الفرنسيون في عيون الجبرتي


بقلم: د فتحي زغروت رحمه الله


نذكر في هذه الحلقة كيف تحدث الجبرتي عن الأصالة الجيدة والأعتزاز بالهوية المصرية وهو يصف كيف أخذالمصريون من عادات الغربيين وكيف أساء أعضاء الحملة الفرنسية إلي أهل مصربتصرفاتهم الغير مسئولة في اللهو وشرب الخمور وبعض العادات القبيحة.


وقد رسم الجبرتي للفرنسيين صورة في ذهنه أتخذ من خلالها موقفا عدائيا ومتشددا تجاه الفرنسيين مما منعه من فهم الثقافة الغربية وعدم الاكتراث والتفكر فيها، فهو اعتبرهم كفاراً وأقلشأناً وأن ثقافتهم دنيئة، وربما يكون السبب وراء مشاعره تلك تجاه الفرنسيين هو الإرث الإسلامي والحضارة الاسلامية التي تزامن تفوقها مع العصور المظلمة الأوربية وأنه ولد ونشأ في أسرة متدينة من العلماء بحكم كونهم رؤساء رواق الجبرت في الأزهر.
وكان الجبرتي نفسه عضواً بارزاً في جماعة العلماء في القاهرة، وهذا الإرث الماضي المجيد جنباً الىجنب مع العقيدة الدينية ولدا نوعاً من الإعتزاز بالنفس والإيمان بالهوية الإسلامية والازدراء للثقافة الفرنسية الغربية فحكم على الفرنسيين بأنهم كفار وبرابرة وخلص إلىأن المجتمع الفرنسي بعمومه مجتمع همجي.


ويبقى الجبرتي غير راضٍ عن انتصار الفرنسيين على المماليك بحكم عدم تساوي الطرفين من حيث المعدات العسكرية. ونسب هزيمة المماليك إلى الرياح القوية التي هبت على المماليك مصحوبة بالغبار يوم المعركة بينما في مكان آخر يذكر أن العلماء والعامة لم يدخروا يوماً في الصلاة والدعاء وقراءة البخاري في الأزهر على الرغم من أن هذه الصلوات لم تمنع دخول الفرنسيين مصر.
ولكن في عجائب الآثار يظهر الجبرتي العكس تماماً إذ يسخر من المماليك ويتفاخر بنمط الفرنسيين العسكري وتنظيمهم كما يسخر من العلماء والعامة الذين يرددون البخاري في الأزهر .

كل تلك الأحكام المسبقة والأفكار المتبناة استناداً إلى الموروث جعلت الجبرتي لا يرى سوى الجانبالسيء من الفرنسيين أو لنقل ما اعتبره هو سيئاً وبنى أحكامه استناداً إلى معرفته هو وليس بنظرة تجريدية.

ونتيجة لذلك رسم الجبرتي صورة عن الفرنسيين تظهرهم مدمني الخمور الذين لا همَّ لهم سوى البحث عن المتعة ”ان لهم عناية أشد من ذلك (أي الحمير) في بذل الأموال في الخمور و التردد إلى حانات الراح" .

"لأن أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة الفرنسيس فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن مع الفرنسيس لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن“.


يبين هنا الجبرتي العلاقات التي تمت بين النساء المومسات والجنود الفرنسيين إذ اتجهت الكثيرات منهن إلى الجنود من أجل ممارسة الجنس معهم مقابل مبالغ من الأموال وازدهرت تلك الحالة بأعداد هائلة من النساء. في حين أنه يصف إنشاء الفرنسيين لملهى ونادي ليلي بالتنظيم والدقة، ويصف آلية دخول الشخص إلى ذلك المكان في عجائب الآثار. إذ شيد الفرنسيون نادياً قرب الأزبكية يجتمعون فيه للترفيه، وأشار الجبرتي الى ذلك بقوله :


”تجمعوا بدارالخلاعة، يجتمعون بها النساء والرجال للهو والخلاعة رجالاً ونساء وتراقصوا وتسابقوا“، وأشار الجبرتي أيضا إلى ولع الفرنسيين بالحمير والخمور، وقد كان الفرنسيون ينفقون أموالا كبيرة مقابل استئجار الحمير لركوبها. ونتيجة لذلك الولع من الفرنسيين فإن الكثير من المصريين الذين كانوا عاطلين عن العمل صاروا تجاراً بسبب ركوب الحمير فقد كان بعض الفرنسيين يقضون نهاراً كاملاً على ظهور الحمير دون القيام بأي عمل سوى التجوال في الشارع والسباق والغناء والضحك والمزاح وإنفاق الأموال الطائلة في النبيذ و ركوب الحمير، ويختم هذا التصور الذي رسمه عن الفرنسيين بقوله: ” ان الفرنسيين ضاعت أموالهم بين حمار وخمار“ .

كما كان للجبرتي بعض المفاهيم والإنطباعات حول الأفكار والمفاهيم الفرنسية الجديدة التي انتقلت إلى مصر مثل نظام الولادة والوفيات – والنظام الصحي – ونشر الملابس على شرفات المنازل لتعريضها للشمس والإبلاغ عن المرضى ، كما كان هناك مفاهيم سياسية ألتقطها الجبرتي من خطاب نابليون مثل إسناد المناصب الرفيعة وإنشاء حكومة محلية لإدارة شؤون البلاد إلى غير ذلك.




hgtvksd,k td ud,k hg[fvjd