اليهود و نابليون


د فتحي زغروت


فقد تم نوع من التعاون بين اليهود والنصاريوبين نابليون لضرب مصر كما قلنا سابقا وترتب على ذلك أحداث خطيرة لضرب الإسلام والإساءةإلى أهله ولهذه الإساءة شواهد كثيرة في تاريخنا الإسلامي منها ما حصل في الحملات الصليبيةعلى مصر ومنها ايضا مجيئ الحملة الفرنسية ، فقد تعود اليهود ـ على مدى تاريخهم ـ علىاستغلال الأحداث ، و عطفها لصالحهم ، و ليس كما يقال إنهم ـ دوماً ـ هم الذين يصنعونالأحداث ، و يخططون لها ، فهم ـ مثلاً ـ استفادوا من الثورة الفرنسية ، ووظفوها لرفعكاهل الاستعباد عنهم الذي طالما أرهقهم عسراً . فشعار الحرية والمساواة والإخاء الذيرفعه المتظاهرون الفرنسيون خدم اليهود بالذات ، فأصبح لهذا الشعار مفهوم خاص عندهمجدوا في تعميمه . فالحرية استغلوها في كسر التقاليد ، ونبذ الأخلاق ، و الخروج عن المعهودمن الحشمة و الحياء . أما المساواة والإخاء فنظروا إليها على أنها وسيلة لهم للتسربإلى أجهزة الدولة ومرافقها المختلفة ، ثم التساوي مع غيرهم في العلم بها ، ومن ثم تخلصهممن سبة الاحتقار و موجة الازدراء التي كانت تلاحقهم أينما حلوا في هذه المعمورة( 1) .


ولقد كان مفكرو اليهود أيام الثورة الفرنسيةو بعَدها يتناقلون الأحاديث فيما بينهم عن مستقبل بني جلدتهم ، ويتداولون الأراء والمشروعات حول عودتهم إلى الأرض التي اعتقدوا أن أنبياءهم بشروهم بالعودة إليها ، مثالذلك ما عرضه بهذا الشأن البرنس دي لينيه في سنة 1212هـ (1797م ) على إمبراطور النمسا( 2).


ثم إنه لما نزل نابليون سواحل مصر في محرم1213هـ ( يوليو 1798) واتجه صوب بلاد الشام لاحتلالها في شهر رمضان من السنة نفسها( فبراير 1799)( أطل اليهود برؤوسهم وسعوا لاستثمار التحرك الفرنسي لصالحهم . ففي( 17 فبراير 1799) عرض توماس كوربت الضابط في الجيش الفرنسي على عضو حكومة نابليونالمسيو بول باراراس Paul Bararasمشروعاً يقترح فيه الاستفادة من اليهود في تحركات نابليون في بلادالشام ، فدعاه ـ في ذلك المشروع ـ إلى أن يتصل بكبار اليهود ، ويثير في نفوسهم تحقيقتلك الأمنية التي ما برحوا


يأملون تحقيقها ألا وهي اجتماع شتاتهم فيفلسطين ، ومن ثم يطلب منهم جمع الأموال لا بتياع الأراضي هناك من فرنسا ، فضلاً عنتجهيز المراكب البحرية ، و التدريب العسكري للشباب اليهود للاشتراك في حروب نابليونالشامية ، ثم يعود كوربت مرة أخرى في خطابهِ الذي يحمل تفاصيل المشروع إلى باراراسـ ليؤكد أهمية الاستعانة باليهود في مخططات نابليون في الشرق ، إذ يرى أن مصالح فرنساتتفق تماماً مع مصالح اليهود في المنطقة ، فأموال اليهود ـ حسب قوله ـ ستنشط التجارةبين أوربا وآسيا ، كما أن اليهود أنفسهم سيوفرون لفرنسا عنصراً بشرياً موالياً يرسخاستعمارها لمصر وبلاد الشام ، لأنه ليس من المعقول أن يهاجر الفرنسيون إلى تلك البلادالبعيدة و يُخلون وطنهم الأصلي ( فرنسا ) ، بل أنه أشار إلى أن اليهود سيقدمون أهمالضمانات لبث الفوضى وإشعال الفتن في إمبراطورية العثمانيين .


بادر باراراس بإيصال مشروع كوربت إلى نابليونالذي استصوب الفكرة ، واستعان بعلماء يهود مثل فنتور أستاذ اللغات الشرقية بجامعة باريسو المتبحر باللغة العبرية الذي صاغ نداءً إلى اليهود استوحاه من مقترحات كوربت ، فأشارفيه إلى أن فرنسا رغم الصعوبات التي تواجهها فهي بحكم رسالتها لدفع الظلم عن الشعوبفإنها مصممة على تقديم مهد إسرائيل لليهود . ومما جاء في هذا النداء : " .. ياورثة فلسطين الشرعيين إن فرنسا تناديكم الآن للعمل على إعادة إحتلال وطنكم ، و استرجاعما فقد منكم ... أسرعوا فإن هذه اللحظة لن تعوض قبل آلاف السنين للمطالبة باسترجاعحقوقكم المدنية بين شعوب العالم (1 ).


وقد أُعلن هذا النداء في الجريدة الرسميةالفرنسية يوم 20 أبريل سنة 1799م(2 ) . و يصادف ذلك محاصرة نابليون لمدينة عكا التي كان قد بدأ بحصارها في 16 مارس( 3). وفي هذا إثبات بأن حكومة نابليون آنذاكقد اقتنعت بما عُرض عليها في شأن اليهود، وشرعت ـ فعلاً ـ في التعامل معهم على أساسمنحهم أرض فلسطين التي ما فتئوا يتطلعون إليها لإقامة دولتهم عليها ،خصوصاً وأن ذلك يتضمن تطابقاً في مصالح الطرفين، واتفاقاً في وجهات النظر إزاء المسلمين بتمزيق دولتهم الامبراطورية العثمانية ، وبثبذور الشقاق في أرجائها، بل والعمل على تحطيم الولاء و البراء في وسط المسلمين (4 ) .


وصفوة القول إن ما تم من خطوات تعاونيةبين نابليون واليهود فهو تجسيد لتلك السنة الخالدة في ولاء اليهود والنصارى لبعضهمبعضاً . ومهما قيل عن نابليون بأنه لا يعتقد بدين ، أو إنه عدو للأديان بما فيها الدينالنصراني ، فالسنة الربانية تنطبق عليه ، لأنه ليس هو الوحيد حينذاك الذي يدبر شئونفرنسا ، أليس الشعب الفرنسي جله من النصارى ؟ ناهيك عن كون الكفار عامة من يهود و نصارىو ملحدين من عادتهم الاجتماع على حرب المسلمين (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ( 5) ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولاالمشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ( 6).


ويذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعتهأن علاقة نابليون بالجماعات اليهودية تأخذ ثلاثة أشكال وتستند في معظمها إلى مبدأ نفعاليهود كانت جيوش فرنسا تكتسح النظم الإقطاعية في طريقها وتنصب نظماً أكثر ليبرالية.وقد وصلت هذه الجيوش حتى بولندا ، حيث كانت توجد الكثافة السكانية اليهودية. وأينماحلَّت هذه الجيوش، كانت تقوم بإعتـاق أعضـاء الجماعات اليهودية ووضْع أسـس تحديث هوياتهمالمختلفة. ورغم هزيمة جيوش فرنسا ونابليون، فإن العملية التاريخية التي بدأتها هذهالجيوش كان لها أعمق الأثر في أعضاء الجماعات اليهودية. ومع هذا، لابد من الإشارة إلىأن نابليون قام بتجنيد بعض أعضاء الجماعة اليهودية في روسيا واستغلهم كطابور خامس خلالحربه مع روسيا، أي أنه حولهم إلى جماعة وظيفية جاسوسية (لكن غالبية يهود روسيا الساحقةوقفت ضد نابليون وساعدت الحكومة القيصرية).


كما كان لعلاقة نابليون بأعضاء الجماعاتاليهودية في فرنسا أعمق الأثر فيهم. فبعد اندلاع الثورة وإعتاق اليهود في فرنسا، انتشريهود الألزاس (الإشكناز) الذين كانوا متخلفين حضارياً ويعملون أساساً بالتجارة والأعمالالطفيلية كما كانوا يعملون بالربا، وهو ما أدَّى إلى ظهور مشكلة بينهم وبين فلاحي الألزاس.وقد نشأت مسألة يهودية إشكنازية في فرنسا لم يكن السفارد طرفاً فيها، فأبدى الإمبراطوراهتماماً بالقضية (عام 1806 ) دعا مجلس وجهاء اليهود في باريس، وجمَّد بشكل مؤقت الديون التي اقترضها الفلاحونمن المرابين اليهود. وقام الوجهاء بمناقشة القضايا التي قدمتها لهم السلطات مثل: عاداتالزواج بين اليهود، والأعمال التي يقومون بها، وواجبهم تجاه الدولة، ومدى إحساسهم بالولاءتجاهها والانتماء إليها. ووافق المجتمعون على أن ولاءهم يتجه إلى الدولة الفرنسية أساساً،وأن اليهود يشكِّلون جماعة دينية، لا جماعة قومية أو إثنية أو عرْقية. ثم دعا نابليونعام 1807 لعقد السنهدرين الأكبر، وأسَّس إدارة يهودية مركزية تعمل من خلال مجالس مختلفةهي المجالس الكنسية. ولا يزال هذا النمط هو المعمول به في فرنسا بل طُبِّق أيضاً فيالجزائر. ثم أصدر نابليون قرارات تحد من النشاط التجاري والمالي لليهود؛ ليتحوَّلواإلى عناصر نافعة في المجتمع مندمجة فيه، كما أصدر قرارات تشجعهم على الاشتغال بالزراعةوالصناعة لدمجهم في المجتمع الفرنسي.


3- قامنابليون بأولى حملات الثورة الفرنسية الاستعمارية في الشرق، فاحتل مصر عام 1798. وكانتحكومة الإدارة الفرنسية قد أعدت خطة لإقامة كومنولث يهودي في فلسطين، وذلك مقابل تقديمالمموِّلين اليهود قروضاً مالية للحكومة الفرنسية التي كانت تمر آنذاك بضائقة مالية.وكان المفروض أن يموِّل اليهود الحملة المتجهة صوب الشرق، وأن يتعهدوا ببث الفوضى وإشعالالفتنة وإحلال الأزمات في المناطق التي سيرتادها الجيش الفرنسي لتسهيل أمر احتلالها.ويبدو أن نابليون كان مطلعاً على الخطة. ولذا، فقد أصدر، بمجرد وصوله إلى مصر، بياناًيحث فيه اليهود على الالتفاف حول رايته لإعادة مجدهم الغابر ولإعادة بناء مملكة القدسالقديمة، أي أن نابليون أصدر أول وعد بلفوري في تاريخ أوربا. ويبدوا لنا بعد ذلك تساؤلمهم للغاي




hgdi,] , khfgd,k