ما أصابهم من عذاب.





وعلىالعكس من ذلك، فقد كانت عاقبة المؤمنين النجاة والتأييد من الله رب العالمين؛ وذلكببركة تقواهم، وخوفهم من عذاب خالقهم، واتباعهم للحق الذي جاءهم به، قال تعالى: {نجيناصالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ}. وقال عز وجل: {وأنجينا الذين آمنواوكانوا يتقون}. وقال سبحانه: {ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} . وفي هذا البيان تأكيدلسُنَّة من سُنَن الله التي لا تتخلف ولا تتبدل، ألا وهي عقاب الظالمين، ونجاة المؤمنين.





ما يستفادمن القصة


قصةالنبي صالح عليه السلام مع قومه -كسائر قصص القرآن- غنية بالعبر، وزاخرة بالعظات، نذكرمنها:





أولاً:أن صالحاً عليه السلام بذل مع قومه غاية ألوان الترغيب والترهيب، وهو يدعوهم إلى عبادةالله، ونبذ كل شيء سواه. وقد داوم على هذه الدعوة دون يأس أو ملل إلى أن بلَّغ رسالةربه على الوجه الأكمل.





ثانياً:أن العقلاء من الناس يعتبرون بآثار الظالمين، ويربؤون بأنفسهم عن أن يسلكوا، أو أنيسكنوا مساكن الذي ظلموا أنفسهم؛ خوفاً أن يصيبهم ما أصاب أولئك الظالمين.





ثالثاً:أن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، واستقر في النفوس، ولَّد فيها الشجاعة، والقوة،والإقدام، والصراحة.





رابعاً:أن العقلاء المخلصين يستعملون دائماً في دعوتهم الأساليب المنطقية الحكيمة مع غيرهم،وهذا نراه واضحاً في جدال صالح عليه السلام مع قومه، كما تجلى ذلك في قوله سبحانه:{لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون}. وأن صالحاً سلكفي دعوته لقومه أحكم الأساليب وأقومها وأقواها.


خامساً:أن النعم التي يُنعم الله بها على عباده، إذا لم يُحْسِن العباد تسخيرها في طاعة الله،فإنها تنقلب عليهم نقماً.


غرائبمما ذكرته التفاسير حول هذه القصة


كانالتركيز في قصة النبي صالح عليه السلام مع قومه على المعجزة التي جاءهم بها وهي الناقة.وقد ذكر المفسرون قصصاً كثيرة وأخباراً عن هذه الناقة، كذكرهم أن الناقة خُلقت من صخرة،أو هضبة من الأرض، ونحو ذلك من الأخبار التي لا تستند إلى دليل نقلي أو عقلي ينهض بها.يقول الشيخ رشيد رضا في هذا الصدد: "ولا يصح شيء يحتج به في خلق الناقة من الصخرة،أو من هضبة من الأرض، كما روي عن أبي الطفيل". كما أن بعض المفسرين خاض في وجهكون هذه الناقة {آية}، وذكر أقوالاً لا مستند لها، ما دفع الإمام الرازي إلى القول:"واعلم أن القرآن قد دل على أن فيها {آية}، فأما ذِكْر أنها كانت آية من أي الوجوه،فهو غير مذكور، والعلم حاصل بأنها كانت معجزة من وجه ما لا محالة". وهذا هو المسلكالأسلم في الوقوف عند ظاهر القرآن، وعدم الخوض في تفاصيل الوقائع من غير دليل معتبر.فما دام القرآن نفسه -وهو الحجة البالغة- لم يذكر تفصيلاً عن {الناقة} أكثر من أنها{بينة} من ربهم، وأنها {ناقة الله}، وفيها {آية} منه، فليُكْتَفَ بما أخبر به القرآن،دون الخوض في ذلك الخضم من الأساطير والإسرائيليات التي تفرقت بها أقوال المفسرين حول{ناقة} صالح عليه السلام.


نعم،نستلهم من الآيات الواردة في هذا الصدد، أنها كانت {ناقة} غير عادية، أو أنها أخرجتلهم إخراجاً غير عادي، ما يجعلها {بينة} من ربهم، ومما يجعل إضافتها إلى الله له دلالتهالتشريفية، ويجعلها آية على صدق نبوته. ولا نزيد على هذا شيئاً، مما لم يرد ذكره منأمرها في هذا المصدر المستيقن، وفيما جاء في هذه الإشارة كفاية عن كل تفصيل آخر. {وكفىالله المؤمنين القتال} .




hgkfd whgp kfd hguvf ,kfd hgkhrm