هجرات قضاعة القديمة من تهامة وتفرق ديارها . ملف كامل

آباء القضاعيين في تهامة وسبب تفرقهم عن قومهم معد

كانت قضاعة مع اخوانها من بني أبيهم من ولد معد بن عدنان في تهامة, ثم حدثت شرور وأيام دامية بين القوم, شرح عدد من الإخباريين عنها, وممن أجاد في السرد عن تفاصيلها أبو عبيد البكري الاندلسي رحمه الله وغيره, ومن ذلك قوله في كتابه الشهير معجم ما استعجم (وما بين الاقواس) شرح منا للتوضيح, وووضعنا عناوين لربط الفقرات ببعضها:
(اجتمعت نزار بن معد على قضاعة، وأعانتهم كندة، واجتمعت قضاعة وأعانتهم عك والاشعرون، فاقتتل الفريقان، فقُهِرت قضاعة، وأجلوا عن منازلهم، وظعنوا منجدين (أي إلى نجد)، فقال عامر بن الظرب بن عياذ بن بكر بن يشكر ابن عدوان بن عمرو بن قيس عيلان في ذلك:
قضاعة أجلينا من الغور كله * إلى فلجات الزراعين تزجى المواشيا
لعمري لئن صارت شطيرا ديارها * لقد تأصر الأرحام من كان نائيا
وما عن تقال كان إخراجنا لهم * ولكن عقوقا منهم كان باديا
بما قدم النهدي لا در دره * غداة تمنى بالحرار الأمانيا

وكانوا قد اقتتلوا في حرة. ويعنى فلجات الزراعين، وهم الأريسيون (المسيحية الموحدة الصحيحة)، قال رجل من كلب في الاريسيين:
فإن عبد ود فارقتكم فليتكم * أرارسة ترعون ريف الاعاجم
قال أبو الفرج (الاصفهاني) فيما رواه عن رجاله عن الزهري. وذكر خبر حزيمة مع يذكر إلى هنا،

قضاعة في هجر والبحرين
ثم قال: فسارت تيم اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وفرقة من بنى رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وفرقة من الاشعريين نحو البحرين، حتى وردوا هجر، وبها يومئذ قوم من النبط، فأجلوهم، فقال في ذلك مالك بن زهير بن عمرو بن فهم بن تيم اللات بن أسد ابن وبرة بن تغلب بن حلوان:
نزعنا من تهامة أي حى * فلم تحفل بذاك بنو نزار
ولم أك من أناسكم ولكن * شرينا دار آنسة بدار
قال: فلما نزلوا بهجر قالوا للزرقاء بنت زهير، وكانت كاهنة: ما تقولين يا زرقاء ؟ قالت: سعف وإهان، وتمر و ألبان، خير من الهوان. ثم أنشأت تقول:
ودع تهامة لا وداع مخالق * بذمامة لكن قلى وملام
لا تنكري هجرا مقام غريبة * لن تعدمي من ظاعنين تهام
قالوا: فما ترين يا زرقاء ؟ قالت: مقام وتنوخ، ما ولد مولود وأنقفت فروخ، إلى أن يجئ غراب أبقع، أصمع أنزع، عليه خلخالا ذهب، فطار فألهب، ونغق فنعب، يقع على النخلة السحوق، بين الدور والطريق، فسيروا على وتيرة، ثم الحيرة الحيرة. فسميت تلك القبائل تنوخ لقول الزرقاء: مقام وتنوخ. ولحق بهم قوم من الازد، فصاروا إلى الآن في تنوخ.

بنو تزيد في وادي عبقر
ولحق سائر قضاعة موت ذريع. قال: وخرجت فرقة من بنى حلوان بن عمران، يقال لهم بنو تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ورئيسهم عمرو بن مالك التزيدى، فنزلوا عبقر (وادي) من أرض الجزيرة، فنسج نساؤهم الصوف، وعملوا منه الزرابى، فهى التى يقال لها العبقرية، وعملوا البرود، وهى التى يقال لها التزيدية ; وأغارت عليهم الترك، فأصابتهم، وسبت منهم، فذلك قول عمرو بن مالك بن زهير:
ألا لله ليل لم ننمه * على ذات الخضاب مجنبينا
وليلتنا بآمد لم ننمها * كليلتنا بميا فارقينا
وأقبل الحارث بن قراد البهرانى ليعيث في بنى حلوان، فعرض له أباغ بن سليح، صاحب عين أباغ، فاقتتلا، فقتل أباغ. ومضت بهراء حتى لحقوا بالترك، فهزموهم، واستنقذوا ما بأيديهم من بنى تزيد، فقال الحارث ابن قراد في ذلك (وقال ابن شبة: القائل هو جدى بن الدهاء بن عشم بن حلوان، وقال الهمداني: هو جدى بن مالك أحد بنى عشم):
كأن الدهر جمع في ليال * ثلاث بتهن بشهرزور
صففنا للاعاجم من معد * صفوفا بالجزيرة كالسعير
لقيناهم بجمع من علاف * ترادى بالصلادمة الذكور

سليح تسكن فلسطين مع عاملة
وسارت سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة يقودها الحدرجان بن سلمة، حتى نزلوا ناحية فلسطين، على بنى أذينة بن السميدع، من عاملة.

سكنى عذرة إخوتها بالحجر
وسارت أسلم بن الحاف, وهى عذرة، ونهد، وحوتكة، وجهينة، والحارث بن سعد حتى نزلوا من الحجر إلى وادي القرى.

تنوخ تنتقل من هجر إلى الحيرة
ونزلت تنوخ بالبحرين سنتين. ثم أقبل غراب في رجليه حلقتا ذهب. فسقط على نخلة وهم في مجلسهم، فنعق نعقات ثم طار، فذكروا قول الزرقاء فارتحلوا حتى نزلوا الحيرة، فأول من اختطها هم، ورئيسهم يومئذ مالك بن زهير.
قال المؤلف رحمه الله: " قوله - إنما سموا عبادا لان شعارهم كان: يا لعباد الله ": قول خولف فيه ; فقال ابن دريد: إنما سموا عبادا لانهم كانوا طاعة لملوك العجم، وقال الطبري في قوله تعالى: (وقومهما لنا عابدون)، معناه: مطيعون. وقال أحمد بن أبى يعقوب: إنما سمى نصارى الحيرة العباد، لانه وفد على كسرى خمسة منهم: فقال لاحدهم: ما اسمك ؟ قال: عبد المسيح. وقال للثاني: ما اسمك ؟ قال: عبد ياليل. وقال للثالث: ما اسمك ؟ قال عبد ياسوع ؟ وقال للرابع: ما اسمك ؟ قال عبد الله. وقال للخامس: ما اسمك ؟ قال عبد عمرو. فقال كسرى: أنتم عباد كلكم، فسموا العباد.
وقال ابن شبة ثم ظعنت قضاعة كلها من غور تهامة وسعد هذيم ونهد ابنا زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة منجدين (إلى نجد)، فمالت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران، إلى حضن والسي وما صاقبهما من البلاد، غير شكم اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب، فإنهم انضموا إلى نهد ابن زيد اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران إلى البحرين، وتنخوا بها معهم، ولحقتهم عصيمة بن اللبو بن امرئ مناة بن قتيبة بن النمر ابن وبرة بن تغلب بكلب، فانضموا إليهم، ولحقت بهم قبائل من جرم بن ربان بن حلوان بن عمران، وثبتوا معهم بحضن، فأقاموا هنالك.


فرق قضاعة الأربعة
وانتشر سائر قبائل قضاعة في البلاد، يطلبون المتسع في المعاش، ويؤمون الارياف والعمران، فوجدوا بلادا واسعة خالية في أطراف الشام، قد خرب أكثرها، واندفنت آبارها، وغارت مياهها لا خراب بختنصر لها، فافترقت قضاعة فرقا أربعا، ينضم إلى الفرقة طوائف من غيرها، يتبع الرجل أصهاره وأخواله.
(الفرقة الأولى الضجاعمة بالبلقاء:) فسار ضجعم بن حماطة بن عوف بن سعد بن سليح بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة، ولبيد بن الحدرجان السليحى، في جماعة من سليح وقبائل من قضاعة، إلى أطراف الشام ومشارفها، وملك العرب يومئذ ظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العمليقى، فانضموا إليه، وصاروا معه، فأنزلهم مناظر الشام، من البلقاء إلى حوارين، إلى الزيتون، فلم يزالوا مع ملوك العماليق، يغزون معهم المغازى، ويصيبون معهم المغانم، حتى صاروا مع الزباء بنت عمرو بن ظرب بن حسان المذكور، فكانوا فرسانها وولاة أمرها، فلما قتلها عمرو بن عدى بن نصر اللخمى، استولوا على الملك بعدها، فلم يزالوا ملوكا حتى غلبتهم غسان على الملك، وسليح وتلك القبائل في منازلهم التى كانوا ينزلونها إلى اليوم.
(الفرقة الثانية تزيد وعلاف بالجزيرة:) قال: وسار عمرو بن مالك التزيدى في تزيد وعشم ابني حلوان بن عمران وجماعة من علاف، وهو ربان بن حلوان، وهم عوف بن ربان، وبنو جرم بن ربان، إلى أطراف الجزيرة، ثم خالطوا قراها وعمرانها، وكثروا بها، وكانت بينهم وبين الاعاجم هناك وقعة; فهزموا الاعاجم، وأصابوا فيهم، فقال شاعرهم جدى بن الدهاء. وأنشد شعره وشعر عمرو بن مالك المتقدمين. ثم قال: فلم يزالوا بناحية الجزيرة حتى أغار عليهم سابور ذو الاكتاف، فافتتحها، وقتل بها جماعة من تزيد وعشم وعلاف، وبقيت منهم بقية لحقت بالشام.
(الفرقة الثالثة بنو عمرو بن الحاف باليمن:) وسارت بلى وبهراء وخولان، بنو عمرو بن الحاف بن قضاعة، ومهرة بن حيدان ومن لحق بهم، إلى بلاد اليمن، فوغلوا فيها، حتى نزلوا مأرب: أرض سبأ، بعد افتراق الازد منها، وأقاموا بها زمانا.
ثم أنزلوا عبدا لاراشة بن عامر ابن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلى، يقال له أشعب، في بئر بمأرب، وأدلوا عليه دلاءهم، فطفق الغلام يملا لمواليه ويؤثرهم، ويبطئ عن زيد اللات بن عامر بن عبيلة، فغضب، فحط عليه صخرة، وقال: دونك يا أشعب، فدمغته، فاقتتل القوم، ثم تفرقوا. فتقول قضاعة إن خولان أقامت باليمن، فنزلوا مخلاف خولان، وإن مهرة أقامت هناك، وصارت منازلهم الشحر، وإنه مهرة بن حيدان بن عمران بن الحاف، وإنه خولان بن عمرو بن الحاف. ويأبى نساب اليمن ذلك، فيقولون: هو خولان بن عمرو بن مالك بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ولحق عامر بن زيد اللات فقدموها، وتفرقوا فيها.
بلي تسكن المدينة المنورة
فنزل ضبيعة بن حرام بن جعل بن عمرو بن جشم بن ودم بن ذبيان بن هميم بن ذهل بن هني بن بلى، في ولده وأهله، بين أمج وعروان، وهما واديان يأخذان من حرة بنى سليم ويفرغان في البحر، ولهم أنعام وأموال، ولضبيعة إبل يقال لها الدجحان سود. قال: فطرقهم السيل وهم نيام، فذهب بضبيعة وإبله، فقالت نائحته: سال الواديان، أمج وعروان، فذهبت بضبيعة بن حرام وإبله الدجحان.
وتحول ولد ضبيعة ومن كان معهم من قومم إلى المدينة وأطرافها، وهم سلمة بن حارثة بن ضبيعة، وواثلة بن حارثة، والعجلان بن حارثة، فنزلوا المدينة وهم حلفاء الأنصار، ثم استوبئوها، فتحولوا إلى الجندل والسقيا والرحبة.
ونزل بنو أنيف بن جشم بن تميم بن عوذ مناة بن ناج بن تيم بن إراشة بن عامر بن عبيلة: قباء، وهم رهط طلحة بن البراء الانصاري.
ونزل بنو غصينة، وهم بنو سواد بن مرى ابن إراشة المدينة، وهم رهط المجذر بن ذياد البلوي (صحابي بدري قتل في أحد).
ونزل المدينة أيضا بنو عبيد ابن عمرو بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذهل بن هميم، المذكور قبل، وهم رهط أبى بردة بن نيار بن عمرو بن عبيد بن عمرو العقبى البدرى.
وأقام بمعدن سليم فران بن بلى، في طائفة من بلى، وهم بنو الاخثم بن عوف بن حبيب ابن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، وهم الذين يقال لهم القيون، ويزعمون أن أصلهم من بلى، مع أناس وجدوهم هناك من العاربة الاولى، من بنى فاران بن عمرو بن عمليق. وخاصم رجل منهم يقال له عقيل بن فضيل بنى الشريد في معدن فاران زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقال في ذلك خفاف بن عمير:
متى كان للقينين قين طمية * وقين بلى معدنان بفاران
فقال عقيل بن فضيل وهو يتقرب إلى بلى وينتسب إليهم:
أنا عقيل ويقال السلمى * وأصدق النسبة أنى من بلى
ونزلت قبائل من بلى أرضا يقال لها شغب وبدا، وهى فيما بين تيماء والمدينة، فلم يزالوا بها حتى وقعت الحرب بين بنى حشنة بن عكارمة بن عوف ابن جثم بن ودم بن هميم بن ذهل بن هنى بن بلى، وبين الربعة بن معتم بن ودم - هكذا قال ابن شبة. وإنما الربعة ولد سعد بن هميم بن ذهل بن هنى ابن بلى. والربعة: بفتح الراء والباء - فقتلوا نفرا من بنى الربعة، ثم لحقوا بتيماء، فأبت يهود أن يدخلوهم حصنهم وهم على غير دينهم ; فتهودوا، فأدخلوهم المدينة، فكانوا معهم زمانا، ثم خرج منهم نفر إلى المدينة، فأظهر الله الاسلام وبقية من أولادهم بها. ومنهم عويم بن ساعدة، وقد انتسب ولده إلى عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس، وكعب بن عجرة كان مقيما في نسبه من بلى، ثم انتسب بعد في بنى عمرو بن عوف في الانصار.
وأقام بطون حشنة بن عكارمة بتيماء، حتى أنزل الله باليهود يهود الحجاز ما أنزل من بأسه ونقمته، فقال أبو الذيال اليهودي، أحد بنى حشنة بن عكارمة، يبكى على اليهود:
لم تر عينى مثل يوم رأيته * برعبل ما احمر الاراك وأثمرا
وأيامنا بالكبس قد كان طولها * قصيرا وأيام برعبل أقصرا
فلم أر من آل السموءل عصبة * حسان الوجوه يخلعون المعذرا
ولحق الديل وعوف وأشرس، بنو زيد بن عامر بن عبيلة، في بنى تغلب، فصاروا معهم، يقولون: نحن بنو زيد اللات بن عمرو بن غنم بن تغلب، ولهم يقول الاخطل:
لزيد اللات أقدام صغار * قليل أخذهن من النعال
ولحق أخوهم عامر بن زيد بمذحج، فانتسب إلى سعد العشيرة، فقال: هو زيد اللات بن سعد العشيرة.
(الفرقة الرابعة بنو أسلم بن الحاف بصحار ثم الحجاز)وسبب تسمية صحار
وكان أول من طلع من قضاعة إلى أرض نجد، فأصحر في صحرائها: جهينة ونهد وسعد هذيم، بنو زيد بن ليت بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعه، فمر بهم راكب، فقال لهم: من أنتم ؟ فقالوا: بنو الصحراء. فقالت العرب: هؤلاء صحار، اسم مشتق من الصحراء. وقال زهير بن جناب الكلبى في ذلك، وهو يعنى بنى سعد بن زيد:
فما إبلى بمقتدر عليها * ولا حلمي الاصيل بمستعار
ستمنعها الفوارس من بلى * وتمنعها فوارس من صحار
ويمنعها بنو القين بن جسر * إذا أوقدت للحدثان نارى
ويمنعها بنو نهد وجرم * إذا طال التجاول في الغوار
بكل مناجد جلد قواه * وأهيب عاكفون على الدوار
أهيب: بن كلب بن وبرة. وقال بشر بن سوادة بن شلوة التغلبي، إذ نعى بنى عدى بن أسامة بن مالك التغلبيين، إلى بنى الحارث بن سعد هذيم بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة:
ألا تغنى كنانة عن أخيها * زهير في الملمات الكبار
فيبرز جمعنا وبنو عدى * فيعلم أينا مولى صحار
وقال بشر بن أبى خازم الاسدي:
وشب لطيئ الجبلين حرب * تهر لشجوها منها صحار
وقال حاجز الازدي، أزد شنوءة، أحد بنى سلامان بن مفرج، في الحرب التى كانت بين الازد ومذحج وأحلافها، وهو يعنى نهد بن زيد، وقد ضم إليهم جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وكانت نهد وجرم حلفاء بتلك البلاد ومتجاورين، وكانت جرم قد أصحرت، فأقامت بنجد:
فجاءت خثعم وبنو زبيد * ومذحج كلها وابنا صحار
فلم نشعر بهم حتى أناخوا * كأنهم ربيعة في الجمار
وقال عباس بن مرداس في الحرب التى كانت بين بنى سليم وبنى زبيد، وهو يعنى نهدا، وضم إليهم جرم بن ربان:
فدعها ولكن هل أتاها مقادنا * لاعدائنا نزجى الثقال الكوانسا
بجمع نريد ابني صحار كليهما * وآل زبيد مخطئا أو ملامسا

سبب تيامن نهد

فأقامت جهينة ونهد وسعد بصحار في نجد زمانا، فكثروا وتلاحق أولاد أولادهم، حتى وثب حزيمة بن نهد وكان مشئوما فاتكا جريئا، على الحارث وعرابة ابني سعد بن زيد، فقتلهما، فقال في ذلك نهد أبوه:
وهل نجاتى من دعوى عرابة أن * صارت محلة بيتى السفح والجبلا
وحاجة مثل حر النار داخلة * سليتها بكناز ذمرت جملا
مطوية الزور طى البئر دوسرة * مفروشة الرجل فرشا لم يكن عقلا
وكان نهد منيعا، كثير التبع والولد، وعمر عمرا طويلا، وهو أكثر قومه ولدا لصلبه، وهم أربعة عشر ذكرا. منهم لبرة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر - وهى أم أسد بن خزيمة، وأم النضر بن كنانة: مالك، وحزيمة، وعمرو، وهو الذى يقال له كبد بنى نهد، وزيد، ومعاوية، وصباح، وكعب، بنو نهد، وكعب هو أبو سود. ومنهم لامرأة من قضاعة من بنى القين بن جسر: حنظلة، وعائر، وعائذة، وجشم، وهو الطول، وشبابة، وأبان، وعائدة، بنو نهد. وأوصى نهد بنيه حين حضرته الوفاة فقال: أوصيكم بالناس شرا، ضربا أزا وطعنا وخزا، كلموهم نزرا، وانظروهم شزرا، واطعنوهم دسرا، اقصروا الأعنة، وطرروا الأسنة، وارعوا الغيث حيث كان. فقال: رجل من ولده، يرون أنه حزيمة: وإن كان على الصفا ؟ فقال نهد: حافة الصفا، فلم يرخص لهم في ترك النجعة. فهذه وصية نهد التى تذكرها العرب.
قال هبيرة بن عمرو بن جرثومة النهدي:
وأوصى أبونا فاتبعنا وصاته * وكل امرئ موص أبوه وذاهب
فأوصى بألا تستباح دياركم * وحاموا كما كنا عليها نضارب
إذا أوقدت نار العدو فلا يزل * شهاب لكم ترمى به الحرب ثاقب
يفرج عن أبنائنا ونسائنا * جلاد وطعن يردع الخيل صائب
وما ذاد عنا الناس إلا سيوفنا * وخطية مما يترص زاعب
وكندة تهذى بالوعيد ومذحج * وشهران من أهل الحجاز وواهب
وزاعب: رجل من حمير، كان يثقف الرماح. وقال عمرو بن مرة بن مالك النهدي، أحد بنى زوى بن مالك، زمن على ابن أبى طالب:
رحلت إلى كلب بحر بلادها * فلم يسمعوا في حاجتى قول قائل
وكانوا كظنى إذ رحلت إليهم * وما عالم بالمكرمات كجاهل
رهنت يمينى في قضاعة كلها * فأبت حميدا فيهم غير خامل
بذلك أوصاني زوى بن مالك * ونهد بن زيد في الخطوب الاوائل
وأوصى بألا تستباح دياركم * وحاموا عليها تنطقوا في المحافل
وغالوا بأخذ المكرمات فإنها * تفوز غداة السبق عند التفاضل
وكان حنظلة بن نهد من أشراف العرب، وكان له منزلة بعكاظ في مواسم العرب، وبتهامة والحجاز، ولذلك يقول قائلهم:
حنظلة بن نهد * خير ناش في معد
وعاش الذويد - واسمه جذيمة بن صبح بن زيد بن نهد - زمانا طويلا، لا تذكر العرب من طول عمر أحد ما تذكر من طول عمره، زعموا أنه عاش أربع مئة سنة، وقال حين حضرته الوفاة:
اليوم يبنى لذويد بيته * يا رب غيل حسن ثنيته
ومعصم موشم لويته * ومغنم في غارة حويته
لو كان للدهر بلى أبليته * أو كان قرنى واحدا كفيته
وقال:
ألقى على الدهر رجلا ويدا * والدهر ما أصلح يوما أفسدا
ويسعد الموت إذا الموت عدا
فلما قتل حزيمة ابني سعد بن زيد، تدابر القوم وتقاتلوا، وتفرقوا إلى البلاد التى صاروا إليها.

جهينة تسكن ينبع
قال ابن الكلبى: وكان أول أمر جهينة بن زيد بن ليث بن أسلم بن الحاف ابن قضاعة في مسيرهم إلى جبالهم وخلولهم بها، فيما حدثنى أبو عبد الرحمن المدنى، عن غير واحد من العرب: أن الناس بينما هم حول الكعبة، إذ هم بخلق عظيم يطوف، قد آزى رأسه أعلى الكعبة، فأجفل الناس هاربين، فناداهم: ألا لا تراعوا ; فأقبلوا إليه وهو يقول:
لا هم رب البيت ذى المناكب * ورب كل راجل وراكب
أنت وهبت الفتية السلاهب * وهجمة يحار فيها الحالب
وثلة مثل الجراد السارب * متاع أيام وكل ذاهب
فنظروا فإذا هي امرأة، فقالوا: ما أنت: إنسية أم جنية ؟ قالت: لا، بل إنسية من آل جرهم * أهلكنا الذر زمان يعلم * بمجحفات وبموت لهذم * للبغي منا وركوب المأثم * ثم قالت: من ينحر لى كل يوم جزورا، ويعد لى زادا وبعيرا، ويبلغني بلادا قورا، أعطه مالا كثيرا. فانتدب لذلك رجلان من جهينة، فسارا بها أياما، حتى انتهت إلى جبل جهينة، فأتت على قرية نمل وذر، فقالت: يا هذان، احتفرا هذا المكان، فاحتفرا عن مال كثير: من ذهب وفضة، فأوقرا بعيريهما، ثم قالت لهما: إياكما أن تلفتا فيختلس ما معكما. قال: وأقبل الذر حتى غشيهما، فمضيا غير بعيد، فالتفتا، فاختلس ما كان معهما من المال، وناديا: هل من ماء ؟ قالت: نعم، انظرا في موضع هذه الهضاب، وقالت، وقد غشيها الذر:
يا ويلتى يا ويلتى من أجلى * رى صغار الذر يبغى هبلي
سلطن يفرين على محملى * ؟ رأين أنه لا بد لى
من منعة أحرز فيها معقلى
ودخل الذر منخريها ومسامعها، فوقعت، لشقها، فهلكت. ووجد الجهنيان عند الهضبة الماء، وهو الماء الذى يقال له مشجر، وهو بناحية فرش ملل، من مكة على سبع أو نحوها، ومن المدينة على ليلة، إلى جانب مثعر، ماء لجهينة معروف، فيقال إنهما بقيا بتلك البلاد، وصارت بها جماعة جهينة. وكانت بقايا من جذام، سكان أرض بتلك البلاد، يقال لها يندد، فأجلتهم عنها جهينة، وبها نخل وماء، فقال رجل من جذام حين ظعن منها، والتفت إلى يندد ونخلها: تأبري يندد لا آبر لك * وكان لعجوز من جذام هناك نخيلات بفناء بيتها، وكانت إذا سئلت عنهن قالت: هن بناتى. فقيل لهن بنات بحنة، ولا يعلمونها كانت بموضع قبل يندد، وفيها يقول الراجز:
لا يغرس الغارس إلا عجوه * أو ابن طاب ثابتا في نجوه * أو الصياحى أو بنات بحنه *
فنزلت جهينة تلك البلاد، وتلاحقت قبائلهم وفصائلهم، فصارت نحوا من عشرين بطنا، وتفرقت قبائل جهينة في تلك الجبال، وهى الاشعر والاجرد وقدس وآرة ورضوى وصندد، وانتشروا في أوديتها وشعابها وعراصها، وفيها العيون، والنخل، والزيتون، والبان، والياسمين، والعسل، وضرب من الاشجار والنبات، وأسهلوا إلى بطن إضم وأعراضه، وهو واد عظيم، تدفع فيه أودية، ويفرغ في البحر، ونزلوا ذا خشب، ويندد، والحاضرة، ولقفا والفيض، وبواط، والمصلى، وبدرا، وجفاف، وودان، وينبع، والحوراء، ونزلوا ما أقبل من العرج والخبتين والرويثة والروحاء، ثم استطالوا على الساحل، وامتدوا في التهائم وغيرها، حتى لقوا بليا وجذام بناحية حقل من ساحل تيماء، وجاورهم في منازلهم على الساحل قبائل من كنانة.
ونزلت طوائف من جهينة بذى المروة وما يليها إلى فيف، فلم تزل جهينة بمنازلها حتى جاورتهم بها أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، ثم نزلتها معهم مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، فتجاورت هذه القبائل في هذه البلاد، وتنافسوا فيها - وبيان ما صار لكل قبيلة من تلك الجبال وبلادها، في الموضع الذى فيه حديث تلك القبيلة وعلم أمرها من هذا الكتاب - فخالفت بطون من جهينة بطونا من قيس عيلان، ونزلوا ناحية خيبر وحرة النار إلى القف، وفى ذلك يقول الحصين ابن الحمام المرى، في الحرب التى كانت بين صرمة بن مرة وسهم بن مرة:
فيا أخوينا من أبينا وأمنا * ذروا موليينا من قضاعة يذهبا
فإن أنتم لم تفعلوا (لا أبالكم) * فلا تعلقونا ما كرهنا فنغضبا
فلم تزل جهينة في تلك البلاد وجبالها والمواضع التى حصلت لها، بعد الذى صار لاشجع ومزينة من المنازل والمحال التى هم بها، إلى أن قام الاسلام، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم.
عذرة تنزل وادي القرى وتطرد نهد
ثم ظعنت بعد جهينة سعد هذيم ونهد، ابنا زيد بن ليث بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، فنزلوا وادى القرى والحجر والجناب، وما والاهن من البلاد، ولحقت بهم حوتكة بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وفصائل من قدامة بن جرم بن ربان، وهو علاف بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وبنو ملكان بن جرم، غير شكم بن عدى بن غنم بن ملكان بن جرم، وهم بطن ينسبون إلى فزارة، ويقولون: شكم بن ثعلبة بن عدى بن فزارة، والقوم حيث وضعوا أنفسهم.
فنزلت هذه القبائل تلك البلاد، فلم يزالوا بها حتى كثروا وانتشروا، فوقعت بينهم حرب، وكان العدد والقوة والعز والثروة في قبائل سعد (هزيم) بن زيد، فأخرجوا نهدا وحوتكة وبطون جرم منها، ونفوهم عنها، ورئيس بنى سعد يومئذ رزاح بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد بن زيد، وهو أخو قصى بن كلاب لامه، ولم تجتمع قضاعة على أحد غيره وغير زهير بن جناب الكلبى، فقال زهير لما بلغه الذى كان من أمرهم، وإخراج رزاح قومه تلك القبائل من تلك البلاد، كراهة لذلك وعرف ما في تفرقهم من القلة والوهن، وساءه ذلك:
ألا من مبلغ عنى رزاحا * فإنى قد لحيتك في اثنتين
لحيتك في بنى نهد بن زيد * كما فرقت بينهم وبيني
أحوتكة بن أسلم إن قوما * عنوكم بالمساءة قد عنوني
فظعنت نهد وحوتكة وجرم من تلك البلاد، وافترقت منها فصائل في العرب، فلحقت بنو أبان وبنو نهد ببنى تغلب بن وائل، فيقال إنهم رهط الهذيل بن هبيرة التغلبي، قال عمرو بن كلثوم التغلبي وهو يعنى الهذيل:
هلكت وأهلكت العشيرة كلها * فنهدك نهد لا أرى لك أرقما
وقال بشر بن سوادة بن شلوة في ذلك للهذيل:
أنهديا إذا ما جئت نهدا * وتدعى بالجزيرة من نزار
ألا تغنى كنانة عن أخيها * زهير في الملمات الكبار
فيبرز جمعنا وبنو عدى * فيعلم أينا مولى صحار
وقال خراش: هذا الشعر لعمرو بن كلثوم التغلبي.
وسارت حوتكة بعد إلى مصر، وأقام منهم أناس مع بلى، وأناس مع بنى حميس من جهينة، وأناس أيضا في بنى لاى من بنى عذرة، ويقال إن الذين بمصر عامتهم أنباط.

نهد وجرم تسكنان اليمن وتحالفان مذحج
وسارت قبائل جرم ونهد إلى بلاد اليمن: مالك، وحزيمة، وصباح، وزيد، ومعاوية، وكعب، وأبو سود، بنو نهد، فجاوروا مذحج في منازلهم من نجران وتثليث وما والاها، فنزلوا منها أرضا تلى السراة، يقال لها أديم، وأمرهم يومئذ جميع، وكلمتهم واحدة، وغلبوا على بعض تلك البلاد، وناكرتهم طوائف من قبائل مذحج، وطمعوا فيهم، فقال عبد الله بن دهثم النهدي في ذلك:
لاخرجن صريما من مساكنها * والمرتين وهمام بن سيار
لم أدر ما يمن وأرض ذى يمن * حتى نزلت أديما أفسح الدار
صريم: رجل من بنى زوى بن مالك بن نهد. وهمام: منهم. والمرتان: مرة بن مالك بن نهد، وأخ له آخر، له اسم غير مرة، فسماهما المرتين بأحدهما، وقال عمرو بن معد يكرب الزبيدى:
لقد كان الحواضر ماء قومي * فأصبحت الحواضر ماء نهد
وقال هبيرة بن عمرو النهدي، وهو يذكر قبائل مذحج وخثعم، وتنمرهم لهم، وتوعدهم إياهم:
وكندة تهذى بالوعيد ومذحج * وشهران من أهل الحجاز وواهب
قال: ونزلت خثعم السراة قبل نهد. قال: فكثرت بطون جرم ونهد بها وفصائلهم، فتلاحقوا، فاقتتلوا وتفرقوا، وتشتت أمرهم، ووقع الشر بينهم، وفى ذلك يقول أبو ليلى النهدي، وهو خالد بن الصقعب، جاهلي:
أتعرف الدار قفرا أم تحييها * أم تسأل الدار عن أخبار أهليها
دار لنهد وجرم إذ هم خلط * إذ العشيرة لم تشمت أعاديها
حتى رأيت سراة الحى قد جنحت * تحت الضبابة ترمينا ونرميها
وأصبح الود والارحام بينهم * زرق الاسنة مجلوزا نواحيها
إذ لا تشايعني نفسي لقتلهم * ولا لاخذ نساء الهون أسبيها
فلحقت نهد بن زيد ببنى الحارث بن كعب، فحالفوهم وجامعوهم، ولحقت جرم بن ربان ببنى زبيد، فحالفوهم وصاروا معهم، فنسبت كل قبيلة مع حلفائها، يغزون معهم، ويحاربون من حاربهم، حتى تحاربت بنو الحارث وبنو زبيد، في الحرب التى كانت بينهم، فالتقوا وعلى بنى الحارث عبد الله بن عبد المدان، وعلى بنى زبيد عمرو بن معد يكرب الزبيدى، فتعبي القوم، فعبيت جرم لنهد، وتواقع الفريقان، فاقتتلوا، فكانت الدبرة يومئذ على بنى زبيد، وفرت جرم من حلفائها من زبيد، فقال عمرو بن معد يكرب في ذلك، وهو يذكر جرما وفرارها عن زبيد:
لحا الله جرما كلما ذر شارق * وجوه كلاب هارشت فازبأرت
ظللت كأنى للرماح درية * أقاتل عن أبناء جرم وفرت
ولم تغن جرم نهدها إذ تلاقتا * ولكن جرما في اللقاء ابذعرت
فلحقت جرم بنهد، وحالفوا في بنى الحارث، وصاروا يغزون معهم إذا غزوا ويقاتلون معهم من قاتلوا، فقال في ذلك عمرو بن معد يكرب - قال ابن الكلبى: أنشدنيها أسعر بن عمرو الجعفي، قال: أنشدنيها خالد بن قطن الحارثى:
قل للحصين إذا مررت به * أبصر إذا راميت من ترمى
تهدى الوعيد لنا وتشتمنا * كمعرض بيديه للدهم
أرأيت إن سبقت إليك يدى * بمهند يهتز في العظم
هل يمنعنك إن هممت به * عبداك من نهد ومن جرم
قصيدة طويلة. وقال خالد بن الصقعب النهدي فيما كان بين نهد وجرم:
عقدنا بيننا عقدا وثيقا * شديدا لا يوصل بالخيوط
فتلك بيوتنا وبيوت جرم * تقارب شعر ذى الرأس المشيط
إذا ركبوا ترى نفيان خيل * مضرجة بأبدان شميط
ويؤويها الصريخ إلى طحون * كقرن الشمس أو كصفا الاطيط
فلم تزل جرم ونهد بتلك البلاد وهى على ذلك الحلف، حتى أظهر الله الاسلام، ومن هنالك هاجر من هاجر منهم، وبها بقيتهم.

سعد هزيم تحرس وادي القرى
وأقامت قبائل سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، بمنازلها من وادى القرى والحجر والجناب وما والاها من البلاد، فانتشروا فيها، وكثروا بها، وتفرقوا أفخاذا وقبائل، فكان في عذرة بن سعد - وأمه: عاتكة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر - العدد والشرف، ومنهم رزاح بن ربيعة، أخو قصى بن كلاب لامه، وفيهم كان بيت بنى عذرة بن سعد - وأمه: فاطمة بنت سعد بن سيل. قال: وكان أهل وادى القرى وما والاها اليهود يومئذ، كانوا نزلوها قبلهم على آثار من آثار ثمود والقرون الماضية، فاستخرجوا كظائمها، وأساحوا عيونها، وغرسوا نخلها وجنانها، فعقدوا بينهم حلفا وعقدا، وكان لهم فيها على اليهود طعمة وأكل في كل عام، ومنعوها لهم من العرب، ودفعوا عنها قبائل بلى ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وغيرهم من القبائل. وقد كان النعمان بن الحارث الغساني أراد أن يغزو وادى القرى وأهله، وأجمع على ذلك، فلقيه نابغة بنى ذبيان، واسمه زياد بن معاوية، فأخبره خبرهم، وحذره إياهم، ليصده عنهم، وذكر بأسهم وشدتهم ومنعهم بلادهم، ودفعهم عنها من أرادها، وقال في ذلك:
لقد قلت للنعمان يوم لقيته * يريد بنى حن ببرقة صادر
تجنب بنى حن فإن لقاءهم * كريه وإن لم تلق إلا بصابر
هم قتلوا الطائى بالحجر عنوة * أبا جابر واستنكحوا أم جابر
وهم ضربوا أنف الفزارى بعدما * أتاهم بمعقود من الامر فاقر
وهم منعوها من قضاعة كلها * ومن مضر الحمراء عند التغاور
وهم طرفوا عنها بليا فأصبحت * بلى بواد من تهامة غائر
فتطمع في وادى القرى وجنوبه * وقد منعوه من جميع المعاشر
وهم منعوا وادى القرى من عدوهم * بجمع مبير للعدو المكاثر
أبو جابر: ابن الجلاس بن وهب بن قيس بن عبيد بن طريف بن مالك ابن جدعاء بن ذهل بن رومان الطائى. وبنو حن بن ربيعة بن حرام بن ضنة: من بنى عذرة بن سعد هذيم. فلم يزالوا على ذلك، قد منعوا تلك البلاد، وجاوروا اليهود فيها، حتى قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: جمرة بن النعمان بن هوذة بن مالك ابن سمعان بن البياع بن دليم بن عدى بن حزاز بن كاهل بن عذرة، فجعل له رمية سوطه، وحضر فرسه، من وادى القرى، وجعل لبنى عريض من اليهود تلك الاطعمة التى ذكرنا في كل عام، من ثمار الوادي، وكان بنو عريض أهدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم خزيرا أو هريسة وامتدحوه، فطعمة بنى عريض جارية إلى اليوم، ولم يجلوا فيمن أجلى من اليهود. قال هشام: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الانصاري ثم العجلاني، عن إبراهيم بن البكير البلوى، عن يثربى بن أبى قسيمة السلامانى، عن أبى خالد السلامانى، قال: خرج رجل من مداش - ومداش بن شق بن عبد الله ابن دينار بن سعد هذيم - يقال له ورد، فلقى جمرة بن النعمان بعد أن أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي، فكسر عصا كانت بيد جمرة، فاستأدى جمرة عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوا أسد الهورات، فأقطعه حائطا بوادي القرى، يقال له حائط المداش.

انتقال كلب من نجد إلى الشام
وكانت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وجرم بن ربان، وعصيمة بن اللبو بن امرئ مناة بن فتية بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان، بمنازلها من حضن، وما والاها من ظواهر أرض نجد، ينتجعون البلاد، ويتبعون مواضع القطر، حتى انتشرت قبائل بنى نزار بن معد وكثرت، وخرجت من تهامة إلى ما يليها من نجد والحجاز، فأزالوهم عن منازلهم، ورحلوهم عنها، ونافسوهم فيها، فتفرقوا عنها فظعنت جرم بن ربان عن مساكنهم، من حضن وما قاربه، فتوجهت طائفة منهم إلى ناحية تيماء ووادى القرى، مع بنى نهد بن زيد، وحوتكة بن سود بن أسلم، فصاروا أهلها وسكانها، فلم يزالوا بها حتى وقعت بينهم وبين قبائل سعد هذيم ابن زيد حرب، فأخرجوهم بنو سعد منها، فلحقوا ببلاد اليمن. وقد فسرنا أمرهم في حربهم، ومسيرهم إلى اليمن، ومقامهم هنالك، في مقدم حديث قضاعة وتفرقهم.
وسارت ناجية بن جرم، وراسب بن الخزرج بن جدة بن جرم، وقدامة بن جرم، وملكان بن جرم، متوجهين إلى عمان، فمروا باليمامة، فأقامت طائفة منهم بها، ومضت جماعتهم حتى قدموا عمان، فجاوروا الازد بها، وأقاموا معهم، وصاروا من أتلاد عمان، الذين فيها، وفيه يقول المتلمس:
إن علافا ومن بالطود من حضن * لما رأوا أنه دين خلابيس
ردوا إليهم جمال الحى فاحتملوا * والضيم ينكره القوم المكاييس
ويقال إن سامة بن لؤى بن غالب القرشى، خرج من الحرم، فنزل عمان، وبها تزوج امرأته الجرمية، التى منها ولده، وهى ناجية بنت جرم، فيما ذكر الكلبى، وجرم يقولون: ناجية بن جرم تزوج هند بنت سامة ابن لؤى. وقال غير الكلبى: هي ناجية بنت الخزرج بن جدة بن جرم.
فصار بنو سامة بن لؤى بعمان حيا حريدا شديدا، ولهم منعة وثروة، يقال لهم بنو ناجية، وفى ذلك يقول المسيب بن علس الضبعى:
وقد كان سامة في قومه * له مأكل وله مشرب
فساموه خسفا فلم يرضه * وفى الارض عن خسفهم مذهب
فقال لسامة إحدى النسا * ء ما لك يا سام لا تركب
أكل البلاد بها حارس * مطل وضرغامة أغلب
فقال بلى إننى راكب * وإنى لقومي مستعتب
فشد أمونا بأنساعها * بنخلة إذ دونها كبكب
فجنبها الهضب تردى به * كما شجى القارب الاحقب
فلما أتى بلدا سره * به مرتع وبه معزب
وحصن حصين لابنائهم * وريف لعيرهم مخصب
تذكر لما ثوى قومه * ومن دونهم بلد غرب
فكرت به حرج ضامر * فآبت به صلبها أحدب
فقال ألا فابشروا واظعنوا * فصارت علاف ولم يعقبوا
ولم ينه رحلتهم في السما * ء نحس الخراتين والعقرب
فبلغه دلج دائب * وسير إذا صدح الجندب
فحين النهار يرى شمسه * وحينا يلوح لها كوكب
وهى طويلة. ولحق بهم فيما يقال، والله أعلم، بنو فدى بن سعد بن الحارث بن سامة ابن لؤى، فانتسبوا إليهم. وكان فدى بن سعد قتل ابن أخ له، يقال له حمرة بن عمرو بن سعد، ثم لحق باليحمد بن حمى بن عثمان بن نصر بن زهران من الازد. وقال عدى بن وقاع العقوى - وهو من العقاة من الازد، واسم العقي: منقذ بن عمرو بن مالك بن فهم، وإنما سمى العقى لانه قتل أخاه جرموزا، فقيل عقه، فسمى لقتله إياه العقى - فقال في شأن جرم ونزولهم عمان، ووقعة كانت هنالك بينهم:
ناج ابن جرم فما أسباب جيرتكم * بنى قدامة إن مولاهم فسدا
دليتموهم بأمراس لمهلكة * جرد تبين في مهواتها جردا
أخرجتموهم من الاحرام فانتجعوا * يبغون خيرا فلاقوا نجعة حشدا
إلى عمان فداستهم كتائبنا * يوم الرئال فكانوا مثل من حصدا
وانحازت كلب من منازلها التى كانوا بها، من حضن وما والاه، إلى ناحية الربذة وما خلفها، إلى جبل طمية، وفى ذلك يقول زهير بن جناب الكلبى وهو يوصى بنيه، ويذكر منزله طمية:
أبنى إن أهلك فإنى قد بنيت لكم بنيه
وتركتكم أرباب سا * دات زنادكم وريه
ولكل ما نال الفتى * قد نلته إلا التحيه
ولقد شهدت النار للسلاف توقد في طميه
يعنى يوم خزاز حين أوقدوا. فوقعت بين قبائل كلب حرب، فاقتتلوا، فكانت كلب كلها يدا على بنى كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور ابن كلب، فظهرت بنو كنانة كلها. قال هشام: الصحة من ذلك أن عامر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة، وعبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف وأحلافهم، كانوا يدا على بنى كنانة وأحلافها، فظهرت بنو كنانة على هاتين العمارتين: بنى عامر وبنى عبد الله. وفى ذلك اليوم تحالفت أحلاف كلب كلها، فتفرقت كلب كلها، وتباينت في ديارها ومنازلها. فظعنت قبائل من بنى عامر بن عوف بن بكر إلى أطراف الشام وناحية تيماء، فيمن لحق بهم وكان معهم. وليست لعامر بادية. ونزلت كلب ومن حالفهم وصار معهم من قبائل كلب، بخبت دومة، إلى ناحية بلاد طيئ، من الجبلين وحيزهما، إلى طريق تيماء ; وبدومة غلبهم بنو عليم بن جناب، فقال أوس بن حارثة بن أوس الكلبى، جاهلي، في الحرب التى كانت بينهم:
سقنا رفيدة حتى احتل أولها * تيماء يذعر من سلافها جدد
سرنا إليهم وفينا كارهون لنا * وقد يصادف في المكروهة الرشد
حتى وردنا على ذبيان ضاحية * إنا كذاك على ما خيلت نرد

بيت الزعامة في كلب بن وبرة
قال هشام عن الشرقي: وكان أول بيت في قضاعة، في حنظلة بن نهد ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وكان صاحب فتاحتهم، وهو حكمهم الذى يحكم بينهم، وله يقول القائل: حنظلة بن نهد * خير ناش في معد * وكان وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة مرض مرضة، فرفع يده إلى السماء، فقال: اللهم أدلني من نهد، وأدل بنى من بنى نهد. قال: وعز قضاعة يومئذ وشرفها في بنى نهد ; وكان حنظلة بن نهد صاحب فتاحة تهامة، وصاحب العرب بعكاظ، حين تجتمع في أسواقها، فتحول ذلك إلى كلب بن وبرة، فكان أول كلبى جمع كلبا وضربت عليه القبة، عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور ابن كلب، ودفع إليه ود. ثم ضربت من بعده على ابنه عبد ود بن عوف، ودفع الصنم إلى أخيه عامر الاجدار بن عوف. ثم ضربت من بعده على الشجب بن عبد ود بن عوف. ثم ضربت من بعده على ابنه عبد الله بن الشجب. ثم ضربت على ابنه عامر بن عبد الله، وهو المتمنى. ثم تحول البيت والشرف إلى زهير بن جناب، فلم يزل فيه عمره حتى هلك. ثم تحول إلى عدى بن جناب، فكان منهم في الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدى بن جناب: ثم تحول إلى ابنه ثعلبة. ثم إلى عمرو بن ثعلبة، فهو فيهم إلى اليوم. وقال الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني في تفرق قضاعة: إن عامرا ماء السماء بن حارثة، جرد وندب إلى الشام، بأمر الملك الملظاط بن عمرو، أحياء قضاعة، وولى عليهم زيد بن ليث بن سود، فلما صاروا بالحجاز يريدون الشام، اختلفوا على أميرهم زيد بن ليث، فافترقوا عنه، فمنهم من رجع إلى اليمن، ونسلهم بها إلى اليوم، وهم خولان ومهرة ومجيد ; ومنهم من نزل الحجاز، ونسلهم بها إلى اليوم، وهم بلى وبهراء ابنا عمرو، وأقام زيد أيضا بالحجاز، فافترق بها نسله: من سعد وعذرة، وجهينة، ونهد. فأما نهد فارتفعت إلى نجد العليا، وقد كانت دهرا بتهامة، وأما من مضى من قضاعة إلى الشام ومصر والبحرين، فنسله بها إلى اليوم، وهم كلب بن وبرة، وتنوخ، وسليح، وخشين، والقين. "
انتهى النقل عن البكري


i[vhj rqhum hgr]dlm lk jihlm ,jtvr ]dhvih > lgt ;hlg livm hgp,hj;m fgd fivhx [vl [idkm o,ghk p,j;m shlm sdhv su] i.dl u`vm thvhk i[v ki] ;gf