أبناء القبائل العربية هم أصحاب أول وأكبر المشروعات الخاصة بأبحاث السلالات الجينية وذلك منذ أكثر من عشرة أعوام ، وقد خرجت نتائج الفحوصات متفقة مع الدراسات الجادة والموضوعية في علوم التاريخ والأنساب لكنها قطعا كانت مختلفة مع الموروث الشعبي الشفوي ، وهو ما تلقفه المغرضون لنفي صفة العروبة عن مصر وإنكار وجود التكوينات السكانية العربية والمعروف وجودها التاريخي المتصل في مناطق معروفة في محافظات الشرقية والغربية والدقهلية والبحيرة وقنا وسوهاج وأسيوط والفيوم فضلا عن سيناء والبحر الأحمر ومطروح والواحات ..
ومن التخاريف التي يرويها هؤلاء أن بعض أقباط مصر كانوا يشترون الأنساب العربية طمعا في الارتقاء الاجتماعي ويستدلون على ذلك بقصة الحرسيين التي حكم فيها القاضي العمري في القرن الثاني الهجري وندد بها الشاعر معلي الطائي وهي حادثة وحيدة لم تتكرر وكانت خاصة بقطاع من عرب الحوف من النصارى الذين أرادوا الانتساب إلى فرع من قضاعة ليدخلوا في ديوان الجند ، ولذا لا يمكن دراسة علوم السلالات الجينية بمعزل عن متابعة التحركات السكانية وتاريخ القبائل ومعرفة الأحداث التاريخية الكبرى وتأسيس المدن والقرى والتي تؤكد توطن العرب ..
ولا يمكن الاعتبار بنتائج الفحوصات الفردية ما لم تكن مصحوبة بدراسة مقارنة مع نتائج الآخرين في مصر وعموم الوطن العربي وكذلك المقارنة مع جثث السابقين المتاح فحصها وليس الأحياء فقط ، والأهم هو معرفة هوية العينات موضع الدراسة لأنها قد تكون عرضة للخلط حيث يمكنني أن أجري الفحص على مائة شخص من الحويطات في سيناء ثم أعلن أن العرب مائة بالمائة من سكان مصر ويمكن لآخر أن يدرس عشرة عينات من سيوة ثم يعلن أن مصر أمازيغية ، وهذا للأسف ما تفعله كثير من جروبات الفيس المهتمة بالمجال وينشر فيها أشخاص وهميون مغرضون ..
ويكثر في هذه المواقع نشر دراسات مجتزأة بطريق القص واللصق ثم الحذف والتقييف لتوافق غرضا واحدا وهو نفي صفة العروبة عن مصر بكل طريقة ممكنة وأحيانا توضع دراسة معتمدة وموثقة ثم ترفع بعدها بساعات عندما يتبين أنها تؤكد فكرة التنوع الجيني والذي هو حقيقة علمية في مصر وكل دول العالم بنسب متفاوتة ، ويتم الإلحاح بقوة على فكرة التجانس الجيني بين المصريين لتكريس فكرة القومية المصرية بإثباتات جينية وهو الأمر المخالف للواقع إذ يعتمد فيه على دراسات تمت على عدد محدود جدا من عينات الفحص لا تعبر عن أكثر من مائة مليون نسمة ..
وأكبر دراسة حديثة نشرت في كافة المواقع والجروبات لا يتجاوز فيها التجانس نصف السكان وهو الأمر الذي يؤكد فكرة التنوع ولا ينفيه لأن التنوع الجيني سمة للشعوب كلها وأيضا في القبائل العربية التي خرجت على سلالات متعددة تبعا لأصولها المختلفة وهو ما يتوافق مع معطيات التاريخ التي تخبرنا أن القبائل ليست عائلات وإنما هي تحالفات تكونت لأسباب معروفة وذلك قبل الإسلام وفي العصور الوسطى وفي الزمن المعاصر ، ويتشكل التحالف من نواة قبلية وحولهم عدد أكبر من الحلفاء والموالي والأنصار وأمثلة ذلك كثيرة في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ..
وهذا الفهم لطبيعة القبائل يفسر لنا انتساب عدد كبير للأشراف حيث النواة من عائلات منحدر من الطالبيين وحولها عدد أكبر الحلفاء ، ويظن البعض أن الفخر بالقبيلة هو مدعاة للتميز وهو جائز إذا صدر عن قلة متميزة وسط كثرة مغايرة لكن الحقيقة أن العرب في بعض مناطق الدلتا والصعيد يشكلون أغلبية نسبية ومنهم من وفد حديثا من البادية العربية ومن صحراء ليبيا وأسسوا قرى ومدن سجلتها الوثائق الرسمية ، وهؤلاء تحديدا يتعجبون من إصرار جروبات الفيس على نفي وجودهم من خلال الادعاء بفكرة النقاء العرقي وهو ما يهدد البعض بنفي صفة المصرية عنهم ..
ومن الخطر بالفعل نفي فكرة التعدد الجيني والتكريس لفكرة النقاء العرقي خاصة مع محاولة ربطها بالحضارات القديمة فقط والتي حدث انقطاع ثقافي ولغوي واجتماعي معها وإغفال فترة العصور الوسطى المتصلة مع واقعنا الحاضر في كافة جوانبه ، وسوف ينتهي هذا الجدل العقيم عندما تتسع دائرة الفحوصات مع التقدم في الشق التقني من الأبحاث وتخفيض سعر تكلفتها والبدء في عملها في مصر والوطن العربي بدلا من إرسالها للخارج ، ولا شك أن الإنصاف يقتضي من العقلاء الإقرار بحقائق العلم المجردة بعيدا عن أوهام التوظيف السياسي لفكرة الهوية الإقصائية ..
ويحاول أصحاب الهلاوس والضلالات وضع مقياس يتحدد بواسطته المصري الأصلي من غيره فإذا ظهرت النتائج العلمية مخالفة لدعواه يتراجع عن فكرة الهوية الجينية لصالح الهوية الثقافية وحدها لكن مع جهد جهيد لسلخها عن فكرة العروبة والتي هي جزء لا يمكن إنكاره من الحياة الثقافية والاجتماعية واللغوية ، وقد كانت القبائل العربية في مصر أكثر مرونة مع حركة التطور الاجتماعي ققامت بالتخلي عن الفكرة القبلية واستبدالها بتأسيس عدد من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني وربما يكون بينها وبين دخول عالم السياسة مسافة قاب قوسين أو أدنى ..


lpl] hgu],d >> hglav,uhj hg[dkdm ggrfhzg hguvfdm