قال أبو عبيد البكري الاندلسي رحمه الله في كتابه الشهير معجم ما استعجم (وما بين الاقواس) شرح منا للتوضيح, وووضعنا عناوين لربط الفقرات ببعضها:
(جهينة تسكن ينبع
قال ابن الكلبى: وكان أول أمر جهينة بن زيد بن ليث بن أسلم بن الحاف ابن قضاعة في مسيرهم إلى جبالهم وخلولهم بها، فيما حدثنى أبو عبد الرحمن المدنى، عن غير واحد من العرب: أن الناس بينما هم حول الكعبة، إذ هم بخلق عظيم يطوف، قد آزى رأسه أعلى الكعبة، فأجفل الناس هاربين، فناداهم: ألا لا تراعوا ; فأقبلوا إليه وهو يقول:
لا هم رب البيت ذى المناكب * ورب كل راجل وراكب
أنت وهبت الفتية السلاهب * وهجمة يحار فيها الحالب
وثلة مثل الجراد السارب * متاع أيام وكل ذاهب
فنظروا فإذا هي امرأة، فقالوا: ما أنت: إنسية أم جنية ؟ قالت: لا، بل إنسية من آل جرهم * أهلكنا الذر زمان يعلم * بمجحفات وبموت لهذم * للبغي منا وركوب المأثم * ثم قالت: من ينحر لى كل يوم جزورا، ويعد لى زادا وبعيرا، ويبلغني بلادا قورا، أعطه مالا كثيرا. فانتدب لذلك رجلان من جهينة، فسارا بها أياما، حتى انتهت إلى جبل جهينة، فأتت على قرية نمل وذر، فقالت: يا هذان، احتفرا هذا المكان، فاحتفرا عن مال كثير: من ذهب وفضة، فأوقرا بعيريهما، ثم قالت لهما: إياكما أن تلفتا فيختلس ما معكما. قال: وأقبل الذر حتى غشيهما، فمضيا غير بعيد، فالتفتا، فاختلس ما كان معهما من المال، وناديا: هل من ماء ؟ قالت: نعم، انظرا في موضع هذه الهضاب، وقالت، وقد غشيها الذر:
يا ويلتى يا ويلتى من أجلى * رى صغار الذر يبغى هبلي
سلطن يفرين على محملى * ؟ رأين أنه لا بد لى
من منعة أحرز فيها معقلى
ودخل الذر منخريها ومسامعها، فوقعت، لشقها، فهلكت. ووجد الجهنيان عند الهضبة الماء، وهو الماء الذى يقال له مشجر، وهو بناحية فرش ملل، من مكة على سبع أو نحوها، ومن المدينة على ليلة، إلى جانب مثعر، ماء لجهينة معروف، فيقال إنهما بقيا بتلك البلاد، وصارت بها جماعة جهينة. وكانت بقايا من جذام، سكان أرض بتلك البلاد، يقال لها يندد، فأجلتهم عنها جهينة، وبها نخل وماء، فقال رجل من جذام حين ظعن منها، والتفت إلى يندد ونخلها: تأبري يندد لا آبر لك * وكان لعجوز من جذام هناك نخيلات بفناء بيتها، وكانت إذا سئلت عنهن قالت: هن بناتى. فقيل لهن بنات بحنة، ولا يعلمونها كانت بموضع قبل يندد، وفيها يقول الراجز:
لا يغرس الغارس إلا عجوه * أو ابن طاب ثابتا في نجوه * أو الصياحى أو بنات بحنه *
فنزلت جهينة تلك البلاد، وتلاحقت قبائلهم وفصائلهم، فصارت نحوا من عشرين بطنا، وتفرقت قبائل جهينة في تلك الجبال، وهى الاشعر والاجرد وقدس وآرة ورضوى وصندد، وانتشروا في أوديتها وشعابها وعراصها، وفيها العيون، والنخل، والزيتون، والبان، والياسمين، والعسل، وضرب من الاشجار والنبات، وأسهلوا إلى بطن إضم وأعراضه، وهو واد عظيم، تدفع فيه أودية، ويفرغ في البحر، ونزلوا ذا خشب، ويندد، والحاضرة، ولقفا والفيض، وبواط، والمصلى، وبدرا، وجفاف، وودان، وينبع، والحوراء، ونزلوا ما أقبل من العرج والخبتين والرويثة والروحاء، ثم استطالوا على الساحل، وامتدوا في التهائم وغيرها، حتى لقوا بليا وجذام بناحية حقل من ساحل تيماء، وجاورهم في منازلهم على الساحل قبائل من كنانة.
ونزلت طوائف من جهينة بذى المروة وما يليها إلى فيف، فلم تزل جهينة بمنازلها حتى جاورتهم بها أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، ثم نزلتها معهم مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، فتجاورت هذه القبائل في هذه البلاد، وتنافسوا فيها - وبيان ما صار لكل قبيلة من تلك الجبال وبلادها، في الموضع الذى فيه حديث تلك القبيلة وعلم أمرها من هذا الكتاب - فخالفت بطون من جهينة بطونا من قيس عيلان، ونزلوا ناحية خيبر وحرة النار إلى القف، وفى ذلك يقول الحصين ابن الحمام المرى، في الحرب التى كانت بين صرمة بن مرة وسهم بن مرة:
فيا أخوينا من أبينا وأمنا * ذروا موليينا من قضاعة يذهبا
فإن أنتم لم تفعلوا (لا أبالكم) * فلا تعلقونا ما كرهنا فنغضبا
فلم تزل جهينة في تلك البلاد وجبالها والمواضع التى حصلت لها، بعد الذى صار لاشجع ومزينة من المنازل والمحال التى هم بها، إلى أن قام الاسلام، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم.
عذرة تنزل وادي القرى وتطرد نهد
ثم ظعنت بعد جهينة سعد هذيم ونهد، ابنا زيد بن ليث بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، فنزلوا وادى القرى والحجر والجناب، وما والاهن من البلاد، ولحقت بهم حوتكة بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وفصائل من قدامة بن جرم بن ربان، وهو علاف بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وبنو ملكان بن جرم، غير شكم بن عدى بن غنم بن ملكان بن جرم، وهم بطن ينسبون إلى فزارة، ويقولون: شكم بن ثعلبة بن عدى بن فزارة، والقوم حيث وضعوا أنفسهم.
فنزلت هذه القبائل تلك البلاد، فلم يزالوا بها حتى كثروا وانتشروا، فوقعت بينهم حرب، وكان العدد والقوة والعز والثروة في قبائل سعد (هزيم) بن زيد، فأخرجوا نهدا وحوتكة وبطون جرم منها، ونفوهم عنها، ورئيس بنى سعد يومئذ رزاح بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد بن زيد، وهو أخو قصى بن كلاب لامه، ولم تجتمع قضاعة على أحد غيره وغير زهير بن جناب الكلبى، فقال زهير لما بلغه الذى كان من أمرهم، وإخراج رزاح قومه تلك القبائل من تلك البلاد، كراهة لذلك وعرف ما في تفرقهم من القلة والوهن، وساءه ذلك:
ألا من مبلغ عنى رزاحا * فإنى قد لحيتك في اثنتين
لحيتك في بنى نهد بن زيد * كما فرقت بينهم وبيني
أحوتكة بن أسلم إن قوما * عنوكم بالمساءة قد عنوني
فظعنت نهد وحوتكة وجرم من تلك البلاد، وافترقت منها فصائل في العرب، فلحقت بنو أبان وبنو نهد ببنى تغلب بن وائل، فيقال إنهم رهط الهذيل بن هبيرة التغلبي، قال عمرو بن كلثوم التغلبي وهو يعنى الهذيل:
هلكت وأهلكت العشيرة كلها * فنهدك نهد لا أرى لك أرقما
وقال بشر بن سوادة بن شلوة في ذلك للهذيل:
أنهديا إذا ما جئت نهدا * وتدعى بالجزيرة من نزار
ألا تغنى كنانة عن أخيها * زهير في الملمات الكبار
فيبرز جمعنا وبنو عدى * فيعلم أينا مولى صحار
وقال خراش: هذا الشعر لعمرو بن كلثوم التغلبي.
وسارت حوتكة بعد إلى مصر، وأقام منهم أناس مع بلى، وأناس مع بنى حميس من جهينة، وأناس أيضا في بنى لاى من بنى عذرة، ويقال إن الذين بمصر عامتهم أنباط.
)
انتهى النقل عن البكري



[idkm hgrqhudm js;k dkfu rqhum