أبو ركوة الثائر الأموي
أبو ركوة أو الوليد بن هشام، ذكر المقريزي في كتاب “اتعاظ الحنفاء” أنه من ولد المغيرة بن عبد الرحمن الداخل، وذكر ابن الأثير في كتاب “الكامل في التاريخ” أنه من ولد هشام بن عبد الملك بن مروان، ويقرب في النسب من المؤيد هشام بن الحاكم الأموي صاحب الأندلس.

لما استولى المنصور محمد بن أبي عامر على المؤيد وأخفاه عن الناس وتسلط على حكم الأندلس، تتبع كذلك كل من يصلح من بني أمية للحكم، فقتل بعضًا منهم وسجن البعض واستطاع البعض الآخر الهرب، وكان أبو ركوة ممن فرّ من الأندلس وعمره حينئذ قد زاد على العشرين عامًا، وخرج من قرطبة بالأندلس مظهرًا التصوف واستقر في اقليم برقة مشتغلًا بتعليم الصبيان.

أما لقبه أبو ركوة فلأنه كان يحمل ركوة ماء لوضوئه على عادة الصوفية.

وفي سنة 395 هـ 1005 م دعا للثورة ضد الحاكم بأمر الله لظلمه، وتبعه بنو قرة وبايعوه فقد كان الحاكم قد أسرف في قتل القواد وحبسهم وأخذ أموالهم، واصبحت القبائل معه في ضيق وضنك ويودون خروج الملك من يده، وقد كان الحاكم في الوقت الذي دعا فيه أبو ركوة بني قرة قد آذاهم وحبس منهم جماعة من اعيانهم وقتل بعضهم، فلما دعاهم أبو ركوة أنقادوا له.

وكان بين بني قرة وبين زناته حروب ودماء فاتفقوا على الصلح واجتمعوا على بيعة أبي ركوة وخاطبوه بالإمامة، ودعا للخليفة هشام المؤيد على المنابر، واتفق معهم على أن يكون الثلث من الغنائم له والثلثان لبني قرة وزناتة، فلما قارب برقة خرج إليه واليها، فالتقوا وانهزم عسكر الحاكم وملك أبو ركوة برقة وقوي هو ومن معه بما أخذوا من الأموال والسلاح وغيره، ونادى بالكف عن الرعية والنهب وأظهر العدل وأمر بالمعروف.

ولما وصل المنهزمون إلى الحاكم عظم عليه الأمر، وندب من العسكر حوالى خمسة آلاف فارس بقيادة ينال الطويل وسيّره إلى برقة، واتلقى الجيشان بين مفازة وبرقة وهُزم ينال الطويل، وعاد عسكر أبي ركوة إلى برقة وقد امتلأت أيديهم من الغنائم، وانتشر ذكره وعظمت هيبته، وأقام ببرقة وارسل سراياه إلى الصعيد ومصر، وفرح بذلك جند مصر وأعيانها لما عانوه من معاملة سيئة من الحاكم بأمر الله الذي اشتد قلقه وأظهر الاعتذار عن ما فعله معهم من قبل.

وكتب بعض الناس من مصر إلى أبى ركوة يستدعونه وممن كتب إليه الحسين بن جوهر المعروف بقائد القواد، فخرج أبو ركوة من برقة قاصدًا الصعيد، وعندما علم الحاكم بأمر الله بذلك جمع عساكره واستشارهم، وكتب إلى الشام يستدعى العساكر فجاءته وفرق عليهم الأموال والدواب والسلاح، وبلغ تعداد جيش الحاكم اثنا عشر ألف رجل بين فارس وراجل، واستعمل عليهم الفضل بن عبد الله، فلما قاربوا أبا ركوة لقيهم في عساكره، وارسل الفضل بن عبد الله قائد الجيش رسائل إلى أصحاب أبى ركوة يستميلهم، فأجابه قائد كبير من بني قرة يعرف بالماضي وكان يطالعه بأخبار القوم وما هم عازمون عليه فيدبر الفضل أمره على حسب الأخبار التي ترد من الماضي هذا.

والتقى الجيشان في مكان يسمي كوم شريك وقتل من بين الفريقين قتلى كثر، ورأى الفضل من جمع أبى ركوة ما هاله وخاف المنجازة، فعاد إلى عسكره، ثم جهز الحاكم عسكرًا آخر مكون من أربعة آلاف فارس، عبروا إلى الجيزة فسمع أبو ركوة بهم فسار مجدًا في عسكره، واختار طريقًا بعيدًا عن جيش الحاكم بقيادة الفضل حتى لا يشعر بزحفهم نحو مصر، ووصل جيش أبى ركوة إلى الجيزة وقتل جيش الحاكم حوالى ألف فارس من جيش أبى ركوة الذي رجع فنزل عند الأهرامات وذلك في سنة 397 هـ 1007 م، وكتب الحاكم إلى الفضل يبشره بالنصر لترتفع معنويات الجيش بعد الهزيمة التي لحقت بهم، ثم سار أبو ركوة إلى موضع يعرف بالسبخة كثير الأشجار، وخرج عليهم الفضل في كمين نصبه لهم وقتل منهم ألوف كثيرة، وانهزم أبو ركوة ومعه بنو قرة، وتخللى عنه أصحابه من بني قرة وقالوا له انج بنفسك، فسار إلى بلاد النوبة، فلما بلغ إلى حصن يعرف بحصن الجبل أظهر أنه رسول من الحاكم إلى ملكهم، وبلغ الفضل الخبر فسار إلى القلعة وقبض على أبي ركوة واخذه إلى القاهرة.وفي القبض عليه ذكرت رواية أخرى أنه عندما فر إلى النوبة قبض عليه أبو المكارم هبة الله أمير قبيلة ربيعة وسلّمه للحاكم بأمر الله وكوفئ، أبو المكارم بلقب كنز الدولة وتوارث أبناؤه هذا اللقب، وعرف بنو ربيعة ببني كنز وهو الكنوز الحاليون الذين يمتد وطنهم من أسوان شمالًا إلى كرسكو في الجنوب.

أما الثائر أبو ركوة فقد عرضه الحاكم عرضًا مزرياً في شوارع القاهرة اذ طيف به وقد ألبس طرطورًا، وجعل وراءه قردًا يضربه على رأسه، ثم قتله وصلبه، ويقال بإنه توفي في هذه المسيرة فقطع رأسه بعدها وصلب.

أما الحاكم فقد بالغ في إكرام الفضل حتى انه عاده مرتين في منزله اثناء مرضه، ثم بعد ان تعافى الفضل أمر الحاكم بأمر الله بقتله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

المراجع

المقريزى اتعاظ الحنفاء باخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء.

ابن الأثير الكامل فى التاريخ.

احمد مختار العبادي مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية.


hgehzv hf, v;,m hghl,d