بسم الله الرحمن الرحيم

أحداث أوكرانيا وتأثيرها الدولي والإقليمي

بقلم: د. أيمن زغروت

أولاً: تحليل الحالة:

- تعريف بالأزمة:
هي أزمة اندلعت منذ دعوة واشنطن لأوكرانيا وجورجيا للانضمام لحلف الناتو سنة 2008م, غير عابئة بمصالح روسيا وكاسرة لوعود بوش الأب لها سنة 1990 بعدم التوسع شرقا اذا سمحت روسيا للألمانيتين بالوحدة, وترتب على ذلك سلسلة من الاحداث منها غزو روسيا للدونباس في شرق اوكرانيا والقرم سنة 2014 بعد اسقاط ريئسها الموالي لموسكو ومجيئ زلينسكي الموالي للغرب, واخرها الحشود الضخمة للروس على الحدود المشتركة.
- جذور تاريخية - ثقافية:
ما يعقّد المسألة أن روسيا واوكرانيا هما شعبان ذوا قومية سلافية واحدة, وكانتا مملكة واحدة تسمى "روس كييف" منذ القرن التاسع الميلادي واستمرت إلى القرن الثاني عشر, حيث تفتت الى دويلات منها دوقية موسكو, ثم برزت روسيا وضمتها لها من جديد, ويعتبر الكثير من المثقفين في كلا البلدين انهما شعب واحد.
- رؤية الأوكرانيون لروسيا:
لا يرغب الاوكرانيون في عودة سنوات الشيوعية البائسة تحت حكم روسيا, ويرون أن في الغرب وامريكا الملاذ المحقق للحريات والأمن والرفاه الاقتصادي.
- روسيا تدافع عن أمنها ومحيطها:
منذ دعوة واشنطن لجورجيا واوكرانيا للانضمام للناتو سنة 2008م, حذرت روسيا الدولتين من ذلك, ثم قامت بغزو سريع لجورجيا محتلة اقليمين منها ودمرت البنية التحتية لجورجيا بما اعادها عشرات السنوات للوراء, وقامت بالإعلان عن عودتها كدولة عظمى.
قام الغرب بدعم حملة للمعارضة لاسقاط الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا سنة 2014م, وكان اول اعمال الرئيس الجديد زلينسكي ان دعا الاتحاد الاوروبي والناتو لقبولها, مما دفع روسيا لان تتحرك للدفاع عن مصالحها بغزو سريع لشبه جزيرة القرم واقليم الدونباس شرق اوكرانيا في نفس العام, واجراء استفتاء رغبت الاغلبية بالقرم الانضمام الى روسيا.
ومع تقدم جاهزية روسيا العسكرية والاقتصادية, فقد طلبت من واشنطن تعهدات مكتوبة بعدم توسع الناتو شرقا, ثم بدأت بحشود ضخمة على الحدود الاوكرانية للضغط على المسار التفاوضي والسياسي.
وترى روسيا ان الغرب خدعها, حيث تعهد بوش الاب سنة 1990م ابان مفاوضات توحيد الالمانيتين بعدم التوسع شرقا اذا وافقت روسيا على توحيد الالمانيتين, وكان انذاك اقرب قاعدة من الحدود الروسية تبعد 800 ميلا, بينما الان تبعد اقرب قاعدة 80 ميلا فقط, وذلك بعد ضم الناتو لدول البلطيق الثلاث ورومانيا والمجر وبولندا.
- رؤية الناتو وواشنطن:
يرى الناتو أن انضمام الدول للحلف هو شأن داخلي لها لانها مستقلة, كما ان التعهد بعدم التوسع شرقا يعطي ورقة مجانية للروس وتدخل في شئون اعضاء الحلف, كما ان التوسع من شأنه ان يبقي موسكو مضغوطة أمنياً.
وكانت واشنطن قد أجّلت مشاريعها في أوكرانيا طوال عصر ترامب, حيث رأى انخراط الرئيس الاوكراني في مؤامرة لاسقاطه لصالح الحزب الديمقراطي, كما ان ترامب رأى ان روسيا ليست العدو الاول وليس لها خطورة الصين, وهو ما رأى عكسه بايدن الديمقراطي, الذي شرع في المجاهرة بعداوة موسكو.


ثانياً: تقدير الموقف:

موقف واشنطن والناتو:
- ومن غير المتوقع اندلاع حرب مباشرة مع القطبين النوويين, كما انه من غير المتوقع انضمام اوكرانيا للناتو, لعدم استكمالها لشروط الانضمام, وهو ما كان اعلنه بايدن سنة 2014 ابان كان نائبا لأوباما فخطب في البرلمان الأوكراني قائلا "ان من المستحيل الانضمام الى الناتو قبل القضاء على الفساد في كييف".
- دعم الغرب لأوكرانيا عسكريا وايصال المسألة لحافة الهاوية سيزيد من خسائر روسيا لكن لن تمنعها من السيطرة على اوكرانيا ان ارادت غزوها, وان لم ترد غزوها فسيظهر ذلك بوتين في صورة ضعيفة جدا امام الغرب .
- من المتوقع ان تزيد حدة الخلاف الروسي الغربي بما يكفي لإيذان ببدء حرب باردة جديدة, وهو ما اراد ايصاله وزير الدفاع البريطاني لأوروبا الشرقية التي عانت من الألمان والروس, حيث استدعى مشهد مفاوضات ميونخ مع هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية, ودعا الى عدم التنازل لبوتين عن اوكرانيا حتى لا يقع الغرب في اخطاء الماضي بتنازلهم لهتلر.بعد التحالفات الاستراتيجية المخيفة بين موسكو وبكين في 2021م.
- سيقوم بايدن بتحويل أوكرانيا إلى تايوان جديدة, تقض مضاجع للروس, لتكون ورقة ضغط شاغلة لموسكو الباحثة عن أمن محيطها عن معالجة أهداف أبعد جغرافيا, كي لا تكرر ما فعلت في سوريا, وما قد تفعله مع الصين في آسيا.
- سيستخدم بايدن ببراعة فزاعة روسيا ليعيد اللحمة مع اعضاء حلف الناتو, ويزيد من حاجة اعضاء الحلف لواشنطن كملاذ يحتمى به من الخطر الروسي العائد بقوة, وذلك بعد أن أوصل ترامب علاقة اعضاء الحلف بواشنطن الى ادنى مستوياتها, حيث كان قد سحب جزءا مهما من القوات الامريكية من اوربا وسط سخط الحلفاء ومخاوفهم انذاك, وقد استطاع بايدن في شهر واحد أن يعيد الثقة بواشنطن وكذا استطاع نشر أعداد مطمئنة من القوات الامريكية ومعداتها في شرق اوروبا لطمئنة الاعضاء.
موقف العالم الإسلامي:
- سيقف أغلب العالم الإسلامي في صف واشنطن في حربها الباردة مع روسيا.
- ستنشغل واشنطن في العقد القادم بالحرب الباردة المتصاعدة مع روسيا والصين عن القيام بمشاريع مباشرة في الشرق الأوسط, خصوصا وأنها قامت بانسحابات كبيرة سنة 2021م بمجرد تولي بايدن الحكم.
- ستحتاج أمريكا إلى العالم الإسلامي استراتيجيا في نزاعها الأيدولجي مع الصين الشيوعية وروسيا.
- ستتعاظم أهمية تركيا في حلف الناتو باحتدام الحرب الباردة الجديدة مع الروس, لاهميتها الجغرافية وقربها من مسرح الاحداث.
- موقف الخليج:
لاشك أن دول الخليج ستصطف خلف واشنطن في نزاعها مع روسيا, وقد رأت واشنطن للدوحة دورا هاماً في حل مشكلة الغاز الروسي لأوروبا, حيث أوعزت لها أن تقدم مقترح مشروع يعوض لأوروبا عن خط الغاز الروسي بالغاز المسال القطري, واعتماد واشنطن على الغاز القطري في لعب ادوار دولية كبرى هو سلاح ذو حدين بالنسبة للدوحة, حيث عانت من مثله الرياض من استخدامها كأداة بترولية لتحجيم البترول الروسي على حساب الميزانية والتنمية في المملكة, وقد أعلنت واشنطن في هذا الصدد ترقية الدوحة إلى حليف من خارج الناتو.
- موقف مصر:
وقد تتأثر القاهرة بالغزو الروسي لأوكرانيا لاعتماد مصر على القمح الأوكراني وهو ما قد يتعذر تصديره اذا غزتها روسيا, لكنه تأثير مؤقت لحين ايجاد بدائل.
واذا اندلعت الحرب, فقد تضطر القاهرة ضمن التزاماتها مع حلف الناتو كدولة "حليف من خارج الناتو", أن تشارك أو تساعد عند احتدام الحرب, وهو ما قد يؤثر على علاقة القاهرة الجيدة مع موسكو, فينبغي وضع ما حدث في يوليو 2021م في الحسبان, حيث اشتركت مصر في مناورات الناتو في اوكرانيا, فردت موسكو في نفس الاسبوع بعقد اتفاقية عسكرية مع اثيوبيا.



Hp]he H,;vhkdh ,jHedvih hg],gd ,hgYrgdld