التحذير من البدع
المكتبة الرقمية بجامعة الأمام محمد بن سعود الأسلامية
.................................................. .....
التحذير من البدع

تأليف

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله

.
.
- ص 1 - بسم الله الرحمن الرحيم الرسالة الأولى

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد :

فقد تكرر السؤال من كثيرين عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، والقيام له في أثناء ذلك ، وإلقاء السلام عليه ، وغير ذلك مما يفعل في الموالد .

والجواب أن يقال : لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا غيره ؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا - ص 2 - غيرهم من الصحابة- رضوان الله على الجميع- ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/270). من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifمتفق عليه ، ورواه أبو داود وابن ماجه عن عائشة . أي : مردود عليه .

وقال في حديث آخر : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالترمذي العلم (2676) ، ابن ماجه المقدمة (42) ، أحمد (4/126) ، الدارمي المقدمة (95). عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ - ص 3 - وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifخرجه القاضي عياض في الشفاء عن العرباض بن سارية وزاد فيه : [ وكل ضلالة في النار ] . .

ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها .

وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة الحشر الآية : 7 . وقال عز وجل : - ص 4 -التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة النور الآية : 63 . وقال سبحانه : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة الأحزاب الآية : 21 . وقال تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة التوبة الآية : 100 . - ص 5 - وقال تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة المائدة الآية : 3 . والآيات في هذا المعنى كثيرة .

وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه : أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين : أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم ، واعتراض على الله سبحانه ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة .

- ص 6 - والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما ثبت في الحديث الصحيح ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifمسلم الإمارة (1844) ، النسائي البيعة (4191) ، ابن ماجه الفتن (3956) ، أحمد (2/191). ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif رواه مسلم في صحيحه .

ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأعمهم بلاغا ونصحا ، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ، أو فعله في حياته ، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم ، - ص 7 - فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته ، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين .

وقد جاء في معناهما أحاديث أخر ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifمسلم الجمعة (867) ، النسائي صلاة العيدين (1578) ، ابن ماجه المقدمة (45) ، أحمد (3/371) ، الدارمي المقدمة (206). أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif رواه الإمام مسلم في صحيحه رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي . .

والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة .

وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها ؛ عملا بالأدلة المذكورة وغيرها . وخالف بعض - ص 8 - المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات ؛ كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال آلات الملاهي ، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر ، وظنوا أنها من البدع الحسنة ، والقاعدة الشرعية : رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله ، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . كما قال الله عز وجل : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة النساء الآية : 59 . - ص 9 - وقال تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة الشورى الآية : 10 . .

وقد رددنا هذه المسألة- وهي الاحتفال بالموالد - إلى كتاب الله سبحانه ، فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه ، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه ، وقد رددنا ذلك- أيضا- إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ، ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فعلمنا بذلك أنه ليس من - ص 10 - الدين ، بل هو من البدع المحدثة ، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم .

وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام ، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها . ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار ، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين ، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية ، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة البقرة الآية : 111 . - ص 11 - وقال تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gif الآية سورة الأنعام الآية : 116 . ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى ؛ كاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال الأغاني والمعازف ، وشرب المسكرات والمخدرات ، وغير ذلك من الشرور ، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر ، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو غيره من الأولياء ، ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه - ص 12 - وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء .

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifابن ماجه المناسك (3029) ، أحمد (1/215). إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifرواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس . .

وقال عليه الصلاة والسلام : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري أحاديث الأنبياء (3261). لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه .

ومن العجائب والغرائب : أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة ، ويدافع عنها ، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات ، ولا يرفع بذلك رأسا ، ولا - ص 13 - يرى أنه أتى منكرا عظيما ، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي ، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين .

ومن ذلك : أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد ؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ، ولا يتصل بأحد من الناس ، ولا يحضر اجتماعاتهم ، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة ، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالتحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة المؤمنون الآيتان : 15 - 16 . - ص 14 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifمسلم الفضائل (2278) ، أحمد (2/540). أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام .

فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم ، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور ، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان - ص 15 - . والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به .

أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات ، ومن الأعمال الصالحات ، كما قال الله تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة الأحزاب الآية : 56 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifمسلم الصلاة (384) ، الترمذي المناقب (3614) ، النسائي الأذان (678) ، أبو داود الصلاة (523) ، أحمد (2/168). من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifرواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة . وهي مشروعة في جميع الأوقات ، ومتأكدة في آخر كل - ص 16 - صلاة ، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة ، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة ، منها ما بعد الأذان ، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام ، وفي يوم الجمعة وليلتها ، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة .

والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة ، إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآله وصحبه .
...
- ص 17 - الرسالة الثانية

حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه . أما بعد :

فلا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه ، قال الله تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gif - ص 18 -سورة الإسراء الآية : 1 . .

وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عُرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلَّمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس .

وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض وخمسون في الأجر ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .

وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها ، وكل ما ورد - ص 19 - في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها ، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ، فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ، ولم يخصوها بشيء ، ولو كان الاحتفال بها أمرا مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ؛ إما بالقول ، أو بالفعل ، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا ، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ، ولم يفرطوا في شيء من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير ، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعا لكانوا أسبق الناس إليه ، والنبي - ص 20 - صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس ، وقد بَلَّغ الرسالة غاية البلاغ وأدى الأمانة ، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه ، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء ، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها وأتم عليها النعمة ، وأنكر على من شَرَّع في الدين ما لم يأذن به الله .

قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالآية : 3 . وقال عز وجل في سورة الشورى : - ص 21 -التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة الشورى الآية : 21 . وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع ، والتصريح بأنها ضلالة ؛ تنبيها للأمة على عظم خطرها ، وتنفيرا لهم من اقترافها ، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/270). من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifمتفق عليه ورواه الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر . - ص 22 - وفي رواية لمسلم : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/256). من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif وفي صحيح مسلم ، عن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifمسلم الجمعة (867) ، النسائي صلاة العيدين (1578) ، ابن ماجه المقدمة (45) ، أحمد (3/371) ، الدارمي المقدمة (206). أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif وفي السنن ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ، وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا ، فقال : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالترمذي العلم (2676) ، ابن ماجه المقدمة (44) ، أحمد (4/126) ، الدارمي المقدمة (95). أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش - ص 23 - منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifرواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن العرباض بن سارية . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعدهم : التحذير من البدع ، والترهيب منها ؛ وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين ، وشرع لم يأذن به الله ، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ، ولأن لازمها التنقص للدين - ص 24 - الإسلامي واتهامه بعدم الكمال ، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم والمنكر الشنيع والمصادمة لقول الله عز وجل : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة المائدة الآية : 3 . والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها .
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة- أعني : بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج- والتحذير منها ، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء .
ولما أوجب الله من النصح للمسلمين ، وبيان ما - ص 25 - شرع الله لهم من الدين ، وتحريم كتمان العلم- رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة التي قد فشت في كثير من الأمصار حتى ظنها بعض الناس من الدين . والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا ، ويمنحهم الفقه في الدين ، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه وترك ما خالفه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ، وآله وصحبه .
- ص 26 - الرسالة الثالثة

حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان


الحمد لله الذي أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة . أما بعد :

فقد قال الله تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالآية 3 من سورة المائدة . - ص 27 - وقال تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالآية 21 من سورة الشورى . وفي الصحيحين ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/270). من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif وفي لفظ لمسلم : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/256). من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif وفي صحيح مسلم ، عن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة يوم الجمعة : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifمسلم الجمعة (867) ، النسائي صلاة العيدين (1578) ، ابن ماجه المقدمة (45) ، أحمد (3/371) ، الدارمي المقدمة (206). أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله - ص 28 - وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وأتم عليها نعمته ، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلّغ البلاغ المبين ، وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال ، وأوضح صلى الله عليه وسلم : أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال فكله بدعة مردود على من أحدثه ، ولو حسن قصده ، وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ، وهكذا علماء الإسلام بعدهم ، فأنكروا البدع وحذروا منها ، كما ذكر - ص 29 - ذلك كل من صنّف في تعظيم السنة وإنكار البدعة ؛ كابن وضاح ، والطرطوشي ، وأبي شامة ، وغيرهم .

ومن البدع التي أحدثها بعض الناس : بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وتخصيص يومها بالصيام ، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه ، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها ، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع ، كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم ، وسيأتي ذكر بعض كلامهم إن شاء الله .

وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام وغيرهم .

والذي عليه جمهور العلماء : أن الاحتفال بها - ص 30 - بدعة ، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة ، وبعضها موضوع ، وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب في كتابه (لطائف المعارف) وغيره ، والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة ، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة .

وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

وأنا أنقل لك أيها القارئ ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة ؛ حتى تكون على بينة في ذلك ، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب رد ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله عز - ص 31 - وجل ، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الاتباع ، وما خالفهما وجب اطراحه ، وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله فضلا عن الدعوة إليه وتحبيذه ، كما قال الله سبحانه : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة النساء آية 59 . وقال تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة الشورى آية 10 . - ص 32 - وقال تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة آل عمران الآية 31 . وقال عز وجل : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة النساء الآية : 65 . والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهي نص في وجوب رد مسائل الخلاف إلى الكتاب والسنة ، ووجوب الرضى بحكمهما ، وأن ذلك هو مقتضى الإيمان وخير للعباد في العاجل والآجل التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gif أي : عاقبة .

- ص 33 - قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه (لطائف المعارف) في هذه المسألة بعد كلام سبق ما نصه : (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام ؛ كخالد بن معدان ، ومكحول ، ولقمان بن عامر ، وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل : إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها ، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم . وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم : عطاء ، وابن أبي مليكة ، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة ، - ص 34 - وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا : ذلك كله بدعة .

واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :

أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويتكحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد جماعة : ليس ذلك ببدعة . نقله حرب الكرماني في مسائله .

والثاني : أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ، ولا يكره أن يصلي - ص 35 - الرجل فيها لخاصة نفسه ، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى . . إلى أن قال : ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان ، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان : من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد ، فإنه (في رواية) لم يستحب قيامها جماعة ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستحبها (في رواية) ؛ لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك- وهو من التابعين- فكذلك قيام ليلة النصف لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام .

- ص 36 - انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله . وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في ليلة النصف من شعبان . وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف ؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعا لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله ، سواء فعله مفردا أو في جماعة ، وسواء أسرّه أو أعلنه ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/256). من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها .

- ص 37 - وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه (الحوادث والبدع) ما نصه : (وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال : ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول ، ولا يرون لها فضلا على ما سواها) .

وقيل لابن أبي مليكة : إن زيادا النميري يقول : إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر . فقال : لو سمعته وبيدي عصا لضربته . وكان زياد قاصا ، انتهى المقصود .

وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في (الفوائد المجموعة) ما نصه : حديث : " يا علي ، من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان ، يقرأ في - ص 38 - كل ركعة بفاتحة الكتاب ، و (قل هو الله أحد) عشر مرات ، إلا قضى الله له كل حاجة . . . " إلخ ، هو موضوع ، وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه ، ورجاله مجهولون ، وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ، ورواتها مجاهيل ، وقال في (المختصر) : حديث صلاة نصف شعبان باطل . ولابن حبان من حديث علي : (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها) رواه البيهقي في شعب الإيمان وابن ماجه عن علي . ضعيف ، وقال في (اللآلئ) : (مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات) مع طول فضله ، للديلمي وغيره ، موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاث : مجاهيل ضعفاء . قال : (واثنتا عشرة - ص 39 - ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة - وأربع عشرة ركعة) موضوع .

وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء ، كصاحب (الإحياء) وغيره ، وكذا من المفسرين ، وقد رويت صلاة هذه الليلة- أعني : ليلة النصف من شعبان- على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة ، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه صلى الله عليه وآله وسلم إلى البقيع ، ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا ، وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم كلب ، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة ، على أن حديث عائشة هذا : فيه ضعف وانقطاع ، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها لا - ص 40 - ينافي كون هذه الصلاة موضوعة ، على ما فيه من الضعف ، حسبما ذكرناه . انتهى المقصود .

وقال الحافظ العراقي : حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذب عليه . وقال الإمام النووي في كتاب (المجموع) :

الصلاة المعروفة بـ : صلاة الرغائب ، وهي : اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ، ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين ، ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل ، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة ، - ص 41 - فصنف ورقات في استحبابهما ، فإنه غالط في ذلك .

وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما ، فأحسن فيه وأجاد ، وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جدا ، ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلامهم في هذه المسألة لطال بنا الكلام ، ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعا لطالب الحق .

ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم يتضح لطالب الحق : أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام - ص 42 - بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل :

التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة المائدة الآية : 3 . وما جاء في معناها من الآيات .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم :

التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/270). من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifمتفق عليه ورواه أبو داود وابن ماجه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . وفي ما جاء في معناه من الأحاديث .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifمسلم الصيام (1144) ، أحمد (2/422). لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا - ص 43 - تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ؛ لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس ، بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى ، لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ، كما في الصحيحين ، عن النبي صلى - ص 44 - الله عليه وسلم أنه قال : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الإيمان (37) ، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (760) ، الترمذي الصوم (683) ، النسائي الصيام (2206) ، أبو داود الصلاة (1371) ، أحمد (2/423) ، الدارمي الصوم (1776). من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifمتفق عليه ورواه الأربعة عن أبي هريرة . .

التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الصوم (1802) ، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (760) ، الترمذي الصوم (683) ، النسائي الصيام (2202) ، أبو داود الصلاة (1372) ، أحمد (2/241) ، الدارمي الصوم (1776). ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifرواه البخاري والثلاثة عن أبي هريرة . .

فلو كانت ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة أول جمعة من رجب ، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إليه ، أو فعله بنفسه ، ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة رضي الله عنهم إلى الأمة ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس وأنصح الناس بعد الأنبياء عليهم - ص 45 - الصلاة والسلام ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم ، وقد عرفت آنفا من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصهما بشيء من العبادة بدعة منكرة ، وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج ، لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة ، كما لا يجوز الاحتفال بها ؛ للأدلة السابقة ، هذا لو علمت ، فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها لا تعرف ، وقول من قال : إنها ليلة سبع وعشرين من رجب - ص 46 - قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة ، ولقد أحسن من قال :

وخير الأمور السالفات على الهدى وشـــر الأمـــور المحدثــات البــدائع



والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة ، والثبات عليها ، والحذر مما خالفها ، إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

- ص 47 - الرسالة الرابعة

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين حفظهم الله بالإسلام ، وأعاذنا وإياهم من شر مفتريات الجهلة الطغام آمين .

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أما بعد :

فقد اطلعت على كلمة منسوبة إلى الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف بعنوان :

(هذه وصية من المدينة المنورة ، عن الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف) .

قال فيها : (كنت ساهرا ليلة الجمعة أتلو القرآن الكريم ، وبعد تلاوة قراءة أسماء الله الحسنى ، - ص 48 - فلما فرغت من ذلك تهيأت للنوم ، فرأيت صاحب الطلعة البهية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بالآيات القرآنية والأحكام الشريفة ؛ رحمة بالعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا شيخ أحمد ، قلت : لبيك يا رسول الله ، يا أكرم خلق الله ، فقال لي : أنا خجلان من أفعال الناس القبيحة ، ولم أقدر أن أقابل ربي ولا الملائكة ؛ لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفا على غير دين الإسلام ، ثم ذكر بعض ما وقع فيه الناس من المعاصي ، ثم قال : فهذه الوصية رحمة بهم من العزيز الجبار ، ثم ذكر بعض أشراط الساعة ، إلى أن قال : فأخبرهم يا شيخ أحمد بهذه الوصية ؛ لأنها منقولة بقلم القدر من اللوح المحفوظ ، ومن يكتبها ويرسلها من بلد إلى بلد ، ومن محل إلى محل بُني - ص 49 - له قصر في الجنة ، ومن لم يكتبها ويرسلها حرمت عليه شفاعتي يوم القيامة ، ومن كتبها وكان فقيرا أغناه الله ، أو كان مديونا قضى الله دينه ، أو عليه ذنب غفر الله له ولوالديه ببركة هذه الوصية ، ومن لم يكتبها من عباد الله اسود وجهه في الدنيا والآخرة .

وقال : والله العظيم ثلاثا هذه حقيقة ، وإن كنت كاذبا أخرج من الدنيا على غير الإسلام ، ومن يصدق بها ينجو من عذاب النار ، ومن كذب بها كفر) .

هذه خلاصة ما في هذه الوصية المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد سمعنا هذه الوصية المكذوبة مرات كثيرة منذ سنوات متعددة - ص 50 - تنشر بين الناس فيما بين وقت وآخر ، وتروج بين الكثير من العامة ، وفي ألفاظها اختلاف ، وكاذبها يقول : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فحمله هذه الوصية ، وفي هذه النشرة الأخيرة التي ذكرناها لك أيها القارئ ، زعم المفتري فيها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين تهيأ للنوم لا في النوم ، فالمعنى : أنه رآه يقظة . زعم هذا المفتري في هذه الوصية أشياء كثيرة هي من أوضح الكذب وأبين الباطل ، سأنبهك عليها قريبا في هذه الكلمة إن شاء الله ، ولقد نبهت عليها في السنوات الماضية ، وبينت للناس أنها من أوضح الكذب وأبين الباطل ، فلما اطلعت على هذه النشرة الأخيرة ترددت في الكتابة عنها ؛ لظهور بطلانها وعظم جرأة مفتريها على الكذب ، وما - ص 51 - كنت أظن أن بطلانها يروج على من له أدنى بصيرة أو فطرة سليمة . ولكن أخبرني كثير من الإخوان أنها قد راجت على كثير من الناس ، وتداولوها بينهم ، وصدقها بعضهم ، فمن أجل ذلك رأيت أنه يتعين على أمثالي الكتابة عنها ؛ لبيان بطلانها ، وأنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يغتر بها أحد ، ومن تأملها من ذوي العلم والإيمان أو ذوي الفطرة السليمة والعقل الصحيح ، عرف أنها كذب وافتراء من وجوه كثيرة .

ولقد سألت بعض أقارب الشيخ أحمد المنسوبة إليه هذه الفرية عن هذه الوصية ، فأجابني بأنها مكذوبة على الشيخ أحمد ، وأنه لم يقلها أصلا ، والشيخ أحمد المذكور قد مات من مدة ، ولو - ص 52 - فرضنا أن الشيخ أحمد المذكور أو من هو أكبر منه زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أو اليقظة ، وأوصاه بهذه الوصية- لعلمنا يقينا أنه كاذب ، أو أن الذي قال له ذلك شيطان ، وليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لوجوه كثيرة منها :

الوجه الأول : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرى في اليقظة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، ومن زعم من جهلة الصوفية أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ، أو أنه يحضر المولد ، أو ما أشبه ذلك فقد غلط أقبح الغلط ، ولبس عليه غاية التلبيس ، ووقع في خطأ عظيم ، وخالف الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم ؛ لأن الموتى إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ، لا في الدنيا ، كما قال الله سبحانه - ص 53 - وتعالى :

التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالتحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة المؤمنون الآيتان : 15 - 16 . .

فأخبر سبحانه أن بعث الأموات يكون يوم القيامة لا في الدنيا . ومن قال خلاف ذلك فهو كاذب كذبا بينا ، أو غالط ملبّس عليه ، لم يعرف الحق الذي عرفه السلف الصالح ودرج عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان .

الوجه الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول خلاف الحق ، لا في حياته ، ولا في وفاته ، وهذه الوصية تخالف شريعته مخالفة ظاهرة من - ص 54 - وجوه كثيرة- كما يأتي : - وهو صلى الله عليه وسلم قد يرى في النوم ، ومن رآه في المنام على صورته الشريفة فقد رآه ؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورته ، كما جاء بذلك الحديث الصحيح الشريف ، ولكن الشأن كل الشأن في إيمان الرائي وصدقه وعدالته وضبطه وديانته وأمانته ، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في صورته أو في غيرها ، ولو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قاله في حياته من غير طريق الثقات العدول الضابطين لم يعتمد عليه ، ولم يحتج به ، أو جاء من طريق الثقات الضابطين ولكنه يخالف رواية من هو أحفظ منهم وأوثق مخالفة لا يمكن معها الجمع بين الروايتين لكان أحدهما - ص 55 - منسوخا لا يعمل به ، والثاني ناسخ يعمل به حيث أمكن بذلك بشروطه ، وإذا لم يمكن ذلك ولم يمكن الجمع ، وجب أن تطرح رواية من هو أقل حفظا وأدنى عدالة ، والحكم عليها بأنها شاذة لا يعمل بها ، فكيف بوصية لا يعرف صاحبها الذي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تعرف عدالته وأمانته . . . فهي والحالة هذه حقيقة بأن تطرح ولا يلتفت إليها .

وإن لم يكن فيها شيء يخالف الشرع ، فكيف إذا كانت الوصية مشتملة على أمور كثيرة تدل على بطلانها ، وأنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومتضمنة لتشريع دين لم يأذن به الله! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : - ص 56 -التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifأحمد (1/65). من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gif .

وقد قال مفتري هذه الوصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، وكذب عليه كذبا صريحا خطيرا ، فما أحراه بهذا الوعيد العظيم ، وما أحقه به إن لم يبادر بالتوبة وينشر للناس أنه قد كذب في هذه الوصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن من نشر باطلا بين الناس ونسبه إلى الدين لم تصح توبته منه إلا بإعلانها وإظهارها ، حتى يعلم الناس رجوعه عن كذبه وتكذيبه لنفسه ؛ لقول الله عز وجل - ص 57 - :

التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالتحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة البقرة ، الآيتان : 159 و 160 . .

فأوضح الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن من كتم شيئا من الحق لم تصح توبته من ذلك إلا بعد الإصلاح والتبيين ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة ببعث رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما أوحى الله إليه من الشرع الكامل ، ولم يقبضه إليه إلا بعد الإكمال والتبيين ، كما قال عز وجل : - ص 58 -

التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة المائدة الآية : 3 . .

ومفتري هذه الوصية قد جاء في القرن الرابع عشر يريد أن يلبّس على الناس دينهم ، ويشرع لهم دينا جديدا ، يترتب عليه دخول الجنة لمن أخذ بتشريعه وحرمان الجنة ودخوله النار لمن لم يأخذ بتشريعه ، ويريد أن يجعل هذه الوصية التي افتراها أعظم من القرآن وأفضل ، حيث افترى فيها أن من كتبها وأرسلها من بلد إلى بلد أو من محل إلى محل بُني له قصر في الجنة ، ومن لم يكتبها ويرسلها حرمت عليه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وهذا من أقبح الكذب - ص 59 - ، ومن أوضح الدلائل على كذب هذه الوصية ، وقلة حياء مفتريها وعظم جرأته على الكذب ، لأن من كتب القرآن الكريم وأرسله من بلد إلى بلد ، أو من محل إلى محل لم يحصل له هذا الفضل ، إذا لم يعمل بالقرآن الكريم ، فكيف يحصل لكاتب هذه الفرية وناقلها من بلد إلى بلد ، ومن لم يكتب القرآن ولم يرسله من بلد إلى بلد لم يُحْرم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مؤمنا به تابعا لشريعته ، وهذه الفرية الواحدة في هذه الوصية تكفي وحدها للدلالة على بطلانها ، وكذب ناشرها ووقاحته وغباوته وبعده عن معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى ، وفي هذه الوصية سوى ما ذكر أمور أخرى كلها تدل على بطلانها وكذبها ، ولو أقسم مفتريها ألف قسم أو - ص 60 - أكثر على صحتها ، ولو دعا على نفسه بأعظم العذاب وأشد النكال على أنه صادق لم يكن صادقا ولم تكن صحيحة ، بل هي والله ثم والله من أعظم الكذب وأقبح الباطل ، ونحن نشهد الله سبحانه ومن حضرنا من الملائكة ، ومن اطلع على هذه الكتابة من المسلمين شهادة نلقى بها ربنا عز وجل : أن هذه الوصية كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخزى الله من كذبها وعامله بما يستحق ، ويدل على كذبها وبطلانها سوى ما تقدم أمور كثيرة : الأول منها : قوله فيها : (لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفا على غير دين الإسلام ) ؛ لأن هذا من علم الغيب ، والرسول صلى الله عليه وسلم قد انقطع عنه الوحي بعد وفاته ، وهو في حياته لا يعلم الغيب فكيف بعد - ص 61 - وفاته ؛ لقول الله سبحانه : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة الأنعام الآية : 50 . الآية ، وقوله تعالى : التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifسورة النمل الآية : 65 . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H1.gifالبخاري الرقاق (6161) ، مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2860) ، الترمذي تفسير القرآن (3167) ، النسائي الجنائز (2087) ، أحمد (1/253). يُذاد رجال عن حوضي يوم القيامة فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالتحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-H2.gifسورة المائدة الآية : 117 . .

- ص 62 - الثاني من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية ، وأنها كذب : قوله فيها : (من كتبها وكان فقيرا أغناه الله ، أو مديونا قضى الله دينه ، أو عليه ذنب غفر الله له ولوالديه ببركة هذه الوصية) إلى آخره .

وهذا من أعظم الكذب ، وأوضح الدلائل على كذب مفتريها ، وقلة حيائه من الله ومن عباده ؛ لأن هذه الأمور الثلاثة لا تحصل بمجرد كتب القرآن الكريم ، فكيف تحصل لمن كتب هذه الوصية الباطلة ، وإنما يريد هذا الخبيث التلبيس على الناس وتعليقهم بهذه الوصية حتى يكتبوها ويتعلقوا بهذا الفضل المزعوم ، ويَدَعُوا الأسباب التي شرعها الله لعباده ، وجعلها موصلة إلى - ص 63 - الغنى وقضاء الدين ومغفرة الذنوب ، فنعوذ بالله من أسباب الخذلان وطاعة الهوى والشيطان .

الأمر الثالث من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية : قوله فيها :

(ومن لم يكتبها من عباد الله اسود وجهه في الدنيا والآخرة) .

وهذا أيضا من أقبح الكذب ، ومن أبين الأدلة على بطلان هذه الوصية ، وكذب مفتريها ، كيف يجوز في عقل عاقل أن من لم يكتب هذه الوصية التي جاء بها رجل مجهول في القرن الرابع عشر ، يفتريها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويزعم : أن من لم يكتبها يسود وجهه في الدنيا والآخرة ، ومن كتبها كان غنيا بعد الفقر ، وسليما - ص 64 - من الدين بعد تراكمه عليه ، ومغفورا له ما جناه من الذنوب ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، وإن الأدلة والواقع يشهدان بكذب هذا المفتري ، وعظم جرأته على الله وقلة حيائه من الله ومن الناس ، فهؤلاء أمم كثيرة لم يكتبوها ، فلم تسود وجوههم ، وهاهنا جم غفير لا يحصيهم إلا الله قد كتبوها مرات كثيرة فلم يقض دينهم ، ولم يزل فقرهم ، فنعوذ بالله من زيغ القلوب ورين الذنوب ، وهذه صفات وجزاءات لم يأت بها الشرع الشريف لمن كتب أفضل كتاب وأعظمه ، وهو : القرآن الكريم ، فكيف تحصل لمن كتب وصية مكذوبة مشتملة على أنواع من الباطل ، وجمل كثيرة من أنواع الكفر ، سبحان الله ، ما أحلمه على من اجترأ عليه بالكذب .

- ص 65 - الأمر الرابع من الأمور الدالة على أن هذه الوصية من أبطل الباطل ، وأوضح الكذب : قوله فيها :

(ومن يصدق بها ينجو من عذاب النار ، ومن كذب بها كفر) .

وهذا أيضا من أعظم الجرأة على الكذب ، ومن أقبح الباطل ، يدعو هذا المفتري جميع الناس إلى أن يصدقوا بفريته ، ويزعم أنهم بذلك ينجون من عذاب النار ، وأن من كذب بها يكفر ، لقد أعظم والله هذا الكذاب على الله الفرية وقال- والله- غير الحق ، إن من صدق بها هو الذي يستحق أن يكون كافرا لا من كذب بها ؛ لأنها فرية وباطل وكذب لا أساس له من الصحة ، ونحن نشهد - ص 66 - الله على أنها كذب ، وأن مفتريها كذاب يريد أن يشرع للناس ما لم يأذن به الله ، ويدخل في دينهم ما ليس منه ، والله قد أكمل الدين وأتمه لهذه الأمة من قبل هذه الفرية بأربعة عشر قرنا .

فانتبهوا أيها القراء والإخوان ، وإياكم والتصديق بأمثال هذه المفتريات ، وأن يكون لها رواج فيما بينكم ، فإن الحق عليه نور ، لا يلتبس على طالبه ، فاطلبوا الحق بدليله ، واسألوا أهل العلم عما أشكل عليكم ، ولا تغتروا بحلف الكذابين ، فقد حلف إبليس اللعين لأبويكم على أنه لهما من الناصحين ، وهو أعظم الخائنين ، وأكذب الكذابين ، كما حكى الله عنه ذلك في سورة الأعراف ، حيث قال سبحانه : - ص 67 -التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B2.gif وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ التحذير -الشيخ الأسلامية MEDIA-B1.gifالآية : 21 . .

فاحذروه واحذروا أتباعه من المفترين ، فكم له ولهم من الأيمان الكاذبة والعهود الغادرة والأقوال المزخرفة للإغواء والتضليل . عصمني الله وإياكم وسائر المسلمين من شر الشياطين ، وفتن المضلين ، وزيغ الزائغين ، وتلبيس أعداء الله المبطلين ، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويلبسوا على الناس دينهم ، والله متم نوره ، وناصر دينه ، ولو كره أعداء الله من الشياطين ، وأتباعهم من الكفار والملحدين .

وأما ما ذكره هذا المفتري من ظهور المنكرات ، فهو أمر واقع ، والقرآن الكريم والسنة المطهرة قد - ص 68 - حذرا منها غاية التحذير ، وفيهما الهداية والكفاية ، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يمنَّ عليهم باتباع الحق والاستقامة عليه ، والتوبة إلى الله سبحانه من سائر الذنوب ، فإنه التواب الرحيم ، والقادر على كل شيء .

وأما ما ذكر عن شروط الساعة ، فقد أوضحت الأحاديث النبوية ما يكون من أشراط الساعة ، وأشار القرآن الكريم إلى بعض ذلك ، فمن أراد أن يعلم ذلك وجده في محله من كتب السنة ، ومؤلفات أهل العلم والإيمان ، وليس بالناس حاجة إلى بيان مثل هذا المفتري وتلبيسه ، ومزجه الحق بالباطل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

- ص 69 - والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الصادق الأمين ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .


hgjp`dv lk hgf]u -hgado uf] hgu.d. fk hggi fh. vplm -lk l;jfm [hlum hgHlhl lpl] su,] hgHsghldm