الأميرة رابعة العباسية الاميرة المجاهدة ضد طغيان الأستبداد المغولي

لم يزل الباحث يجد في كثير من صفات تاريخ العراق غموضا لقلة المصادر التاريخية الباحثة في هذه الحقبة . وقد اخذ بعض علمائنا يبذلون جهدا كبيرا في البحث والتنقيب بين الكتب المخطوطة والمطبوعة جلاء الغامض مع الاسف فقدنا اكثرهم وممن كنا نتوكأ على ابحاثهم في انارة سبلنا وعلى ذلك اخذت اعباء هذا الامر في الكتابة عن هذه الفترة على قدر استطاعتي من الصحائف المطوية التي يجهلها اكثر المؤرخون سيرة الاميرة رابعة ابنة الامير احمد بن الخليفة المستعصم بالله العباسي التي لم يعلم عنها الا القليل . وهذه الاميرة الجليلة لعبت دورا هاما في تاريخ العراق .ايام العصر المغولي حيث جاهدت ضد طغيانهم حتى كادت تعيد الخلافة العباسية الى نصابها لولا خيانة بعض اذناب المغول ممن كان يعيق تقدم العراق.
فلهذا شرعت بكتابة هذه الترجمة التي اضعها بين ايدي الباحثين ممن يعشقون هذه الابحاث كما ارجو ان تكون عند حسن ظن الادباء والمؤرخين والقارئين . ومن الله التوفيق
وقبل الختام .اقدم شكري للأخوين الصديقين الدكتور مصطفى جواد والاستاذ كوركيس عواد لمساعدتي في مهماتي الادبية والتاريخية من تقديم المخطوطات وغيرها .
بغداد 1/10/1948 خضر العباسي


تمهيد
حينما دخل التتر بغداد مثلوا باهلها اشنع الفضائح وابشع المثلات فاستباحوا الاعراض وهدموا المدارس واحرقوا خزائنها والقوا البعض منها في دجلة واخذوا يطاردون العباسيين اينما كانوا ويعجز القلم مع بيانه الرائع عن تصوير هذه الحادثة التاريخية المهمة التي اكرهت القلوب وفجعت النفوس واصابتها بهذا الخطب الفادح الذي الم بالعالم الاسلامي .وقد احسن الشاعر تقي الدين اسماعيل بن ابي اليسر عندما وصفه . قال:

لسائل الدمع عن بغداد اخبـــار فما وقوفك والاحباب قد ساروا
يازائرين الى الزوراء لا تغدوا فما بذاك الحمى والدار ديـــــار
تاج الخلافة والربع الذي شرفت به العالم قد عفاه اقفــــــــــــــار
اضحى لعطف البلى في ربعه اثر والدموع على الاثار اثـــــــار
ناديت والسبي مهتوك تجرهـــــم الى السفاح من عداء ذعـــــار
وهم يساقون للموت الذي شهدوا النار يارب من هذا ولا العـار
والله يعلم ان القـــوم اغفلهــــــــم ما كان من نعم فيهن اكثـــــار
يـــــــــا للرجال باحداث تحدثنا بمــــــا غدا فيه واغدار وانذار
من بعد اسر بني العباس كلهـم فلا نار لوجه الصبح اسفـــار
ماراق لي قط شي بعد بينهـــــم الا احاديث ارويها واثـــــــار
ان القمية في بغداد قد وجدت وقد روت كأن للاقبال ادبـــار

جد الاميرة
هو ابو احمد عبدالله المستعصم بالله العباسي اخر من حكم من بني العباس في بغداد صرع يوم الاربعاء 14 صفر سنة 656هـ مع ابنيه الكبير والوسط على يد البرابرة هولاكو وامرائه وجنوده وقد رثاه الشاعر شمس الدين محمد بن عبيد الله الكوفي الواعظ الهاشمي . قال

ياعصبة الاسلام نوحوا واندفعوا اسفاَ على ماحـــل بالمسعتصم
دست الوزارة كان قبل زمانــــــه لأبن الفرات فصار لأبن العلقمي

قتل الخليفة وابناه فنقلهم الجند خفية ليلا الى تربة الشيخ الزاهد شهاب الدين عمر السهروردي ودفنوا هناك وذلك لان الجامع يقع على مقربة من الباب الوسطاني وهو جامع قديم العهد رحب الفناء فيه مدرسة علمية انشاها جدنا المرحوم الامير اسماعيل باشا العباسي سنة 1273 للهجرة ثم بنى فوق قبر جده الخليفة الشهيد المسستعصم بالله قبة قرب ضريح الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي ومنها الى قبر الخليفة فان باب الحجرة داخل حجرة الشيخ العابد.

اما عائلة الخليفة المستعصم بالله العباسي فان المغول قتلوا ابنه ابا العباس احمد وكان مولده سنة احدى وثلاثين وستمائة للهجرة وله من الاولاد ابو الفضل محمد ورابعه وهي التي تزوج بها خواجة هارون بن الصاحب شمس الدين الجويني. ومولدها يوم النحر سنة خمس وخمسين وستمائة للهجرة واختها ست الملوك .ثم قتل ابن الخليفة الاوسط ابو الفضل عبد الرحمن ومولده سنة ثلاثة وثلاثين وستمائة للهجرة وله من الاولاد ابو القاسم محمد وبنت واحدة واما ابن الخليفة الاصغر مبارك واخوانه فاطمة وخديجة ومريم فأنهم لم يقتلو بل اسروا.
اذن لم يبق من العباسيين في بغداد سوى الاميرة رابعة واخوانها وابن عمها الاوسط فانهم بقوا عند امها السيدة الجليلة ذات العصمة شمس الضحى شاه لبنى التي تزوجها والي العراق الصاحب علاء الدين عطا ملك بن محمد الجويني وهو مربي الاميرة رابعة العباسية

والدة الاميرة
ان السيدة الجليلة ذات العصمة شمس الضحى شاه لبنى بنت عبد الخالق بن ملك شاه بن ايوب وهي من الاسر الايوبية ذات الماضي المجيد والعز التليد في الحكم والملك. تزوجها الامير احمد بن الخليفة المستعصم بالله فولدت له ابوالفضل محمد والاميرة رابعة واختها الاميرة ست الملوك. وبعد مقتله تزوجها حاكم العراق الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني فولدت له اولاد ايضا.
كانت من اجمل نساء عصرها واجلهن نالت احتراما وتعظيما وذلك لنفوذها القوي وزهدها وحبها الشديد لمساعدة المحتاجين والعطف على الفقراء احبها اهل بغداد لانها قامت بتضحية عظيمة في انقاذهم من التتر واصلاح حالهم ورجع الطمأنينة الى قلوبهم وقد رممت الجوامع والمعابد وخصوصا بنت المدرسة العصمتية ونسبت الى عصمتها تلك المدرسة . قال ابن الفوطي في تاريخه توفيت (سنة ثمان وسبعين وستمائة للهجرة.ودفنت في التربة التي انشاتها بجوار مدرستها المعروفة بالعصمتية ظاهر بغداد عند مشهد عبيدالله) .

ميلاد الاميرة
اكتظ البلاط بنساء بني هاشم بينهن اميرات البيت العباسي لأن السيدة الجليلة ذات العصمة شمس الضحى شاه لبنى زوجة ولي عهد الخلافة الاميرالسعيد ابي العباس احمد بن المسعتصم بالله .ولدت قرة العين الاميرة رابعة في يوم عيد النحر المبارك في سنة خمسةوخمسين وستمائة للهجرة .وقد استبشرت القلوب وسرت النفوس وطربت الاسماع بالاهازيج المرتفعة من النساء الملتفات حول سرير المولودة السعيدة .ولدت الاميرة رابعة في سنة مشؤومة اقبلت على العالم الاسلامي بالبؤس والشر ففي هذه السنة كانت جحافل المغول الغازية تستعد للزحف الى ملك اجدادها.
احتضن الخليفة المسعتصم بالله حفيدته وأن كان قلبه متألما من الاعمال الجائرة التي ياخذ التتر في اثارتها على الدولة.وهكذا ولدت في ساعة حرجة وعاشت طوال حياتها يتيمة دامية القلب.بعد ان فقدت اهلها بالقتل والاسر وعمرها سنة وحلت النكبة ببغداد فبقيت عند والدتها السيدة الجليلة ذات العصمة شمس الضحى شاه لبنى اذ لم يتعرض لها المغول فاخذت تسهر لمصلحتها وتوفير الراحة لها الى ان تزوجها الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني. فتبنى ابنهتها الاميرة رابعة مع باقي اخوانها ولم يدع لقلبها ان يحدثها بانها يتيمة عاشت في بيت انسان غريب وان كان زوج والدتها .
قام الصاحب بتنشئة الاميرة رابعة واخوانها ابي الفضل وست الملوك واولاد عمها وابدى شهامة نحو رعايتهم يعجز الوصف من بيانها وان كانت المصادر قليلة في هذا الباب.

زواج الاميرة
بعد قبول مربي الاميرة الصاحب علاء عطا ملك الجويني حاكم العراق زواج الاميرة رابعة العباسية من ابن أخيه وأخذ رأي والدتها السيدة الجليلة ذات العصمة شرطت شروطها قبل البدء بعقد العقد على حسب العادة التي كانت متبعة لدى خلفاء بني العباسي فلم تمد عن ذلك ولم تفرط في ابنتها سليلة الدوحة العباسية الأميرة الجليلة الطاهر الزكية ذات الحسب و النسب.
واليك الشروط على حسب مانقلته لنا المصادر التاريخية وان كانت قليلة لاتفي بالمراد .
شروط الزواج
أ‌- ان لا يشرب الصاحب شرف الدين هرون الجويني الخمر .وكل شي محرم لايرضي به الله فاجاب الى ذلك ورضى بما اشترطت.
ب‌- ان يكون الصداق (المهر)الذي يدفعه الصاحب شرف الدين هرون الجويني مائة الف دينار من العين فقبل لذلك ووضع المبلغ المذكور .

وقد جاء في نص عقد الزواج الذي ورد في تاريخ الحوادث الجامعة ان مقدار الصداق(مائة الف دينار)وقال المؤرخون من بينهم ابن تغري بردي صاحب كتاب المنهل الصافي في هذا العقد وهذا المبلغ وكان صداقها(الاميرة الرابعة)على زوجها هرون الجويني مائة الف دينار كصداق خديجة السلجوقية على الخليفة القائم بامر الله .وكذلك المكتفي بالله زوج ابنته زبيدة بالسلطان مسعود بن محمد ملكشاه على صداق مائة الف دينار.

ان هذه الشروط التي اشترطتها السيدة الجليلة ذات العصمة شمس الضحى شاه لبنى والدة الاميرة رابعة العباسية على الصاحب خواجة شرف الدين هرون الجويني قبلت وبذلك عقد العقد بحضور جماعة كبير من العلماء ورجال الدولة ومن بينهم قاضي القضاة سراج الدين محمد بن ابي فراس الهنايس .وكذلك الشاعر المنشئ بهاء الدين علي بن ابي الفتح عيسى الاربيلي تولى كتابة (كتاب الصداق) فانه كان من المنشئين المشهورين.

اولاد الاميرة
ولدت الاميرة رابعة العباسية من زوجها الصاحب خواجة شرف الدين هارون الجويني ثلاثة اولاد ذكرهم لنا التاريخ ولم يبين شيئا من سيرتهم سوى السيدة زبيدة وذلك لقلة المصادر التاريخية التي تبحث عن تراجم اخبارهم واليك اسمائهم :
1-عبدالله المامون
2-محمد الامين
3-الست زبيدة
لقد لقبت الاميرة رابعة اولادها وسمتهم باسماء اجدادها تخليدا لذكرهم وتمجيدا لايامهم السعيدة الزاهرة واعمالهم الحميدة وقد سجل التاريخ لنا سيرتهم بما يزيدهم فخرا وعزا.

سيرة الاميرة الرابعة
استطاعت هذه الاميرة النبيلة ان تتوج سيرتها الجليلة بما يفخربه التاريخ الاسلامي وان يجعل منها نموذجا انسانيا ليعمل لا ان يقال انها تريد الشهرة وجلب قلوب اهل بغداد وانما عملت مجاهدة بثبات نفسها ذات الهيبة والسلطان ضد المغول وشلت سيتطرتهم التي كانت تفرض على المكان دون قيد ولا شرط ونكلت باذناب المغول الموجودين ببغداد في ذلك العصر حيث كانت تحرض مربيها الصاحب على تشريدهم وتخليص البلاد من فسادهم واستطاعت اكثر من هذا ان تلعب الدور المهم ايام حكم زوجها الصاحب خواجة شرف الدين هرون الجويني .قامت الاميرة رابعة باعمال عمرانية حيث حولت تلك الخرائب التي هدمتها مجانيق المغول ومعاول اذنابهم الى حالتها الطبيعية رممت الجوامع والمعابد وشيدت المدارس وساهمت مع والدتها ان تنظر في امر المدرسة العصمتية .
ولاسيما بعد وفاة والدتها وهذا يتم على طيب خلقها وتخفيف وطأة الاعباء التي كانت تفرض على شعبها اهل العراق.هذه سيرة الاميرة سيرة من احفل السير الشريفة في الجهاد والتضحية والاحسان والبر والعلم والادب عاشت عيشة الزهد لاتطلب الدنيا بل تريد ان يكون اسمها مع اسماء العظماء وكيف يسرلها الدنيا بعد ذلك الفراق الذي اردى لحياة اعز شئ لديها فقدت اسرتها تحت سيوف المغول الوحوش.فكانت تتوق لو أن الزمان يهئ لها مايكنه قلبها في اخذ ثأرهم وطرد جيوشهم ولكن ارادة الله لم تشاء ان تهيأ الفرصة السا نحة.توفت سنة خمس وثمانين وستمائة للهجرة رحمها الله .
ودفنت في التربة بجوار والدتها ذات العصمة شاه لبنى بجوار مدرستها المعروفة العصمتية .



hgHldvm vhfum hgufhsdm hghldvm hgl[hi]m q] 'ydhk hgHsjf]h] hgly,gd hghldvm vhfum hg[,dkd ju]h] vhfum hgufhsdm